الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
بَاب تَفْرِيعِ اسْتِفْتَاحِ (1) الصَّلَاةِ
(118) بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ
719 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، ثَنَا سُفْيَانُ، عن الزُّهْرِيِّ،
===
بسم الله الرحمن الرحيم
(بَاب تَفْرِيعِ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ)
كأن مراد المصنف بهذا أن هذه أبواب في كتاب الصلاة، تذكر فيها الأحاديث المختلفة في استفتاح الصلاة، وتتفرع هذه الأبواب على الأبواب المتقدمة في الصلاة.
(118)
(بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ)(2)
أي: في الصلاة (3) كما في بعض النسخ
719 -
(حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا سفيان، عن الزهري،
(1) وأجاد مولانا بحر العلوم في "رسائل الأركان"(ص 67) مقدمة في الاستفتاح. (ش).
(2)
قال ابن العربي (2/ 58): في الرفع خمسة مذاهب، وبسط ابن رسلان الأقوال في حكمة الرفع في الصلاة، والبسط في "الأوجز" أيضًا (2/ 80). (ش).
(3)
والأوجه عندي أي في ابتداء الصلاة قبل الشروع، وعلى هذا فلا يشكل بالترجمة الآتية "باب افتتاح الصلاة" والمقصود بالذكر الرفع الابتدائي، لأنه أهم حتى قيل: تبطل الصلاة بتركه، وذكر البواقي تبع. (ش).
عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِىَ مَنْكِبَيْهِ،
===
عن سالم، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح) أي شرع وبدأ (الصلاة رفع يديه) سياق هذا اللفظ يدل على مقارنة (1) التكبير رفع اليدين، والحديث الآتي يدل على تقديم رفع اليدين على التكبير، ويؤيد الأول ما أخرجه أبو داود، من حديث وائل بن حجر برواية مسدد: يرفع يديه مع التكبير.
وقد اختلف علماء الحنفية فيه، قال في "الدر المختار" (2): ورفع يديه قبل التكبير، وقيل: معه، فقال الشامي: قوله: قبل التكبير، وقيل: معه، الأول نسبه في "المجمع" إلى أبي حنيفة ومحمد، وفي "غاية البيان" إلى عامة علمائنا، وفي "المبسوط" إلى أكثر مشايخنا، وصححه في "الهداية"، والثاني اختاره في "الخانية" و"الخلاصة" و"التحفة" و"البدائع" و"المحيط"، بأن يبدأ بالرفع عند بداءته التكبير، ويختم به عند ختمه، وعزاه البقالي إلى أصحابنا جميعًا، ورجحه في "الحلية"، وثمة قول ثالث، وهو أنه بعد التكبير، والكل مروي عنه عليه الصلاة والسلام، وما في "الهداية" أولى، كما في "البحر" و"النهر"، ولذا اعتمده الشارح، فافهم، انتهى.
(حتى يحاذي منكبيه)(3) أي يقابل ويوازي بهما منكبيه، قال في "القاموس": والحذاء الإزاء، وفي رواية لأبي داود عن وائل:"حتى كانتا بحيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه"، وفي رواية له:"حتى حاذتا أذنيه"، وفي رواية له:"رفع يديه حيال أذنيه، قال: ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم"، وفي رواية له:"يرفع إبهاميه في الصلاة إلى شحمة أذنيه"، وفي رواية له عن البراء:"رفع يديه إلى قريب من أذنيه"، وفي رواية لمسلم
(1) هو المرجح عند المالكية والشافعية، وبه قال الحنابلة رواية واحدة، كذا في "الأوجز". (ش).
(2)
انظر: "رد المحتار على الدر المختار"(2/ 221).
(3)
مَنْكِبَيْهِ- بفنح الميم وكسر الكاف- ما بين الكتف والعنق، قاله ابن رسلان. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عن مالك بن الحويرث: "وقال: حتى يحاذي بهما فروع أذنيه"، وفي رواية للطحاوي عن مالك بن الحويرث:"يرفع يديه حتى يحاذي بهما فوق أذنيه".
وهذه الروايات كلها وإن كانت مختلفة في اللفظ لكنها متفقة في المعنى، فإنه إذا حاذى الإبهامان شحمتي الأذنين تكون الأنامل محاذيةً لأعالي الأذنين بل فوقهما، وتكون الكفان حذاء المنكبين، فعلى هذا تتفق الروايات كلها، فمن نظر إلى أسفل الكفين، قال: حذو منكبيه، ومن نظر إلى الإبهامين، قال: حذاء الأذنين، ومن نظر إلى الأنامل، قال: فوق الأذنين، فلا حاجة أن يحمل هذا الاختلاف على اختلاف الأوقات.
ثم رأيت عليًّا القاري نقل في "المرقاة"(1) عن الإِمام الشافعي - رحمه الله تعالى- أنه حين دخل مصر سئل عن كيفية رفع اليدين عند التكبير، فقال: يرفع المصلي يديه بحيث يكون كفاه حذاء منكبيه، وإبهاماه حذاء شحمتي أذنيه، وأطراف أصابعه حذاء فروع أذنيه، لأنه جاء في رواية:"يرفع اليدين إلى المنكبين"، وفي رواية:"إلى الأذنين"، وفي رواية:"إلى فروع الأذنين"، فعمل الشافعي رحمه الله بما ذكرنا في رفع اليدين جمعًا بين الروايات الثلاث، قلت: هو جمع حسن اختاره بعض مشايخنا، انتهى.
أو يقال: ما روي من محاذاة المنكبين محمول على حالة العذر حين كانت عليهم الأكسية والبرانس في زمن الشتاء، فكان يتعذر عليهم الرفع إلى الأذنين، ويدل عليه ما أخرجه أبو داود من حديث وائل بن حجر، "قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه، ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة وعليهم برانس وأكسية".
وأما ما قالت الحنفية بمس الإبهامين شحمتي الأذنين، فغير مذكور في كتب ظاهر الرواية، ولكن المتأخرين من الحنفية ذكروه في كتبهم، فيمكن أن
(1)"مرقاة المفاتيح"(2/ 254).
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ. وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَقُولُ: وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ
===
يستدل عليه بما رواه أبو داود عن وائل مرفوعًا: "قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع إبهاميه في الصلاة إلى شحمتي أذنيه"، فإن انتهاء الرفع إلى الشحمتين يستلزم المس.
ويشير كلام بعض الحنفية إلى أن المس لم يذكر بحيث إنه سنة بل هو لتحقيق المحاذاة.
قال في "الدر المختار"(1): ورفع يديه ماسًا بإبهاميه شحمتي أذنيه هو المراد بالمحاذاة، لأنها لا تتيقن إلَّا بذلك.
وقال في "البحر"(2): والمراد بالمحاذاة أن يمس بإبهاميه شحمتي أذنيه ليتيقن بمحاذاة يديه بأذنيه، انتهى.
فعلم بذلك أن ذكر المس ليس في ظاهر الرواية بل فيها ذكر المحاذاة فقط.
(تنبيه) وهذا الذي ذكر حكم الرجل، فأما المرأة فلم يذكر حكمها في ظاهر الرواية، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها ترفع يديها حذاء أذنيها كالرجل سواء، وإن كفيها ليستا بعورة، وروى محمد بن مقاتل الرازي عن أصحابنا أنها ترفع يديها حذو منكبيها ، لأن ذلك أستر لها وبناء أمرهن على الستر، ألا ترى أن الرجل يعتدل في سجوده ويبسط ظهره في ركوعه، والمرأة تفعل كأستر ما يكون لها.
(وإذا أراد أن يركع) أي يرفع يديه (وبعدما يرفع رأسه من الركوع) أي يرفع يديه في القومة أيضًا (وقال سفيان مرة) قائل هذا الكلام أحمد بن حنبل (وإذا رفع رأسه، وأكثر ما كان يقول: وبعدما يرفع رأسه من الركوع).
(1) انظر: "رد المحتار على الدر المختار"(2/ 221).
(2)
"البحر الرائق"(1/ 532).
وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ". [خ 735، م 390، ت 255، ن 876، جه 858، دي 1250، حم 2/ 8]
===
حاصل هذا الكلام: أن سفيان اختلف لفظه في تحديث هذه الرواية، فإنه كان أكثر ما يقول بلفظ:"وبعدما يرفع رأسه من الركوع"، ومرة قال:"وإذا رفع رأسه من الركوع".
والفرق بينهما أن قوله: "بعد ما يرفع رأسه من الركوع" نص في رفع اليدين في القومة، وأما لفظ:"إذا رفع رأسه من الركوع" فليس بنص في رفع اليدين في القومة، بل يحتمل أن يكون معناه إذا بدأ برفع رأسه يرفع يديه، أي بين القومة والركوع، ولعل سفيان لم يرد ذلك المعنى بل أراد به رفع اليدين في القومة، فإن المحتمل يلزم أن يرد إلى ما هو متيقن، فلم يبق فيه حينئذ إلَّا اختلاف في اللفظ.
وتأوله الحافظ (1) على غير ما تأولته، فقال في شرح قوله:"إذا رفع رأسه من الركوع": أي إذا أراد أن يرفع، وسيجيء مزيد بحث فيه عن قريب.
(ولا يرفع بين السجدتين) أي في الخفض والنهوض، وهذا الحديث يشتمل على رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، وعند الركوع والرفع منه.
فأما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة فمجمع عليه، قال النووي في "شرح مسلم" (2): اجتمعت الأمة على ذلك، وقال ابن المنذر: ولم يختلفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة.
وفي "شرح المهذب"(3): اجتمعت الأمة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع فيه، وقال ابن حزم: رفع اليدين في أول الصلاة فرض لا تجوز الصلاة إلَّا به، وقد روي ذلك
(1)"فتح الباري"(2/ 220).
(2)
"شرح صحيح مسلم"(2/ 331).
(3)
(3/ 262).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عن الأوزاعي، وممن قال بالوجوب الحميدي وابن خزيمة، نقله عنه الحاكم، وحكاه القاضي حسين عن أحمد، وقال ابن عبد البر: كل من نقل عنه الإيجاب لا تبطل الصلاة بتركه إلَّا رواية عن الأوزاعي والحميدي، ونقله القرطبي عن بعض المالكية، وحكى النووي أيضًا عن داود إيجابه عند تكبيرة الإحرام، قال: وبهذا قال الإِمام أبو الحسن أحمد بن سيار والنيسابوري (1)، هكذا ذكر العيني في "شرحه على البخاري"(2)، والشوكاني في "النيل"(3).
وأما رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، فاختلف فيه السلف والخلف، قال الترمذي (4) في "باب رفع اليدين عند الركوع" بعد تخريج حديث الرفع: وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وأنس وابن عباس وعبد الله بن زبير وغيرهم، ومن التابعين: الحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد ونافع وسالم بن عبد الله وسعيد بن جبير وغيرهم، وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
ثم قال (5) بعد تخريج حديث ترك الرفع: وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سفيان وأهل الكوفة.
قال العيني في "شرحه على البخاري"(6): وعند أبي حنيفة وأصحابه
(1) هكذا في "النيل" وفي أصل النووي، الهندية والمصرية (2/ 331): أحمد بن سيار السياري وهكذا في ترجمته من "تهذيب الأسماء"(1/ 113). (ش). [قلت: وفي "شرح المهذب" (3/ 262): أحمد بن سيار المروزي، وهو أحمد بن سيار السياري المروزي، أما النيسابوري فهو تحريف. انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" (1/ 42) رقم (43)].
(2)
"عمدة القاري"(4/ 377).
(3)
"نيل الأوطار"(2/ 206).
(4)
"سنن الترمذي"(2/ 37).
(5)
"سنن الترمذي"(2/ 42).
(6)
"عمدة القاري"(4/ 379).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لا يرفع يديه إلَّا في التكبيرة الأولى، وبه قال الثوري والنخعي وابن أبي ليلى وعاصم بن كليب وزفر، وهو رواية ابن القاسم عن مالك، وهو المشهور من مذهبه والمعمول عند أصحابه.
وفي "البدائع"(1): روي عن ابن عباس أنه قال: العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ماكانوا يرفعون أيديهم إلَّا في افتتاح الصلاة، وذكر غيره عبد الله بن مسعود أيضًا وجابر بن سمرة والبراء بن عازب وعبد الله بن عمر وأبا سعيد - رضي الله تعالى عنهم-، انتهى.
واستدل القائلون بالرفع بأحاديث:
منها: حديث ابن عمر أخرجه البيهقي والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، وقال في "الجوهر النقي" (2) بعد ذكر هذا الحديث: وفي هذا الحديث زيادة على ذلك، وهي الرفع عند القيام من الركعتين، وهي زيادة مقبولة ولم يقل بها إمامه الشافعي، فما لزم خصمه من القول بزيادة الرفع عند الركوع والرفع منه لزمه مثله من القول بزيادة الرفع عند القيام من الركعتين.
(تنبيه) قال الشوكاني (3) بعد ذكر حديث ابن عمر: هذا الحديث أخرجه البيهقي بزيادة "فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى"، قال ابن المديني: هذا الحديث عندي حجة على الخلق، كل من سمعه فعليه أن يعمل به، لأنه ليس في إسناده شيء.
