الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د - الْعُمْلَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْ غَيْرِهِمَا
مِمَّا يُتَعَامَل بِهِ (1) .
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
النَّسِيئَةُ:
2 -
النَّسِيئَةُ: هِيَ التَّأْخِيرُ، تَقُول: بِعْتُ السِّلْعَةَ بِنَسِيئَةٍ، أَوْ نَسِيئَةً، أَوْ نُسْأَةً: إِذَا بِعْتَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخَّرَ دَفْعُ الثَّمَنِ إِلَى وَقْتٍ لَاحِقٍ. وَأَصْلُهُ مِنْ " نَسَأَ " الشَّيْءَ إِذَا أَخَّرَهُ (3) .
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (4) .
وَالصِّلَةُ أَنَّ النَّسِيئَةَ ضِدُّ النَّقْدِ، كَالتَّأْجِيل وَالْحُلُول.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّقْدِ:
أَوَّلاً: النَّقْدُ بِمَعْنَى الْحُلُول:
3 -
الأَْصْل فِي دَفْعِ الْمَال النَّقْدِيِّ لِمُسْتَحِقِّهِ أَنْ يَجُوزَ الاِتِّفَاقُ عَلَى دَفْعِهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلاً، فَمَا
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2)
روضة الطالبين 5 / 117، والمبسوط 12 / 137.
(3)
القاموس المحيط.
(4)
المطلع على أبواب المقنع ص 239.
وَقَعَ الاِتِّفَاقُ عَلَيْهِ وَجَبَ الاِلْتِزَامُ بِهِ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) } وَمِنْ ذَلِكَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ، وَالأُْجْرَةُ فِي الإِْجَارَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَالأَْصْل وُجُوبُ التَّسْلِيمِ، وَإِلَاّ فَلِلْعَاقِدِ الآْخَرِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ مَثَلاً حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (ثَمَن ف 33) وَ (تَسْلِيم ف 4 وَمَا بَعْدَهَا) .
4 -
وَيَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ نَوْعَانِ مِنَ الْعُقُودِ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: مَا يَجِبُ فِيهِ النَّقْدُ:
أ - فَفِي بَيْعِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ نَقْدًا مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَلَوْ بَاعَ بِنَسِيئَةٍ، أَوْ أَخَّرَ الدَّفْعَ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ (2) .
(1) سورة المائدة 1 /.
(2)
حديث: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1211 ط عيسى الحلبي) من حديث عبادة بن الصامت.
وَالتَّفْصِيل فِي (رِبَا ف 13) وَ (صَرْف ف 8) .
وَتَلْحَقُ الْفُلُوسُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا رِبَا فِيهَا (ر. صَرْف ف 46 - 48) .
ب - السَّلَمُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ نَقْدُ رَأْسِ الْمَال فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، لأَِنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ كَانَ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (1) .
وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَأْخِيرَ قَبْضِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ (2) وَعِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (سَلَم ف 16) .
ج - بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ بَدَل قَرْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ
(1) حديث: " نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ". أخرجه البيهقي في السنن (5 / 290 ط دار المعارف العثمانية) والحاكم في المستدرك (2 / 57 ط دائرة المعارف) وضعفه ابن حجر في بلوغ المرام (ص 193 - ط عبد المجيد حنفي) .
(2)
رد المحتار على الدر المختار، المسمى حاشية ابن عابدين 4 / 217، ومغني المحتاج شرح المنهاج 2 / 102، والمغني لابن قدامة 4 / 295 ط ثالثة، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 195، وجواهر الإكليل 2 / 72 - 75.
الدَّيْنُ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْقُدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ قَبْل أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ إِنْ بِيعَ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي أَبِيعُ الإِْبِل بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ (1) فَدَل ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الدَّائِنِ مَدِينَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآْخَرِ، بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ (2) .
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي (دَيْن ف 58 - 60) وَ (صَرْف ف 40) .
