الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(123) بَابُ مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ الدُّعَاءِ
===
فيه هذه الزيادة، فلا شك أنها غير محفوظة، لأن الراوي وإن كان من الثقات إذا خالف الثقات أو أوثق منه، فروايته لا تقبل، وتكون شاذة غير محفوظة.
فالحاصل أن هذا الحديث مع هذه الزيادة ضعيف جدًّا، ومع ذلك لا يخلو عن الاضطراب، أخرج ابن خزيمة في هذا الحديث "على صدره"، والبزار "عند صدره"، كما قال الحافظ في "الفتح"(1)، وأخرج ابن أبي شيبة "تحت السرة".
والعجب من ابن القيم كيف أورده مثالًا لترك السنة الصحيحة مع أنه ذهب إلى تفرد مؤمل بن إسماعيل بهذه الزيادة.
ثم لا يخفى أن هذا الحديث من أقوى الدلائل للخصوم، لم يذكر النووي في الباب غيره في "الخلاصة" وابن دقيق العيد في "الإِمام" والحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام".
وقال الشوكاني في "النيل"(2): ولا شيء في الباب أصح من حديث وائل المذكور، انتهى.
وقد عرفت ما فيه من العلل، وقد أوضحت المرام في رسالتي "الدُّرَّةُ الغُرَّةُ في وضع اليدين على الصدر وتحت السُّرَّةِ"، فمن شاء فليرجع إليه، انتهى كلام النيموي.
(123)
(بَابُ مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ الصَّلاةُ مِنَ الدعَاءِ)
اعلم أن عندنا فرقًا بين الفرائض والتطوعات في دعاء الاستفتاح، فالفرائض يقتصر فيها على:"سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك"، وأما في التطوعات فإن الأمر فيها واسع، فيقول ما شاء من الدعوات الواردة فيه، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد.
(1)"فتح الباري"(2/ 224).
(2)
(2/ 220).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما عند أبي يوسف فيجمع معه {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1).
كذا رواه البيهقي (2) من حديث جابر أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استفتح الصلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".
والدليل لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- ما روى البيهقي عن أنس وعائشة وأبي سعيد الخدري وجابر وعمر وابن مسعود -رضي الله تعالى عنهم- الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره مرفوعًا، إلَّا عن عمر وابن مسعود فإنهما لم يرفعاه، والدارقطني رفعه عن عمر، ثم قال: والمحفوظ عن عمر من قوله.
وفي "صحيح مسلم"(3) عن عبدة وهو ابن أبي لبابة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، ورواه أبو داود والترمذي (4) عن عائشة وضعفاه، ورواه الدارقطني (5) عن عثمان من قوله، ورواه سعيد بن منصور عن أبي بكر الصديق من قوله.
وفي رواية أبي داود (6) عن أبي سعيد: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره، ثم يقول:
(1) سورة الأنعام: الآية 79.
(2)
"السنن الكبرى"(2/ 35).
(3)
برقم (771).
(4)
"سنن أبي داود"(774)، و"سنن الترمذي"(243).
(5)
"سنن الدارقطني"(1/ 302).
(6)
"سنن أبي داود"(773).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
لا إله إلَّا الله ثلاثًا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، أعوذ بالله السميع العلم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ".
وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه (1)، قال الترمذي: وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب، وقال أيضًا: قد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث، انتهى، وعلي بن علي بن نجاد بن رفاعة وثَّقه وكيع وابن معين وأبو زرعة وكفى بهم.
ولما ثبت من فعل الصحابة كعمر وغيره الافتتاح بعده عليه السلام بسبحانك اللهم مع الجهر بقصد تعليم الناس ليقتدوا كان دليلًا على أنه الذي كان عليه عليه السلام في آخر الأمر، وأنه كان أكثر الأمر من فعله صلى الله عليه وسلم، وإن كان رفع غيره أقوى على طريق المحدثين.
ألا ترى أنه روي في "الصحيحين"(2) عن أبي هريرة أنه عليه السلام كان يسكت هُنيئة قبل القراءة بعد التكبيرة، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد"، وهو أصح من الكل، متفق عليه، ومع ذلك لم يقل بسنيته عينًا أحد من الأئمة الأربعة.