وقال أيضًا في محل آخر: على أنه قد ثبت من حديث ابن عمر عند البيهقي أنه قال بعد أن ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الاعتدال: فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى، انتهى.
(1)"بدائع الصنائع"(1/ 485).
(2)
(2/ 69).
(3)
"نيل الأوطار"(2/ 209).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وهذا كلامه يوهم أن حديث ابن عمر هذا مع الزيادة قواه ابن المديني، وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، لم يتكلم فيه، وهذا غلط (1)، فإنه قال الشيخ النيموي في "آثار السنن" (2): وهو حديث ضعيف بل موضوع.
وقال في "تعليقه": قال الزيلعي في "نصب الراية"(3): قال الشيخ في "الإِمام": ويزيل هذا التوهم يعني دعوى النسخ ما رواه البيهقي في "سننه"(4) من رواية الحسن بن عبد الله بن حمدان الرقي، ثنا عصمة بن محمد الأنصاري، ثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، ثم ساق الحديث، ثم قال: رواه عن أبي عبد الله الحافظ، عن جعفر بن محمد بن نصر، عن عبد الرحمن بن قريش بن خزيمة الهروي، عن عبد الله بن أحمد الدمجي، عن الحسن به، انتهى.
وأخرجه الحافظ في "الدراية" ثم قال: قال البيهقي: هذا يدل على خطأ الرواية التي جاءت عن مجاهد يعني المتقدمة، انتهى.
قلت: العجب منهم كيف أوردوه في تصانيفهم، وسكتوا عنه مع أن بعض رجاله ممن اتهم بوضع الحديث، قال الذهبي في "الميزان": عبد الرحمن بن قريش بن خزيمة هروي، سكن بغداد، اتهمه السليماني بوضع الحديث، انتهى. وقال في ترجمة عصمة بن محمد الأنصاري: قال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال
(1) بل كلام ابن المديني راجع إلى الحديث بلفظ أخرجه الشيخان، ولا ريب في صحة إسناده وخلوه عن العلة. نعم! لنا كلام فيه من حيث المعنى لتعارض الآثار عن ابن عمر في ذلك. أما هو بالزيادة التي رواها البيهقي فليس بصحيح أصلاً. انظر:"إعلاء السنن"(3/ 72).
(2)
(1/ 101).
(3)
(1/ 409).
(4)
قال في "الكوكب الدري"(1/ 273): إنا لم نجد في "البيهقي" لا المكتوبة ولا المطبوعة هذه الزيادة، فالظاهر أنه وهم من الناقل، توجد هذه الزيادة في حديث أبي هريرة في التكبير، فحكاه بعضهم وهمًا في حديث ابن عمر في الرفع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يحيى: كذّاب يضع الحديث، وقال العقيلي: يحدث بالبواطيل عن الثقات، وقال الدارقطني وغيره: متروك، انتهى كلام النيموي.
ومنها: حديث مالك بن الحويرث (1) أخرجه الشيخان وأبو داود والبيهقي، وغيرهم (2).
ومنها: حديث عبد الحميد بن جعفر عن أبي حميد (3) الساعدي في عشرة (4) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم (5).
وقال في "الجوهر النقي"(6): قلت: عبد الحميد مطعون في حديثه، كذا قال يحيى بن سعيد، وهو إمام الناس في هذا الباب، وقال الطحاوي: لم يسمع محمد بن عمرو من أبي حميد ولا من أبي قتادة، لأن سِنَّه لا يحتمل هذا، لأن أبا قتادة قتل مع علي، وصلى عليه علي، وكذا قال الهيثم بن عدي، وقال ابن عبد البر: هو الصحيح، وفي "الكمال": وقيل: توفي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، ولهذا قال ابن حزم: ولعله وهم فيه يعني عبد الحميد.
وأيضًا قد اضطرب سند هذا الحديث ومتنه، فرواه العطاف بن خالد فأدخل
(1) قال الشيخ: لم أر فيه كلامًا، وقال السندي في حاشية البخاري: يشكل على من يقول بنسخ رفع اليدين، ويحمل حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة على الكبر. (ش).
(2)
"صحيح البخاري"(737)، و"صحيح مسلم"(391)، و"سنن أبي داود"(743)، و"السنن الكبرى"(2/ 27)، و"مسند أحمد"(3/ 436).
(3)
وأيضًا صح عن أبي حميد الرفع في كل رفع وخفض، قاله أحمد، كذا في "الأوجز"(2/ 85)، وأيضًا ليس هذا مذهب راويه عاصم. (ش).
(4)
قلت: وعد منهم أبو هريرة كما سيأتي، ومذهبه بخلافه كما في "الأوجز"(2/ 89). (ش).
(5)
"سنن أبي داود"(728)، و"سنن الترمذي"(304).
(6)
(2/ 69).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
بين محمد بن عمرو وبين النفر من الصحابة رجلًا مجهولاً، والعطاف وثَّقه ابن معين، وفي رواية قال: صالح، وفي رواية: ليس به بأس، وقال أحمد: من أهل مكة، ثقة، صحيح الحديث، ذكر ذلك صاحب "الكمال".
ويدل على أن بينهما واسطة أن أبا حاتم بن حبان أخرج هذا الحديث في "صحيحه" من طريق عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو، عن عباس بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه وأبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد الساعدي، الحديث.
وذكر المزي ومحمد بن طاهر المقدسي في "أطرافهما" أن أبا داود أخرجه من هذا الطريق، وأخرجه البيهقي في "باب السجود على اليدين والركبتين"(1)، من طريق الحسن بن الحر، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء أخبرني (2) مالك، عن عياش أو عباس بن سهل، الحديث، ثم قال: وروى عتبة (3) بن أبي حكيم، عن عيسى بن عبد الله (4)، عن العباس بن سهل، عن أبي حميد، [و] لم يذكر محمدًا في إسناده.
وقال البيهقي في "باب القعود على الرجل اليسرى بين السجدتين"(5): وقد قيل: في إسناده عن عيسى بن عبد الله سمعه من عباس بن سهل أنه حضر أبا حميد.
ثم في رواية عبد الحميد أيضًا أنه رفع عند القيام من الركعتين، وقد تقدم أنه يلزم الشافعي، وفيها أيضًا التورك في الجلسة الثانية، وفي رواية عباس بن
(1)"السنن الكبرى"(2/ 101).
(2)
وفي الأصل: "أحد بني مالك"، وهو تحريف، والصواب:"أخبرني".
(3)
وفي الأصل: "عقبة"، وهو تحريف، والصواب: عتبة بن أبي حكيم.
(4)
وفي "السنن الكبرى": "عبد الله بن عيسى"، والصواب عيسى بن عبد الله، قال في "تهذيب التهذيب" (8/ 217): قال بعضهم: عبد الله بن عيسى بن مالك، وهو وهم.
(5)
"السنن الكبرى"(2/ 118).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
سهل التي ذكرها البيهقي بعد هذه الرواية خلاف هذه، ولفظها:"حتى فرغ ثم جلس، فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته".
فظهر بهذا أن الحديث مضطرب الإسناد والمتن.
ومنها: حديث أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه -: [أخرجه البيهقي](1) عن أبي عبد الله، ثنا الصفار قال: قال أبو إسماعيل السلمي: صليت خلف محمد بن الفضل، الحديث، ثم قال البيهقي: رواته ثقات.
قال في "الجوهر النقي"(2): قلت: السلمي تكلم فيه أبو حاتم، قال الدارقطني: وقال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه، ومحمد بن الفضل عارم تغير واختلط بآخره، وقال ابن حبان: تغير حتى كان لا يدري ما يحدث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكيب عن حديثه فيما رواه المتأخرون، فإذا لم يعلم هذا من هذا، ترك الكل ولا يحتج بشيء منه، انتهى كلامه، ثم لو سلمنا أن رواته ثقات، فلا بد من الاتصال، والصفار لم يصرح بالتحديث عن السلمي.
ومنها: حديث ابن عمر أخرجه البيهقي (3)، عن شعبة، عن الحكم: رأيت طاوسًا يكبر، فرفع يديه حذو منكبيه عند التكبير، وعند ركوعه، وعند رفعه رأسه من الركوع، فسألت رجلًا من أصحابه فقال: إنه يحدث به عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال البيهقي: قال أبو عبد الله الحافظ: فالحديثان كلاهما محفوظان: ابن عمر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ورأى أباه فعله، ورواه [عن النبي صلى الله عليه وسلم].
(1)"السنن الكبرى"(2/ 73).
(2)
"السنن الكبرى"(2/ 71).
(3)
"السنن الكبرى"(2/ 74).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال صاحب "الجوهر النقي": قلت: في "الإِمام": كذا رواه آدم وابن عبد الجبار المروزي عن شعبة ووهما فيه، والمحفوظ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الرواية ترجع إلى مجهول، وهو الرجل الذي من أصحاب طاوس حدث الحكم، فإن كانت قد رويت من وجه آخر على هذا الوجه عن عمر، وإلَّا فالمجهول لا تقوم به حجة.
وفي "علل الخلال" عن أحمد بن أصرم سألت أبا عبد الله، يعني عن هذا الحديث، فقال: من يقول هذا عن شعبة؟ قلت: آدم العسقلاني، قال: ليس هذا بشيء، إنما هو عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي "الخلافيات" للبيهقي: ورواه محمد بن جعفر غندر عن شعبة، ولم يذكر في إسناده عمر.
ومنها: حديث علي أخرجه البيهقي من حديث ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي، الحديث.
قال في "الجوهر النقي"(1): قلت: ابن أبي الزناد هو عبد الرحمن، قال ابن حنبل: مضطرب الحديث، وقال هو وأبو حاتم: لا يحتج به، وقال عمرو بن علي: تركه ابن مهدي.
ثم في هذا الحديث أيضًا زيادة وهي الرفع عند القيام من السجدتين، فيلزم أيضًا الشافعي أن يقول به على تقدير صحة الحديث، وهو لا يرى ذلك.
وقد روى البيهقي هذا الحديث في ما مضى في "باب افتتاح الصلاة بعد التكبير" وذكر معه رواية ابن جريج عن ابن عقبة بسنده، وليس فيه الرفع عند الركوع والرفع منه، ولا نسبة بين ابن جريج وابن أبي الزناد، وعزا البيهقي
(1)(2/ 73).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
في ذلك إلى مسلم أنه أخرج حديث الماجشون عن الأعرج بسنده هذا، وليس فيه أيضًا الرفع عند الركوع والرفع منه.
قال الطحاوي: وصح عن علي رضي الله عنه ترك الرفع في غير التكبيرة الأولى، فاستحال أن يفعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا بعد ثبوت نسخ الحديث عنده.
والبيهقي قد ذكر ذلك عن علي في الباب الذي بعد هذا الباب، ثم ذكر عن البخاري قال: روينا عن سبعة عشر نفرًا من الصحابة أنهم كانوا يرفعون أيديهم بعد الركوع، وذكر منهم ابن عمر.
قال في "الجوهر النقي": قلت: قد روي عنه خلاف ذلك، قال ابن أبي شيبة في "المصنف" (1): ثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلَّا أول ما يفتتح، وهذا سند صحيح.
قال البيهقي: وقد روينا عن عمر وعلي، قال في "الجوهر النقي": قلت: قد تقدم تصحيح الطحاوي عن علي خلاف ذلك، وقال ابن أبي شيبة في "المصنف": ثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن عياش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: صليت مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلَّا حين افتتح الصلاة، ورأيت الشعبي وإبراهيم وأبا إسحاق لا يرفعون أيديهم إلَّا حين يفتتحون الصلاة، وهذا السند أيضًا صحيح على شرط مسلم، وعبد الملك هو ابن سعيد بن عثمان بن أبجر، وقال الطحاوي: ثبت ذلك عن عمر.
قال الشوكاني في "النيل"(2): فمن جملة من رواها:
1 -
ابن عمر كما في حديث الباب، 2 - وعمر كما أخرجه البيهقي وابن أبي حاتم، 3 - وعلي
(1)(1/ 268).
(2)
(2/ 211).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وسيأتي، 4 - ووائل بن حجر عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه، 5 - ومالك بن الحويرث عند البخاري ومسلم وسيأتي، 6 - وأنس بن مالك عند ابن ماجه، 7 - وأبو هريرة عند ابن ماجه أيضًا وأبي داود، 8 - وأبو أسيد، 9 - وسهل بن سعد، 10 - ومحمد بن مسلمة عند ابن ماجه، 11 - وأبو موسى الأشعري عند الدارقطني، 12 - وجابر عند ابن ماجه، 13 - وعمير الليثي عند ابن ماجه أيضًا، 14 - وابن عباس عند ابن ماجه أيضًا.
فهؤلاء أربعة عشر من الصحابة ومعهم أبو حميد الساعدي في عشرة من الصحابة كما سيأتي فيكون الجميع خمسة وعشرين [أو اثنين وعشرين] إن كان أبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة من العشرة اليسار إليهم في رواية أبي حميد كما في بعض الروايات، فهل رأيت أعجب من معارضة رواية مثل هؤلاء الجماعة بمثل حديث ابن مسعود السابق مع طعن أكثر الأئمة المعتبرين فيه، ومع وجود مانع من القول بالمعارضة، وهو تضمن رواية الجمهور للزيادة كما تقدم، انتهى.
