الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(172) بَابُ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ
923 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عن الأَعْمَشِ، عن إِبْرَاهِيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عَبْدِ اللَّه قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في الصلاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ
===
(172)
(بَابُ رَدِّ السَّلَامِ في الصَّلَاةِ)
923 -
(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، نا ابن فضيل) محمد، (عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله) بن مسعود (قال: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة)(2) أي حين كنا بمكة معه صلى الله عليه وسلم (فيرد علينا) أي بلفظ السلام (فلما رجعنا) أي فهاجرنا إلى الحبشة، ثم رجعنا منها إلى مكة (3) أو إلى المدينة.
(من عند النجاشي) وهذا لقب ملك الحبشة، واسمه أصحمة بن أبحر، والنجاشي بفتح النون على المشهور، وقيل: تكسر عن ثعلب وتخفيف الجيم، وأخطأ من شددها عن المطرزي، وبتشديد آخره، وحكى المطرزي التخفيف ورجحه الصغاني، قاله الحافظ في "الإصابة"، هاجر إليه المسلمون حين آذاهم
(1) وفي نسخة: "النبي".
(2)
وهذا كان لما كان الكلام مباحًا حتى نزل {وَقُومُوا لِلَّهِ} ، [البقرة: 238]، . "ابن رسلان". (ش).
(3)
أثبت الشافعية كما حققه ابن رسلان رجوعه إلى مكة، وفرعوا عليه نسخ الكلام في مكة، وقالوا: إن قصة ليلة الجن صريحة في أنهم رجعوا إلى مكة وما تخلفوا في الحبشة، ورواية إسلام الجن أيضًا يدل على رجوعهم إلى مكة، انتهى.
قلت: وسيأتي عن ابن عبد البر أن الصحيح أن ابن مسعود لم يكن إلَّا بالمدينة، وفي "المنهل" (6/ 20): أن رجوعهم كان في سنة 3 هـ حين كان صلى الله عليه وسلم يتجهز لبدر، ورجح العيني نسخ الكلام بالمدينة، وذكر له قرائن. [انظر:"عمدة القاري"(5/ 586)"باب ما ينهى من الكلام في الصلاة"]. (ش).
سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ:"إِنَّ في الصَّلَاةِ لَشُغُلًا". [خ 1199، م 538]
===
الكفار، وقصته مشهورة في إحسانه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه، وصلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب، أسلم في عهده صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه صلى الله عليه وسلم.
(سلمنا عليه، فلم يرد (1) علينا وقال: إن في الصلاة لشغلًا) هاهنا صفة محذوفة، أي شغلًا مانعًا من الكلام.
والحديث يدل على تحريم رد السلام في الصلاة، وكذلك يقتضي تحريم الكلام في الصلاة، ولا خلاف بين أهل العلم أن من تكلم في صلاته عامدًا عالمًا فسدت صلاته، قال ابن المنذر (2): أجمع أهل العلم على أن من تكلم (3) في صلاته عامدًا وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة، واختلفوا في كلام الساهي (4) الجاهل، وقد حكى الترمذي عن أكثر أهل العلم أنهم سووا بين كلام الناسي والعامد والجاهل، وإليه ذهب الثوري وابن المبارك، وبه قال النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة، وذهب قوم إلى الفرق بين كلام الناسي والجاهل، وبين كلام العامد، وقد حكى ذلك ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن الزبير، ومن التابعين عن عروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وعن عمرو بن دينار، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر، وحكاه الحازمي عن نفر من أهل الكوفة وعن
(1) أجمع الأربعة على أن السلام باللسان يفسد الصلاة خلافًا لابن المسيب والحسن وقتادة، كذا في "المغني"(2/ 460)، وزاد ابن رسلان فيهم: أبا بكر، وفي نسخة: أبا هريرة وجابرًا. (ش).
(2)
انظر: "المغني"(2/ 444).
(3)
وسيأتي "باب النهي عن الكلام في الصلاة" في (ص 475). (ش).
(4)
وحاصل مذاهب الأئمة فيه أن الكلام في الصلاة قليلًا كان أو كثيرًا، عمدًا كان أو سهوًا مفسد عندنا وأحمد، وعند مالك الكلام لإصلاحها القليل لا يفسد، والباقي مفسد، وعند الشافعي ناسيًا القليل لا يفسد، والباقي مفسد. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أكثر أهل الحجاز وأكثر أهل الشام، وحكاه النووي في "شرح مسلم" عن الجمهور، كذا في "النيل"(1).