والحاصل: أن غير المرفوع والمرفوع المرجوح في الثبوت عن مرفوع آخر قد يقدم على عديله إذا اقترن بقرائن تفيد أنه صحيح عنه عليه السلام، كذا قال الحلبي في شرح "المنية"(3).
(1)"سنن الترمذي"(242)، و"سنن النسائي"(899)، و"سنن ابن ماجه"(804).
(2)
"صحيح البخاري"(744)، و"صحيح مسلم"(598).
(3)
(ص 302).
758 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَمِّهِ الْمَاجِشُونِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِىَ
===
758 -
(حدثنا عُبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا عبد العزيز بن أبي سلمة) هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، (عن عمه الماجشون) هو يعقوب (بن أبي سلمة، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله (1) بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب (2) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة).
قال الشوكاني (3): أخرجه (4) أيضًا ابن حبان، وزاد: إذا قام إلى الصلاة المكتوبة، وكذلك رواه الشافعي وقيده أيضًا بالمكتوبة، وكذا غيرهما، وأما مسلم فقيده بصلاة الليل، وزاد: من جوف الليل، قلت: وفي النسائي برواية محمد بن مسلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعًا.
(كبر) أي تكبيرة الإحرام (ثم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجهت) وفي حذف "إني" إيماء إلى أنه لم يرد به القراءة (وجهي) بسكون الياء وفتحها، أي توجهت بالعبادة بمعنى أخلصت عبادتي لله، قاله الطيبي، وقيل: صرفت وجهي وعملي ونيتي، أو أخلصت وجهي وقصدي ووجهتي.
وينبغي للمصلي عند تلفظه بذلك أن يكون على غاية من الحضور
(1) كاتب علي رضي الله عنه. (ش).
(2)
قال ابن العربي (2/ 41): رواية علي رضي الله عنه في التوجيه صحيح، ورواية أبي سعيد وعائشة في سبحانك اللهم
…
إلخ ضعيف، وقال ابن القيم (1/ 199): المحفوظ أن هذا كان في قيام الليل، وراجع إلى "مشكل الآثار"(4/ 217). (ش).
(3)
"نيل الأوطار"(2/ 223).
(4)
قلت: لفظ ابن حبان على ما أخرجه ابن رسلان: "إذا افتتح الصلاة". (ش). [قلت: في نسخة "صحيح ابن حبان" المطبوعة بين يدي: "كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة". انظر رقم (1771)].
لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للهِ
===
والإخلاص وإلا كان كاذبًا، وأقبح الكذب ما يكون والإنسان واقف بين يدي من لا يخفى عليه خافية.
(للذي فطر السموات والأرض) أي للذي خلقهما وعملهما من غير مثال سبق، وإنما جمع السماوات لسعتها، أو لاختلاف طبقاتها، أو لتقدم وجودها، أو لشرف جهتها، أو لفضيلة جملة سكانها، أو لأنها أفضل على الأصح عند الأكثر، وإلَّا فالأرض سبع أيضًا على الصحيح لقوله تعالى:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (1)، ولما ورد:"ورب الأرضين السبع" قاله القاري (2).
وقال الشوكاني: قال القاضي أبو الطيب: لأنا لا ننتفع من الأرض إلَّا بالطبقة الأولى، بخلاف السماء فإن الشمس والقمر والكواكب موزعة عليها.
(حنيفًا) أي مائلًا عن كل دين باطل إلى الدين الحق ثابتًا عليه، وانتصابه على الحال (وما أنا من المشركين) فيه تأكيد وتعريض. (إن صلاتي) أي عبادتي وصلاتي، وفيه شائبة تعليل لما قبله (ونسكي) أي: ديني، وقيل: عبادتي أو تقربي أو حجي، وجمع بينهما لقوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (3) وقيل: هو من ذكر العام بعد الخاص (ومحياي ومماتي) أي حياتي وموتي، والجمهور على فتح الياء الآخرة في محياي، وقرئ بإسكانها (لله).
وقيل: طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير، أو حياتي وموتي لله لا تصرف للغير فيهما، أو ما أنا عليه من العبادة في حياتي خالصة لوجه الله تعالى، أو إرادتي من الحياة والممات خالصة لذكره وحضوره
(1) سورة الطلاق: الآية 12.