قلت: لا يخفى عليك أن حديث (1) ابن عمر هذا معارض بما أخرجه
(1) وفي "فيض الباري"(2/ 264): أن محارب بن دثار قاضي الكوفة رأى ابن عمر يرفع يديه فسأله عنه، الحديث، قال: فلو كان شائعًا بينهم فكيف خفي على قاضي الكوفهَ؟ قلت: وإنه رضي الله عنه كان في الخندق، وهي في خمس من الهجرة ابن خمسة عشرة سنة، فلا تقدم روايته على الذين يلون الإِمام، وأيضًا قد تقدم في أبي داود أنه رضي الله عنه إذا سمع الإقامة توضأ ثم خرج، وإنْ أوَّله شيخ المشايخ الجنجوهي بأحسن توجيه، وأيضًا أنه رضي الله عنه رأى رفع اليدين دائمًا ولم ير القنوت في الصبح مرة كما روي عنه متواترًا، وبسط طرقه في باب القنوت في "الأوجز"(3/ 316). وأيضًا ترك العمل به كما رواه مجاهد وغيره، وأيضًا اضطرب حديثه في رفع القومة كما نبَّه عليه أبو داود، وفي رفع الركوع كما في "الأوجز"، هكذا في "تلخيص البذل". وأيضًا ترك العمل به راويه مالك، وأيضًا اختلف فيه سالم ونافع، وأيضًا قال أحمد: صح الرفع في كل رفع وخفض عن ابن عمر وأبي حميد، كذا في "الأوجز" في وجوه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الطحاوي (1): حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أحمد بن يونس قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلَّا في التكبيرة الأولى من الصلاة.
فهذا ابن عمر قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع، ثم قد ترك هو الرفع بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون ذلك إلَّا وقد ثبت عنده نسخ ما قد رأى النبي -صلي الله عليه وسلم - فعله، وقامت الحجة عليه بذلك، انتهى.
وأخرجه البخاري في "جزئه" عن نافع عن ابن عمر، وذكر فيه الرفع إذا قام من السجدتين، قال الشوكاني (2): قال أبو داود: رواه الثقفي يعني عبد الوهاب، عن عبيد الله يعني ابن عمر بن حفص، فلم يرفعه وهو الصحيح، وكذا رواه الليث بن سعد وابن جريج ومالك يعني موقوفًا، وحكى الدارقطني في "العلل" الاختلاف في رفعه ووقفه.
قال الحافظ: أوقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عن نافع كما قال يعني الدارقطني، لكن رفعاه عن سالم، عن ابن عمر، أخرجه البخاري في "جزء رفع اليدين" وفيه الزيادة، وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الركعتين أكبر ورفع يديه، وله شواهد كما تقدم وسيأتي، والحديث يدل على مشروعية الرفع في المواطن الأربعة، وقد تقدم الكلام على ذلك، انتهى.
قلت: وأما حديث عمر فمعارض بما رواه الطحاوي (3) وأبو بكر بن أبي شيبة (4) عن الأسود، قال: رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة
= ترجيح عدم الرفع، وأيضًا قال أحمد: إنه مضطرب، وأيضًا اضطرب في أن الرفع كلها سواء أو الأولى أرفعهن. (ش).
(1)
"شر معاني الآثار"(1/ 225).
(2)
"نيل الأوطار"(2/ 628).
(3)
"شر معاني الآثار"(1/ 227).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 268).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ثم لا يعود، وقال الطحاوي بعد تخريج هذا الحديث: وهو حديث صحيح، لأن الحسن بن عياش وإن كان هذا الحديث إنما دار عليه، فإنه ثقة حجة، وقد ذكر ذلك يحيى بن معين وغيره.
أفَتَرى عمر بن الخطاب خفي عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والسجود، وعلم بذلك مَنْ دونه أو مَنْ هو معه يراه يفعل غير ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، ثم لا ينكر ذلك عليه، هذا عندنا محال، وفعل عمر هذا وترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه على هذا دليل صحيح أن ذلك هو الحق الذي لا ينبغي لأحد خلافه، انتهى.
وما أخرجه البيهقي بإسناده عن سعيد بن المسيب قال: رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه، ففيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف.
وأما حديث (1) علي فمعارض بما رواه الطحاوي وأبو بكر بن أبي شيبة والبيهقي بإسناد صحيح عن عاصم بن كليب، عن أبيه أن عليًّا كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يرفع بعد (2).
فحديث عاصم بن كليب هذا قد دل أن حديث ابن أبي الزناد على أحد وجهين: إما أن يكون في نفسه سقيمًا أو لا يكون فيه ذكر الرفع أصلًا، فإن ابن خزيمة حدثنا قال: ثنا عبد الله بن رجاء ح وحدثنا ابن أبي داود قال: ثنا عبد الله بن صالح والوهبي قالوا: أنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل، فذكروا مثل حديث ابن أبي الزناد في إسناده ومتنه، ولم يذكروا الرفع في شيء من ذلك.
(1) مع أن في حديثه رضي الله عنه نفي الرفع قاعدًا كما سيأتي، ولم يقولوا به. (ش).
(2)
أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 225)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(1/ 267)، والبيهقي في "سننه"(2/ 80).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فإن كان هذا هو المحفوظ، وحديث ابن أبي الزناد خطأ، فقد ارتفع بذلك أن يجب لكم بحديث خطأ حجة، وإن كان ما روى ابن أبي الزناد صحيحًا، لأنه زاد على ما روى غيره، فإن عليًّا لم يكن ليرى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع، ثم يترك هو الرفع بعده، إلَّا وقد ثبت عنده نسخ الرفع، فحديث علي إذا صح ففيه أكثر الحجة لقول من لا يرى الرفع، انتهى (1).
وأما حديث (2) وائل بن حجر، فرواه عاصم بن كليب عن أبيه، عن وائل بن حجر، وروى عبد الجبار بن وائل عن وائل، وروى عبد الجبار بن وائل قال: حدثني أهل بيتي عن أبي، وروى عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، فحدثني وائل بن علقمة، عن أبي وائل بن حجر.
أما حديث (3) عاصم فقد روى عنه شريك، ولم يذكر فيه رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، وذكره بشر بن المفضل وزائدة عن عاصم، وكذلك روى عبد الواحد وشعبة وسفيان عن عاصم فذكروا الرفع، وكذلك روى جرير وصالح بن عمر الواسطي عند الدارقطني فذكروا الرفع.
فعلى هذا حديث عاصم بهذه الطرق صحيح، إلَّا أنه بعد ما ذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب"(4) توثيقه عن ابن معين والنسائي وأحمد بن صالح نقل تضعيفه عن ابن المديني، قال: قال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد.
وأما حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه فمع كونه مرسلًا، فلم يذكر فيه رفع اليدين إلَّا عند افتتاح الصلاة، وكذلك حديث عبد الجبار بن وائل عن أهل بيته مع كونهم مجهولين لم يذكر فيه رفع اليدين إلَّا عند افتتاح الصلاة.
(1) انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 225).
(2)
بسط الكلام على اضطرابه في رسالة: "السدل في الصلاة"، لهذا العبد [وهو غير مطبوع]. (ش).
(3)
لكن مذهب عاصم عدم الرفع في غير الافتتاح، كما في "الأوجز"(2/ 83). (ش).
(4)
(5/ 55).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما حديث عبد الجبار عن وائل بن علقمة عن وائل بن حجر، ففيه أن هذا غلط، بل هو علقمة بن وائل.
قال الحافظ في "التقريب": وائل بن علقمة عن وائل بن حجر، وعنه عبد الجبار بن وائل، صوابه عن عبد الجبار، عن علقمة، عن أبيه، ومع هذا فسماع علقمة عن أبيه مختلف فيه.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(1): وحكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن وائل عن أبيه مرسل.
وأما حديث أنس فقال الطحاوي (2) فيه: وأما حديث أنس بن مالك فهم يزعمون أنه خطأ، وأنه لم يرفعه أحد إلَّا عبد الوهاب الثقفي خاصة، والحفاظ يوقفونه على أنس.
وقال الدارقطني (3) بعد تخريج حديث أنس: لم يروه عن حميد مرفوعًا غير عبد الوهاب، والصواب من فعل أنس.
وأما حديث أبي هريرة فقال الطحاوي فيه: فإنما هو من حديث إسماعيل بن عياش عن صالح بن كيسان، وهم لا يجعلون إسماعيل فيما روى عن غير الشاميين حجة، فكيف يحتجون على خصمهم بما لو احتج بمثله عليهم لم يسوغوه إياه؟ انتهى.
قلت: وأخرج أبو داود فيما سيأتي من قريب حديث أبي هريرة بسند آخر ليس فيه إسماعيل بن عياش، ولكن في سنده يحيى بن أيوب، وهو مختلف فيه.
وقال الطحاوي (4): وأما حديث عبد الحميد بن جعفر، فإنهم يضعفون
(1)(7/ 280).
(2)
"شرح معاني الآثار"(1/ 227).
(3)
"سنن الدارقطني"(1/ 290).
(4)
" شرح معاني الآثار"(1/ 227 - 228).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عبد الحميد، فلا يقيمون به حجة، فكيف يحتجون به في مثل هذا؟ ومع ذلك فإن محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع ذلك الحديث من أبي حميد، ولا ممن ذكر معه في ذلك الحديث بينهما رجل مجهول، قد ذكر ذلك العطاف بن خالد عنه عن رجل، وأنا ذاكر ذلك في باب الجلوس في الصلاة إن شاء الله.
وحديث أبي عاصم عن عبد الحميد هذا، ففيه "فقالوا جميعًا: صدقت"، فليس يقول ذلك أحد غير أبي عاصم، حدثنا علي بن شيبة قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: حدثنا هشيم، ح: وحدثنا ابن أبي عمران قال: ثنا القواريري قال: ثنا يحيى بن سعيد، قالا: ثنا عبد الحميد، فذكراه بإسناده، ولم يقولا: "فقالوا جميعًا: صدقت"، وهكذا رواه غير عبد الحميد، انتهى.
وأما حديث أبي موسى الأشعري فأخرجه الدارقطني (1) من طريق النضر بن شميل وزيد بن الحباب عن حماد بن سلمة مرفوعًا، ورواه ابن المبارك عن حماد بن سلمة فوقفه عن أبي موسى أنه توضأ قال: هلموا أريكم، فكبر ورفع يديه، ثم قال: هكذا فاصنعوا، أخرجه البيهقي، وقال الدارقطني بعد تخريج الروايتين المتقدمتين: رفعه هذان ووقفه غيرهما عنه.
وأما حديث جابر عند ابن ماجه (2)، ففي سنده أبو حذيفة موسى بن مسعود، وهو ضعيف عند المحدثين، قال في "الميزان" (3): تكلم فيه أحمد وضعفه الترمذي، وقال ابن خزيمة: لا يحتج به، وقال عمرو بن علي: لا يحدث عنه من ينصر الحديث، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم، وقال بندار: ضعيف الحديث.
(1)"سنن الدارقطني"(1/ 292).
(2)
"سنن ابن ماجه"(868).
(3)
(4/ 221).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقال في "تهذيب التهذيب"(1): وقال ابن قانع: فيه ضعف، وقال الحاكم أبو عبد الله: كثير الوهم سيِّئ الحفظ، وقال الساجي: كان يتصحف وهو لين.
وأما حديث عمير الليثي عند ابن ماجه (2)، ففي سنده رفدة بن قضاعة، قال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال البخاري: في حديثه بعض المناكير، لا يتابع في حديثه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: متروك، وروى له ابن ماجه حديثًا واحدًا في رفع اليدين.
وقال ابن حبان: كان ممن يتفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يحتج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد بالأشياء المقلوبات؟
روى عن الأوزاعي بسنده "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في كل خفض ورفع"، وهذا خبر إسناده مقلوب، ومتنه منكر، وقال مهنا: سألت أحمد ويحيى عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح، ولا يعرف عبيد بن عمير روى عن أبيه، ولا عن جده، وقال يحيى: رفدة قد سمعت به وهو شيخ ضعيف، هكذا في "تهذيب التهذيب"(3) مختصرًا، ومع هذا فالحديث مرسل.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(4) في ترجمة عمير بن قتادة: وعنه ابنه عبيد وحده، له عندهم حديثان، قلت: ذكر العسكري أنه شهد الفتح، وذكر البغوي أنه شهد حجة الوداع، وروى أبو يعلى في "مسنده" من طريق عبيد الله (5) بن عبيد بن عمير الليثي، عن أبيه قال: أتيت إلى عمر وهو يعطي
(1)(10/ 370).
(2)
"سنن ابن ماجه"(861).
(3)
(3/ 283).
(4)
(8/ 148).
(5)
كذا في: "تهذيب التهذيب"(8/ 148)، والصواب: عبد الله كما في "تهذيب التهذيب"(6/ 71)، و"تهذيب الكمال"(5/ 77) في ترجمة عبيد بن عمير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الناس، فقلت: يا ابن الخطاب أعطني فإن أبي استشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل إلى وضمني إليه، ثم قال: فذكر قصة، قلت: فإن صح هذا فحديث عبيد بن عمير عن أبيه مرسل، وأيضًا عبد الله لم يسمع من أبيه شيئًا، ولا يذكره، قاله البخاري في "الأوسط" نقله في "تهذيب التهذيب".