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الإِْلْزَامُ بِالنَّقْدِ:
أ - مِنْ ذَلِكَ الدِّيَةُ فِي قَتْل الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، ثُلْثٌ
(1) حديث: " لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ". أخرجه أبو داود (3 / 650 - 651 ط حمص) ونقل البيهقي عن شعبة أنه أعله بالوقف على ابن عمر، كذا في التلخيص لابن حجر (3 / 26 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(2)
نهاية المحتاج 4 / 88، ومغني المحتاج 2 / 70، وحاشية القليوبي 2 / 214، وشرح منتهى الإرادات 2 / 222 والفروع 4 / 22، وابن عابدين 4 / 244.
عِنْدَ آخِرِ كُل سَنَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما قَضَيَا بِذَلِكَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا فِي عَصْرِهِمَا مُخَالِفٌ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الإِْجْمَاعِ (1) .
ب - نَقْدُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ: يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ، بَل يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الدَّفْعَ، لاِحْتِمَال الْفَسْخِ، وَيَجُوزَ لَهُ النَّقْدُ اخْتِيَارًا وَتَطَوُّعًا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُبْطِلاً لِلْخِيَارِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ، أَيْ يُعَجِّلَهُ - يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لأَِنَّ مَا يَنْقُدُهُ يَكُونُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَلَفًا إِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ، أَوْ ثَمَنًا إِنْ لَمْ يُفْسَخْ، أَمَّا لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ تَطَوُّعًا دُونَ شَرْطٍ فَلَا يَفْسُدُ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ صُوَرًا شَبِيهَةً بِهَذَا يَمْتَنِعُ فِيهَا شَرْطُ النَّقْدِ إِنْ تَرَدَّدَ الْمَنْقُودُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا أَوْ سَلَفًا، فَيُمْنَعُ لأَِنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا احْتِمَالاً، مِنْهَا:
- مَا لَوْ أَكْرَى أَرْضَهُ لِلزِّرَاعَةِ، وَكَانَتْ مِمَّا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ سَيَحْصُل لَهَا الرَّيُّ، بَل يُشَكُّ فِيهِ، كَالأَْرَاضِي الَّتِي تُسْقَى بِمَاءِ الْمَطَرِ،
(1) ابن عابدين 5 / 411، والدسوقي 4 / 285، ونهاية المحتاج 7 / 301، والمغني مع الشرح الكبير 9 / 492.
لاِحْتِمَال أَنْ تُرْوَى فَيَكُونَ الْمَنْقُودُ كِرَاءً، أَوْ لَا تُرْوَى فَيَكُونَ سَلَفًا.
- وَمِنْهَا: إِنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا مُعَيَّنًا، وَكَانَ لَا يَشْرَعُ فِي الْعَمَل إِلَاّ بَعْدَ شَهْرٍ: فَإِنْ شَرَطَ نَقْدَ الأُْجْرَةِ فَسَدَتِ الإِْجَارَةُ، لاِحْتِمَال تَلَفِ الأَْجِيرِ الْمُعَيَّنِ، فَيَكُونَ سَلَفًا، أَوْ سَلَامَتِهِ فَيَكُونَ أُجْرَةً.
وَيَمْتَنِعُ النَّقْدُ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ فِي كُل مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ، إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ الْمِثْلِيُّ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ، وَذَكَرُوا لَهُ أَمْثِلَةً مِنْهَا: مَا لَوِ اكْتَرَى دَابَّةً، سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، لِيَرْكَبَهَا مَثَلاً بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي هَذِهِ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّ الْكِرَاءَ إِذَا عَقَدَهُ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَقَدْ فَسَخَ الْمُكْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُكْرِي فِي شَيْءٍ لَا يَتَعَجَّلُهُ الآْنَ بَل بِحَدِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ، لأَِنَّ قَبْضَ الأَْوَائِل لَيْسَ قَبْضًا لِلأَْوَاخِرِ (1) .
ج - الْجِعَالَةُ: يُمْتَنَعُ فِيهَا اشْتِرَاطُ نَقْدِ الْجُعْل، فَلَوْ شَرَطَ نَقْدَهُ فَسَدَ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (2) وَلَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ بِالشَّرْطِ بَل تَطَوَّعَ بِهِ، لَا يَفْسُدُ.
وَانْظُرْ (جِعَالَة ف 24) .
(1) فتح القدير 5 / 499، والفتاوى الهندية 3 / 42، والمغني 3 / 518، والدسوقي على الشرح الكبير 3 / 94، 96 - 98.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 96، ونهاية المحتاج 5 / 463.