واحتج الأئمة الثلاثة ومن معهم بما روي عن أبي هريرة في قصة ذي اليدين بأنه تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ناسيًا، فإن عنده أنه كان أتم الصلاة، وذو اليدين تكلم ناسيًا، فإنه زعم أن الصلاة قد قصرت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستقبل الصلاة، ولم يأمر ذا اليدين ولا أبا بكر ولا عمر بالاستقبال.
وبما روي عنه صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"(2)، أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي وغيرهم.
وبأن كلام الناسي بمنزلة سلام الناسي، وذلك لا يوجب فساد الصلاة، وإن كان كلامًا، لأنه خطاب الآدميين، ولهذا يخرج عمده من الصلاة، كذا هذا.
واحتج (3) الإِمام أبو حنيفة ومن معه بقوله صلى الله عليه وسلم: "وليبن علي صلاته ما لم يتكلم"، جوَّز البناء إلى غاية التكلم فيقضي انتهاء الجواز بالتكلم (4).
وبما روي عن ابن مسعود (5) وفي آخره: "فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله تعالى قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة، فرد علي السلام".
(1)"نيل الأوطار"(2/ 367).
(2)
أخرجه ابن ماجه (2043، 2045)، والدارقطني (4/ 170)، والبيهقي (7/ 356) بلفظ:"إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنِّسيان".
(3)
وبما تقدم من روايات الفتح على الإِمام، وفي بعض طرقها: قال عليه السلام: "أليس فيكم أبي"، الحديث، وبلفظ الحصر في الروايات الآتية في العاطس. (ش).
(4)
كذا في "البدائع"(1/ 538). (ش)،
(5)
سيأتي تخريجه تحت حديث رقم (924).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وبما روي عن معاوية بن الحكم السلمي أنه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس بعض القوم، فقلت: يرحمك الله، الحديث، وفي آخره: ولكن قال: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن"(1)، فما لا يصلح في الصلاة فمباشرته مفسد للصلاة كالأكل والشرب ونحو ذلك.
وحديث ذي اليدين محمول على الحالة التي كان يباح فيها التكلم في الصلاة، وهي ابتداء الإِسلام بدليل أن ذا اليدين وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم تكلموا في الصلاة عامدين، ولم يأمرهم بالاستقبال، مع أن كلام العمد مفسد للصلاة بالإجماع.
والرفع المذكور في الحديث محمول على رفع الإثم والعقاب لا الحكم، فإن الله عز وجل أوجب في قتل الخطأ الكفارة.
والاعتبار بسلام الناسي غير سديد، فإن الصلاة تبقى مع سلام العمد في الجملة، وهو قوله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، والنسيان دون العمد، فجاز أن تبقى مع النسيان في كل الأحوال.
وفقهه أن السلام بنفسه غير مضاد للصلاة لما فيه من معنى الدعاء، إلَّا أنه إذا قصد به الخروج في أوان الخروج جعل سببًا للخروج شرعًا، فإذا كان ناسيًا وبقي عليه شيء من الصلاة لم يكن السلام موجودًا في أوانه، فلم يجعل سببًا للخروج، بخلاف الكلام فإنه مضاد للصلاة، كذا قال في "البدائع"(2).
ثم اعلم أن قوله: "فلما رجعنا من عند النجاشي" يحتمل أن يكون المراد من الرجوع الرجوع إلى مكة أو المدينة، قال الحافظ (3): إن بعض المسلمين
(1) سيأتي تخريجه تحت حديث رقم (931).
(2)
"بدائع الصنائع"(1/ 537 - 538).
(3)
"فتح الباري"(3/ 74).
924 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبَانُ، نَا عَاصِمٌ، عن أَبِي وَائِلٍ، عن عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ في الصَّلَاةِ وَنَأمُرُ بِحَاجَتِنَا،
===
هاجر إلى الحبشة ثم بلغهم أن المشركين أسلموا، فرجعوا إلى مكة فوجدوا الأمر بخلاف ذلك، واشتد الأذى عليهم، فخرجوا إليها أيضًا، فكانوا في المرة الثانية أضعاف الأولى، وكان ابن مسعود مع الفريقين.
واختلف في مراده بقوله: "فلما رجعنا" هل أراد الرجوع الأول أو الثاني؟ فجنح القاضي أبو الطيب الطبري وآخرون إلى الأول، وقالوا: كان تحريم الكلام بمكة، وحملوا حديث زيد بن أرقم على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ، وقالوا: لا مانع أن يتقدم الحكم، ثم تنزل الآية بوفقه، وجنح آخرون إلى الترجيح فقالوا: يترجح حديث ابن مسعود بأنه حكى لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف زيد بن أرقم فلم يحكه.
