الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَعْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، لأَِنَّ ذَلِكَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَقَالُوا: يُنْقَضُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيل عَلَيْهِ قَطْعًا (1) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يُنْقَضُ مِنَ الأَْحْكَامِ:
15 -
لَا يُنْقَضُ مِنَ الأَْحْكَامِ كُل حُكْمٍ وَافَقَ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ، فَإِذَا أَصَابَ الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ فَالأَْصْل أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ كَمَا إِذَا حَكَمَ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ كَانَ حُكْمُهُ نَافِذًا وَحُكْمُ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ بِهِ نَافِذًا، لَا يُتَعَقَّبُ بِفَسْخٍ وَلَا نَقْضٍ، لأَِنَّ هَذَا الْقَضَاءَ حَصَل فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ فَنَفَذَ، وَلَزِمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ، وَالأَْصْل فِيهِ مَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ، وَيَنْزِل الْقُرْآنُ بِغَيْرِ مَا قَضَى، فَيَسْتَقْبِل حُكْمَ الْقُرْآنِ وَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ الأَْوَّل (2) ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه
(1) العناية على الهداية 5 / 487، 492، وشرح المجلة لعلي حيدر 4 / 632، وتبيين الحقائق 4 / 188 وانظر روضة القضاة 1 / 319، 320.
(2)
حديث: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي بالقضاء. . . ". أورده ابن مفلح في الفروع 6 / 456، وعزاه إلى سعيد بن منصور.
" أَنَّهُ حَكَمَ بِحِرْمَانِ الإِْخْوَةِ الأَْشِقَّاءِ مِنَ التَّرِكَةِ فِي الْمُشْرِكَةِ، ثُمَّ شَرَّكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَهُ الأَْوَّل، فَلَمَّا قِيل لَهُ فِي ذَلِكَ قَال: ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي "، وَقَضَى فِي الْجَدِّ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يَرُدَّ الأُْولَى، وَلأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحُكْمُ أَصْلاً، لأَِنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يُخَالِفُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالثَّالِثُ يُخَالِفُ الثَّانِيَ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ.
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ لَوْ قَضَى عَلَى خِلَافِ قِيَاسٍ خَفِيٍّ - وَهُوَ مَا لَا يُزِيل احْتِمَال الْمُفَارَقَةِ وَلَا يَبْعُدُ كَقِيَاسِ الأُْرْزِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الطَّعَامِ - فَلَا يَنْقُضُ الْحُكْمُ الْمُخَالِفَ لَهُ، لأَِنَّ الظُّنُونَ الْمُتَعَادِلَةَ لَوْ نَقَضَ بَعْضُهَا بَعْضًا لَمَا اسْتَمَرَّ حُكْمٌ وَلَشَقَّ الأَْمْرُ عَلَى النَّاسِ.
قَال الشَّافِعِيُّ: مَنِ اجْتَهَدَ مِنَ الْحُكَّامِ فَقَضَى بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ، فَإِنْ كَانَ يَحْتَمِل مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَيَحْتَمِل غَيْرَهُ لَمْ يَرُدَّهُ، وَحَكَمَ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ بِالَّذِي هُوَ أَصْوَبُ (1) .
(1) أدب القاضي للماوردي 1 / 682، 686، وأدب القاضي للخصاف شرح ابن مازه 1 / 224، والمبسوط للسرخسي 16 / 84، 85، ومغني المحتاج 4 / 396، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 194، والمغني 9 / 257، والأم 8 / 407 ط دار المعرفة.
وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْحُكْمِ فِي مَحَل الاِجْتِهَادِ وَالْحُكْمِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ.
فَالْحُكْمُ فِي مَحَل الاِجْتِهَادِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْقَضَاءِ، كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِينِ بِالْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَكَانَ الْقَاضِي يَرَى سَمَاعَ شَهَادَتِهِمَا، فَإِذَا رُفِعَ إِلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى ذَلِكَ يُمْضِيهِ وَلَا يَنْقُضْهُ. وَكَذَا لَوْ قَضَى لاِمْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَآخَرَ أَجْنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِمَنْ لَا يُجِيزُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ أَمْضَاهُ، لأَِنَّ الأَْوَّل قَضَى بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ، لأَِنَّ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ هَل تَصِيرُ حُجَّةً لِلْحُكْمِ أَوْ لَا؟
فَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَبَبِ الْحُكْمِ لَا فِي نَفْسِ الْحُكْمِ (1) .
وَفَصَّلُوا مَسْأَلَةَ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، فَقَالُوا: إِنْ حَكَمَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مَحَل الاِجْتِهَادِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيَّ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْقَضَاءِ.
فَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيَّ بِهِ، فَرُفِعَ إِلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يَنْقُضْهُ الثَّانِي بَل يُنْفِذُهُ لِكَوْنِهِ قَضَاءً مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ، لِمَا عُلِمَ أَنَّ
(1) ابن عابدين 5 / 394.
النَّاسَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِأَيِّ الأَْقْوَال الَّذِي مَال إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَكَانَ قَضَاءً مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَوْ نَقَضَهُ إِنَّمَا يَنْقُضُهُ بِقَوْلِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَلَا يَجُوزُ نَقْضُ مَا صَحَّ بِالاِتِّفَاقِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ، وَلأَِنَّهُ لَيْسَ مَعَ الثَّانِي دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ بَل اجْتِهَادِيٌّ، وَصِحَّةُ قَضَاءِ الْقَاضِي الأَْوَّل ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَهُوَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِأَيِّ وَجْهٍ اتَّضَحَ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ نَقْضُ مَا مَضَى بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلأَِنَّ الضَّرُورَةَ تُوجِبُ الْقَوْل بِلُزُومِ الْقَضَاءِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الاِجْتِهَادِ وَأَنْ لَا يَجُوزَ نَقْضُهُ، لأَِنَّهُ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ بِرَفْعِهِ إِلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَ رَأْيِ الأَْوَّل فَيَنْقُضُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ الْمُدَّعِي إِلَى قَاضٍ ثَالِثٍ يَرَى خِلَافَ رَأْيِ الْقَاضِي الثَّانِي فَيَنْقُضُ نَقْضَهُ، وَيَقْضِي كَمَا قَضَى الأَْوَّل، فَيُؤَدِّي إِلَى أَنْ لَا تَنْدَفِعَ الْخُصُومَةُ وَالْمُنَازَعَةُ أَبَدًا، وَالْمُنَازَعَةُ فَسَادٌ، وَمَا أَدَّى إِلَى الْفَسَادِ فَسَادٌ.
فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي الثَّانِي رَدَّ الْحُكْمَ، فَرَفَعَهُ إِلَى قَاضٍ ثَالِثٍ - نُفِّذَ قَضَاءُ الأَْوَّل وَأُبْطِل قَضَاءُ الْقَاضِي الثَّانِي، لأَِنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لأَِحَدِ الاِجْتِهَادَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ الأَْوَّل بِاتِّصَال الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، كَمَا أَنَّ قَضَاءَ الأَْوَّل كَانَ فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ، وَالْقَضَاءُ بِالْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ بِالإِْجْمَاعِ، فَكَانَ الْقَضَاءُ مِنَ