الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَلَدِ، لأَِنَّ مَنَافِعَهُنَّ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، وَالنِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَتِهِنَّ، وَلِذَلِكَ مَلَكَ الاِسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَبِهَذَا فَارَقَتِ الْعَبْدَ، وَلأَِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ مَا لَهُ مِنْ مَهْرِهَا وَوَلَدِهَا وَتَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مُبَاحَةً أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ.
وَلَا يُجْبِرُ مُكَاتَبَتَهُ وَلَوْ صَغِيرَةً لأَِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا، وَلَا يَمْلِكُ إِجَارَتَهَا وَلَا أَخْذَ مَهْرِهَا.
وَلِلسَّيِّدِ إِجْبَارُ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَلَوْ بَالِغًا، لأَِنَّ الإِْنْسَانَ إِذَا مَلَكَ تَزْوِيجَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ فَعَبْدُهُ كَذَلِكَ مَعَ مِلْكِهِ وَتَمَامِ وِلَايَتِهِ أَوْلَى.
وَلَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ إِجْبَارَ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاقِل عَلَى النِّكَاحِ، لأَِنَّهُ مُكَلَّفٌ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْحُرِّ، وَالأَْمْرُ بِإِنْكَاحِهِ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ طَلَبِهِ (1) .
النَّوْعُ الثَّانِي: وِلَايَةُ الْمُشَارَكَةِ أَوْ وِلَايَةُ النَّدْبِ وَالاِسْتِحْبَابِ:
86 -
هَذِهِ الْوِلَايَةُ تُفِيدُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَخْذِ إِذْنِهَا نَدْبًا وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، أَوْ وِلَايَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، أَيْ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْوَلِيِّ إِلَاّ بَعْدَ أَخْذِ إِذْنِ
(1) كشاف القناع 5 / 42 - 47.
الْمُوَلَّى عَلَيْهَا كَمَا نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
87 -
فَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رَأْيِهِ الأَْوَّل أَنَّهُ لَا إِجْبَارَ عَلَى الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِل وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَلَوْ صَغِيرَيْنِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" الثِّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا "(1)، وَقَالَتْ عَائِشَةُ:" يَا رَسُول اللَّهِ، يُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَال: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ. قَال: سُكَاتُهَا إِذْنُهَا "(2) .
وَلأَِنَّ وِلَايَةَ الْحَتْمِ وَالإِْيجَابِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنِ الصَّغِيرَةِ لِعَجْزِهَا عَنِ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ بِنَفْسِهَا، وَبِالْبُلُوغِ وَالْعَقْل زَال الْعَجْزُ وَثَبَتَتِ الْقُدْرَةُ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا صَارَتْ مِنْ أَهْل الْخِطَابِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ، إِلَاّ أَنَّهَا مَعَ قُدْرَتِهَا حَقِيقَةً عَاجِزَةٌ عَنْ مُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ عَجْزَ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ، لأَِنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى الْخُرُوجِ إِلَى مَحَافِل الرِّجَال، وَالْمَرْأَةُ مُخَدَّرَةٌ مَسْتُورَةٌ،
(1) حديث: " الثيب أحق بنفسها. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1037 ط عيسى الحلبي) .
(2)
حديث: " يستأمر النساء في أبضاعهن: ". سبق تخريجه ف (82)
وَالْخُرُوجُ إِلَى مَحْفَل الرِّجَال مِنَ النِّسَاءِ عَيْبٌ فِي الْعَادَةِ، فَكَانَ عَجْزُهَا عَجْزَ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ لَا حَقِيقَةٍ، فَثَبَتَتِ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا عَلَى حَسَبِ الْعَجْزِ، وَهِيَ وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ لَا وِلَايَةَ حَتْمٍ وَإِيجَابٍ إِثْبَاتًا لِلْحُكْمِ عَلَى قَدْرِ الْعِلَّةِ.
وَأَمَّا طَرِيقُ مُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وِلَايَةُ الشَّرِكَةِ لَا وِلَايَةُ الاِسْتِبْدَادِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الرِّضَا كَمَا فِي الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ (1) .
وَإِذَا كَانَ الرِّضَا فِي نِكَاحِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ شَرْطَ الْجَوَازِ فَإِنَّهَا إِذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهَا تَوَقَّفَ التَّزْوِيجُ عَلَى رِضَاهَا، فَإِنْ رَضِيَتْ جَازَ، وَإِنْ رَدَّتْ بَطَل.
وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ - كَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ - بَيْنَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الرِّضَا بِالنِّكَاحِ مِنَ الثَّيِّبِ، وَمَا يُعْرَفُ بِهِ مِنَ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ، فَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي يُرَادُ تَزْوِيجُهَا ثَيِّبًا فَرِضَاهَا يُعْرَفُ بِالْقَوْل تَارَةً وَبِالْفِعْل أُخْرَى، أَمَّا الْقَوْل فَهُوَ التَّنْصِيصُ عَلَى الرِّضَا وَمَا يَجْرِى مَجْرَاهُ، وَالأَْصْل فِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" الثَّيِّبُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا "(2)، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ
(1) بدائع الصنائع 2 / 242.
(2)
حديث: " الثيب تستأمر في نفسها ". أخرجه أحمد (2 / 425 ط الميمنية) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأصله في الصحيحين
نَفْسِهَا " (1) ، وَأَمَّا الْفِعْل نَحْوَ التَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهَا، وَالْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لأَِنَّ هَذَا دَلِيل الرِّضَا، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالنَّصِّ مَرَّةً وَبِالدَّلِيل أُخْرَى، وَالأَْصْل فِيهِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال لِبَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: " إِنْ وَطَأَكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ " (2) .
وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا فَيُعْرَفُ رِضَاهَا بِهَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ، وَبِثَالِثٍ وَهُوَ السُّكُوتُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ سُكُوتُهَا رِضًا.
وَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها " أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَال: نَعَمْ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ، فَقَال صلى الله عليه وسلم: سُكَاتُهَا إِذْنُهَا " وَرُوِيَ: " سُكُوتُهَا رِضَاهَا " وَرُوِيَ: " سُكُوتُهَا إِقْرَارُهَا "(3) ، وَكُل ذَلِكَ
(1) حديث: (الثيب تعرب عن نفسها ". أخرجه ابن ماجه (1 / 602 ط عيسى الحلبي)، وأحمد (4 / 192ط الميمنية) من حديث عدي بن عميرة الكندي رضي الله عنه قال البوصيري: رجاله ثقات إلا أنه منقطع. (1 / 330 ط دار الجنان) .
(2)
حديث: " إن وطئك فلا خيار لك ". أخرجه الدارقطني (3 / 294 ط دار المحاسن) .
(3)
حديث: " يستأمر النساء في أبضاعهن ". سبق تخريجه ف (82) . وأما رواية " سكوتها رضاها " فذكرها السيوطي في الجامع الكبير (2 / 702 ط الهيئة العامة للكتاب) وعزاها للضياء المقدسي من حديث أبي هريرة، وأما رواية: " سكوتها إقرارها أفأخرجها ابن أبي شيبة (المصنف 4 / 136ط السلفية) من حديث عائشة
نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَلأَِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي عَنِ النُّطْقِ بِالإِْذْنِ فِي النِّكَاحِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ رَغْبَتِهَا فِي الرِّجَال فَتُنْسَبُ إِلَى الْوَقَاحَةِ، فَلَوْ لَمْ يَجْعَل سُكُوتَهَا إِذْنًا وَرِضًا بِالنِّكَاحِ دَلَالَةً، وَشَرَطَ اسْتِنْطَاقَهَا وَهِيَ لَا تَنْطِقُ عَادَةً، لَفَاتَتْ عَلَيْهَا مَصَالِحُ النِّكَاحِ مَعَ حَاجَتِهَا إِلَى ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَتَرَجَّحَ جَانِبُ الرِّضَا عَلَى جَانِبِ السُّخْطِ فِي سُكُوتِ الْبِكْرِ لأَِنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً لَرَدَّتْ، لأَِنَّهَا إِنْ كَانَتْ تَسْتَحِي عَنِ الإِْذْنِ فَلَا تَسْتَحِي عَنِ الرَّدِّ، فَلَمَّا سَكَتَتْ وَلَمْ تَرُدَّ دَل عَلَى أَنَّهَا رَاضِيَةٌ، بِخِلَافِ مَا إِذَا زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ وَلِيٌّ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ، لأَِنَّ احْتِمَال السُّخْطِ - فِي حَالَةِ السُّكُوتِ - ازْدَادَ، فَقَدْ يَكُونُ سُكُوتُهَا عَنْ جَوَابِهِ مَعَ أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى الرَّدِّ تَحْقِيرًا لَهُ وَعَدَمَ مُبَالَاةٍ بِكَلَامِهِ، فَبَطَل رُجْحَانُ دَلِيل الرِّضَا، وَلأَِنَّهَا إِنَّمَا تَسْتَحِي مِنَ الأَْوْلِيَاءِ مِنَ الأَْجَانِبِ، وَالأَْبْعَدُ عِنْدَ قِيَامِ الأَْقْرَبِ وَحُضُورِهِ أَجْنَبِيٌّ، فَكَانَتْ فِي حَقِّ الأَْجَانِبِ كَالثَّيِّبِ، فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَدُل عَلَى الرِّضَا، وَلأَِنَّ الْمُزَوِّجَ إِذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ كَانَ
الْوَلِيُّ الأَْبْعَدُ كَانَ النِّكَاحُ مِنْ طَرِيقِ الْوَكَالَةِ لَا مِنْ طَرِيقِ الْوِلَايَةِ لاِنْعِدَامِهَا، وَالْوَكَالَةُ لَا تَثْبُتُ إِلَاّ بِالْقَوْل، وَإِذَا كَانَ وَلِيًّا فَالْجَوَازُ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ فَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَوْل.