وقال آخرون: إنما أراد ابن مسعود رجوعه الثاني، وقد ورد أنه قدم المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر، وإلى هذا الجمع نحا الخطابي، ويقوي هذا الجمع رواية كلثوم المتقدمة، فإنها ظاهرة في أن كلًا من ابن مسعود وزيد بن أرقم حكى أن الناسخ قوله:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1)، والآية مدنية بالاتفاق، انتهى ملخصًا.
924 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا أبان (2)، نا عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله) بن مسعود (قال: كنا نسلم في الصلاة) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يسلم بعضنا على بعض (ونأمر بحاجتنا) والظاهر أن المراد بالحاجة الحاجة المتعلقة بالصلاة، كما وقع في حديث أبي أمامة عند الطبراني (3) في قصة معاذ قال: كان الرجل إذا دخل المسجد فوجدهم يصلون سأل الذي إلى جنبه فيخبره بما فاته، فيقضي ثم يدخل معهم، حتى جاء معاذ، الحديث.
(1) سورة البقرة: الآية 238.
(2)
الأفصح في عدم الصرف. "ابن رسلان". (ش).
(3)
"المعجم الكبير"(8/ 210) رقم (7850).
فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُوِلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم -وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَخَذنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ:"إِنَّ الله عز وجل يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ (1)، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا في الصَّلَاةِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ". [ن 1221، حم 1/ 415]
925 -
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ، عن بُكَيْرٍ، عن نَابِلٍ صَاحِبِ الْعَبَاءِ، عن ابْنِ عُمَرَ، عن صُهَيْبٍ
===
(فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد ما رجعت من الحبشة (وهو يصلي فسلمت عليه، فلم يرد علي السلام) أي مطلقًا لا بالإشارة ولا بالكلام (فأخذني ما قدم وما حدث) وفي رواية: ما قرب وما بعد، والمراد بما قدم وما حدث، الأحزان المتقدمة والحادثة بسبب تركه صلى الله عليه وسلم رد السلام عليه.
(فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله قد أحدث) أي جدد من الأحكام (أن لا تكلموا في الصلاة، فرد عليّ السلام).
قال القاري (2): قال ابن الملك: فيه دليل على استحباب رد جواب السلام بعد الفراغ من الصلاة، وكذلك لو كان على قضاء الحاجة وقراءة القرآن وسلم عليه أحد.
925 -
(حدثنا يزيد بن خالد بن موهب وقتيبة بن سعيد أن الليث حدثهم) أي يزيد وقتيبة ومن معهما في مجلس التحديث، (عن بكير) مصغرًا، (عن نابل) بالنون والباء الموحدة المكسورة (صاحب العباء، عن ابن عمر، عن صهيب) بن سنان أبو يحيى الرومي يقال: كان اسمه عبد الملك، وصهيب لقبه، صحابي شهير.
(1) وفي نسخة: "شاء".
(2)
"مرقاة المفاتيح"(3/ 40).
أَنَّهُ قَالَ: "مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ إِشَارَةً. قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا (1) قَالَ: إِشَارَةً بِإِصْبَعِهِ". وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ. [ت 367، حم 2/ 332، ن 1186، حب 2259، ق 2/ 259]
===
(أنه قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو (2) يصلي فسلمت عليه، فرد إشارة، قال) أي ليث، كما هو مصرح في رواية الطحاوي والدارمي، ولفظهما: قال ليث: وأحسبه قال بأصبعه، فإرجاع الضمير إلى نابل كما فعل صاحب "عون المعبود"(3) مبني على قلة التتبع، وكذلك إرجاع الضمير إلى ابن عمر في قوله: ولا أعلمه إلَّا قال، فإن مرجع هذين الضميرين بكير لا ابن عمر.
(ولا أعلمه) أي لا أظن شيخي بكيرًا (إلَّا قال: إشارةً بأصبعه) أي أظن أنه زاد لفظ بأصبعه (وهذا لفظ حديث قتيبة).
فإن قلت: إن هذا الحديث يدل على جواز رد السلام بالإشارة في الصلاة، والحديث المتقدم يدل على تأخيره إلى الفراغ من الصلاة.
