الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَأْيِي وَلَا آلُو (1) وَلأَِنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَدْ فَرَّطَ، فَوَجَبَ نَقْضُ حُكْمِهِ، إِذْ لَا مَسَاغَ لِلاِجْتِهَادِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَزَادَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ زِيَادَاتٍ أُخْرَى كَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ (2) .
وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي حُكْمِ مَا يُنْقَضُ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ أَنْ يَنْقُضَ مِنْ حُكْمِ قَاضٍ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ شَيْئًا لِئَلَاّ يُؤَدِّيَ إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ وَإِلَى أَلَاّ يَثْبُتَ حُكْمٌ أَصْلاً، غَيْرَ مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ سُنَّةٍ آحَادٍ أَوْ خَالَفَ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا، بِخِلَافِ الإِْجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ (3) .
مَا يُنْقَضُ مِنَ الأَْحْكَامِ وَمَا لَا يُنْقَضُ:
13 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُنْقَضُ مِنَ الأَْحْكَامِ
(1) حديث: " فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟ . . . ". أخرجه أبو داود (4 / 18 ط حمص) ، والترمذي (3 / 607 ط الحلبي) واللفظ لأبي داود، قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل.
(2)
المغني لابن قدامة 9 / 56، 57، وكشاف القناع 6 / 315، والمبسوط للسرخسي 16 / 84، ومغني المحتاج 4 / 396 وما بعدها، وتبصرة الحكام 1 / 70 وما بعدها، وبدائع الصنائع 7 / 14، والمادة (14) من مجلة الأحكام العدلية، ونهاية المحتاج للرملي 8 / 258، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 194.
(3)
شرح المنتهى 3 / 478 - 479.
وَمَا لَا يُنْقَضُ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَصَرَ النَّقْضَ فِي نِطَاقِ الْمُخَالَفَةِ الصَّرِيحَةِ لِلنَّصِّ أَوِ الإِْجْمَاعِ، وَمَنَعَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.
وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْقَاضِي لَا تَخْلُو عَنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
قِسْمٌ يُنْقَضُ بِكُل حَالٍ، وَقِسْمٌ يُمْضَى بِكُل حَالٍ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (1)، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: مَا يُنْقَضُ مِنَ الأَْحْكَامِ:
14 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَقْضُ الْحُكْمِ إِذَا خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الإِْجْمَاعَ (2) .
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا ذُكِرَ: مَا يَشِذُّ مَدْرَكُهُ أَيْ دَلِيلُهُ، أَوْ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ، أَوِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، وَقَيَّدَ الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ قَوْل
(1) ابن عابدين بتصرف 5 / 394.
(2)
المغني لابن قدامة 9 / 56، 57، وكشاف القناع 6 / 315، والمبسوط للسرخسي 16 / 84، ومغني المحتاج 4 / 396 وما بعدها، وتبصرة الحكام 1 / 70 وما بعدها، وبدائع الصنائع 7 / 14، والمادة (14) من مجلة الأحكام العدلية، ونهاية المحتاج للرملي 8 / 258، والقواعد الفقهية لابن جزي ص 194.
الْعُلَمَاءِ: إِنَّ حُكْمَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إِذَا خَالَفَ الْقَوَاعِدَ أَوِ الْقِيَاسَ أَوِ النَّصَّ - فَالْمُرَادُ مِنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُعَارِضٌ رَاجِحٌ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا مُعَارِضٌ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَقَالُوا: إِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِلإِْجْمَاعِ فَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَجِبُ نَقْضُهُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلأَْخِ دُونَ الْجَدِّ، فَهَذَا خِلَافُ الإِْجْمَاعِ، لأََنَّ الأُْمَّةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْمَال كُلُّهُ لِلْجَدِّ أَوْ يُقَاسِمُ الأَْخَ، وَأَمَّا حِرْمَانُ الْجَدِّ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَقُل بِهِ أَحَدٌ مِنَ الأُْمَّةِ (1) .
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا خَالَفَ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الْمَعْنَى الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، أَوْ خَالَفَ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ قِيَاسَ التَّحْقِيقِ - نُقِضَ بِهِ حُكْمُهُ وَحُكْمُ غَيْرِهِ؛ (2) لأَِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَدَل عَنِ اجْتِهَادٍ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ حِينَ أَخْبَرَهُ حَمْل بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ (3) .
(1) تبصرة الحكام 1 / 70، والشرح الصغير 4 / 225، 226، وأدب القاضي للماوردي 1 / 682.
(2)
أدب القاضي للماوردي 1 / 682 - 689.