وَوَجْهُ الْقِيَاسِ الَّذِي لَا يَعْتَبِرُ سُكُوتَ الْمَرْأَةِ رِضًا أَنَّ السُّكُوتَ يَحْتَمِل الرِّضَا وَيَحْتَمِل السُّخْطَ، فَلَا يَصْلُحُ دَلِيل الرِّضَا مَعَ الشَّكِّ وَالاِحْتِمَال، وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَل دَلِيلاً إِذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ أَجْنَبِيًّا أَوْ وَلِيًّا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ.
وَالسُّنَّةُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْبِكْرَ قَبْل النِّكَاحِ وَيَذْكُرَ لَهَا الزَّوْجَ، فَيَقُول: إِنَّ فُلَانًا يَخْطُبُكِ أَوْ يَذْكُرُكِ، فَإِذَا سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ، لِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا، فَإِذَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْمَارٍ فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، زَادَ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْمُحِيطِ: وَتُوقَفُ عَلَى رِضَاهَا، وَقَدْ صَحَّ " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا دَنَا إِلَى خِدْرِهَا فَقَال: إِنَّ عَلِيًّا يَذْكُرُكِ فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَهَا " (1) .
وَلَوِ اسْتَأْذَنَ الْوَلِيُّ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ فِي النِّكَاحِ فَضَحِكَتْ غَيْرَ مُسْتَهْزِئَةٍ، أَوْ تَبَسَّمَتْ، أَوْ بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ إِذْنٌ - فِي الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى - لأَِنَّهُ حُزْنٌ عَلَى مُفَارَقَةِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا
(1) حديث: إ إن عليا يذكرك. . . ". أخرجه ابن سعد في الطبقات (8 / 20 ط دار صادر) من حديث عطاء مرسلا.
يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الإِْجَازَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْبُكَاءِ أَنَّهُ رِضًا لأَِنَّهُ لِشِدَّةِ الْحَيَاءِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَدٌّ لأَِنَّ وَضْعَهُ لإِِظْهَارِ الْكَرَاهَةِ، قَال ابْنُ الْهُمَامِ بَعْدَمَا سَبَقَ: وَالْمُعَوَّل عَلَيْهِ اعْتِبَارُ قَرَائِنِ الأَْحْوَال فِي الْبُكَاءِ وَالضَّحِكِ، فَإِنْ تَعَارَضَتْ أَوْ أُشْكِل احْتِيطَ.
وَلَوِ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ فَبَكَتْ بِصَوْتٍ لَمْ يَكُنْ إِذْنًا وَلَا رَدًّا، حَتَّى لَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهُ انْعَقَدَ كَمَا قَال الْحَصْكَفِيُّ نَقْلاً عَنِ الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ.
وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوِ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ بِوَاسِطَةِ وَكِيلِهِ أَوْ رَسُولِهِ، أَوْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا وَأَخْبَرَهَا رَسُولُهُ أَوْ فُضُولِيٌّ عَدْلٌ.
