الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُ الأَْبَوَيْنِ فِي الْجِهَادِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا، وَلَكِنْ إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ فَلَا إِذْنَ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ، وَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَا طَاعَةَ لأَِحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
قَال الأَْوْزَاعِيُّ: لَا طَاعَةَ لِلْوَالِدَيْنِ فِي تَرْكِ الْفَرَائِضِ، وَالْجُمَعِ، وَالْحَجِّ، وَالْقِتَال؛ لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إِذْنُ الأَْبَوَيْنِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ (1) .
الرُّجُوعُ عَنِ الإِْذْنِ:
12 -
مَنْ خَرَجَ لِلْجِهَادِ بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَا عَنِ الإِْذْنِ، أَوْ كَانَ الأَْبَوَانِ كَافِرَيْنِ، فَأَسْلَمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ وَلَمْ يَأْذَنَا، وَعَلِمَ الْمُجَاهِدُ الْحَال، يَلْزَمُهُ الاِنْصِرَافُ إِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِتَال، وَلَمْ يَحْضُرِ الْوَقْعَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ، وَالْحَنَابِلَةِ، إِلَاّ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ يَخَافَ انْكِسَارَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَلْزَمُهُ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الاِنْصِرَافُ لِلْخَوْفِ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُقِيمَ فِي قَرْيَةٍ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى يَرْجِعَ الْجَيْشُ، لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الاِنْصِرَافُ.
وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَال، قَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ: يَحْرُمُ الاِنْصِرَافُ، وَتَجِبُ
(1) المراجع السابقة.
الْمُصَابَرَةُ؛ لِعُمُومِ الأَْمْرِ بِالثَّبَاتِ؛ وَلاِنْكِسَارِ الْقُلُوبِ بِانْصِرَافِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، بَل يَجِبُ الاِنْصِرَافُ، وَالثَّالِثُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الاِنْصِرَافِ وَالْمُصَابَرَةِ. وَإِنْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِالْمُسْلِمِينَ تَعَيَّنَ فَرْضُ الْجِهَادِ، وَسَقَطَ الإِْذْنُ؛ لأَِنَّ تَرْكَ الْجِهَادِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاكِ، فَقُدِّمَ عَلَى حَقِّ الأَْبَوَيْنِ (1) .
وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَالِدَاهُ فِي الْغَزْوِ وَشَرَطَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقَاتِل، فَحَضَرَ الْقِتَال، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِتَال وَسَقَطَ شَرْطُهُمَا. وَبِذَلِكَ قَال الأَْوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لأَِنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا فِي تَرْكِهِ طَاعَةٌ، وَلَوْ خَرَجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا فَحَضَرَ الْقِتَال، ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ (2) .
ب -
إِذْنُ الدَّائِنِ:
13 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمَدِينُ لِلْجِهَادِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمَدِينُ بِغَيْرِ إِذْنِ غَرِيمِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ؛ لأَِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ الدَّائِنُ، وَلَمْ يُبْرِئْهُ، فَالْمُسْتَحَبُّ الإِْقَامَةُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّ
(1) روضة الطالبين 10 / 212، ونهاية المحتاج 8 / 58، والمهذب 2 / 229، والمغني 8 / 359، 360.
(2)
المغني 8 / 359 وما بعدها.