قلت: الحديث الأول محمول على الأولوية، وأما الثاني فعلى تعليم الجواز، قال في "الدر المختار" (4): ورد السلام ولو سهوًا بلسانه لا بيده بل يكره على المعتمد، وقال في "الشامي": وصرَّح في "المنية" بأنه مكروه (5) أي تنزيهًا،
(1) وفي نسخة: "قال إلَّا".
(2)
وهل يسلم على من يصلي؟ قال أحمد: نعم، وكرهه إسحاق وغيره، كذا في "المغني"(2/ 461)، وقال ابن رسلان: مذهب الشافعي أنه لا يسلم عليه، ولو سلم لا يستحق جوابًا، وعن مالك روايتان: إحداهما: الكراهة، والثانية: الجواز، ومكروه عندنا كما في "الدر المختار". [انظر:"رد المحتار"(2/ 450)]. (ش).
(3)
انظر: (3/ 194).
(4)
انظر: "رد المحتار"(2/ 450).
(5)
خلافًا للثلاثة كما في "المغني"(2/ 460) إذ قالوا: يرد باليد، وقال ابن رسلان: وعند الشافعي والجماهير يستحب أن يرد باليد، وقال بعضهم: بعد الصلاة، وبه قال الثوري وغيره، وبسط صاحب "البدائع" الكراهة باليد أيضًا. [انظر:"بدائع الصنائع"(1/ 545)]. (ش).
926 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ (1) قَالَ: أَرْسَلَنِى نَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَنِى الْمُصْطَلِقِ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّى عَلَى بَعِيرِهِ فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لِى بِيَدِهِ هَكَذَا، ثُمَّ كَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لِى بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَنَا أَسْمَعُهُ يَقْرَأُ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ
===
وفعله عليه الصلاة والسلام لتعليم الجواز، فلا يوصف فعله بالكراهة كما حققه في "الحلية".
926 -
(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا زهير، نا أبو الزبير، عن جابر) بن عبد الله (قال: أرسلني نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق) أي لحاجة، وفي رواية مسلم: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق، وليس بين الروايتين تخالف، فإنهما كلاهما يسيران إلى بني المصطلق، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمًا ليأتي بخبرهم، أو لغيره من الحاجات.
(فأتيته) أي فذهبت إلى بني المصطلق ثم رجعت فأتيته (وهو يصلي على بعيره) وفي رواية مسلم: ثم أدركته وهو يسير، وزاد في النسائي: مشرقًا أو مغربًا (فكلمته، فقال لي بيده هكذا، ثم كلمته، فقال لي بيده هكذا) وفي رواية مسلم: فسلمت عليه فلم يرد عليَّ، وفي رواية: فسلمت عليه فأشار إلىَّ، وفي رواية: فكلمته، فقال لي بيده هكذا، وأومأ زهير بيده، ثم كلمته، فقال لي هكذا، وأومأ زهير بيده نحو الأرض، ولا اختلاف بين هذه الروايات فإن جابرًا -رضي الله تعالى عنه - سلَّم عليه صلى الله عليه وسلم ثم كلمه، فأشار إليه صلى الله عليه وسلم بيده أن امكث حتى أتم الصلاة.
ويدل عليه ما في "مسلم": وأومأ زهير بيده إلى الأرض، فهذا الكلام يدل على أن هذه الإشارة ما كانت لرد السلام، بل كانت للمنع عن الكلام، فإن هذه الإشارة كانت بيده إلى الأرض، ولو كانت هذه الإشارة لرد السلام لكانت إلى فوق.
(وأنا أسمعه يقرأ) القرآن (ويومئ برأسه) أي للركوع والسجود
(1) زاد في نسخة: "بن عبد الله".
قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "مَا فَعَلْتَ في الَّذِي أَرْسَلْتُكَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلَّا أَنِّي (1) كُنْتُ أُصَلِّي". [م 540، حم 3/ 338]
===
(قال) جابر أو غيره من الرواة: (فلما فرغ) رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة (قال: ما فعلت في الذي) أي في الأمر الذي (أرسلتك) له؟ (فإنه) الضمير للشأن (لم يمنعني أن أكلمك) أي من الكلام (إلَّا أني كنت أصلي) وفي رواية مسلم: فلما انصرف قال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلَّا أني كنت أصلي". وهذا كالصريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد على جابر السلام لا إشارة ولا لفظًا فتقييده بالكلام غير سديد.