وَلَوْ قَال الْوَلِيُّ لِلْبِكْرِ: أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلَانًا، فَقَالَتْ: غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ لَمْ يَكُنْ إِذْنًا، وَلَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ أَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَانَ إِجَازَةً، لأَِنَّ قَوْلَهَا فِي الأَْوَّل إِظْهَارُ عَدَمِ الرِّضَا بِالتَّزْوِيجِ مِنْ فُلَانٍ، وَقَوْلَهَا فِي الثَّانِي قَبُولٌ أَوْ سُكُوتٌ عَنِ الرَّدِّ، وَسُكُوتُ الْبِكْرِ عَنِ الرَّدِّ يَكُونُ رِضًا.
وَلَوْ قَال الْوَلِيُّ لِلْبِكْرِ: أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ فَسَكَتَتْ لَمْ يَكُنْ رِضًا كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، لأَِنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ لَا يَتَحَقَّقُ.
وَلَوْ قَال: أُزَوِّجُكَ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا حَتَّى عَدَّ جَمَاعَةً فَسَكَتَتْ، فَمِنْ أَيِّهِمْ زَوَّجَهَا جَازَ.
وَلَوْ سَمَّى لَهَا الْجَمَاعَةَ مُجْمَلاً بِأَنْ قَال:
أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ مِنْ جِيرَانِي أَوْ مِنْ بَنِي عَمِّي فَسَكَتَتْ، فَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَهُو رِضًا، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ لَمْ يَكُنْ رِضًا، لأَِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ يُعْلَمُونَ فَيَتَعَلَّقُ الرِّضَا بِهِمْ، وَإِذَا لَمْ يُحْصَوْا لَمْ يُعْلَمُوا فَلَا يُتَصَوَّرُ الرِّضَا، لأَِنَّ الرِّضَا بِغَيْرِ الْمَعْلُومِ مُحَالٌ.
وَلَوْ سَمَّى الْوَلِيُّ لَهَا الزَّوْجَ وَلَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ فَسَكَتَتْ فَسُكُوتُهَا رِضًا عَلَى مَا صَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْمِرْغِينَانِيُّ وَشُرَّاحُ كِتَابَيْهِمَا تَنْوِيرِ الأَْبْصَارِ وَالْهِدَايَةِ وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ، لأَِنَّ لِلْنِكَاحِ صِحَّةٌ بِدُونِ ذِكْرِ الْمَهْرِ، وَقِيل يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ قَدْرِ الصَّدَاقِ مَعَ تَسْمِيَةِ الزَّوْجِ، لاِخْتِلَافِ الرَّغْبَةِ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقَةِ قِلَّةً وَكَثْرَةً، وَتَمَامُ الرِّضَا لَا يَثْبُتُ إِلَاّ بِذِكْرِ الزَّوْجِ وَالْمَهْرِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْحَصْكَفِيُّ عَنِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَنَقَلَهُ الْكَاسَانِيُّ عَنِ الْفَتَاوِي.
وَلَوِ اسْتَأْذَنَ الْمَرْأَةَ غَيْرُ الْوَلِيِّ الأَْقْرَبِ، كَأَجْنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ بَعِيدٍ، فَلَا عِبْرَةَ لِسُكُوتِهَا بَل لَا بُدَّ مِنَ الْقَوْل أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ فِعْلٍ يَدُل عَلَى الرِّضَا كَطَلَبِ مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا، وَتَمْكِينِهَا مِنَ الْوَطْءِ، وَدُخُولِهِ بِهَا بِرِضَاهَا، وَقَبُول التَّهْنِئَةِ وَالضَّحِكِ سُرُورًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لأَِنَّ السُّكُوتَ إِنَّمَا جُعِل رِضًا عِنْدَ الْحَاجَةِ أَيْ عِنْدَ اسْتِئْمَارِ الْوَلِيِّ وَعَجْزِهَا عَنِ الْمُبَاشَرَةِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْحَاجَةِ وَهُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى كَلَامِهِ.