وأما حديث ابن عباس عند ابن ماجه (1)، ففي سنده عمر بن رياح، قال البخاري عن عمرو بن علي الفلاس: هو دجال، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، له عنده في الرفع عند كل تكبير، قلت: وقال ابن عدي: يروي عن ابن طاوس بواطيل ما لا يتابعه أحد عليه، والضعف بَيِّنٌ على حديثه، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلَّا على التعجب، وقال العقيلي: منكر الحديث، وقال: قال عمرو بن علي: كان دَجَّالاً، وقال الساجي: عمر بن رياح أبو حفص مولى باهلة يحدث ببواطيل ومناكير، هكذا في "تهذيب التهذيب"(2).
وأما حديث ابن عباس عند أبي داود في قصة صلاة ابن الزبير، ففي سنده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف، قال في "الميزان" (3): قال ابن معين: ضعيف لا يحتج به، الحميدي عن يحيى بن سعيد أنه كان لا يراه شيئًا، وفي سنده ميمون المكي، وهو مجهول، كذا في "التقريب"، وقال في "الميزان" (4): ميمون المكي عن ابن عباس لا يعرف، تفرد عنه عبد الله بن هبيرة السبائي.
قلت: وهذا الكلام يتعلق بمن ذكره الشوكاني (5) من الصحابة الذين يروى عنهم رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، ووجدت أحاديثهم مع الإسناد،
(1)"سنن ابن ماجه"(865).
(2)
(7/ 448).
(3)
(2/ 475).
(4)
(4/ 236).
(5)
انظر: "نيل الأوطار"(2/ 207).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فأما من ذكرهم مجملًا نقلًا عن الحافظ بأنه قال في "الفتح"(1): وذكر شيخنا الحافظ أبو الفضل أنه تتبع من رواه من الصحابة رضي الله عنهم فبلغوا خمسين رجلًا، وكذا ما قال مجد الدين الفيروزآبادي في "سفر السعادة": إن الأخبار والآثار التي رويت في هذا الباب فبلغت إلى أربعمائة، انتهى.
فلم أقف على أسمائهم ولا على رواياتهم وأسانيدها ، لكن ما روى البيهقي في "سننه" من حديث أبي بكر الصديق ومن حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فضعفهما الشيخ النيموي في "آثار السنن"(2)، وبين وجه ضعفهما، وقد تقدم ما يتعلق بهما شيء من البحث.
وأما القائلون بعدم الرفع فإنهم لا ينكرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه بعد تكبيرة الافتتاح، ولكن ينكرون دوامه وبقاءه بأنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه ثم تركه، واستدلوا على ذلك بأحاديث:
منها: حديث عبد الله بن مسعود عند أبي داود والترمذي والنسائي (3) قال: قال عبد الله بن مسعود: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى فلم يرفع يديه إلَّا في أول مرة، صححه ابن حزم وحسنه الترمذي.
ومنها: حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عند الطحاوي (4) فقال: حدثنا أبو بكرة قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: كان النبي - صلي الله عليه وسلم - إذا كبر لافتتاح الصلاة، رفع يديه حتى يكون إبهاماه قريبًا من شحمتي أذنيه، ثم لا يعود.
(1)(2/ 220).
(2)
(1/ 111).
(3)
"سنن أبي داود" ح (748)، و"سنن الترمذي" ح (257)، و"سنن النسائي" ح (1025).
(4)
"شرح معاني الآثار"(1/ 224).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وبسند آخر: حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا عمرو بن عون قال: أنا خالد، عن ابن أبي ليلى، عن عيسى بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وبسند آخر: حدثنا محمد بن النعمان قال: ثنا يحيى بن يحيى قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن أخيه، وعن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن البراء، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
ومنها: ما رواه الطبراني (1) بسنده عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم:"لا ترفع الأيدي إلَّا في سبعة مواطن"، الحديث.
وذكره البخاري في "جزء رفع اليدين" معلقًا، وقال وكيع: عن ابن أبي ليلى عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وعن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يرفع الأيدي إلَّا في سبعة مواطن: في افتتاح الصلاة، واستقبال القبلة، وعلى الصفا والمروة، وبعرفات، وبجمع، وفي المقامين، وعند الجمرتين"، وقال علي بن مسهر والبخاري: عن ابن أبي ليلى عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: ما أخرجه مسلم في "صحيحه"(2): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمس، اسكنوا في الصلاة"، الحديث.
(1)"المعجم الكبير"(11/ 385) رقم (12072).
(2)
"صحيح مسلم"(430).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ومنها: حديث عباد بن الزبير أخرجه البيهقي في "الخلافيات" أيضًا: أخبرنا أبو عبد الله، عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسحاق، عن الحسن بن الربيع، عن حفص بن غياث، عن محمد أبي يحيى، عن عباد بن الزبير:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول الصلاة، ثم لم يرفعها في شيء حتى يفرغ"، نقله الشيخ محمد هاشم السندي في رسالته "كشف الرين".
واعترض الرافعون على الاستدلال بالحديث الأول (1) بوجوهٍ:
الأول: قال عبد الله بن المبارك: قد ثبت حديث من يرفع، وذكر حديث الزهري عن سالم، عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلَّا في أول مرة.
وأجاب عنه ابن دقيق العيد المالكي الشافعي في كتابه "الإِمام" بأن عدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع من النظر فيه، وهو يدور على عاصم بن كليب، قد وثَّقه ابن معين كما قدمناه.
والثاني: قال ابن القطان في كتاب "الوهم والإيهام": والذي عندي أنه صحيح، وإنما المنكر فيه على وكيع "ثم لا يعود"، وقالوا: إنه كان يقولها من قبل نفسه، وتارة أتبعها الحديث، كأنها من كلام ابن مسعود.
والجواب عنه أن هذا مردود بما أخرجه النسائي في "سننه"(2): أخبرنا سويد بن نصر، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله قال: ألا أخبركم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقام فرفع يديه أول مرة ثم لم يعد.
(1) وتكلم عليه السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(2/ 17). (ش).
(2)
"سنن النسائي"(1026).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وبما قال أبو داود بعد ما أخرج حديث عبد الله بن مسعود من طريق وكيع المذكور: حدثنا الحسن بن علي، نا معاوية وخالد بن عمرو وأبو حذيفة قالوا: نا سفيان بإسناده بهذا، قال: فرفع يديه في أول مرة، وقال بعضهم: مرة واحدة، انتهى.
فثبت بذلك أن وكيعًا لم يتفرد بذلك، بل تابعه ابن المبارك وغيره من أصحاب الثوري.
والثالث: ما زعم الدارقطني من أن أحمد بن حنبل وأبا بكر بن أبي شيبة لم يقولا فيه: "ثم لم يعد".
والجواب عنه أن هذا مدفوع بأن أحمد بن حنبل روى في "مسنده"(1): حدثنا وكيع، ثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة قال: قال ابن مسعود: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصلى فلم يرفع يديه إلَّا مرة.
وكذلك أخرج أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(2) بهذا السند عن عبد الله قال: ألا أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرفع يديه إلَّا مرة، وهذه الكلمة في معنى قوله: رفع يديه ثم لم يعد، ويؤدي مؤداه، بل أصرح منه وأقطع لاحتمال التأويل المشهور بأن معنى لا يعود عدم الرفع في ابتداء الركعة الثانية، كما كان في الأولى، كما ذكره صاحب "الفتوحات"، ونقل عنه صاحب "تنوير العينين".
والرابع: أيضًا ما زعم الدارقطني من أن جماعة من أصحاب وكيع لم يقولوا هكذا، فباطل أيضًا، لأنه مرَّ آنفًا أن أحمد وأبا بكر بن أبي شيبة روياه عن وكيع وقالا فيه: فلم يرفع يديه إلَّا مرة، وقد تابعهما جماعة عن وكيع، منهم عثمان بن أبي شيبة عند أبي داود، وهناد عند الترمذي، ومحمود بن غيلان
(1)"مسند أحمد"(1/ 388) رقم (3681).
(2)
(1/ 267).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عند النسائي، ونعيم بن حماد ويحيى بن يحيى عند الطحاوي، كلهم عن وكيع وقالوا فيه: فلم يرفع يديه إلَّا مرة، أو ما في معناه.
والخامس: أن البخاري وأبا حاتم نسبا الوهم فيه إلى الثوري لما رواه جماعة عن عاصم وقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه فطبق وجعلهما بين ركبتيه، ولم يقل أحد ما روى الثوري، وكذا قال أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم قال: نظرت في كتاب عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب ليس فيه: "ثم لم يعد"، فهذا أصح، لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم، لأن الرجل يحدث بشيء فيكون كما في الكتاب، حدثنا الحسن بن الربيع، ثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، ثنا علقمة أن عبد الله رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فقام فكبر ورفع يديه، ثم ركع فطبق يديه، فجعلهما بين ركبتيه، فبلغ ذلك سعدًا، فقال: صدق أخي، قد كنا نفعل ذلك في أول الإِسلام، ثم أمرنا بهذا، قال البخاري: هذا المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود، انتهى.
والجواب عنه أولًا: أن ما رواه ابن إدريس فهو حديث آخر يدل عليه اختلاف سياقهما، وليس السياقان حديثًا واحدًا حتى يكون أحدهما محفوظًا، والثاني شاذًا.
وثانيًا: سلمنا أن السياقين حديث واحد، لكن المحفوظ هو ما رواه سفيان لأنه أحفظ من ابن إدريس، قال الحافظ في "التقريب" في ترجمة سفيان: ثقة حافظ إمام حجة، وما رواه ابن إدريس فهو الشاذ، لأنه دون سفيان في المرتبة وإن كان هو في المرتبة الأعلى، فمع كون سفيان ثقة حافظًا إمامًا حجة لا يضر مخالفة ابن إدريس له.
وثالثًا: أن هذه زيادة من الثقة على رواية ثقة آخر، والزيادة من الثقة الحافظ المتقن مقبولة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأجاب عنه العلامة الزيلعي في "نصب الراية"(1) بأن البخاري وأبا حاتم جعلا الوهم فيه من سفيان، وابن القطان وغيره يجعلون الوهم من وكيع، وهذا اختلاف يؤدي إلى طرح القولين والرجوع إلى صحة الحديث لوروده عن الثقات.
والسادس: ما قال بعضهم من أنه يجوز أن ابن مسعود (2) نسي الرفع في غير الافتتاح كما نسي وضع اليدين على الركب في الركوع، وأول من قال هذا القول أبو بكر بن إسحاق، نقل قوله البيهقي في "سننه" ثم ابن عبد الهادي في "التنقيح".
وهذا القول ليس في مرتبة أن يذكر فضلًا عن أن يلتفت إليه وُيرَدَّ، وهذا القول يُشْبه ما لو قال أحد من المانعين السفهاء بأنه يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع ليذبّ الذباب عن بدنه، وثيابه، فكما أن هذا القول دعوى باطل لا دليل عليه، كذلك القول بالنسيان دعوى ليس عليها دليل، بل هو من سوء الأدب.
وكذلك ما ادّعوا أن عبد الله بن مسعود نسي وضع اليدين على الركب في الركوع باطل أيضًا، فإنه لا دخل للنسيان فيه.
وقد بالغ في رد كلام أبي بكر بن إسحاق هذا العلامة ابن التركماني في "الجوهر النقي (3) في الرد على البيهقي"، كذا قال الشيخ النيموي - رحمه الله تعالى- في "آثار السنن"(4).
والسابع: أن عاصم بن كليب غير مقبول.
(1)(1/ 395).
(2)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد"، فلهذا يقدم الإِمام الأعظم قوله رضي الله عنه. (ش). [والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" (3/ 359)].
(3)
(2/ 80).
(4)
(1/ 105).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والجواب عنه بأنه قد تقدم أن عاصم بن كليب وثَّقه ابن معين والنسائي وابن صالح، ولكن قال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد، وههنا عاصم بن كليب غير منفرد، وقد توبع في ذلك بما أخرج الدارقطني وابن عدي، عن محمد بن جابر، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلم يرفعوا أيديهم إلَّا عند استفتاح الصلاة.
وأما محمد بن جابر وإن ضعفه غير واحد من الأئمة، لكن قال ابن أبي حاتم عن محمد بن يحيى سمعت أبا الوليد يقول: نحن نظلم محمد بن جابر بامتناعنا من التحديث عنه، قال: وسمعت أبي وأبا زرعة يقولان: من كتب عنه باليمامة ومكة فهو صدوق، إلَّا أن في أحاديثه تخاليط، وأما أصوله فهي صحاح، قال: وسئل أبي عن محمد بن جابر، وابن لهيعة، فقال: محلهما الصدق، ومحمد بن جابر أحب إليَّ من ابن لهيعة، وقال ابن عدي: روى عنهما الكبار أيوب وابن عون وسرد جماعة، قال: ولولا أنه في ذلك المحل لم يرو عنه هؤلاء، وقد خالف في أحاديث، ومع ما تكلم فيه من تكلم يكتب حديثه، وقال الدارقطني: هو وأخوه يتقاربان في الضعف، قيل له: يتركان؟ فقال: لا، بل يعتبر بهما، انتهى.
