الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّلَمُ فِي الْفُلُوسِ:
38 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - إِلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْفُلُوسِ عَدَدًا؛ لأَِنَّ ثَمَنِيَّتَهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ بَل تَحْتَمِل الزَّوَال، لأَِنَّهَا ثَبَتَتْ بِالاِصْطِلَاحِ فَتَزُول بِالاِصْطِلَاحِ، وَإِقْدَامُ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى عَقْدِ السَّلَمِ فِيهَا مَعَ عِلْمِهِمَا أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلسَّلَمِ فِي الأَْثْمَانِ اتِّفَاقٌ مِنْهُمَا عَلَى إِخْرَاجِهَا عَنْ صِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ، فَتَبْطُل فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ وَتَصِيرُ سُلَفًا عَدَدِيَّةً فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا (1) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا جَوَازَ السَّلَمِ فِي الْفُلُوسِ وَلَوْ كَانَتْ نَافِقَةً، سَوَاءٌ ضَبَطَهَا بِالْعَدَدِ أَوِ الْوَزْنِ؛ لأَِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنَّقْدِ عَلَى مَا قَال الْبُهُوتِيُّ، وَيَكُونُ رَأْسُ مَالِهِ عَرْضًا لَا نَقْدًا.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَقَدْ قَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَرِهَ مَالِكٌ السَّلَمَ فِي الْفُلُوسِ وَبَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسِيئَةً وَلَمْ يُجِزْهَا إِلَاّ يَدًا بِيَدٍ.
وَقَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ: يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْفُلُوسِ (2) .
التِّجَارَةُ فِي النُّقُودِ (الصِّرَافَةُ) :
39 -
صَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِكَرَاهَةِ التِّجَارَةِ فِي
(1) البدائع 5 / 208، وابن عابدين 4 / 203، والفتاوى الهندية 3 / 183.
(2)
شرح منتهى الإرادات 2 / 215، والكافي لابن عبد البر 2 / 644، والأم 3 / 98.
النُّقُودِ، قَال الْغَزَالِيُّ: خَلَقَ اللَّهُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لِيَكُونَا حَاكِمَيْنِ بَيْنَ الأَْمْوَال بِالْعَدْل، ثُمَّ قَال: وَالنَّقْدُ لَا غَرَضَ فِيهِ وَهُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى كُل غَرَضٍ، فَهُوَ كَالْحَرْفِ لَا مَعْنَى لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَتَظْهَرُ بِهِ الْمَعَانِي فِي غَيْرِهِ. ثُمَّ قَال: مَنْ مَعَهُ عَرْضٌ فَهُوَ مَعْذُورٌ إِنْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ لِيَصِل بِهِ إِلَى مَا شَاءَ مِنَ الْعُرُوضِ. أَمَّا مَنْ يَتَّخِذُ بَيْعَ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ غَايَتَهُ، فَإِنَّ النَّقْدَ يَبْقَى مُقَيَّدًا عِنْدَهُ، وَيَنْزِل مَنْزِلَةَ الْمَكْنُوزِ، فَلَا مَعْنَى لِبَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ إِلَاّ اتِّخَاذُ النَّقْدِ مَقْصُودًا لِلاِدِّخَارِ وَهُوَ ظُلْمٌ (1) .
وَقَال الْغَزَالِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: كَرِهُوا الصَّرْفَ؛ لأَِنَّ الاِحْتِرَازَ فِيهِ عَنْ دَقَائِقِ الرِّبَا عَسِيرٌ، وَلأَِنَّهُ طَلَبٌ لِدَقَائِقِ الصِّفَاتِ فِيمَا لَا تُقْصَدُ أَعْيَانُهَا، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ رَوَاجُهَا، وَقَلَّمَا يَتِمُّ لِلصَّيْرَفِيِّ رِبْحٌ إِلَاّ بِاعْتِمَادِ جَهَالَةِ مُعَامِلِهِ بِدَقَائِقِ النَّقْدِ، فَقَلَّمَا يَسْلَمُ الصَّيْرَفِيُّ وَإِنِ احْتَاطَ (2) .
وَكَرَاهَةُ حِرْفَةِ الصِّرَافَةِ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا، قَال الْبُهُوتِيُّ: لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ، وَفِي نَيْل الْمَآرِبِ: جَعَلَهَا مِنْ أَبْغَضِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، كَالصِّيَاغَةِ (3) .
(1) إحياء علوم الدين 12 / 2221.
(2)
إحياء علوم الدين 5 / 795 ط الشعب.
(3)
شرح منتهى الإرادات 3 / 411، وكشاف القناع 6 / 214، ونيل المآرب 2 / 412.