(2)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 272).
(3)
سورة الكوثر: الآية 2.
رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.
===
وقربه وللرضا بأمره وقدره، أو جميع أحوالي حياتي ومماتي وما بعده لله تعالى.
(رب العالمين) بدل أو عطف بيان، أي مالكهم ومربيهم، وهم ما سوى الله تعالى على الأصح (لاشريك له) في ذاته وصفاته وأفعاله (وبذلك أمرت) أي بالتوحيد الكامل الشامل للإخلاص قولًا وعملًا واعتقادًا (وأنا أول المسلمين)، وفي رواية: وأنا من المسلمين، وكان صلى الله عليه وسلم يقول تلك تارة وهذه أخرى، لأنه أول مسلمي هذه الأمة، والسنة لغيره أن يقول الثانية لا غير، إلَّا أن يقصد الآية.
قال الشوكاني (1): قال في "الانتصار": إن غير النبي إنما يقول: وأنا من المسلمين، وهو وهم منشأه توهم أن معنى "وأنا أول المسلمين" إني أول شخص اتصف بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه، وليس كذلك، بل معناه بيان المسارعة في الامتثال لما أمر به، ونظيره:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (2)، وقال موسى:{وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (3)، انتهى.
قال في "البحر الرائق"(4): ثم اعلم أنه يقول في دعاء التوجيه: "وأنا من المسلمين"، ولو قال:"وأنا أول المسلمين"، اختلف المشايخ في فساد صلاته، والأصح عدم الفساد، وينبغي أن لا يكون فيه خلاف لما ثبت في "صحيح مسلم" من الروايتين بكل منهما، وتعليل الفساد بأنه كذب مردود بأنه إنما يكون كذبًا إذا كان مخبرًا عن نفسه لا تاليًا، وإذا كان مخبرًا فالفساد عند الكل، انتهى، ثم لا فرق بين الرجل والمرأة في الأذكار والأدعية لحمله على التغليب، أو إرادة الأشخاص.
(1)"نيل الأوطار"(2/ 224).
(2)
سورة الزخرف: الآية 81.
(3)
سورة الأعراف: الآية 143.
(4)
(1/ 541).
اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إِلَهَ لِى إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى، فَاغْفِرْ لِى ذُنُوبِى جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِى لأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ
===
(اللَّهمَّ) يا الله، والميم بدل عن حرف النداء، ولذا لا يجمع بينهما (أنت الملك، لا إله إلَّا أنت) أي أنت المتفرد بالملوكية والألوهية (أنت ربي) تخصيص بعد تعميم، وإنما أخر الربوبية في قوله:"أنت ربي" بتخصيص الصفة وتقييدها بالإضافة إلى نفسه وإخراجها عن الإطلاق.
(وأنا عبدك، ظلمت نفسي) أي بالغفلة عن ذكر ربي، أو بوضع محبة الغير في قلبي (واعترفت بذنبي) أي بعملي خلاف الأولى، أو بوجودي الذي منشأ ذنبي كما قيل:
وُجُودُكَ ذَنْبٌ لَا يُقَاسُ بِه ذَنْبُ
(فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه) بالكسر استيناف، وفي نسخة: بالفتح (لا يغفر الذنوب إلَّا أنت، واهدني) أي دلني ووفِّقْني وسبِّبْني وأوصلني (لأحسن الأخلاق) في عبادتك وغيرها من الأخلاق الظاهرة والباطنة) لا يهدي لأحسنها إلَّا أنت، واصرف عني) أي أبعدني واحفظني وامنعني (سيئها) أي قبيحها (لا يصرف سيئها إلَّا أنت، لبيك).
هو من ألبّ بالمكان إذا قام به، وثنى هذا المصدر مضافًا إلى الكاف، وأصل لبيك لبَّيْنَ فحذف النون بالإضافة وأريد بالتثنية بالتكرير من غير نهاية، أي أنا مداوم على طاعتك دوامًا بعد دوام، وأقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، كقوله تعالى:{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} (1) أي كرَّة بعد كرَّة، ومرَّة بعد مرَّة.
