الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِنْتٍ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُخْبَرُ ثُمَّ قَال لآِخَرَ: إِنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بَل تَحْقِيقٌ وَتَكُونُ " إِنْ " بِمَعْنَى " إِذَا (1) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (2) } .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ. قَال الْحَنَفِيَّةُ: يَصِحُّ النِّكَاحُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ إِذَا أَبْطَل مَنْ لَهُ الْمَشِيئَةُ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِذَا قَال: تَزَوَّجْتُكِ إِنْ شِئْتِ أَوْ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَأَبْطَل صَاحِبُ الْمَشِيئَةِ مَشِيئَتَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ لأَِنَّ الْمَشِيئَةَ إِذَا بَطَلَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ نِكَاحًا بِغَيْرِ مَشِيئَةٍ، لَكِنْ ذَلِكَ إِذَا بَدَأَتِ الْمَرْأَةُ، أَمَّا إِذَا بَدَأَ الزَّوْجُ فَقَال: تَزَوَّجْتُكِ إِنْ شِئْتِ فَقَبِلَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى إِبْطَال الْمَشِيئَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لأَِنَّ الْقَبُول مَشِيئَةٌ (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَال: زَوَّجْتُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ وَأَنَّ كُل شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَحَّ (4) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَوْ قَال زَوَّجْتُكَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ قَبِلْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ قَال الْوَلِيُّ:
(1) مغني المحتاج 3 / 141، 142.
(2)
سورة آل عمران / 175.
(3)
فتح القدير 3 / 110.
(4)
مغني المحتاج 3 / 141.
زَوْجْتُكَ ابْنَتِي إِنْ شِئْتَ فَقَال: قَدْ شِئْتُ وَقَبِلْتُ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ (1) .
إِضَافَةُ الصِّيغَةِ:
62 -
لَا يَصِحُّ إِضَافَةُ صِيغَةِ النِّكَاحِ إِلَى الْمُسْتَقْبَل كَأَنْ يَقُول الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ: تَزَوَّجْتُكِ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ أَوْ سَنَةَ كَذَا أَوْ شَهْرَ كَذَا، أَوْ زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ (2) .
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (نِكَاحِ مَنْهِي عَنْهُ) .
تَأْقِيتُ النِّكَاحِ:
63 -
لَا يَجُوزُ تَأْقِيتُ النِّكَاحِ بِمُدَّةٍ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاح مَنْهِي عَنْهُ) .
تَوَلِّي شَخْصٍ طَرَفَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ:
64 -
تَوَلِّي صِيغَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَنِ الطَّرَفَيْنِ - الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ - يَأْتِي عَلَى صُورَتَيْنِ:
الأُْولَى:
أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ أَصِيلاً مِنْ جَانِبِ نَفْسِهِ فِي الْعَقْدِ وَوَلِيًّا مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ كَابْنِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ وَلِيًّا عَلَى بِنْتِ عَمِّهِ وَأَرَادَ تَزْوِيجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَهَل يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ؟
(1) كشاف القناع 5 / 40.
(2)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين 2 / 295، وحاشية الدسوقي 2 / 238، ومغني المحتاج 3 / 142، وكشاف القناع 5 / 97، 98.
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ (1) .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - غَيْرَ زُفَرَ - وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَحِل لَهُ نِكَاحُهَا كَابْنِ الْعَمِّ إِذَا أَذِنَتْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَرَبِيعَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَاسْتَدَل الْكَاسَانِيُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَاّتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (2) } .
قِيل: نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ فِي يَتِيمَةٍ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا وَهِيَ ذَاتُ مَالٍ، وَوَجْهُ الاِسْتِدْلَال بِالآْيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى {لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} خَرَجَ مَخْرَجَ الْعِتَابِ فَيَدُل عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَقُومُ بِنِكَاحِ وَلِيَّتِهِ وَحْدَهُ، إِذْ لَوْ لَمْ يَقُمْ وَحْدَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْعِتَابِ مَعْنًى لِمَا فِيهِ مِنْ إِلْحَاقِ الْعِتَابِ بِأَمْرٍ لَا يَتَحَقَّقُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَْيَامَى مِنْكُمْ (3) }
(1) بدائع الصنائع 2 / 231، 232، وحاشية الدسوقي 2 / 233، والحطاب 3 / 439، ومغني المحتاج 3 / 163، والمغني 6 / 469، 470، وكشاف القناع 5 / 62.
(2)
سورة النساء / 176
(3)
سورة النور / 32
أَمَرَ سبحانه وتعالى بِالإِْنْكَاحِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الإِْنْكَاحِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ، وَلأَِنَّ الْوَكِيل فِي بَابِ النِّكَاحِ لَيْسَ بِعَاقِدٍ، بَل هُوَ سَفِيرٌ عَنِ الْعَاقِدِ وَمُعَبِّرٌ عَنْهُ بِدَلِيل أَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ وَالْعَقْدِ لَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَكِيل، وَإِذَا كَانَ مُعَبِّرًا عَنْهُ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فَكَانَتْ عِبَارَتُهُ كَعِبَارَةِ الْمُوَكِّل فَصَارَ كَلَامُهُ كَكَلَامِ شَخْصَيْنِ، فَيُعْتَبَرُ إِيجَابُهُ كَلَامًا لِلْمَرْأَةِ كَأَنَّهَا قَالَتْ: زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ وَقَبُولُهُ كَلَامًا لِلزَّوْجِ كَأَنَّهُ قَال: قَبِلْتُ فَيَقُومُ الْعَقْدُ بِاثْنَيْنِ حُكْمًا، وَالثَّابِتُ بِالْحُكْمِ مُلْحَقٌ بِالثَّابِتِ حَقِيقَةً (1) . قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَمَّا وَرَدَ " أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَال لأُِمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَال: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ (2) "، وَلأَِنَّهُ يَمْلِكُ الإِْيجَابَ وَالْقَبُول فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَاّهُمَا كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ، وَلأَِنَّهُ عَقْدٌ وُجِدَ فِيهِ الإِْيجَابُ مِنْ وَلِيٍّ ثَابِتِ الْوِلَايَةِ وَالْقَبُول مِنْ زَوْجٍ هُوَ أَهْلٌ
(1) بدائع الصنائع 2 / 232.
(2)
حديث: " أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم. . . ". أخرجه البخاري معلقا (فتح الباري 9 / 188 - ط السلفية) ووصله ابن سعد في الطبقات كما في التغليق لابن حجر (4 / 416 - ط المكتب الإسلامي) .