ويؤيده ما ورد في رواية البخاري في حديث جابر: فسلمت عليه فلم يرد علي، فوقع في قلبي ما الله أعلم به، فقلت في نفسي: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد علي أني أبطأت عليه، ثم سلمت عليه فلم يرد علي، فوقع في قلبي أشد من المرة الأولى، ثم سلمت عليه فرد علي، فقال:"إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي"، فلو كانت إشارته صلى الله عليه وسلم لرد السلام لم يقع في قلب جابر من الغم والكرب ما وقع عليه، وأيضًا لما رد عليه صلى الله عليه وسلم بالإشارة لم يحتج أن يرد عليه بعد الفراغ من الصلاة، فهذا يرشدك أن الإشارة لم تكن لرد السلام، وللطحاوي في هذا البحث كلام طويل (2).
وقال العيني في "شرح البخاري"(3): وحكى ابن بطال الإجماع على أنه لا يرد السلام نطقًا، واختلفوا أيرد إشارة؟ فكرهه طائفة، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، ورخص فيه طائفة، روي ذلك عن سعيد بن المسيب وقتادة والحسن، وعن مالك روايتان: في رواية أجازه، وفي أخرى كرهه، وعند طائفة: إذا فرغ من الصلاة يرد.
(1) وفي نسخة: "أنني".
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار"(1/ 443).
(3)
"عمدة القاري"(5/ 622).
927 -
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْخُرَاسَانِىُّ الدَّامَغَانِىُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قُبَاءَ يُصَلِّى فِيهِ. قَالَ: فَجَاءَتْهُ الأَنْصَارُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّى. قَالَ: فَقُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّى؟ قَالَ: يَقُولُ هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّهُ، وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ، وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْقٍ". [ت 368، حم 6/ 12، قط 2/ 84، ق 2/ 259]
===
927 -
(حدثنا الحسين بن عيسى الخراساني الدامغاني، نا جعفر بن عون، نا هشام بن سعد، نا نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: خرج رسول الله إلى قباء) الظاهر أن هذا الخروج كان من المدينة بعد ما سكن فيها بعد الهجرة (يصلي فيه) أي لأن يصلي فيه (قال) عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-، وهذا من مرسلاته، لأنه لم يكن موجودًا هناك، ولعله سمعه من بلال أو صهيب أو من غيرهما من الصحابة الذين كانوا معه (فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه) ولعل بلالًا حدثه بعد قوله له: فسلموا عليه (وهو يصلي) فيرد عليهم، فسأله كيف يرد عليهم؟
(قال) أي بلال: (يقول) أي يشير رسول الله صلى الله عليه وسلم (هكذا، وبسط) أي بلال (كفه، وبسط جعفر بن عون كفه) وهذا قول حسين بن عيسى شيخ أبي داود يقول: بين لنا شيخنا جعفر بن عون كيفية بسط الكف بفعله (وجعل بطنه) أي الكف (أسفل وجعل ظهره) أي الكف (إلى فوق) أي ثم أشار به.
قال الترمذي (1) بعد تخريج الحديثين، حديث ابن عمر عن صهيب من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج، عن نابل صاحب العباء، عن ابن عمر،
(1)"سنن الترمذي"(2/ 204).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وحديث ابن عمر عن بلال من طريق وكيع، نا هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر: وقد روي عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع (1) حيث كانوا يسلمون عليه في مسجد يني عمرو بن عوف؟ قال: كان يرد إشارة، وكلا الحديثين عندي صحيح، لأن قصة حديث صهيب غير قصة حديث بلال، وإن كان ابن عمر روى عنهما، فاحتمل أن يكون سمع منهما جميعًا، انتهى.
قلت: قول الترمذي: قد روي عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث، يخالف ما رواه النسائي وابن ماجه والدارمي من طريق سفيان عن زيد بن أسلم، ولفظ النسائي (2): قال: قال ابن عمر: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ليصلي فيه، فدخل عليه رجال يسلمون عليه، فسألت صهيبًا وكان معه كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث.
ولفظ ابن ماجه (3): عن عبد الله بن عمر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء يصلي فيه، فجاءت رجالى من الأنصار يسلمون عليه، فسألت صهيبًا وكان معه كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث.
ولفظ الدارمي (4): عن ابن عمر أن النبي- صلى الله عليه وسلم دخل مسجد بني عمرو بن عوف، فدخل الناس يسلمون عليه، وهو في الصلاة، قال: فسألت صهيبًا كيف كان يرد عليهم؟ الحديث.