(وسعديك) أي ساعدت طاعتك يا رب مساعدة بعد مساعدة،
(1) سورة الملك: الآية 4.
وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، أنَا بِكَ وِإلَيْكَ
===
وهي الموافقة والمسارعة، أو أسعد بإقامتي على طاعتك وإجابتي لدعوتك سعادة بعد سعادة (والخير كله) اعتقادًا وقولًا وفعلًا (في يديك) أي في تصرفك وقدرتك وإرادتك.
(والشر ليس إليك) لم يوجد إلَّا في حاشية المجتبائية ونسخة "عون المعبود"، أي لا يتقرب (1) به إليك، أولا يضاف إليك، بل إلى ما اقترفته أيدي الناس من المعاصي، أو ليس إليك قضاؤه، فإنك لا تقضي الشر من حيث هو شر، بل لما يصحبه من الفوائد الراجحة، قاله الطيبي.
وقيل: معناه أن الشر ليس شرًّا بالنسبة إليه، وإنما هو شر بالنسبة إلى الخلق، وقيل: الشر لا يصعد إليك، لقوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (2)، وقيل: الشر لا يضاف إليك بحسن التأدب، ولذا لا يقال: يا خالق الخنازير وإن خلقها، وهذا كقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (3) مضيفًا للمرض إلى نفسه، والشفاء لربه، والخضر أضاف إرادة العيب إلى نفسه، وما كان من باب الرحمة إلى ربه، فقال:{فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا * فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} (4)، انتهى، كذا قال القاري (5).
(أنا بك) أي أعوذ وأعتمد بك، وألوذ وأقوم بك (وإليك) أي أتوجه وألتجي وأرجع وأتوب، أو بك وجدت، وإليك أنتهي، فأنت المبدأ والمنتهى، وقيل: أستعين بك وأتوجه إليك، وقيل: أنا موقن بك وبتوفيقك علمت، والتجائي وانتمائي إليك، أو بك أحيى وأموت، وإليك المصير، أو أنا بك إيجادًا وتوفيقًا، وإليك إرجاعًا واعتصامًا.
(1) وكذا قال الطحاوي في "مشكل الآثار"(4/ 223). (ش).
(2)
سورة فاطر: الآية 10.
(3)
سورة الشعراء: الآية 80.
(4)
سورة الكهف: من الآية 79 والآية 82.
(5)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 274).
تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».
وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِى وَبَصَرِى وَمُخِّى وَعِظَامِى وَعَصَبِى» . وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ» . وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ،
===
(تباركت) أي تعظمت وتمجدت (وتعاليت) عما أوهمه أوهام ويتصور عقول الأنام، ولا تستعمل هذه الكلمات إلَّا الله تعالى (أستغفرك) أي أطلب المغفرة لما مضى (وأتوب) أي أرجع عن فعل الذنب فيما بقي متوجهًا (إليك) بالتوفيق والثبات إلى الممات.
(وإذا ركع قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ لك ركعت وبك آمنت) وفي تقديم الجار إشارة إلى التخصيص (ولك أسلمت) أي ذللت وانقدت، أو لك أخلصت وجهي، أولك خذلت نفسي وتركت أهواءها.
(خشع) أي خضع وتواضع (لك سمعي وبصري) تخصيصهما من بين الحواس، لأن أكثر الآفات بهما، فإذا خشعتا قَلَّت الوساوس، أو لأن تحصيل العلم النقلي والعقلي بهما، وقدَّم السمع لأن المدار على الشرع (ومخي) قال ابن رسلان: المراد به هنا الدماغ، وأصله الودك التي في العظم، وخالص كل شيء مخه (وعظامي وعصبي) والعظام عمد الحيوان، والعصب أطنابه.
(وإذا رفع) رأسه من الركوع (قال: سمع الله لمن حمده) فإذا استقر في الاعتدال قال: (ربنا ولك الحمد ملء السماوات) بالنصب صفة مصدر محذوف، وقيل: حال، وبالرفع صفة الحمد (والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد) أي بعد السماوات والأرض كالعرش وما فوقه، وما تحت أسفل الأرضين بما لا يحيط به إلَّا خالقه.
