الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى إِنْسَانٍ لَا يَسْقُطُ إِلَاّ بِالْوَفَاءِ أَوِ الإِْبْرَاءِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ (1) .
ثَانِيًا: الْقَرَابَةُ:
تَجِبُ النَّفَقَةُ - فِي الْجُمْلَةِ - بِالْقَرَابَةِ وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي:
الْقَرَابَةُ الْمُوجِبَةُ لِلنَّفَقَةِ وَبَيَانُ دَرَجَاتِهَا:
50 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ مُسْتَحِقِّيهَا هُمُ الآْبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا، وَالأَْوْلَادُ وَإِنْ سَفَلُوا، وَالْحَوَاشِي ذَوُو الأَْرْحَامِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْعَمِّ وَالأَْخِ وَابْنِ الأَْخِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَال وَالْخَالَةِ، وَلَا تَجِبُ لِغَيْرِهِمْ كَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْخَال وَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَلَا لِلْمَحْرَمِ غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ كَابْنِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَخًا مَنَ الرَّضَاعِ، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُمْ فِي الدِّينِ فِيمَا عَدَا الزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ فَلَا تَجِبُ لأَِحَدٍ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إِلَاّ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ (2) .
أَمَّا الأَْوْلَادُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3) } ، وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ
(1) المغني 9 / 230، وبدائع الصنائع 4 / 25 - 28.
(2)
تبيين الحقائق للزيلعي 3 / 63 ط دار المعرفة - بيروت.
(3)
سورة البقرة / 233
الأَْبُ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رِزْقَ النِّسَاءِ لأَِجْل الأَْوْلَادِ، فَلأََنْ تَجِبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الأَْوْلَادِ بِالطَّرِيقِ الأَْوْلَى.
وَأَمَّا الأَْبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (1) } ، فَقَدْ نَزَلَتْ فِي حَقِّ الأَْبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيل مَا قَبْلَهَا وَوَصَّيْنَا الإِْنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ وَلَيْسَ مِنَ الإِْحْسَانِ وَلَا مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا.
وَأَمَّا الأَْجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَكَالأَْبَوَيْنِ وَلِهَذَا يَقُومَانِ مَقَامَ الأَْبِ وَالأُْمِّ فِي الإِْرْثِ وَغَيْرِهِ، وَلأَِنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لإِِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الإِْحْيَاءَ كَالأَْبَوَيْنِ.
أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ اتِّحَادِ الدِّينِ فَلأَِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْوِلَادِ مِنَ اتِّحَادِ الدِّينِ أَيْضًا فَلأَِنَّ الْمَنْفَيَّ عَلَيْهِ جُزْؤُهُ، وَنَفَقَةُ الْجُزْءِ لَا تَمْتَنِعُ بِالْكُفْرِ، إِلَاّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ (2) .
وَشَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ الْفَقْرَ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ مُفَرِّقِينَ بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَائِلِينَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى، لأَِنَّهَا تَجِبُ لأَِجْل الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي (3) .
(1) سورة لقمان / 15
(2)
تبيين الحقائق 3 / 63.
(3)
تبيين الحقائق 3 / 63.
وَفِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَإِنَّمَا تَجِبُ لِكُل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ صَغِيرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ بَالِغَةً صَحِيحَةً، أَمَّا الذَّكَرُ الْبَالِغُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَجْزِهِ عَنِ الْكَسْبِ بِخِلَافِ الأَْبَوَيْنِ فَإِنَّهَا تَجِبُ لَهُمَا مَعَ الْقُدْرَةِ، لأَِنَّهُمَا يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ، وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا.
وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، لأَِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَارِثِ تَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ، وَلأَِنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَْوْلَادِ الْمُبَاشِرِينَ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَا يَشْتَرِطُونَ اتِّحَادَ الدِّينِ بَيْنَ الأَْصْل وَالْفَرْعِ، أَيْ بَيْنَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَبَيْنَ مَنْ تَجِبُ لَهُ، بَل يُوجِبُونَهَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفَ دَيْنُهُ مَعَ الآْخَرِ، مَا دَامَ مُسْتَحِقًّا لَهَا، شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ غَيْرَ حَرْبِيٍّ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مُسْتَحِقِّيهَا هُمُ الآْبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَالأَْوْلَادُ وَإِنْ نَزَلُوا (3) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِهَا لِلآْبَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {
(1) حاشية رد المحتار 2 / 681 ط بولاق.
(2)
حاشية الدسوقي 2 / 522، 523 ط عيسى الحلبي، ومواهب الجليل 4 / 209 ط دار الفكر، بيروت.
(3)
المهذب للشيرازي 2 / 212 ط عيسى الحلبي، ومغني المحتاج 3 / 446، 447 ط مصطفى الحلبي.
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (1) } ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا، وَبِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:" إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ "(2) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِهَا لِلأَْوْلَادِ وَإِنْ نَزَلُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3) } فَإِيجَابُ الأُْجْرَةِ لإِِرْضَاعِ الأَْوْلَادِ يَقْتَضِي إِيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ.
وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدَ: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ "(4) .
وَالأَْحْفَادُ مُلْحَقُونَ بِالأَْوْلَادِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إِطْلَاقُ مَا تَقَدَّمَ.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ اتِّحَادَ الدِّينِ بَل يُوجِبُونَهَا مَعَ اخْتِلَافِهِ. وَلَمْ يُوجِبْهَا الشَّافِعِيَّةُ لِغَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْحَوَاشِي (5) .
(1) سورة لقمان / 15
(2)
حديث: " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 603) من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
سورة الطلاق / 6
(4)
حديث: " خذي ما يكفيك وولدك. . . ". سبق تخريجه ف (8) .
(5)
مغني المحتاج 3 / 446، 447.