قلت: ونحن ذكرنا حديثه ههنا للمتابعة والاعتبار، وأيضًا يؤيده ما قد حدث الإِمام أبو حنيفة - رحمه الله تعالى-: حدثنا حماد، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله بن مسعود:"أن النبي - صلي الله عليه وسلم - كان لا يرفع يديه إلَّا عند افتتاح الصلاة، ثم لا يعود لشيء من ذلك"، ذكره في "فتح القدير"(1) وغيره.
والثامن: بأن عبد الرحمن لم يسمع من علقمة.
وأجاب عنه ابن الهمام في "الفتح" بأن هذا باطل، لأنه عن رجل
(1)(1/ 269 - 270).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
مجهول، وقد ذكره ابن حبان في "كتاب الثقات"، وقال: مات سنة 99 هـ، وسنُّه سنُّ إبراهيم النخعي، وما المانع حينئذ من سماعه من علقمة، والاتفاق على سماع النخعي منه؟ وصرح الخطيب في كتاب "المتفق والمفترق" في ترجمة عبد الرحمن هذا: أنه سمع أباه وعلقمة.
واعترض على الحديث الثاني بأنه من رواية يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واتفق الحفاظ على أن قوله. "ثم لم يعد" مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد، ورواه عنه بدونها شعبة والثوري وغيرهم من الحفاظ.
وقال الحميدي: إنما روى هذه الزيادة يزيد، ويزيد يزيد، قال أحمد بن حنبل: لا يصح، وكذا ضعفه البخاري وأحمد ويحيى والدارمي والحميدي وغير واحد، وقال أحمد بن حنبل: هذا حديث واه، وكان يزيد يحدث به برهة من دهره لا يقول فيه:"ثم لا يعود"، فلما لقنوه أهل الكوفة تلقن، وكان يذكرها، وهكذا قال علي بن عاصم.
وقال البيهقي (1): قال الشيخ: وقد روى هذا الحديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ابن أخيه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء، وقيل: عن محمد بن عبد الرحمن، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، وقيل: عنه عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى لا يحتجُّ بحديثه، وهو أسوأ حالًا عند أهل المعرفة بالحديث من يزيد بن أبي زياد.
قال في "الجوهر النقي في الرد على البيهقي" في باب من لم يذكر الرفع إلَّا عند الافتتاح: ذكر أي البيهقي فيه حديث ابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة
(1)"السنن الكبرى مع الجوهر النقي"(2/ 77).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
رفع يديه، قال سفيان: ثم قدمت الكوفة فسمعته يحدث بهذا وزاد فيه: ثم لا يعود، فظننت أنهم لقنوه.
ثم حكى البيهقي عن الدارمي أنه قال: ويحقق قول ابن عيينة أن الثوري وزهيرًا وهشيمًا وغيرهم من أهل العلم لم يجيئوا بها إنما جاء بها من سمع منه بأخرة.
قلت: يعارض هذا قول ابن عدي في "الكامل": رواه هشيم وشريك وجماعة معهما عن يزيد بإسناده، وقالوا فيه: ثم لم يعد.
وأخرجه الدارقطني كذلك من رواية إسماعيل بن زكريا عن يزيد، وأخرجه البيهقي في "الخلافيات" من طريق النضر بن شميل عن إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق عن يزيد.
ثم ذكر البيهقي الحديث من وجه آخر، وفيه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع، قال سفيان: فلما قدمت الكوفة سمعته يقول: يرفع يديه إذا افتتح، ثم لا يعود، فظننت أنهم لقنوه.
قلت: لم يرو هذا المتن بهذه الزيادة غير إبراهيم بن بشار، كذا حكاه صاحب "الإِمام" عن الحاكم وابن بشار، قال فيه النسائي: ليس بالقوي، وذمه أحمد ذمًّا شديدًا، قال ابن معين: ليس بشيء لم يكن يكتب عند سفيان، وما رأيت في يديه قلمًا قط، وكان يملي على الناس ما لم يقله سفيان.
ثم حكى البيهقي عن الدارمي، أنه قال: لم يرو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد أقوى من يزيد.
قلت: ذكر البيهقي فيما تقدم أنه روي أيضًا من جهة عيسى بن أبي ليلى، وقيل: عن الحكم هو ابن عتيبة كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأخرجه أبو داود من جهة عيسى والحكم، وعيسى أقوى من يزيد بلا شك، انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قلت: قولهم: إن زيادة لفظة "ثم لا يعود" مدرج من قول يزيد بن أبي زياد بأنه لقن فتلقن يبطله ما رواه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عند البيهقي والطحاوي وأبي داود، وكلاهما ثقتان، بل عيسى بن عبد الرحمن ثقة ثبت.
وأما قولهم بأن حديث عيسى بن عبد الرحمن والحكم بن عتيبة رواه عنهما محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف.
فالجواب عنه أن الحافظ قال في "تهذيب التهذيب"(1) في ترجمته بعد نقل تضعيفه: قال أبو حاتم عن أحمد بن يونس: ذكره زائدة، فقال: كان أفقه أهل الدنيا، وقال العجلي: كان فقيهًا صاحب سنة صدوقًا جائز الحديث، وكان عالمًا بالقرآن، وكان من أحسن الناس، وكان جميلًا نبيلًا، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة، عدل، في حديثه بعض المقال، لين الحديث عندهم.
وقد أخرج الدارقطني (2) من طريق علي بن عاصم حدثنا محمد بن أبي ليلى، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، فروى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بهذه الزيادة يزيد بن أبي زياد وعيسى بن عبد الرحمن والحكم بن عتيبة، وروى عن يزيد بن أبي زياد إسماعيل بن زكريا ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عند الدارقطني، وشريك عند أبي داود، وعند ابن عدي في "الكامل" هشيم وشريك وجماعة، وعند البيهقي في "الخلافيات" إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وروى عن محمد بن أبي ليلى وكيع وخالد عند الطحاوي.
فتأيد حديث يزيد بن أبي زياد بحديث عيسى والحكم، وتأيدت رواية محمد بن عبد الرحمن بحديث رواه جماعة من المحدثين عن يزيد بن أبي زياد.
(1)(1/ 301).
(2)
"سنن الدارقطني"(1/ 294).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما قول سفيان: ثم قدمت الكوفة فلقيت يزيد فسمعته يحدث بهذا وزاد فيه: "ثم لا يعود"، فظننت أنهم لقنوه، وهذا ظن منه - رحمه الله تعالى-، وغاية الأمر فيه أن يقال: يمكن أنه رواه مرة بتمامه، ومرة بعده بقدر ما يتعلق بالغرض، ولا مضايقة فيه.
واعترضوا على الحديث الثالث (1) بوجوه:
الأول: تفرد ابن أبي ليلى، وترك الاحتجاج به، وجوابه: أنه قد تقدم أن العجلى قال: كان فقيهًا، صاحب سنة، صدوقًا، جائز الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة عدل، في حديثه بعض المقال، لين الحديث عندهم.
والثاني: أنه قال شعبة: إن الحكم لم يسمع من مقسم إلَّا أربعة أحاديث ليس فيها هذا الحديث، وجوابه: أن الحصر استقرائي، وقال أحمد وغيره: لم يسمع الحكم حديث مقسم، إلَّا خمسة أحاديث وعدها يحيى القطان، ومع ذلك روى الترمذي أحاديث كثيرة عن الحكم عن مقسم، وفي أكثرها لفظ السماع، والتحديث، كذا في مقدمة "تنسيق النظام"(2).
والثالث: أنهم قالوا: إن رواية وكيع عنه بالوقف، وجوابه أولًا: أنه يمكن رفعه مرة، ووقفه مرة، ويؤيده حديث ابن عمر موقوفًا أيضًا، وثانيًا: أن الموقوف في حكم المرفوع، لأنه لا دخل للقياس والاجتهاد فيه.
والرابع: قالوا: إن الحصر غير مراد، ويستحيل أن يكون لا ترفع إلَّا فيها صحيحًا، وقد تواترت الأخبار في الرفع في غيرها كثيرًا.
وأجاب عنه في "تنسيق النظام"(3) بأنه لا ورود له على تقدير الوقف،
(1) وقد حكم عليه في "البدائع"(1/ 485) بالشهرة، وقد استدل به الموفق على استحباب رفع اليدين في الحج. (ش). [انظر:"المغني"(5/ 210)].
(2)
(ص 49).
(3)
(ص 53).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لإمكان عدم العلم برفع اليدين عند تكبيرات العيدين والقنوت، والحصر مبني على العلم بخلاف تكبيرات سائر الصلوات، فإن عدم العلم فيها للصحابة الكثيرة الملازمة في حكم عدم العلم لمعاينة الصلاة النبوية، ومشاهدتها في الجماعات خمس مرات كل يوم بليلة، وكذا على تقدير عدم لفظ الحصر في الرواية لا ورود له أصلًا، وأما على تقدير الرفع مع لفظ الحصر فيثبت هذا الرفع الخارج بأحاديث أخر متأخرة لا مَرَدَّ لها.
وتأول صاحب "البحر الرائق"(1) وقال: لا يرفع يديه على وجه السنة المؤكدة إلَّا في هذه المواضع، وليس مراده النفي مطلقًا، لأن رفع الأيدي وقت الدعاء مستحب، كما عليه المسلمون في سائر البلاد، وهكذا ذكر العيني في "شرح الهداية".
والخامس: بأن ابن عباس روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت عنه خلاف ذلك بأنه رفع اليدين عند الركوع، والحنفية قالوا بأن الراوي إذا عمل بخلاف مرويه أضر ذلك بحديثه خصوصًا إذا كان الراوي صحابيًا.
قال في "التوضيح" في فصل الطعن: والأول إما بأن عمل بخلافه بعد الرواية فيصير مجروحًا كحديث عائشة: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل"، ثم زوجت بعده ابنة أخيها عبد الرحمن وهو غائب، وكحديث ابن عمر في رفع اليدين في الركوع، وقال مجاهد: صحبت ابن عمر عشر سنين فلم أره رفع يديه إلَّا في تكبيرة الافتتاح، انتهى.
وهذا الحديث الذي رواه ابن عباس في منع رفع اليدين ثم مخالفته له تقتضي أن يكون الحديث على قاعدة الحنفية مجروحًا غير قابل الاستدلال، فكيف يستدلون به على خلاف قاعدتهم؟
(1)(1/ 563).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وجوابه بأن عمل الراوي إذا كان مقدمًا على الرواية ، أو لم يعرف التاريخ لا يضر ذلك بالحديث ولا يجرح، قال في "التوضيح": وإن عمل بخلافه قبلها أو لم يعلم التاريخ لا يجرح.
واعترض البخاري على الحديث الرابع بقوله: وأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث وكيع عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة:"ونحن رافعو أيدينا في الصلاة، فقال: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة"، فإنما كان في التشهد لا في القيام، كان يسلم بعضهم على بعض، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الأيدي في التشهد، ولا يحتج بهذا من له حظ من العلم، هذا معروف مشهور لا اختلاف فيه، ولو كان كما ذهب إليه لكان رفع الأيدي في أول التكبيرة، وأيضًا تكبيرات صلاة العيد منهيًّا عنها، لأنه لم يستثن رفعًا دون رفع، انتهى.
وقال في "النيل"(1): وأجيب عن ذلك بأنه ورد على سبب خاص، فإن مسلمًا رواه أيضًا من حديث جابر بن سمرة قال:"كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيديه إلى الجانبين"، الحديث.
قلت: وأخرج هذا الحديث أبو داود والنسائي ومسلم (2)، فأما أبو داود فأخرج من طريق زهير عن الأعمش من حديث جابر بن سمرة قال:"دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس رافعو أيديهم، قال زهير: أراه قال: في الصلاة، فقال: ما لي أراكم"، الحديث.
وأما النسائي فأخرج من طريق عبثر عن الأعمش من حديث جابر بن سمرة قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن- يعني- رافعو أيدينا في الصلاة فقال: ما بالهم"، الحديث.
(1)"نيل الأوطار"(2/ 207).
(2)
"صحيح مسلم"(430)، و"سنن النسائي"(1184)، و"سنن أبي داود"(1000).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما مسلم فأخرج في "صحيحه" من طريق أبي معاوية عن الأعمش حديث جابر بن سمرة قال: "خرج علينا رسول الله فقال: ما لي"، الحديث.
فمسلم سلك طريق الحفظ والإتقان، ولم يذكر "ونحن رافعو أيدينا في الصلاة".
وأما النسائي فذكر في حديثه هذه الجملة وزاد لفظة "يعني" إشارة إلى أن أستاذه لم يحفظ اللفظ ولكن مراده ذلك.
وأما أبو داود فذكر هذه الجملة "والناس رافعو أيديهم"، ثم حكى قول زهير؟ "أراه قال: في الصلاة"، وهذا يدل على أن زهيرًا لم يحفظ هذا اللفظ من أستاذه، ولكن يظن أنه قال لفظة "في الصلاة".
فما وقع في رواية البخاري في "جزء رفع اليدين" بأنه أخرج هذه الجملة من غير شك غير محفوظ، ولكنه مراد قطعًا.