(وإذا سجد قال: اللهمَّ لك سجدت، وبك آمنت،
وَلَكَ (1) أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِى لِلَّذِى خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ (2) وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، وَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ». وَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ،
===
ولك أسلمت، سجد وجهي) بالوجهين، أي خضع وذل وانقاد (للذي خلقه، وصوَّره فأحسن صورته) كما قال الله تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} (3)(وشقَّ سمعه) أي طريق السمع، إذ السمع ليس في الأذنين بل في مقعر الصماخ (وبصره، وتبارك الله)(4) أي تعالى وتعظم (أحسن الخالقين) أي المصورين والمقدرين.
(وإذا سلم من الصلاة) أي أراد (5) السلام، لأن في رواية مسلم: ثم يكون من آخر ما يقول من التشهد والتسليم (قال: اللهمَّ اغفرلي ما قدمت) من سيئة (وما أخرت) من عمل أي جميع ما فرط مني، قاله الطيبي، وقيل: ما قدمت قبل النبوة، وما أخرت بعدها، وقيل: ما أخرته في علمك بما قضيته عليّ، وقيل: معناه إن وقع مني في المستقبل ذنب فاجعله مقرونًا بمغفرتك، قاله القاري (6).
وقال الشوكاني (7): والمراد بقوله: ما أخرت، إنما هو بالنسبة من ذنوبه المتأخرة، لأن الاستغفار قبل الذنب محال، قال الأسنوي: ولقائل أن يقول: المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه، وأما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع، فلا استحالة فيه.
(1) وفي نسخة: "وبك".
(2)
وفي نسخة: "صوره".
(3)
سورة غافر: الآية 64.
(4)
ومن عجائب هذه الآية أنه سبب ارتداد ابن أبي السرح، وفضل عمر رضي الله عنه لأنهما قالاه، فارتدَّ الأول، وافتخر الثاني بالموافقة. "ابن رسلان". (ش).
(5)
كذا قال ابن رسلان، وزاد: ويحتمل أنه قاله مرة بعد السلام أيضًا. (ش).
(6)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 275).
(7)
"نيل الأوطار"(2/ 226).
وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إلَّا أَنْتَ». [م 771، ن 897، ت 3421، قط 1/ 287، حم 1/ 93، حب 1771، ق 2/ 23، خزيمة 462]
759 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِىُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم "أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ،
===
(وما أسررت) أي أخفيت (وما أعلنت، وما أسرفت) أي جاوزت مبالغة في طلب الغفران بذكر أنواع العصيان (وما أنت أعلم به مني) أي من ذنوبي التي لا أعلمها عددًا وحكمًا.
(أنت المقدم) أي بعض العباد إليك بتوفيق الطاعات، (و) أنت (المؤخر) أي بعضهم بالخذلان عن النصرة، فنسألك أن تجعلنا ممن قدمته في معالم الدين، ونعوذ بك أن تؤخرنا عن طريق اليقين (لا إله إلَّا أنت) أي ليس لنا معبود نتذلل له، ونخضع إليه في غفران ذنوبنا.
759 -
(حدثنا الحسن بن علي) الخلال، (نا سليمان بن داود الهاشمي، نا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) أبو داود المدني، (عن عبيد الله (2) بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه،
(1) وفي نسخة: "النبي".
(2)
هذا الحديث مكرر، مرَّ قبيل "باب من لم يذكر الرفع عند الركوع". (ش).
وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِى شَىْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ وَدَعَا"، نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِى الدُّعَاءِ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ الشَّىْءَ وَلَمْ يَذْكُرْ (1):«وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِى يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» وَزَادَ فِيهِ: وَيَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ (2) وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِى لَا إِلَهَ إلَّا أَنْتَ» . [قط 1/ 287، وانظر تخريج الحديث رقم 744]
===
ويصنع مثل ذلك) أي يرفع يديه حذو منكبيه (إذا قضى) أي أَتَمَّ (قراءته، وإذا أراد أن يركع، وبصنعه) أي يرفع يديه (إذا رفع) رأسه (من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد) أي في حالة القعود.
