الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّرْطُ الأَْوَّل: الْعَقْل وَالْبُلُوغُ:
67 -
أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ بَالِغًا عَاقِلاً عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
فَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِمَجْنُونٍ وَلَا صَبِيٍّ لأَِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْل الْوِلَايَةِ، لأَِنَّ أَهْلِيَّةَ الْوِلَايَةِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيل النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِكَمَال الْعَقْل وَالرَّأْيِ وَلَمْ يُوجَدْ، أَلَا تَرَى أَنْ لَا وِلَايَةَ لأَِيٍّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ عَلَى غَيْرِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَال: إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عَشْرًا زُوِّجَ وَتَزَوَّجَ، وَعَنْهُ: إِذَا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَ (1) .
وَالْمُرَادُ بِالْجُنُونِ - كَمَا قَال الْكَمَال - الْمُطْبِقُ، وَهُوَ عَلَى مَا قِيل سَنَةٌ، وَقِيل أَكْثَرُ السَّنَةِ، وَقِيل شَهْرٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي التَّجْنِيسِ: وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُؤَقِّتُ فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ شَيْئًا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي التَّقْدِيرَاتِ فَيُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي حَالَةِ إِفَاقَتِهِ بِالإِْجْمَاعِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُطْبِقًا تُسْلَبُ وِلَايَتُهُ فَتُزَوَّجُ وَلَا تُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ، وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ فَلَا تُزَوَّجُ وَتُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ كَالنَّائِمِ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ إِذَا فَاتَ بِانْتِظَارِ إِفَاقَتِهِ تُزَوَّجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا، وَإِلَاّ انْتُظِرَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
(1) بدائع الصنائع 2 / 237، والشرح الصغير 2 / 369 - 371، ومغني المحتاج 3 / 254، والإنصاف 8 / 72، 73، وكشاف القناع 5 / 53، 54.
(2)
فتح القدير 3 / 180، 181.
الشَّرْطُ الثَّانِي: الْحُرِّيَّةُ:
68 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، لأَِنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى أَحَدٍ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْوِلَايَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلأَِنَّ الْوِلَايَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ كَيْفَ يَكُونُ مَالِكًا وَمَمْلُوكًا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَلأَِنَّ هَذِهِ وِلَايَةُ نَظَرٍ وَمَصْلَحَةٍ، وَمَصَالِحُ النِّكَاحِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا إِلَاّ بِالتَّأَمُّل وَالتَّدَبُّرِ، وَالْمَمْلُوكُ بِاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّأَمُّل وَالتَّدَبُّرِ فَلَا يُعْرَفُ كَوْنُ إِنْكَاحِهِ مَصْلَحَةً.
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّقِيقِ أَنْ يَتَوَكَّل لِغَيْرِهِ فِي قَبُول النِّكَاحِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ قَطْعًا وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ عَلَى الأَْصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي الإِْيجَابِ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَنَقَل الْمَرْدَاوِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ عَنِ الرَّوْضَةِ فِي وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى قَرَابَتِهِ رِوَايَتَيْنِ، قَال فِي الْقَوَاعِدِ الأُْصُولِيَّةِ: الأَْظْهَرُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا (1) .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الإِْسْلَامُ:
69 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى اشْتِرَاطِ الإِْسْلَامِ فِي وِلَايَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، لأَِنَّهُ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
(1) البدائع 2 / 237، والشرح الصغير 2 / 369، ومغني المحتاج 3 / 154، والإنصاف 8 / 72، ومطالب أولي النهى 5 / 64.
" لَا يَتَوَارَثُ أَهْل مِلَّتَيْنِ شَيْئًا "(1) ، وَلأَِنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْوِلَايَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، لأَِنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ وِلَايَةَ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَنْ يَجْعَل اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (2) } قَال صلى الله عليه وسلم: " الإِْسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى "(3) ، وَلأَِنَّ إِثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ تُشْعِرُ بِإِذْلَال الْمُسْلِمِ مِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلِذَا صِينَتِ الْمُسْلِمَةُ عَنْ نِكَاحِ الْكَافِرِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُسْلِمًا وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ كَافِرًا فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، لأَِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ، قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ "(4) .
وَقَالُوا: لَا وِلَايَةَ لِلْمُرْتَدِّ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا
(1) حديث: " لا يتوارث أهل ملتين. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 328 - 329 ط حمص) ممن حديث عبد الله بن عمرو، وصحح إسناده ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2 / 135 - ط دار الرشد) .
(2)
سورة النساء / 141
(3)
حديث: " الإسلام يعلو ولا يعلى ". أحرجه الدارقطني (3 / 252 ط دار المحاسن) من حديث عائذ بن عمرو المدني، وحسن إسناده ابن حجر في فتح الباري (3 / 220 - ط السلفية)
(4)
حديث: " لا يرث المسلم الكافر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 50 ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1233 ط عيسى الحلبي) من حديث أسامة بن زيد، والسياق للبخاري.
عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ مِثْلِهِ.
وَأَمَّا إِسْلَامُ الْوَلِيِّ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيَلِي الْكَافِرُ عَلَى الْكَافِرِ لأَِنَّ الْكُفْرَ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّفَقَةِ الْبَاعِثَةِ فِي تَحْصِيل النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا فِي الْوِرَاثَةِ فَإِنَّ الْكَافِرَ يَرِثُ الْكَافِرَ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَهْل الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَا عَلَى غَيْرِهِ (1)، قَال عز وجل:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (2) } .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُمْنَعُ تَوْلِيَةُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمَةِ وَعَكْسُهُ، فَلَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِكَافِرَةٍ إِلَاّ لأَِمَةٍ كَافِرَةٍ فَيُزَوِّجُهَا لِكَافِرٍ فَقَطْ، أَوْ مَعْتُوقَتِهِ الْكَافِرَةِ إِنْ أَعْتَقَهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ بِبِلَادِ الإِْسْلَامِ فَيُزَوِّجُهَا وَلَوْ لِمُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَتْ كِتَابِيَّةً (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَةَ قَرِيبُهَا الْكَافِرُ، وَلَا يُزَوِّجُ الْكَافِرَةَ قَرِيبُهَا الْمُسْلِمُ، وَيَلِي - عَلَى الأَْصَحِّ الْمَنْصُوصِ - الْكَافِرُ الأَْصْلِيُّ الْكَافِرَةَ الأَْصْلِيَّةَ، وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ مُسْلِمٍ، وَاخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا فَيُزَوِّجُ الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيُّ الْيَهُودِيَّةَ كَالإِْرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ، وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالإِْرْثِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِحَرْبِيٍّ
(1) بدائع الصنائع 2 / 237، 239، والشرح الصغير 2 / 370، ومطالب أولي النهى 5 / 64، 65، وكشاف القناع 5 / 53، وروضة الطالبين 7 / 66، ومغني المحتاج 3 / 156.
(2)
سورة الأنفال / 73.
(3)
الشرح الصغير 2 / 370.