فخالف م الترمذي بتسمية بلال، ولم يذكروا في حديثهم إلَّا صهيبًا وهو المحفوظ، وقد وافقهم البيهقي بتسمية صهيب في حديث زيد بن أسلم.
(1) في الأصل: "يرد عليهم"، وهو تحريف.
(2)
"سنن النسائي"(1187).
(3)
"سنن ابن ماجه"(1017).
(4)
"سنن الدارمي"(1362).
928 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا غِرَارَ فِى صَلَاةٍ
===
وما أشار إليه الترمذي من الجمع بين الحديثين باحتمال أن يكون ابن عمر سمع منهما أي بلال وصهيب جميعًا، فتفصيله أن ههنا ثلاثة أحاديث.
أحدها: حديث نابل صاحب العباء عن ابن عمر، عن صهيب.
وثانيها: حديث هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر.
وثالثها: حديث زيد بن أسلم عن ابن عمر.
فالحديثان الأخيران وردا في قصة قباء في قصة واحدة، وأما الحديث الأول فورد في محل آخر على ما أشار إليه الترمذي، فقول الترمذي: لأن قصة حديث صهيب غير قصة حديث بلال، المراد من قصة حديث صهيب هو الذي ورد في الحديث الثاني والثالث.
ولكن في الاستدلال على صحة الحديثين بهذا الدليل خزازة، فإن اتحاد القصة ومغايرتها لا دخل لها في صحة الحديث، فيمكن أن يروي ابن عمر عنهما قصة واحدة، وتكون الرواية عنهما صحيحة، ويمكن أن يروي عن أحدهما قصة أخرى غير القصة المتفق عليها، ويكون ذلك صحيحًا أيضًا، والله تعالى أعلم.
928 -
(حدثنا أحمد بن حنبل، نا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان (1)، عن أبي مالك الأشجعي) أي سعد بن طارق، (عن أبي حازم) اسمه سلمان، (عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا غرار في صلاة).
قال في "مرقاة الصعود": أما الغرار في الصلاة فعلى وجهين: أن لا يتم ركوعه وسجوده، وأن يشك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ فيأخذ بالأكثر، وينصرف
(1) أي الثوري، "ابن رسلان". (ش).
وَلا تَسْلِيمَ".
قَالَ أَحْمَدُ: يَعْنِى - فِيمَا أُرَى - أَنْ لَا تُسَلِّمَ وَلَا يُسَلَّمَ عَلَيْكَ، وَيُغَرِّرُ الرَّجُلُ بِصَلَاتِهِ فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ فِيهَا شَاكٌّ. [حم 2/ 461، ك 1/ 264، ق 2/ 260]
929 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عن سُفْيَانَ، عن أَبِي مَالِكٍ (1)، عن أَبِي حَازِمٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
===
بالشك، وقال في "النهاية": الغرار في الصلاة نقصان هيئتها وأركانها، وقيل: أراد بالغرار النوم، أي ليس في الصلاة نوم.
(ولا تسليم) يروى بالجر والنصب، فمن جره كان معطوفًا عنده على صلاة، وغراره أن يقول المجيب: وعليك، ولا يقول: السلام، ومن نصبه كان عنده معطوفًا على غرار، ويكون المعنى: لا نقص ولا تسليم في الصلاة، لأن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز، انتهى، ومثله في "المجمع"، ومناسبة الحديث بالباب بقوله: ولا تسليم بالعطف على الغرار.
(قال أحمد) أي ابن حنبل: (يعني فيما أرى) حاصله أن الإِمام أحمد ما قال في معنى الحديث هو من رأيه ليس منقولًا عن السلف، فمعنى قوله: لا تسليم (إن لا تسلم) بصيغة المعلوم، أي على أحد إذا كنت في الصلاة (ولا يسلم) بصيغة المجهول (عليك) أي لا يسلم عليك أحد إذا كنت في الصلاة، وهذا معنى قوله:"ولا تسليم" عند الإِمام أحمد، (و) معنى قوله:"لا غرار في صلاة" أن (يغرَّر (2) الرجل بصلاته) أي ينقص (فينصرف) من صلاته (وهو) الرجل (فيها) أي في صلاته (شاك) أي هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟
929 -
(حدثنا محمد بن العلاء، أنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن أبي مالك) الأشجعي، (عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال) أبو معاوية:
(1) زاد في نسخة: "الأشجعي".
(2)
وهكذا نقله ابن قدامة في "المغني"(2/ 407). (ش).