الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَضَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّفْيِ تَعْزِيرًا فِي شَأْنِ الْمُخَنَّثِينَ، فَعَنِ ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَال، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَال:" أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ " قَال: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فُلَانًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانَةً (1) .
وَنَفَى عُمَرُ رضي الله عنه نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ لَمَّا خَافَ الْفِتْنَةَ بِهِ، نَفَاهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ (2) .
وَاتَّخَذَ عُمَرُ رضي الله عنه السِّجْنَ لِعُقُوبَاتِ التَّعْزِيرِ، وَسَجَنَ الْحُطَيْئَةَ لَمَّا هَجَا الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ (3) وَسَجَنَ صَبِيغًا عَلَى سُؤَالِهِ عَنِ الذَّارِيَاتِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَالنَّازِعَاتِ وَشَبَهِهِنَّ، وَأَمَرَهُ بِالتَّفَقُّهِ، ثُمَّ نَفَاهُ إِلَى الْعِرَاقِ (4) .
مُدَّةُ النَّفْيِ:
تَخْتَلِفُ مُدَّةُ النَّفْيِ بِحَسَبِ مُوجِبِهَا فِي الزِّنَا وَالْحِرَابَةِ وَالتَّعْزِيرِ.
(1) حديث: " لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 333 ط السلفية) .
(2)
المبسوط 9 / 45، والفروع 6 / 115.
(3)
الفروع 6 / 111، فتح القدير والعناية 4 / 136.
(4)
تبصرة الحكام لابن فرحون 2 / 317، ومعين الحكام للطرابلسي ص 192.
أ -
مُدَّةُ النَّفْيِ فِي حَدِّ الزِّنَا:
10 -
قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِنَّ مُدَّةَ النَّفْيِ فِي حَدِّ الزِّنَا لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ، لِلنَّصِّ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ رضي الله عنه: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ عَامٍ (1) ، فَالْمُدَّةُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، وَلَا مَجَال لِلاِجْتِهَادِ فِيهِ، فَلَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ (2) .
لَكِنْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ النَّفْيُ لِلزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ عَلَى سَنَةٍ، مَعَ أَنَّ التَّغْرِيبَ عِنْدَهُمْ فِي الزِّنَا حَدٌّ، لأَِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِنَسْخِ حَدِيثِ: مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَدِينَ (3) . فَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى الْحَدِّ، مَعَ
(1) حديث عبادة. سبق تخريجه ف (3) .
(2)
مغني المحتاج 4 / 147، وحاشية الدسوقي 4 / 322، والتاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 6 / 296، وكشاف القناع 6 / 91، والفروع 6 / 69، وحاشية قليوبي 4 / 181، والشرح الصغير على أقرب المسالك 4 / 457.
(3)
حديث: " من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين ". أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8 / 327 ط دائرة المعارف)، وقال البيهقي: والمحفوظ أن هذا الحديث مرسل.
مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ غَيْرِ الْمَشُوبَةِ بِالْهَوَى (1) .
وَابْتِدَاءُ الْعَامِ مِنْ حُصُولِهِ فِي بَلَدِ التَّغْرِيبِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَوْ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا فِي الْوَجْهِ الآْخَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَلَوِ ادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ الْعَامِ، وَلَا بَيِّنَةَ، صُدِّقَ؛ لأَِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يُثْبِتَ فِي دِيوَانِهِ أَوَّل زَمَانِ النَّفْيِ (2) .
وَلَوْ ظَهَرَتْ تَوْبَةُ الزَّانِي قَبْل أَنْ تَنْقَضِيَ السَّنَةُ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى تَنْقَضِيَ لأَِنَّهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ شَرْعًا (3) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُعْتَبَرُ النَّفْيُ حَدًّا فِي الزِّنَا، وَلَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنَ التَّعْزِيرِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ حَيْثُ الْمُدَّةُ عَلَى سَنَةٍ (4) .
وَإِنْ عَادَ الْمَنْفِيُّ إِلَى وَطَنِهِ قَبْل مُضِيِّ السَّنَةِ أُخْرِجَ مَرَّةً ثَانِيَةً لإِِكْمَال الْمُدَّةِ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
(1) حاشية الدسوقي 4 / 322، والشرح الصغير على أقرب المسالك 4 / 505، وتبصرة الحكام 2 / 299، 300.
(2)
مغني المحتاج 4 / 148، وحاشية البجيرمي على الخطيب 4 / 136، وتبصرة الحكام 2 / 260، والتاج والإكليل 6 / 296.
(3)
تبصرة الحكام 2 / 260.
(4)
معين الحكام ص 182.
وَالْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا تُسْتَأْنَفُ، وَإِنَّمَا تُكْمَل (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ: إِذَا رَجَعَ الْمَنْفِيُّ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ مِنْهُ رُدَّ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ، وَتُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ فِي الأَْصَحِّ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا زَنَا الْمَنْفِيُّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ نُفِيَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَتَدْخُل بَقِيَّةُ مُدَّةِ الأَْوَّل فِي الثَّانِي، لأَِنَّ الْحَدَّيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (3) .
وَقَالُوا: إِذَا زَنَى الْغَرِيبُ فِي بَلَدِ الْغُرْبَةِ غُرِّبَ مِنْ بَلَدِ الزِّنَى إِلَى غَيْرِ مَوْطِنِهِ الأَْصْلِيِّ تَنْكِيلاً وَإِبْعَادًا عَنْ مَوْضِعِ الْفَاحِشَةِ، وَلأَِنَّ الْقَصْدَ إِيحَاشُهُ.
وَزَادُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ عَادَ بَعْدَ تَغْرِيبِهِ إِلَى بَلَدِهِ الأَْصْلِيِّ أَثْنَاءَ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ مُنِعَ مِنْهُ فِي الأَْصَحِّ، مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ (4) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْغَرِيبُ الَّذِي زَنَى بِفَوْرِ
(1) حاشية الدسوقي 4 / 322، وكشاف القناع 6 / 92.
(2)
نهاية المحتاج 7 / 458، والروضة 10 / 89، وحاشية القليوبي 4 / 181.
(3)
الروضة 10 / 89، وكشاف القناع 6 / 93.
(4)
مغني المحتاج 4 / 148، وكشاف القناع 6 / 92، والروضة 10 / 89.