وأجاب عنه في "النيل"(1) بقوله: ورد هذا الجواب بأنه قصر العام على السبب، وهو مذهب مرجوح كما تقرر في الأصول، وهذا الرد متجه لولا أن الرفع قد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم ثبوتًا متواترًا كما تقدم، وأقل أحوال هذه السنة المتواترة أن تصلح لجعلها قرينة لقصر ذلك العام على السبب، أو لتخصيص ذلك العموم على تسليم عدم القصر، انتهى.
قلت: لا يخفى عليك أن قوله: إن الرفع قد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم ثبوتًا متواترًا، دعوى لا دليل عليه، ولو سلم فرضًا فلا نسلم جعلها قرينة لقصر العام وتخصيصه، وهذا ظاهر جدًّا.
وأجاب عنه علي القاري بقوله: وأجيب عن اعتراض البخاري بأن هذا الرفع كان في التشهد، لأن عبد (2) الله بن القبطية قال: سمعت جابر بن سمرة
(1)"نيل الأوطار"(2/ 208).
(2)
كذا في "المرقاة"(2/ 467) مكبرًا، والصواب: عبيد الله بن القبطية. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يقول: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث، بأن الظاهر أنهما حديثان، لأن الذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال: اسكن في الصلاة، وبأن العبرة للفظ وهو قوله:"اسكنوا" لا لسببه، وهو الإيماء حال التسليم، انتهى مختصرًا.
وأصل هذا الجواب للإمام جمال الدين الزيلعي - رحمه الله تعالى- فإنه قال في "نصب الراية"(1): ولقائل أن يقول: إنهما حديثان لا يفسر أحدهما بالآخر كما جاء في لفظ الحديث: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا الناس رافعي أيديهم في الصلاة، فقال: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمس، اسكنوا في الصلاة"، والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال: اسكن في الصلاة، إنما يقال ذلك لمن يرفع يديه في أثناء الصلاة وهو حالة الركوع والسجود ونحو ذلك، وهذا هو الظاهر، والراوي روى هذا في وقت كما شاهده، وروى الآخر في وقت كما شاهده، وليس في ذلك بعد، انتهى.
وحاصل هذا الجواب: أن البخاري فهم أن مؤدى حديث عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة، ومؤدى حديث تميم بن طرفة الطائي عن جابر بن سمرة واحد، بأن الحديثين محمولان على حال التشهد، فإن الصحابة كانوا يشيرون بأيديهم في التشهد حال السلام، وهذا خلاف الظاهر نشأ من قلة التدبر فيهما، بل الظاهر أنهما حديثان مختلفا المؤدى والمراد، يدل أحدهما على غير ما يدل عليه الآخر.
فأما حديث عبيد الله بن القبطية فإنه محمول على السلام بعد التشهد قطعًا، وأما حديث تميم بن طرفة الطائي عن جابر بن سمرة، فغير محمول على التشهد، بل هو محمول على رفع اليدين داخل الصلاة عند الرفع والخفض، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"اسكنوا في الصلاة".
(1)(1/ 393).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والدليل عليه أن الذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له: اسكن في الصلاة، ولهذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رفع الأيدي عند السلام: اسكنوا في الصلاة.
والدليل الثاني على أن الحديثين مختلفان أن في حديث تميم بن طرفة قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن رافعو أيدينا، الحديث، كذا للبخاري في "جزئه" وعند أبي داود في "سننه"، وهكذا في "مسند أحمد بن حنبل" برواية وكيع، وفي النسائي ومسلم: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن هذا الكلام صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المسجد والناس يصلون صلواتهم.
وأما حديث عبيد الله بن القبطية عن جابر ففيه عند البخاري: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم، السلام عليكم، وعند مسلم في "صحيحه": قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
وعند أبي داود: قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم أحدنا أشار بيده من عن يمينه، ومن عن يساره، فلما صلى قال: ما بال أحدكم، الحديث، وهكذا في النسائي وغيره.
وهذا السياق يدل صريحًا على أن هذا الكلام صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي بالناس جماعة، فلما فرغ من الصلاة ورآهم رافعي أيديهم عند السلام نهاهم عن ذلك.
فثبت بهذا مثل ضوء النهار أن حديث تميم بن طرفة كان في وقت، وحديث عبيد الله بن القبطية كان في وقت آخر غير الوقت الأول، فثبت قطعًا أن حديث تميم بن طرفة الطائي عن جابر بن سمرة ناسخ لرفع اليدين في الصلاة عند الرفع والخفض.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ولا يتعجب بما قال صاحب "عون المعبود"(1)، فإنه قال بعد النقل عن الزيلعي رحمه الله: هذا الجواب العجب كل العجب من الإِمام جمال الدين الزيلعي أنه كيف قال هذه المقالة؟ ولو قال غيره كالطحاوي والعيني وأمثالهما لا يعجب منهم، إنما العجب منه، لأنه محدث كبير من أهل الإنصاف، ولا يخفى على من له مذاق في العلم فساد بيانه، والظاهر أنهما ليسا بحديثين بل هما حديث واحد يفسر أحدهما بالآخر، والراوي واحد، وهو جابر بن سمرة، والمتن واحد، انتهى.
لأنه مقلد محض للبخاري، وليس له حظ من علوم النبوة، ولو كان له حظ منه لم يتعجب من هذا الاستدلال، بل يأتي بالدليل على رده، ولم يقدر عليه إلَّا بأن الراوي واحد، وهذا دليل يضحك الثكلى، فإن أحدًا من أهل العلم لم يستدل بوحدة الراوي على وحدة مروياته، ولما رأى البخاري قال بهذا القول تبعه من غير أن يتدبر في لفظ الحديث، والله الموفق، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وأما قول البخاري: فلو كان كما ذهب إليه لكان رفع الأيدي في أول التكبيرة، وأيضًا تكبيرات صلاة العيد منهيًّا عنها، غير وارد، فإن رفع الأيدي عند التحريمة قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ثبوتًا لا مرد له، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم تركه، فيخرج من هذا الحكم، ويبقى رفع اليدين الذي لم يثبت دوامه، بل يثبت تركه داخلًا فيه، وأما رفع اليدين في العيدين فمختلف فيه عند الحنفية، فإن الإِمام أبا يوسف أنكره.
وأما الحديث الخامس فلم أقف على البحث فيه إلَّا أنه قال الشيخ محمد هاشم السندي في رسالته "كشف الرين": إن الإِمام ابن دقيق العيد لم يتكلم في إسناده إلَّا بأن عباد بن الزبير تابعي ليس بصحابي، فالحديث مرسل.
(1)(3/ 301).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأجاب عنه العلامة الشيخ محمد هاشم بأن المرسل من الحديث عند الحنفية مقبول ومحتج به، خصوصًا مراسيل القرون الثلاثة، والتي تأيدت بأحاديث وآثار الصحابة رضي الله عنهم، بل وكذلك مقبول عند مالك وأحمد بن حنبل وجمهور الفقهاء رحمهم الله، فلا وجه للاعتراض عليه.
وهذا الذي ذكرنا من البحث للفريقين كان ما يتعلق بالأحاديث المرفوعة، وأما الآثار من الصحابة وغيرهم، فنذكر نبذًا منه، فالآثار المثبتة للرفع كثيرة أخرجها البخاري في "جزئه".
حدثنا مالك بن إسماعيل، ثنا شريك، عن ليث، عن عطاء قال: رأيت ابن عباس وابن الزبير وأبا سعيد وجابرًا - رضي الله تعالى عنهم- يرفعون أيديهم إذا افتتحوا الصلاة وإذا ركعوا.
حدثنا محمد بن الصلت، ثنا أبو شهاب بن عبد ربه، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه -: أنه كان إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
حدثنا مسدد، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن عاصم الأحول قال: رأيت أنس بن مالك رضي الله عنه إذا افتتح الصلاة أكبر ورفع يديه، ويرفع كلما ركع ورفع رأسه من الركوع.
حدثنا مسدد، ثنا هشيم، عن أبي جمرة قال: رأيت ابن عباس يرفع يديه حيث أكبر وإذا رفع رأسه من الركوع.
حدثنا سليمان بن حرب، ثنا يزيد بن إبراهيم، عن قيس بن سعد، عن عطاء قال: صليت مع أبي هريرة، فكان يرفع يديه إذا أكبر وإذا رفع.
حدثنا خطاب بن إسماعيل، عن عبد ربه بن سليمان بن عمير قال: رأيت أم الدرداء ترفع يديها في الصلاة حذو منكبيها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
حدثنا مقاتل، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا إسماعيل، حدثني عبد ربه بن سليمان بن عمير قال: رأيت أم الدرداء ترفع يديها في الصلاة حذو منكبيها حين تفتح الصلاة وحين تركع، فإذا قالت:"سمع الله لمن حمده" رفعت يديها، وقالت:"ربنا ولك الحمد".
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، ثنا محمد بن فضيل، عن عاصم بن كليب، عن محارب بن دثار: رأيت ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- رفع يديه للركوع، فقلت له: من ذلك؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه.
وأما الآثار التي وردت في ترك الرفع فكثيرة أيضًا.
منها: ما أخرجه الطحاوي (1) حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أحمد بن يونس قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلَّا في التكبيرة الأولى من الصلاة، وكذا أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والبيهقي في "المعرفة".
حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أحمد بن يونس قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن إبراهيم قال: كان عبد الله لا يرفع يديه في شيء من الصلاة إلَّا في الافتتاح، رواه ابن أبي شيبة والطحاوي، وإسناده مرسل جيد، لأن النخعي لم يدرك ابن مسعود، وكان لا يرسل عن عبد الله إلَّا بعد التواتر عنه.
وقد أسند الطحاوي عن الأعمش أنه قال لإبراهيم النخعي: إذا حدثتني فأسند، فقال: إذا قلت: قال عبد الله، فلم أقل ذلك حتى حدثنيه جماعة عن عبد الله، وإذا قلت: حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي حدثني.
وقال الدارقطني في باب الديات بعد ما أخرج أثرًا عن إبراهيم عن عبد الله:
(1)"شرح معاني الآثار"(1/ 225).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فهذه الرواية وإن كان فيها إرسال فإبراهيم النخعي هو أعلم الناس بعبد الله وبرأيه وبفتياه، قد أخذ ذلك عن أخواله علقمة والأسود وعبد الرحمن ابني يزيد وغيرهم من كبراء أصحاب عبد الله، كذا قال الشيخ النيموي (1).
حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا الحماني قال: ثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن عياش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود، قال: ورأيت إبراهيم والشعبي يفعلان، كذلك أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة، قال الطحاوي: وهو حديث صحيح، لأن الحسن بن عياش وإن كان هذا الحديث إنما دار عليه، فإنه ثقة حجة، قد ذكر ذلك يحيى بن معين، وقال ابن التركماني (2): وهذا السند أيضًا صحيح على شرط مسلم.
قال الطحاوي (3): فإن أبا بكرة قد حدثنا قال: ثنا أبو أحمد قال: ثنا أبو بكر النهشلي قال: ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه أن عليًّا رضي الله عنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يرفع بعد.
حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أحمد بن يونس قال: ثنا أبو بكر النهشلي، عن عاصم، عن أبيه - وكان من أصحاب علي-، عن علي مثله.
قال الحافظ في "الدراية": رجاله ثقات، وقال الزيلعي: هو أثر صحيح، وقال العيني في "عمدة القاري" (4): إسناد حديث عاصم بن كليب صحيح على شرط مسلم، كذا قال الشيخ النيموي (5).
(1)"آثار السنن"(1/ 109).
(2)
"الجوهر النقي مع السنن الكبرى"(2/ 75).
(3)
"شرح معاني الآثار"(1/ 225).
(4)
"عمدة القاري"(4/ 382).
(5)
"آثار السنن"(1/ 106).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقد قال الترمذي (1) في "باب رفع اليدين عند الركوع" بعد تخريج حديث ابن عمر رضي الله عنهما: قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال بعد تخريج حديث ابن مسعود في ترك الرفع: قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن، وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، وهو قول سفيان وأهل الكوفة.
فعلم بهذا وبما تقدم من البحث عن الفريقين أن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت دوامه، ولا أنه رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم ترك الرفع.
فالرافعون قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم فعله مرة وتركه أخرى لخوف الوجوب، فهو سنة غير مؤكدة.
وأما المانعون فلم ينكروا الرفع بل قالوا: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الرفع وتركه، وكذلك روي عن الصحابة الرفع وتركه.
وهذا الفعل من الأفعال التي تقع في الصلوات في اليوم والليلة مرات كثيرة بحيث لا يمكن أن يخفى على أحد ممن في الصلاة، فلا يمكن أن يكون تركه لأجل أن علمه لم يحط به، ولا لأنه تركه سهوًا ونسيانًا، ولا لكونها سنة غير مؤكدة خصوصًا من ابن عمر، فإنه كان مقتفيًا لآثار النبي صلى الله عليه وسلم من قيامه وقعوده من العادات فضلًا عن العبادات.
