الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُوَ فَقُرْبَةٌ وَعِبَادَةٌ قَطْعًا وَمُطْلَقًا، لأَِنَّ فِيهِ نَشْرَ الشَّرِيعَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَحَاسِنِهِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَاّ النِّسَاءُ، وَمِنْ ثَمَّ وَسَّعَ لَهُ فِي عَدَدِ الزَّوْجَاتِ مَا لَمْ يُوَسِّعْ لِغَيْرِهِ، لِيَحْفَظَ كُل مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ، لِتَعَذُّرِ إِحَاطَةِ الْعَدَدِ الْقَلِيل بِهَا لِكَثْرَتِهَا بَل لِخُرُوجِهَا عَنِ الْحَصْرِ (1) .
ب - الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالنَّوَافِل:
14 -
قَال الْكَاسَانِيُّ: مَنْ قَال مِنْ أَصْحَابِنَا مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّ النِّكَاحَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ، قَال إِنَّ الاِشْتِغَال بِهِ مَعَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ أَوْلَى مِنَ التَّخَلِّي لِنَوَافِل الْعِبَادَاتِ مَعَ تَرْكِ النِّكَاحِ، وَهُوَ قَوْل أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ، لأَِنَّ الاِشْتِغَال بِالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ كَيْفَ مَا كَانَ أَوْلَى مِنْ الاِشْتِغَال بِالتَّطَوُّعِ.
وَمَنْ قَال مِنْهُمْ: إِنَّهُ مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ، فَإِنَّهُ يُرَجِّحُهُ عَلَى النَّوَافِل مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ.
أَحَدُهَا:
أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي "(2) ، وَالسُّنَنُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّوَافِل بِالإِْجْمَاعِ، وَلأَِنَّهُ أَوْعَدَ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ بِقَوْلِهِ:" فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي "(3) ، وَلَا وَعِيدَ عَلَى تَرْكِ النَّوَافِل.
(1) فتح القدير 3 / 184، ونهاية المحتاج 6 / 178، ومغني المحتاج 3 / 126.
(2)
حديث: " النكاح من سنتي. . . ". سبق تخريجه ف (9)
(3)
حديث: " فمن رغب عن سنتي. . ". سبق تخريجه ف (9)
وَالثَّانِي:
أَنَّهُ فَعَلَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَاظَبَ عَلَيْهِ أَيْ دَاوَمَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَمْ يَخْل عَنْهُ، بَل كَانَ يَزِيدُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَزَوَّجَ عَدَدًا مِمَّا أُبِيحَ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَوْ كَانَ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِل أَفْضَل لَمَا فَعَل، لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الأَْنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَتْرُكُونَ الأَْفْضَل فِيمَا لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ، لأَِنَّ تَرْكَ الأَْفْضَل فِيمَا لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ عُدَّ زَلَّةً مِنْهُمْ، وَإِذَا ثَبَتَ أَفْضَلِيَّةُ النِّكَاحِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ فِي حَقِّ الأُْمَّةِ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الشَّرَائِعِ هُوَ الْعُمُومُ، وَالْخُصُوصُ بِدَلِيلٍ.
الثَّالِثُ:
أَنَّهُ سَبَبٌ يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى مَقْصُودٍ هُوَ مُفَضَّلٌ عَلَى النَّوَافِل، لأَِنَّهُ سَبَبٌ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنِ الْفَاحِشَةِ، وَسَبَبٌ لِصِيَانَةِ نَفْسِهَا عَنِ الْهَلَاكِ بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَاللِّبَاسِ لِعَجْزِهَا عَنِ الْكَسْبِ، وَسَبَبٌ لِحُصُول الْوَلَدِ الْمُوَحِّدِ، وَكُل وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ مُفَضَّلٌ عَلَى النَّوَافِل، فَكَذَا السَّبَبُ الْمُوصِل إِلَيْهِ كَالْجِهَادِ وَالْقَضَاءِ (1) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الرَّاغِبَ فِي النِّكَاحِ إِنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ نُدِبَ لَهُ النِّكَاحُ رَجَا النَّسْل أَوْ لَا وَلَوْ قَطَعَهُ عَنْ عِبَادَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ مِنَ الْمُتَعَبِّدِ
(1) بدائع الصنائع 2 / 229، وفتح القدير 3 / 184.
(2)
شرح الزرقاني، 3 / 162، والشرح الصغير 2 / 331