(3)
حديث: " أن عمر عدل عن اجتهاده في دية الجنين. . . ". أخرجه أبو داود 4 / 698، 699 ط حمص) ، والحاكم (3 / 575 ط دائرة المعارف العثمانية) .
وَكَانَ لَا يُوَرِّثُ امْرَأَةً مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى رَوَى لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَوَرَّثَهَا عُمَرُ (1) .
وَقَضَى فِي الأَْصَابِعِ بِقَضَاءٍ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: وَفِي كُل أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإِْبِل (2) ، وَنَقَضَ عَلِيٌّ رضي الله عنه قَضَاءَ شُرَيْحٍ فِي ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لأُِمٍّ - بِأَنَّ الْمَال لِلأَْخِ (3) مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُولُو الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ (4) } فَقَال لَهُ عَلِيٌّ: قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (5) } فَيَحْتَمِل أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه نَقَضَ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِمُخَالَفَةِ نَصِّ هَذِهِ الآْيَةِ (6) . فَهَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي الصَّحَابَةِ
(1) حديث: " أن عمر كان لا يورث امرأة من دية زوجها. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 27 ط الحلبي)، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(2)
حديث: " في كل أصبع مما هنالك. . . ". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9 / 385 ط المجلس العلمي) .
(3)
مغني المحتاج 4 / 396.
(4)
سورة الأحزاب / 6.
(5)
سورة النساء / 12.
(6)
المغني 9 / 57، 58. .
مُخَالِفٌ، فَكَانَتْ إِجْمَاعًا، وَلأَِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَصْل الإِْجْمَاعِ (1) . وَقَال النَّوَوِيُّ: إِنْ تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ خَالَفَ قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، أَوْ ظَنًّا مُحْكَمًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، فَيَلْزَمُهُ نَقْضُ حُكْمِهِ، أَمَّا إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بِقِيَاسٍ خَفِيٍّ رَآهُ أَرْجَحَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ وَأَنَّهُ الصَّوَابُ، فَلْيَحْكُمْ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَخَوَاتِ الْحَادِثَةِ بِمَا رَآهُ ثَانِيًا، وَلَا يَنْقُضُ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلاً، بَل يُمْضِيهِ، ثُمَّ مَا نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ نَفْسِهِ نَقَضَ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَمَا لَا فَلَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَاّ أَنَّهُ لَا يَتَتَبَّعُ قَضَاءَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُهُ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ، وَلَهُ تَتَبُّعُ قَضَاءِ نَفْسِهِ لِيَنْقُضَهُ.
وَقَال: مَا يَنْقُضُ مِنَ الأَْحْكَامِ لَوْ كُتِبَ بِهِ إِلَيْهِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا يُنَفِّذُهُ. وَأَمَّا مَا لَا يَنْقُضُ وَيَرَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ فَنَقَل ابْنُ كَجٍّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ وَلَا يُنَفِّذُهُ لأَِنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ خَطَأً، وَقَال ابْنُ الْقَاصِّ: لَا أُحِبُّ تَنْفِيذَهُ. وَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِتَجْوِيزِ تَنْفِيذِهِ.
وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ (الشَّافِعِيُّ) بِنَقْل الْخِلَافِ فَقَال: إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ قَبْلَهُ فَلَمْ يَرَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي النَّقْضَ، لَكِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ:
(1) أدب القاضي للمارودي 1 / 684 - 689.
أَحَدُهُمَا: يُعْرِضُ عَنْهُ، وَأَصَحُّهُمَا: يُنْفِذُهُ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَل، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لَا يَقْتَضِي النَّقْضَ، وَتَرَافَعَ الْخُصُومُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُمْضِي حُكْمَهُ الأَْوَّل وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ (1) .
وَيَرَى فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ مُخَالَفَةُ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفِ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ (2) } فَإِنَّ السَّلَفَ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَزَوُّجِ امْرَأَةِ الأَْبِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا الأَْبُ، فَلَوْ حَكَمَ قَاضٍ بِجَوَازِ ذَلِكَ نَقَضَهُ مَنْ رُفِعَ إِلَيْهِ.
وَإِنَّ الْمُرَادَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ كَالْحُكْمِ بِحِل الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلزَّوْجِ الأَْوَّل بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ بِدُونِ إِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الدُّخُول ثَابِتٌ بِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ (3) .
وَالْمُرَادُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَيْ جُل النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ، وَمُخَالَفَةُ
(1) روضة الطالبين 11 / 150، 152، ونهاية المحتاج للرملي 8 / 258 ط دار الفكر.
(2)
سورة النساء / 22.
(3)
حديث العسيلة. أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 464 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1056 ط الحلبي) من حديث عائشة رضي الله عنها.