الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ عُدِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ فَوَلَّتْ مَعَ خَاطِبِهَا أَمْرَهَا رَجُلاً مُجْتَهِدًا لِيُزَوِّجَهَا مِنْهُ صَحَّ لأَِنَّهُ مُحَكَّمٌ، وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ، وَكَذَا لَوْ وَلَّتْ مَعَهُ عَدْلاً صَحَّ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ قَال فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِفَقْدِ الْحَاكِمِ بَل يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ سَفَرًا وَحَضَرًا بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَوَازِ التَّحْكِيمِ، قَال الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَمُرَادُ الْمُهِمَّاتِ مَا إِذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ، وَأَمَّا الَّذِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي الْعَدَالَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ فَشَرْطُهُ السَّفَرُ وَفَقْدُ الْقَاضِي (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْوِلَايَةُ شَرْطٌ فِي الرُّكْنِ وَهِيَ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ وَالنَّفَاذِ، فَلَا يَنْعَقِدُ إِنْكَاحُ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَالْوَلِيُّ: الْعَاقِل الْبَالِغُ الْوَارِثُ، فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ فُقَهَائِهِمْ، وَقَال الرَّمْلِيُّ وَابْنُ عَابِدِينَ: التَّعْرِيفُ خَاصٌّ بِالْوَلِيِّ مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ، إِذِ الْحَاكِمُ وَلِيٌ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ وَكَذَا سَيِّدُ الْعَبْدِ.
وَالْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ:
الأَْوَّل:
وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ، وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا.
وَالثَّانِي:
وِلَايَةُ إِجْبَارٍ، وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى
(1) عقد الجواهر الثمينة 2 / 13، ومغني المحتاج 3 / 147، وروضة الطالبين 7 / 50، 51.
الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ.
وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ أَقْوَالٌ لَخَّصَهَا الْكَمَال فَقَال: وَحَاصِل مَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا فِي ذَلِكَ سَبْعُ رِوَايَاتٍ:
رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ:
الأُْولَى: تَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ عَقْدَ نِكَاحِهَا وَنِكَاحِ غَيْرِهَا مُطْلَقًا - أَيْ مِنْ كُفْءٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ - إِلَاّ أَنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (1) .
وَلأَِبِي حَنِيفَةَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَالسَّنَةُ وَالاِسْتِدْلَال:
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَامْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا (2) } ، فَالآْيَةُ الشَّرِيفَةُ نَصٌّ عَلَى انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِعِبَارَتِهَا فَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى الْمُخَالِفِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا (3) } أَضَافَ النِّكَاحَ فِي قَوْلِهِ {حَتَّى تَنْكِحَ} إِلَيْهَا فَيَقْتَضِي تَصَوُّرَ النِّكَاحِ مِنْهَا، وَأَضَافَهُ إِلَى الزَّوْجَيْنِ فِي قَوْلِهِ {أَنْ يَتَرَاجَعَا} ، أَيْ يَتَنَاكَحَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَلِيِّ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ (4) }
(1) بدائع الصنائع 2 / 232، 237، وفتح القدير 3 / 157، والدر المختار ورد المحتار 2 / 395.
(2)
سورة الأحزاب / 50
(3)
سورة البقرة / 230
(4)
سورة البقرة 232
وَالاِسْتِدْلَال مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَافَ النِّكَاحَ إِلَيْهِنَّ فَيَدُل عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ بِعِبَارَتِهِنَّ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْوَلِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَهَى الأَْوْلِيَاءَ عَنِ الْمَنْعِ عَنْ نِكَاحِهِنَّ أَنْفُسَهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ إِذَا تَرَاضَى الزَّوْجَانِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: " لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ "(1) ، وَهَذَا قَطْعُ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ عَنْهَا، وَوَرَدَ عَنْهُ أَيْضًا عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال:" الأَْيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا "(2) ، وَالأَْيِّمُ اسْمٌ لاِمْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا. وَأَمَّا الاِسْتِدْلَال فَهُوَ أَنَّهَا لَمَّا بَلَغَتْ عَنْ عَقْلٍ وَحُرِّيَّةٍ صَارَتْ وَلِيَّةَ نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ فَلَا تَبْقَى مُوَلَّيًا عَلَيْهَا كَالصَّبِيِّ الْعَاقِل إِذَا بَلَغَ، وَالْجَامِعُ أَنَّ وِلَايَةَ الإِْنْكَاحِ إِنَّمَا ثَبَتَتْ لِلأَْبِ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهَا شَرْعًا، لِكَوْنِ النِّكَاحِ تَصَرُّفًا نَافِعًا مُتَضَمِّنًا مَصْلَحَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَحَاجَتُهَا إِلَيْهِ حَالاً وَمَآلاً، وَكَوْنِهَا عَاجِزَةً عَنْ إِحْرَازِ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا وَكَوْنِ الأَْبِ
(1) حديث: " ليس للولي مع الثيب أمر ". أخرجه أبو داود (2 / 578، 579 ط حمص) ، والنسائي (6 / 85 ط التجارية الكبرى)
(2)
حديث: " الأيم أحق بنفسها من وليها ". أخرجه مسلم (2 / 1037 ط عيسى الحلبي) من حديث ابن عباس رضي الله عنهم
قَادِرًا عَلَيْهِ، وَبِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ زَال الْعَجْزُ حَقِيقَةً وَقَدَرَتْ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهَا حَقِيقَةً، فَتَزُول وِلَايَةُ الْغَيْرِ عَنْهَا وَثَبَتَتِ الْوِلَايَةُ لَهَا، لأَِنَّ النِّيَابَةَ الشَّرْعِيَّةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ نَظَرًا فَتَزُول بِزَوَال الضَّرُورَةِ، وَإِذَا صَارَتْ وَلِيَّ نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ لَا تَبْقَى مُوَلَّيًا عَلَيْهَا بِالضَّرُورَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الاِسْتِحَالَةِ (1) وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ إِنْ عَقَدَتْ مَعَ كُفْءٍ جَازَ وَمَعَ غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ، وَاخْتِيرَتْ لِلْفَتْوَى، لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ كَمٌّ وَاقِعٌ لَا يُرْفَعُ، وَلَيْسَ كُل وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْخُصُومَةَ، وَلَا كُل قَاضٍ يَعْدِل، وَلَوْ أَحْسَنَ الْوَلِيُّ وَعَدَل الْقَاضِي فَقَدْ يُتْرَكُ أَنَفَةً لِلتَّرَدُّدِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ، وَاسْتِثْقَالاً لِنَفْسِ الْخُصُومَاتِ، فَيَتَقَرَّرُ الضَّرَرُ، فَكَانَ مَنْعُهُ دَفْعًا لَهُ، وَقَال ابْنُ الْهُمَامِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ عَدَمُ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ أَحْيَاءُ، لأَِنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إِنَّمَا كَانَ عَلَى مَا وُجِّهَتْ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَقَرَّرُ لِمَا ذَكَرْنَا، أَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا إِذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْجَوَازِ مِنَ الْكُفْءِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا مِنَ الْكُفْءِ وَغَيْرِهِ، قَال الْكَمَال:
(1) بدائع الصنائع 2 / 248.