(وإذا قام من السجدتين) يحتمل أن يكون المراد من السجدتين سجدتي الركعة الأولى، أو المراد ركعتين، أي يرفع يديه في الصلاة الثلاثية والرباعية إذا قام من التشهد الأول (رفع يديه كذلك) أي مثل ما رفع قبل الركوع وبعده (وكبر) للتحريمة (ودعا) بعدها (نحو حديث عبد العزيز) بن أبي سلمة المتقدم (في الدعاء، يزيد وبنقص الشيء) أي يزيد في الدعاء وينقص عبد الله بن الفضل مما في حديث الماجشون.
(ولم يذكر) عبد الله بن الفضل: (والخير كله في يديك والشر ليس إليك، وزاد) عبد الله بن الفضل (فيه: ويقول عند انصرافه من الصلاة: اللهمَّ اغفر لي ما قدَّمت وما أخَّرت وما أسررت وأعلنت أنت إلهي لا إله إلَّا أنت)، قلت: ليس هذه زيادة، بل هي مذكورة في حديث الماجشون، ولكن في هذا الحديث زيادة "أنت إلهي" فقط.
(1) زاد في نسخة: "في حديثه".
(2)
وفي نسخة العيني (3/ 367): "ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت"، وكذا في النسخة المطبوعة بتحقيق الشيخ محمد عوانة.
760 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِى شُعَيْبُ بْنُ أَبِى حَمْزَةَ قَالَ: قَالَ لِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَابْنُ أَبِى فَرْوَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: فَإِذَا قُلْتَ أَنْتَ ذَاكَ فَقُلْ: «وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» - يَعْنِى قَوْلَهُ: «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» -.
761 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ قَالَ:«أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا؟ »
===
760 -
(حدثنا عمرو بن عثمان، نا شريح بن يزيد) الحضرمي، (حدثني شعيب بن أبي حمزة قال: قال لي محمد بن المنكدر وابن أبي فروة) هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي المدني، متروك (وغيرهما من فقهاء أهل المدينة: فإذا قلت أنت ذاك) أي الدعاء (فقل: وأنا من المسلمين، يعني قوله) أي مكان قوله: (وأنا أول المسلمين) لأن في قولك: وأنا أول المسلمين شائبة الكذب كما تقدم عن "البحر".
761 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن قتادة) بن دعامة (وثابت) بن أسلم البناني بضم الموحدة ونونين مخففين، أبو محمد البصري، صحب عليًا أربعين سنة (وحميد) الطويل ابن أبي حميد، (عن أنس بن مالك، أن رجلًا) لم أقف على تسميته (جاء إلى الصلاة وقد حفزه) بفتح الحاء المهملة والفاء والزاي المعجمة، أي جهده من شدة السعي وضغطه لسرعته، وأصل الحفز الدفع العنيف (النفس) بفتحتين.
(فقال: الله أكبر) أي كبر للتحريمة، ثم قال:(الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما قضى) أي أتم (رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته فقال: أيكم المتكلم بالكلمات، فإنه لم يقل بأسًا؟ )، وفي رواية النسائي: "فَأرَمَّ القومُ، قال:
فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِى النَّفَسُ فَقُلْتُهَا. فَقَالَ:«لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَىْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا» . وَزَادَ حُمَيْدٌ فِيهِ: «وَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْشِ نَحْوَ مَا كَانَ يَمْشِى، فَلْيُصَلِّ مَا أَدْرَكَ (1) وَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ» . [م 600، ن 901]
762 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْعَنَزِىِّ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى صَلَاةً، قَالَ عَمْرٌو (2):
===
إنه لم يقل بأسًا" (فقال الرجل) القائل بالكلمات: (أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أنا قلتها (جئت وقد حفزني النفس فقلتها) أي الكلمات (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها أيهم يرفعها) أي كل منهم يريد أن يسبق على غيره في رفعها إلى محل العرض أو القبول.
(وزاد حميد فيه) أي في هذا الحديث: (وإذا جاء أحدكم) أي إلى المسجد للصلاة (فليمش نحو ما كان يمشي) أي لا يسع حتى يجهده النفس، بل ليمش نحو مشيه (فليصل ما أدرك) أي من صلاته مع الإمام (وليقض ما سبقه) من صلاته مع الإِمام، والكلام في أن المسبوق ما يقضي بعد الإِمام هو أول صلاته أو آخرها سيجيء (3) في محله.
