الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَى الأَْوَّل لَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُول إِلَيْهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ خَوْفٍ جَازَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؟ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، قَال الأَْذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ فِي سِجْنِ السُّلْطَانِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُول إِلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُ.
وَيُزَوِّجُ الْقَاضِي أَيْضًا عَنِ الْمَفْقُودِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ وَلَا مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ، لِتَعَذُّرِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إِذَا عَضَل، هَذَا إِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ وَإِلَاّ زَوَّجَهَا الأَْبْعَدُ.
وَلِلْقَاضِي التَّعْوِيل عَلَى دَعْوَاهَا غَيْبَةَ وَلِيِّهَا وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنِ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ، لأَِنَّ الْعُقُودَ يُرْجَعُ فِيهَا إِلَى قَوْل أَرْبَابِهَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ، وَلَا يُقْبَل فِيهَا إِلَاّ شَهَادَةُ مُطَّلِعٍ عَلَى بَاطِنِ أَحْوَالِهَا.
وَلَوْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ وَلِيِّهَا ثُمَّ قَدِمَ وَقَال: كُنْتُ زَوَّجْتُهَا فِي الْغَيْبَةِ، قُدِّمَ نِكَاحُ الْحَاكِمِ (1) .
101 -
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ غَابَ الْوَلِيُّ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ يُوَكِّل مَنْ يُزَوِّجُ زَوَّجَ الْوَلِيُّ الأَْبْعَدُ دُونَ السُّلْطَانِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ "(2) وَهَذِهِ لَهَا وَلِيٌّ، مَا لَمْ تَكُنْ أَمَةً فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ لأَِنَّ لَهُ نَظَرًا فِي مَال الْغَائِبِ.
(1) مغني المحتاج 3 / 157.
(2)
حديث: " السلطان ولي من لا ولي له ". سبق تخريجه ف (78)
وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ هِيَ مَا لَا تُقْطَعُ إِلَاّ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَال الْمُوَفَّقُ: وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، فَإِنَّ التَّحْدِيدَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ.
وَإِنْ كَانَ الأَْقْرَبُ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَا تُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ تَتَعَذَّرُ أَيْ تَتَعَسَّرُ مُرَاجَعَتُهُ فَزَوَّجَ َالأَْبْعَدُ صَحَّ، أَوْ كَانَ الأَْقْرَبُ غَائِبًا لَا يُعْلَمُ مَحَلُّهُ أَقَرِيبٌ هُوَ أَمْ بَعِيدٌ فَزَوَّجَ الأَْبْعَدُ صَحَّ، أَوْ عُلِمَ أَنَّ الأَْقْرَبَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ فَزَوَّجَ الأَْبْعَدُ صَحَّ لِتَعَذُّرِ مُرَاجَعَتِهِ، أَوْ كَانَ الأَْقْرَبُ مَجْهُولاً لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ لِلْمَرْأَةِ فَزَوَّجَ الأَْبْعَدُ الَّذِي يَلِيهِ صَحَّ التَّزْوِيجُ اسْتِصْحَابًا لِلأَْصْل، ثُمَّ إِنْ عُلِمَ الْعَصَبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَكَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ حِينَهُ لَمْ يُعِدِ الْعَقْدَ.
وَإِذَا زَوَّجَ الأَْبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلأَْقْرَبِ إِلَيْهَا مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَلَوْ أَجَازَهُ الأَْقْرَبُ، لأَِنَّ الأَْبْعَدَ لَا وِلَايَةَ لَهُ مَعَ الأَْقْرَبِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ.
وَإِذَا زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ حَاكِمًا مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَلَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ، لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْوَلِيُّ (1) .
تَزْوِيجُ وَلِيَّيْنِ امْرَأَةً لأَِكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ:
102 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ لِرَجُلَيْنِ،
(1) كشاف القناع 5 / 55، 56.
وَعُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَالنِّكَاحُ لَهُ، وَعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ، لِحَدِيثِ:" أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلأَْوَّل مِنْهُمَا "(1) ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدَانِ مَعًا بَطَلَا لِتَعَذُّرِ تَصْحِيحِهِمَا وَلِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صُوَرًا مُخْتَلِفَةً فِيمَا يَلِي تَفْصِيلُهَا.
103 -
قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ زَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْقَرَابَةِ كَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ وَعُلِمَ السَّابِقُ مِنَ الْعَقْدَيْنِ قُدِّمَ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالأَْوَّل أَحَقُّ "(2) ، وَلأَِنَّهُ لَمَّا سَبَقَ فَقَدْ صَحَّ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الثَّانِي، لأَِنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ الْقَرَابَةُ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْعَقْدِ - وَهُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ - لَا يَتَجَزَّأُ، لأَِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّجَزُّئُ فِي الْفُرُوجِ.
(1) حديث: " أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما ". أخرجه أحمد (5 / 8، 18 ط الميمنية) من حديث سمرة بن جندب، وتوقف ابن حجر في التلخيص (3 / 165 - ط شركة الطباعة الفنية) في تصحيحه على إثبات سماع راويه عن سمرة، وعلى الاختلاف في إسناده
(2)
حديث: " إذا أنكح الوليان فالأول أحق ". أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7 / 141 ط دائرة المعارف) من حديث سمرة بن جندب، أو عقبة بن عامر، وأشار ابن حجر في التلخيص (3 / هـ 16 ط شركة الطباعة الفنية) إلى إعلاله
وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنَ الْعَقْدَيْنِ، أَوْ وَقَعَا مَعًا بَطَلَا، لِجَهْل الصَّحِيحِ وَهُوَ السَّابِقُ مِنَ الْعَقْدَيْنِ، وَلِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا.
وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ أَقْرَبَ مِنَ الآْخَرِ فَلَا وِلَايَةَ لِلأَْبْعَدِ مَعَ الأَْقْرَبِ إِلَاّ إِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَنِكَاحُ الأَْبْعَدِ يَجُوزُ إِذَا وَقَعَ قَبْل عَقْدِ الأَْقْرَبِ، نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ.
وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ، بِأَمْرِهَا مِنْ رَجُلٍ، وَزَوَّجَتْ هِيَ نَفْسَهَا مِنْ آخَرَ، فَأَيُّهُمَا قَالَتْ هُوَ الأَْوْلَى فَالْقَوْل لَهَا وَهُوَ الزَّوْجُ، لأَِنَّهَا أَقَرَّتْ لِمِلْكِ النِّكَاحِ لَهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِقْرَارُهَا حُجَّةٌ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَالَتْ لَا أَدْرِي الأَْوَّل وَلَا يُعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا فَرْقٌ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ بِأَمْرِهَا (1) .
104 -
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَذِنَتِ الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ فِي تَزْوِيجِهَا لِوَلِيَّيْنِ - أَوْ أَكْثَرَ - مَعًا أَوْ مَرَّتَبَيْنِ فَعَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ مَعَ التَّرْتِيبِ وَعُلِمَ الأَْوَّل مِنْهُمَا وَالثَّانِي، فَلِلأَْوَّل مِنْهُمَا يُقْضَى لَهُ بِهَا - وَإِنْ تَأَخَّرَ الإِْذْنُ لَهُ - دُونَ الثَّانِي فِي الْعَقْدِ، لأَِنَّهُ تَزَوَّجَ ذَاتَ زَوْجٍ وَهُوَ الأَْوَّل، وَيُفْسَخُ عَقْدُ الثَّانِي، وَمَحَل كَوْنِهَا لِلأَْوَّل إِنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ بِهَا الثَّانِي حَال كَوْنِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَقْدِ
(1) الدر المختار ورد المحتار 2 / 314، والاختيار 3 / 97، وبدائع الصنائع 2 / 251.