وَقَالُوا: مَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ - أَيْ نَطَّةٍ -
مِنْ فَوْقٍ إِلَى أَسْفَل، أَوْ طَفْرَةٍ وَهِيَ عَكْسُ النَّطَّةِ، أَوْ دُرُورِ حَيْضٍ، أَوْ حُصُول جِرَاحَةٍ، أَوْ تَعْنِيسٍ فَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً، لأَِنَّ الْبِكْرَ عِنْدَهُمُ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَمْ تُجَامَعْ بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ، كَمَا نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الظُّهَيْرِيَّةِ، فَهِيَ وَإِنْ زَالَتْ مِنْهَا الْعُذْرَةُ - أَيِ الْجِلْدَةُ الَّتِي عَلَى الْمَحَل - فَإِنَّ بَكَارَتَهَا لَمْ تَزُل لأَِنَّهَا لَمْ تُجَامَعْ، فَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً، وَهِيَ كَذَلِكَ بِكْرٌ حُكْمًا تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الأَْبْكَارُ، وَتَأْخُذُ فِي الرِّضَا وَغَيْرِهَا حُكْمَ الأَْبْكَارِ حَتَّى تَدْخُل - كَمَا قَال ابْنُ مَوْدُودٍ الْمَوْصِلِيُّ - تَحْتَ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ بِالإِْجْمَاعِ.
وَمَنْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا بِوَطْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ، وَهُوَ الْوَطْءُ بِعَقْدٍ جَائِزٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةِ عَقْدٍ تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ، وَلَا يَكْفِي فِي رِضَاهَا السُّكُوتُ.
وَإِذَا زَالَتْ عُذْرَتُهَا بِالزِّنَا فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الأَْبْكَارُ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، لأَِنَّهُ عِلَّةُ إِقَامَةِ السُّكُوتِ مَقَامَ النُّطْقِ فِي الْبِكْرِ الْحَيَاءُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حَقِيقَةً، لأَِنَّ زَوَال بَكَارَتِهَا لَمْ يَظْهَرْ لِلنَّاسِ فَيَسْتَقْبِحُونَ مِنْهَا الإِْذْنَ بِالنِّكَاحِ صَرِيحًا وَيَعُدُّونَهُ مِنْ بَابِ الْوَقَاحَةِ، وَلَا يَزُول ذَلِكَ مَا لَمْ يُوجَدِ النِّكَاحُ أَوْ يَشْتَهِرِ الزِّنَا، وَلَوِ اشْتَرَطَ نُطْقَهَا فَإِنْ لَمْ تَنْطِقْ تَفُوتُهَا مَصْلَحَةُ النِّكَاحِ، وَإِنْ نَطَقَتْ وَالنَّاسُ يَعْرِفُونَهَا بِكْرًا تَتَضَرَّرُ بِاشْتِهَارِ الزِّنَا عَنْهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَشْتَرِطُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَالثَّيِّبُ تُشَاوَرُ "(1) وَهَذِهِ ثَيِّبٌ حَقِيقَةً، لأَِنَّ الثَّيِّبَ حَقِيقَةً مَنْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا وَهَذِهِ كَذَلِكَ، فَيَجْرِى عَلَيْهَا أَحْكَامُ الثَّيِّبِ، وَمِنْ أَحْكَامِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا نَصًّا فَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا.
وَلَوْ كَانَتْ مُشْتَهِرَةً بِالزِّنَا، بِأَنْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، أَوِ اعْتَادَتْهُ وَتَكَرَّرَ مِنْهَا، أَوْ قَضَى عَلَيْهَا بِالْعِدَّةِ، تُسْتَنْطَقُ بِالإِْجْمَاعِ لِزَوَال الْحَيَاءِ وَعَدَمِ التَّضَرُّرِ بِالنُّطْقِ.
وَلَوْ مَاتَ زَوْجُ الْبِكْرِ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول تُزَوَّجُ كَالأَْبْكَارِ، لِبَقَاءِ الْبَكَارَةِ وَالْحَيَاءِ (2) .
88 -
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْوَلِيَّ غَيْرُ الْمُجْبِرِ هُوَ مَنْ عَدَا الَّذِينَ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ فِي وِلَايَةِ الإِْجْبَارِ، وَهُمُ الأَْبُ وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْمَالِكُ، وَعَلَيْهِ لَا تُزَوَّجُ بَالِغٌ إِلَاّ بِإِذْنِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَالإِْذْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُخْتَلِفٌ:
(1) حديث: " البكر تستأمر والثيب تشاور ". أخرجه أحمد (2 / 229 ط الميمنية) من حديث أبي هريرة وقال أحمد شاكر في التعليق عليه: إسناده صحيح (12 / 102ط دار المعارف)
(2)
الاختيار 3 / 92 - 94، 109، وفتح القدير 3 / 164 - 166، وبدائع الصنائع 2 / 241 - 244، والدر المختار ورد المحتار 2 / 298 - 299، 304 - 306.