فقد روى البخاري في "صحيحه"(2): أن ابن عمر رضي الله عنهما يتحرَّى أماكن من الطريق ما بين مكة والمدينة، ويصلي فيها، وقد كان هذا من
(1)"سنن الترمذي"(2/ 37).
(2)
"صحيح البخاري"(483).
720 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ،
===
العادات لا من العبادات، فكيف يمكن أن يترك ما رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله عبادة؟ إلَّا بأنه ثبت نسخه عنده، وقد كان رضي الله عنه إذا كان بمكة لم يُهلّ قبل يوم التروية، والناس يهلون إذا رأوا الهلال، ويصبغ بالصفرة، ويلبس النعال السبتية، وكل ذلك لشدة لزومه واتباعه لأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يمكن أن يترك فعلًا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ .
وكذلك عمر وعلي وابن مسعود -رضي الله تعالى عنهم- لم يكونوا يتركون بهذه الوجوه السخيفة، فليس له وجه إلَّا بأنه ثبت عندهم أنه صلى الله عليه وسلم ما تركه إلَّا نسخًا، وهذا هو الموافق للأصل، فإن الأصل في الصلاة السكون لقوله عليه الصلاة والسلام:"اسكنوا في الصلاة" كما رواه مسلم، فكل فعل في الصلاة يكون خلاف هذا الأصل لا يثبت إلَّا بأن يكون ثبوته واضحًا بيِّنًا، وهذا الفعل المتنازع فيه اختلفت الروايات فيه، كذلك اختلفت الصحابة فيه، فلم يكن ثبوته باعتبار دوامه وبقائه متيقنًا، فوضعوه على الأصل المنصوص عليه، والله تعالى أعلم.
ثم نقول: إن خاتمة البحث في هذه المسألة أن رفع اليدين في الانتقالات بعد الرفع عند التحريمة ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث، وصح عنه، ثم تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله، ثم لما لم يتنبه له الصحابة وفعله بعضهم، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة يرفعون أيديهم نسخها ونهى عنها.
ويدل على ذلك حديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة الذي أخرجه مسلم، وقد تقدم سياقه والبحث فيه، والذي قالوا في جوابه: إنه محمول على الإشارة في السلام، فهو لغو وباطل، كما تقدم مفصلًا.
720 -
(حدثنا محمد بن المصفى (1) الحمصي) صدوق له أوهام، وكان
(1) بضم الميم وفتح الصاد والفاء المشددة، "ابن رسلان". (ش).
حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِىُّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ وَهُمَا كَذَلِكَ، فَيَرْكَعُ، ثُمَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ صُلْبَهُ رَفَعَهُمَا حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِى السُّجُودِ
===
يدلس، (ثنا بقية) بن الوليد بن صائد، (ثنا الزبيدي)(1) محمد بن الوليد، (عن الزهري) محمد بن مسلم، (عن سالم) بن عبد الله بن عمر، (عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه) وكبر للافتتاح (حتى تكونا حذو منكبيه) بفتح المهملة وسكون الذال، أي مقابلهما، والمنكب بفتح ميم وكسر كاف: مجتمع رأس الكتف والعضد، مذكر.
(ثم أكبر)(2) أي للركوع، وهذا هو الظاهر، ولم يذكر تكبيرة الإحرام (وهما) الواو حالية، الضمير يعود إلى اليدين، أي أكبر والحال أن اليدين (كذلك) أي مرفوعتان (فيركع) أي: يَخِرُّ للركوع.
(ثم إذا أراد أن يرفع صُلْبَه) أي من الركوع (رفعهما) أي اليدين (حتى تكونا) أي اليدان (حذو منكبيه) أي مقابلهما (ثم قال: سمع الله لمن حمده، ولا يرفع يديه في السجود) وفي رواية البخاري: "ولا يفعل ذلك في السجود".
قال الحافظ في "شرحه"(3): أي لا في الهوِيِّ إليه ولا في الرفع منه، كما في رواية شعيب في الباب الذي بعده حيث قال: ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود، وهذا يشمل ما إذا نهض من السجود
(1) بضم الزاي، "ابن رسلان". (ش).
(2)
وابن رسلان جعل هذا تكبيرة الإحرام، ولم يذكر الرفع مع الركوع في هذا الحديث، قلت: والأوجه كلام ابن رسلان، لأن ذكر الرفع عند الركوع في هذا الحديث مختلف فيه، كما في "الأوجز"(2/ 84). (ش).
(3)
"فتح الباري"(2/ 220).
وَيَرْفَعُهُمَا فِى كُلِّ تَكْبِيرَةٍ يُكَبِّرُهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ حَتَّى تَنْقَضِىَ صَلَاتُهُ". [انظر: سابقه، وقط 1/ 287، ق 2/ 26]
721 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ (1) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ
===
إلى الثانية والرابعة والتشهدين، ويشمل ما إذا قام إلى الثالثة أيضًا، لكن بدون تشهد لكونه غير واجب، وإذا قلنا باستحباب جلسة الاستراحة لم يدل هذا اللفظ على نفي ذلك عند القيام منها إلى الثانية والرابعة، لكن قد روى يحيى القطان عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا هذا الحديث وفيه:"ولا يرفع بعد ذلك"، أخرجه الدارقطني في "الغرائب" بإسناد حسن، وظاهره يشمل النفي عما عدا المواطن الثلاثة، وسيأتي إثبات ذلك في موطن رابع بعد بباب، انتهى.
(ويرفعهما) أي اليدين (في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته) فهذه الرواية والرواية المتقدمة متوافقتان في أن الرفع قبل الركوع وبعده مذكور فيهما في الركعة الأولى باعتبار ظاهر اللفظ، وأما الرفع في الركعات الثلاثة الباقية فلم يذكر في الركوع ولا في الرفع منه في المتقدمة، وأما في هذه الرواية فذكر الرفع فيها قبل الركوع، ولم يذكر الرفع بعد الركوع.
721 -
(حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة) القواريري، (ثنا عبد الوارث بن سعيد، ثنا محمد بن جحادة (2)، حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر) قال في "تهذيب التهذيب": عن ابن معين أنه قال: لم يسمع من أبيه شيئًا، وقال أبو داود عن ابن معين: مات أبوه وهو حمل، وقال الترمذي: سمعت محمدًا يقول: عبد الجبار لم يسمع من أبيه ولا أدركه، وقال ابن حبان في "الثقات": من زعم أنه سمع أباه فقد وهم، لأن أباه مات وأمه حامل به، وقال البخاري: لا يصح سماعه من أبيه، مات أبوه قبل أن يولد، وكذلك قال أبو حاتم وابن جرير
(1) زاد في نسخة: "الجشمي". (ش).
(2)
بضم الجيم، "ابن رسلان". (ش).
قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِى قَالَ فَحَدَّثَنِى وَائِلُ بْنُ عَلْقَمَةَ،
===
الطبري والجريري ويعقوب بن سفيان ويعقوب بن شيبة والدارقطني والحاكم وقبلهم ابن المديني وآخرون.
ولكن قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": قال المؤلف: وهذا القول ضعيف جدًّا، فإنه قد صح أنه قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، ولو مات أبوه وهو حمل لم يقل هذا القول، ونص أبو بكر البزار على أن القائل: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، هو علقمة بن وائل لا أخوه عبد الجبار، انتهى.
قلت: وهذا القول بعيد جدًّا، فإنه لو صدر هذا القول من علقمة بن وائل لا من أخيه عبد الجبار بن وائل لم يجز أن يقول: لا أعقل صلاة أبي، فإن قد روى عن أبيه كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره بصيغة التحديث، وأيضًا لا يمكن أن يقول: فحدثني وائل بن علقمة أو علقمة بن وائل، بل إما أن يكون بينه وبين أبيه واسطة غيره فيذكره، أو يروي عن أبيه من غير واسطة، فيقول: حدثني أبي وائل بن حجر، فإن وائل بن علقمة لم يوجد، وأما علقمة بن وائل فهو هو.
(قال: كنت غلامًا (1) لا أعقل صلاة أبي)، وهذا الكلام يدل على أن عبد الجبار وُلد في حياة أبيه، ولكن جمهور المحدثين قالوا: إنه ولد بعد موت أبيه.
قلت: ويمكن (2) أن يوجه هذا الكلام بأن معنى قوله: لا أعقل، أي لا أحفظ صلاة أبي، لأني ولدت بعد موت أبي، فكيف يمكن أن أعقل وأحفظ صلاة أبي؟ فالاستدلال بهذا الكلام على أنه ولد في حياة أبيه ضعيف.
(فحدثني وائل بن علقمة) قال في "الميزان": وائل بن علقمة عن وائل بن
(1) استدل به الذهبي على رد من قال: إنه ولد بعد موت أبيه. (ش).
(2)
قلت: لكن يأباه لفظ: "كنت غلامًا". (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
حجر لا يعرف، وقال في "الخلاصة": وائل بن علقمة عن وائل بن حجر، الصواب عبد الجبار بن وائل، عن أخيه علقمة بن وائل، عن صلاة أبيه.
وقال الحافظ في "التقريب": وائل بن علقمة عن وائل بن حجر، وعنه عبد الجبار بن وائل، صوابه عن عبد الجبار، عن علقمة بن وائل، عن أبيه.
وقال في "تهذيب التهذيب"(1): وائل بن علقمة عن وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال القواريري: عن عبد الوارث، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل عنه به، وتابعه أبو خيثمة عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، وقال إبراهيم بن الحجاج وعمران بن موسى عن عبد الوارث بهذا الإسناد فقال: عن علقمة بن وائل، وكذا قال إسحاق بن أبي إسرائيل عن عبد الصمد، وكذا قال عفان عن همام، عن محمد بن جحادة وهو الصواب، انتهى.
واختلفوا في سماعه من أبيه، قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (2): حكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن وائل، عن أبيه مرسل، وكذا في "الميزان"، وقال في "التقريب": صدوق إلَّا أنه لم يسمع من أبيه.
قلت: ولكن قال علي القاري في "المرقاة"(3): الصحيح أن علقمة سمع من أبيه، وأن الذي لم يسمع عبد الجبار.
ويؤيده ما أخرجه النسائي في "سننه"(4) في "باب رفع اليدين" من طريق عبد الله بن المبارك عن قيس بن سليم العنبري حدثني علقمة بن وائل حدثني أبي، وهذا اللفظ صريح في سماعه من أبيه.
(1)(11/ 110).
(2)
(7/ 280).
(3)
(2/ 259).
(4)
"سنن النسائي"(1055).
عَنْ أَبِى وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ الْتَحَفَ ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ وَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِى ثَوْبِهِ.
===
وكذا ما أخرجه الترمذي في "جامعه"(1) في أبواب الأحكام في "باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه" بسنده عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة، الحديث، وقال في آخره: حديث وائل بن حجر حديث حسن صحيح، فحكمه بالصحة مستلزمة بصحة سماعه من أبيه، وقد صرح الترمذي بسماعه من أبيه في "باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنا": علقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه، انتهى.
(عن أبي) مضافة إلى ياء المتكلم (وائل بن حجر) بدل من لفظة أبي، الحضرمي الكندي، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزله، وأصعده معه على المنبر، وأقطعه القطائع، وكتب له عهدًا، وقال:"هذا وائل بن حجر سيد الأقيال جاءكم حبًّا لله ولرسوله"، سكن الكوفة، وعقبه بها، كان بقية أولاد الملوك بحضرموت، بشَّر به النبي- صلى الله عليه وسلم قبل قدومه، وأقطعه أرضًا، وبعث معه معاوية، فقال له: أردفني، فقال: لستَ من أرادف (2) الملوك، فلما ولي معاوية قصده وائل، فتلقاه وأكرمه، فقال وائل: وددت أني حملته ذلك اليوم بين يدي، مات في ولاية معاوية بن أبي سفيان (3).
(قال) أي وائل بن حجر: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان) أي رسول الله- صلى الله عليه وسلم (إذا كبر) أي لافتتاح الصلاة (رفع يديه، قال) أي وائل: (ثم التحف) أي تغطى (ثم أخذ شماله) أي يده اليسرى (بيمينه) أي بيده اليمنى (وأدخل يديه في ثوبه) ولعله لأجل البرد أو لبيان الجواز.
(1)"سنن الترمذي"(1340).
(2)
كذا في الأصل، والصواب: أرداف جمع ردف. انظر: "تهذيب التهذيب"(11/ 108).
(3)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 305) رقم (5444).
قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ
===
(قال) أي وائل: (فإذا أراد) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يركع أخرج يديه) أي من ثوبه (1)(ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه) وهكذا في رواية الزبيدي عن الزهري.
وفي رواية سفيان عن الزهري: وإذا رفع رأسه، وأكثر ما يقول: وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، كما تقدم في أول الباب، وظاهر هذا السياق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في حالة الركوع، وسياق رواية سفيان يدل على أنه كان يرفع في القومة، قال الحافظ (2) في شرح قول الراوي: ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع: أي إذا أراد أن يرفع.
ويؤيده رواية أبي داود من طريق الزبيدي عن الزهري بلفظ: ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه، ومقتضاه أنه يبتدئ برفع يديه عند ابتداء القيام من الركوع.
