الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُمَرُ يَنْفِي إِلَى الْبَصْرَةِ أَيْضًا (1) ، وَنَفَى إِلَى فَدَكَ (2) .
ثَانِيًا: مُعَامَلَةُ الشَّخْصِ الْمَنْفِيِّ:
16 -
إِذَا كَانَ النَّفْيُ مُجَرَّدَ تَغْرِيبٍ عَنْ بَلَدِهِ فَإِنَّهُ يُرَاقَبُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ لِئَلَاّ يَرْجِعَ إِلَى بَلْدَتِهِ، وَيُتْرَكُ لَهُ حُرِّيَّةُ التَّصَرُّفِ كَامِلَةً فِي الْعَمَل وَالسَّكَنِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَصُحْبَةِ أَهْلِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ (3) .
وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ يُغَرَّبُ عَنْ بَلَدِهِ وَيُطَارَدُ وَيُشَرَّدُ فِي الْبُلْدَانِ، فَلَا يُسْمَحُ لَهُ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي بَلَدٍ، وَلَا يُمَكَّنُ أَنْ يَأْوِيَ إِلَى بَلَدٍ (4) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً أَنَّهُ نَفَى مُخَنَّثَيْنِ كَانَا بِالْمَدِينَةِ، يُقَال لأَِحَدِهِمَا: هَيْتُ وَالآْخَرِ مَاتِعٌ. وَيُحْفَظُ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ
(1) أثر عمر: " أنه كان ينفي إلى البصرة ". أخرجه البيهقي في السنن (8 / 222 - ط دائرة المعارف العثمانية) عن ابن شهاب عنه.
(2)
أثر عمر: " أنه نفى إلى فدك ". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7 / 315 - ط المجلس العلمي - الهند) .
(3)
مغني المحتاج 4 / 148، والفروع 6 / 69، وكشاف القناع 6 / 92، وحاشية البجيرمي على شرح الخطيب 4 / 136 مطبعة التقدم العلمية بمصر، ونهاية المحتاج 7 / 428.
(4)
كشاف القناع 6 / 152، والمغني 12 / 482، والفروع 6 / 140.
نُفِيَ إِلَى الْحُمَّى، وَأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِل طَوَال حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَحَيَاةِ عُمَرَ، أَيْ إِقَامَةً جَبْرِيَّةً فِي بَيْتِهِ، وَأَنَّهُ شَكَا الضِّيقَ، فَأَذِنَ لَهُ بَعْضُ الأَْئِمَّةِ أَنْ يَدْخُل الْمَدِينَةَ فِي الْجُمُعَةِ يَوْمًا يَتَسَوَّقُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَيَعُودُ إِلَى مَكَانِهِ (1) .
وَإِنْ كَانَ النَّفْيُ حَبْسًا فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِلْحَرِيَّةِ، وَمَنْعٌ مِنَ الْمُغَادَرَةِ وَالتَّصَرُّفِ، وَيَجُوزُ ضَرْبُهُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا تَأْدِيبًا وَزَجْرًا بِحَسَبِ تُهْمَتِهِ وَجَرِيرَتِهِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يُمَارِسَ كُل الأَْعْمَال الَّتِي تَتَّفِقُ مَعَ الْحَبْسِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَدَائِهِ عَمَلاً يَكْسِبُ مِنْهُ، وَأَنْ يَدْخُل عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَأَقَارِبُهُ، وَيُسْمَحُ لَهُ بِالْخَلْوَةِ مَعَ زَوْجَتِهِ إِنَ تَوَفَّرَ مَكَانٌ مُنَاسِبٌ لِذَلِكَ، وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْمَحْبُوسِ فِي قُوتِهِ وَطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَكِسَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَال، وَلَوْ مَرِضَ فِي الْحَبْسِ وَأَضْنَاهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ يُخْرِجُهُ الإِْمَامُ مِنَ الْحَبْسِ إِذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ مَرَضِهِ الْهَلَاكَ، وَقَال أَبُو يُوسُفَ: لَا يُخْرِجُهُ؛ لأَِنَّ الْهَلَاكَ فِي السِّجْنِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ (2) .
ثَالِثًا: نَفْيُ الْمَرْأَةِ:
17 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَفِي الْمَرْأَةِ بِالتَّغْرِيبِ.
(1) الأم للإمام الشافعي 6 / 146 نشر دار المعرفة.
(2)
حاشية الدسوقي 4 / 322، ومعين الحكام ص 233، والمبسوط 20 / 90.
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَاللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا تُنْفَى الْمَرْأَةُ الزَّانِيَةُ وَقَاطِعَةُ الطَّرِيقِ وَحْدَهَا، بَل تُغَرَّبُ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما انْهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَاّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ: اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتَيْ حَاجَّةً قَال: " اذْهَبْ فَاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِكَ (1) .
وَلِحَدِيثِ: لَا يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا (2) ، وَلأَِنَّ الْقَصْدَ تَأْدِيبُ الزَّانِيَةِ بِالْجَلْدِ وَالنَّفْيِ، فَإِذَا خَرَجَتْ وَحْدَهَا هَتَكَتْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تُغَرَّبُ وَحْدَهَا لأَِنَّهَا سَفَرٌ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَأَشْبَهَ سَفَرَ الْهِجْرَةِ،
(1) حديث ابن عباس رضي الله عنه: " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلون رجل بامرأة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 143 ط السلفية) ومسلم (2 / 978 ط عيسى الحلبي) ، واللفظ للبخاري.
(2)
حديث: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 566 ط السلفية) ومسلم (2 / 977 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ لمسلم.
لَكِنَّ هَذَا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى مَعَ الأَْمْنِ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثِقَةٍ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ غُرِّبَتْ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ، قَالُوا: وَيُحْتَمَل أَنْ يَسْقُطَ النَّفْيُ كَمَا يَسْقُطُ سَفَرُ الْحَجِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ، فَإِنَّ تَغْرِيبَهَا إِغْرَاءٌ لَهَا بِالْفُجُورِ وَتَعْرِيضٌ لَهَا لِلْفِتْنَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ - عَلَى الأَْصَحِّ - وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا رَفَضَ الزَّوْجُ أَوِ الْمَحْرَمُ الْخُرُوجَ إِلَاّ بِأُجْرَةٍ لَزِمَهَا دَفْعُ الأُْجْرَةِ مِنْ مَالِهَا إِذَا كَانَ لَهَا مَالٌ؛ لأَِنَّهَا مِمَّا يَتِمُّ بِهَا الْوَاجِبُ، وَلأَِنَّهَا مِنْ مُؤَنِ سَفَرِهَا.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الأُْجْرَةَ تَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا مَالٌ أَوْ لَا.
وَإِنْ رَفَضَ الزَّوْجُ أَوِ الْمَحْرَمُ الْخُرُوجَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، قَال الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْخُرُوجِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ فِيهِ تَغْرِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ، وَلَا يَأْثَمُ بِامْتِنَاعِهِ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَعَلَى الْقَوْل الأَْصَحِّ: يُؤَخَّرُ التَّغْرِيبُ إِلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تُغَرَّبُ وَحْدَهَا مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ لأَِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى تَأْخِيرِهِ، فَأَشْبَهَ سَفَرَ الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ إِذَا مَاتَ مَحْرَمُهَا فِي الطَّرِيقِ.
وَهُوَ قَوْل الرُّويَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَيَحْتَاطُ الإِْمَامُ فِي ذَلِكَ.