وأما رواية ابن عيينة عن الزهري التي أخرجها عنه أحمد، وأخرجها عن أحمد أبو داود بلفظ: وبعدما يرفع رأسه من الركوع، فمعناه بعد ما يشرع في الرفع لتتفق الروايات، انتهى.
قلت: وهذا مذهب الإِمام الشافعي فقد صرح في كتاب "الأم"(3)، قال الشافعي: فنأمر كل مصل إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، رجلًا أو امرأة أن يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا كَبَّر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ويكون رفعه في كل واحدة من هذه الثلاث حذو منكبيه، ويُثْبِتُ يديه مرفوعتين حتى يفرغ من التكبير كله، ويكون مع افتتاح التكبير، وَرَدَّ يديه عن الرفع مع انقضائه، انتهى.
(1) فيه استحباب كشفهما للركوع، "ابن رسلان". (ش).
(2)
"فتح الباري"(2/ 220).
(3)
(1/ 298).
ثُمَّ سَجَدَ، وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ أَيْضًا رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ". قَالَ مُحَمَّدٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ أَبِى الْحَسَنِ فَقَالَ: هِىَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ، وَتَرَكَهُ مَنْ تَرَكَهُ. [م 401، حم 4/ 317، خزيمة 905]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هَمَّامٌ، عَنِ ابْنِ جُحَادَةَ، لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ مَعَ الرَّفْعِ مِنَ السُّجُودِ.
===
(ثم سجد، ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود أيضًا رفع يديه) وظاهر هذا الكلام يدل على أنه إذا رفع رأسه من السجود الأول والثاني يرفع يديه، وهذا يخالف ما تقدم من رواية ابن عمر من طريق سفيان عن الزهري، وفيه: ولا يرفع بين السجدتين، وكذلك في رواية الزبيدي عن الزهري من حديث ابن عمر: ولا يرفع يديه في السجود، وفي البخاري: ولا يفعل ذلك في السجود.
ويحتمل أن يكون المراد من السجود السجدة الثانية، فيكون المعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه بعد ما يرفع رأسه من السجدة الثانية عند القيام إلى الركعة الثانية.
(حتى فرغ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلاته) أي فعل ذلك الأفعال المذكورة حتى فرغ من صلاته.
(قال محمد) أي ابن جحادة: (فذكرت ذلك) الحديث (للحسن بن أبي الحسن) وهو الحسن البصري (فقال) الحسن: (هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله) أي ذلك الفعل في الصلاة (من فعله، وتركه من تركه. قال أبو داود: روى هذا الحديث همام (1) عن ابن جحادة، لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود) (2) أي لم يذكر همام رفع اليدين مع رفعه صلى الله عليه وسلم من السجود.
(1) ابن يحيى بن دينار. "ابن رسلان". (ش).
(2)
أخرج روايته أحمد في "مسنده"(4/ 317)، ومسلم في "صحيحه"(401)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 71).
722 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِى ابْنَ زُرَيْعٍ -، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِىُّ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ، حَدَّثَنِى أَهْلُ بَيْتِى عَنْ أَبِى أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ "أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ". [حم 4/ 316]
723 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِىِّ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ "أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ (1) أُذُنَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ". [ق 2/ 25، حم 4/ 316]
===
غرض المصنف بيان الفرق والاختلاف بين حديث عبد الوارث وهمام، فإنهما يرويان عن محمد بن جحادة، فذكر عبد الوارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجود رفع يديه، ولم يذكره همام.
722 -
(حدثنا مسدد، ثنا يزيد -يعني ابن زريع-، ثنا المسعودي) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي المسعودي، صدوق، اختلط قبل موته، (ثنا عبد الجبار بن وائل، حدثني أهل بيتي (2) عن أبي أنه) أي: أبي (حدثهم أنه) أي: أباه وائل (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبيرة) أي تكبيرة الافتتاح.
723 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني أو الطائي، أبو علي الأشل المروزي، نزيل الكوفة، ثقة، (عن الحسن بن عبيد الله) بن عروة (النخعي) أبو عروة الكوفي، ثقة فاضل، (عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه) وهذا السند مرسل، فإنه قد تقدم أنه لم يدرك أباه (أنه) أي أباه (أبصر النبي -صلي الله عليه وسلم- حين قام إلى الصلاة رفع يديه) أي عند التكبيرة الأولى (حتى كانتا) اليدان (بحيال) أي بحذاء (منكبيه وحاذى) أي قابل (بإبهامه أذنيه) وهذا هو مذهب أبي حنيفة (ثم كبَّر) أي للافتتاح.
(1) وفي نسخة: "إبهاميه".
(2)
يقال: إنه أخوه علقمة، "ابن رسلان". (ش).
724 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: قُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يُصَلِّى، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ، فَرَفَعَ (1) يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، قال: فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ،
===
724 -
(حدثنا مسدد، نا بشر بن المفضل، عن عاصم بن كليب) الجرمي الكوفي، كان من العباد الأولياء لكنه مرجئ، وثَّقه يحيى بن معين وغيره، وقال ابن المديني: لا يحتج بما انفرد به، وقال أبو حاتم: صالح.
(عن أبيه) كليب بن شهاب بن المجنون الجرمي، وثَّقه أبو زرعة وابن سعد، وقال النسائي: كليب هذا لا نعلم أحدًا روى عنه غير ابنه عاصم وغير إبراهيم بن مهاجر، وإبراهيم ليس قويًّا في الحديث، وقال الآجري عن أبي داود: عاصم بن كليب، عن أبيه، عن جده ليس بشيء، ويقال: إن له صحبة، قال ابن حجر: هو وهم.
(عن وائل بن حجر قال: قلت: لأنظرن (2) إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، قال) أي وائل:(ففام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة) أي توجه إليها (فكبر) أي للافتتاح (ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما) أي اليدين (مثل ذلك) أي حذاء أذنيه (ثم وضع يديه على ركبتيه) أي في الركوع.
(قال: فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما) أي اليدين (مثل ذلك) أي حذاء
(1) وفي نسخة: "ورفع".
(2)
فيه النظر إلى أفعال عالم ليقتدى به، قالوا: ولكن في هذا الزمان لا ينظر لئلا يؤدي إلى إساءة الظن به، بسطه ابن رسلان. (ش).
فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ رَأْسَهُ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى
===
أذنيه (فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه) أي وضع رأسه بين يديه، وجعل يديه حذاء أذنيه، كما فعل في افتتاح الصلاة.
(ثم جلس فافترش رجله اليسرى) فجلس عليها ونصب اليمنى (ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى).
قال علي القاري في "المرقاة"(1): وحد بصيغة الماضي مشددة الدال بعد الواو العاطفة، ومرفقه بكسر الميم وفتح الفاء ويعكس، قيل: أصل الحد المنع والفصل بين الشيئين، ومنه سمي المناهي حدود الله، والمعنى: فصل بين مرفقيه وجنبيه، ومنع أن يلتصقا في حالة استعلائهما على الفخذ، كذا قال الطيبي.
وقال المظهر: أي رفع مرفقه عن فخذه، وجعل عظم مرفقه كأنه رأس وتد، فجعله مشدد الدال من الحدة.
وقال الأشرف: ويحتمل أن يكون "وحدُّ" مرفوعًا مضافًا إلى المرفق على الابتداء، وقوله:"على فخذه" الخبر، والجملة حال، وأن يكون منصوبًا عطفًا على مفعول وضع، أي وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع حد مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى، نقله ميرك، وكتب تحته: وفيه نظر.
ولعل وجه النظر أن وضع حد المرفق لا يثبت عن أحد من العلماء، ولا دلالة على ما قاله على ما قيل في حديث صححه البيهقي، وهو أنه عليه السلام جعل مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى كما لا يخفى، وفي بعض النسخ: وَحَّدَ مرفقه من التوحيد، أي جعله منفردًا عن فخذه، انتهى كلامه.
(1)(2/ 333).
وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً، وَرَأَيْتُهُ يَقُولُ هَكَذَا،
===
وحاصل قوله أن في هذا الكلام احتمالات:
أولها: حد بصيغة الماضي مشدّد الدال فيه احتمالان: الأول: أن يكون "على" بمعنى عن أي رفعه عن فخذه، والثاني: أن يكون "على" بمعناه، ومعنى الحد المنع والفصل بين الشيئين، أي فصل بين مرفقه وجنبه، ومنع أن يلتصقا في حال استعلائهما على الفخذ، فعلى هذا يكون تقدير الكلام: وحد مرفقه الأيمن عن جنبه حال كونه عاليًا على الفخذ.
وثانيها: أن يكون "حَدُّ" اسمًا مرفوعًا مضافًا إلى المرفق على الابتداء، و "على فخذه"، خبره، والجملة حالية، وعلى هذا معنى الكلام: ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، والحال أن حد مرفقه الأيمن مستعلية على فخذه اليمنى.
وثالثها: أن يكون لفظ "حدَّ" منصوبًا مضافًا إلى المرفق عطفًا إلى مفعول وضع، أي وضع يده اليسرى ووضع حد مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى.
ورابعها: أن يكون "وَحَّدَ" من التوحيد، أي جعله منفردًا، أي: رفعه عنه.
وخامسها: كما لم يذكره القاري، وذكره في "المجمع" عن "المفاتيح" بأنه مد بفتح الميم وتشديد الدال المهملة، والله أعلم.
(وقبض) أي من أصابع يمناه (ثنتين) أي الإصبعين الخنصر والبنصر (وحلق حلقة) أي بالوسطى والإبهام (ورأيته) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم والرائي وائل بن حجر (يقول) أي يفعل، وإطلاق القول على الفعل شائع (هكذا) حكاه بالفعل والقول جميعًا بأنه لما قال: وقبض ثنتين وحلق حلقة أظهر يده وأراهم هيئة ذلك، بأنه قبض الخنصر والبنصر، ورفع السبابة، وحلق الوسطى والإبهام باليد.
وَحَلَّقَ بِشْرٌ الإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ". [ت 292، حم 4/ 316، جه 867، ق 2/ 28، ن 889]
725 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، قَالَ فِيهِ: ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ، وَقَالَ فِيهِ: "ثُمَّ جِئْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِى زَمَانٍ فِيهِ بَرْدٌ شَدِيدٌ فَرَأَيْتُ النَّاسَ عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيَابِ تَحَرَّكُ أَيْدِيهِمْ
===
(وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة) وهذا قول مسدد يقول: إن شيخه بشرًا لما حدث بهذا الحديث، وبلغ هذا القول: ورأيته يقول هكذا، فأراهم بشر كيفية الإشارة بالفعل، فما قال صاحب "عون المعبود" (1) تحت قوله: ورأيته يقول هكذا: هذه مقولة بشر بن المفضل، والضمير المنصوب يرجع إلى شيخه، فبعيد.
725 -
(حدثنا الحسن بن علي، نا أبو الوليد، نا زائدة، عن عاصم بن كليب بإسناده) أي بإسناد حديث بشر عن عاصم (ومعناه) أي بمعنى حديث بشر عن عاصم وإن اختلفا في اللفظ، ثم بين ذلك الاختلاف (قال) أي زائدة (فيه) أي في حديثه:(ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد).
حاصله: أن بشرًا ذكر أخذ الشمال باليمين، وزائدة ذكر وضع اليمين على ظهر كف اليسرى والرسغ والساعد.
ثم ذكر اختلافًا آخر (وقال) أي زائدة (فيه) أي في حديثه: قال وائل: (ثم جئت بعد ذلك) أي بعد الواقعة الأولى (في زمان فيه برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب) أي ثياب كثيرة (تحرك) بحذف إحدى التاءين أي تتحرك (أيديهم)(2) أي الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-
(1)(2/ 414)
(2)
الظاهر لرفع اليدين في الركوع والسجود، لكن ظاهر كلام ابن العربي في "عارضة =
تَحْتَ الثِّيَابِ". [انظر الحديث السابق]
726 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ:"رَأَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِيَالَ أُذُنَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُهُمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى صُدُورِهُمْ فِى افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِمْ بَرَانِسُ وَأَكْسِيَةٌ". [انظر تخريج الحديث السابق]
===
(تحت الثياب) وهذه الجملة زيادة زادها زائدة، ولم يذكرها بشر.
726 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه، قال: (1) ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة، وعليهم برانس) والبرانس جمع برنس، قال في "المجمع" (2): هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة أو غيره، الجوهري: هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإِسلام، من البِرْنس بكسر الباء، وهو القطن، انتهى.
قلت: وهذا الثوب في هذا الزمان شائع عند أهل الغرب يلبسونه ليس فيه كمام، سألت عنه بعض علماء أهل الغرب في المدينة المنورة، ورأيته عندهم.
(وأكسية) جمع كساء وهو معروف، يقال له بالفارسية: كَليم.
= الأحوذي" (2/ 88) أنه حمل هذا التحرك على الإشارة في التشهد، ثم ضعف الحديث، وقال: لو صح فمعناه تحرك عند البسط والقبض. (ش).
(1)
قال السيوطي في "التدريب"(2/ 443): ليس هذا من هذا السند، بل هو من عاصم عن عبد الجبار، فهو مدرج، كذا في "شذرات النسائي" للعبد الفقير. [انظر:"الفيض السمائي"(1/ 283)]. (ش).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 168).