762 -
(حدثنا عمرو بن مرزوق، أنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عاصم) بن عمير مصغرًا، وهو ابن أبي عمرة (العنزي) بمهملة ونون مفتوحتين (عن ابن جبير بن مطعم) هو نافع (عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاةً، قال عمرو) بن مرة:
(1) وفي نسخة: "أدركه".
(2)
زاد في نسخة: "يعني ابن مرة".
(3)
كذا في الأصل، والصواب بدله:"تقدم"، فإن الكلام على ذلك تقدم في "باب السعي إلى الصلاة". (ش).
لَا أَدْرِى أَىَّ صَلَاةٍ هِىَ - فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ثلاثًا. وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً» ثَلَاثًا. «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ مِنْ نَفْخِهِ
===
(لا أدري أي صلاة (1) هي) أي فرض أو تطوع.
(فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر كبيرًا) حال مؤكدة، وقيل: منصوب على القطع من اسم الله، وقيل: بإضمار أكبر، وقيل: صفة لمحذوف أي تكبيرًا كبيرًا (الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا) لعلَّ التكرار للتأكيد، أو الأول للذات والثاني للصفات والثالث للأفعال، وأفعل لمجرد المبالغة، أو معناه أعظم من أن يعرف عظمته.
قال ابن الهمام: إن أفعل وفعيلًا في صفاته تعالى سواء، لأنه لا يراد بأكبر إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة، لأنه لا يساويه أحد.
(والحمد لله كثيرًا) صفة لموصوف مقدر، أي حمدًا كثيرًا على النعم الظاهرة والباطنة في الدنيا والعقبى وما بينهما (الحمد لله كثيرًا، الحمد لله كثيرًا ثلاثًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا) أي في أول النهار وآخره، منصوبان على الظرفية، والعامل سبحان، وخص هذين الوقتين لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما، كذا ذكره الأبهري، وقال الطيبي: الأظهر أن يراد بهما الدوام كما في قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (2)(ثلاثًا) قيد الكل، كذا في "المفاتيح"(3)، ويحتمل أن يكون قيدًا للأخير، بل هو الظاهر لاستغناء الأولين عن التقييد بتلفظه ثلاثًا.
(أعوذ بالله من الشيطان من نفخه) بدل اشتمال، أي من كبره المؤدي
(1) وسيأتي في الحديث الآتي أنه في التطوع. (ش).
(2)
سورة مريم: الآية 62.
(3)
انظر: "مرقاة المفاتيح"(2/ 279).
وَنَفْثِهِ وَهَمْزِهِ». قَالَ: "نَفْثُهُ الشِّعْرُ، وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ، وَهَمْزُهُ الْمُوتَةُ". [جه 807، حم 4/ 80]
===
إلى كفره (ونفثه) أي سحره (وهمزه) أي وسوسته، قال الطيبي: النفخ كناية عن الكبر، كأن الشيطان ينفخ فيه بالوسوسة فيعظمه في عينه ويحقر الناس عنده، والنفث عبارة عن الشعر، لأنه ينفثه الإنسان من فيه كالرقية، انتهى، قلت: والمراد بالشعر الشعر المذموم مما فيه هجو مسلم أو كفر أو فسق.
(قال) أي عمرو بن مرة، قلت: وفي "مشكاة المصابيح": وقال عمر، قال القاري في "شرحه": قال ميرك: صوابه عمرو بالواو (نفثه) بالرفع على الإعراب، وبالجر على الحكاية (الشعر) أي المذموم، (ونفخه الكبر، وهمزه الموْتَةُ) بالضم وفتح التاء غير مهموز، نوع من الجنون والصرع يعتري الإنسان، فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله كالنائم والسكران، قاله الطيبي، وقال أبو عبيدة: المجنون سماه همزًا، لأنه يحصل من الهمز والنخس، وكل شيء دفعته فقد همزته.
ثم قال الطيبي: إن كان هذا التفسير من متن الحديث فلا معدل عنه، وإن كان من بعض الرواة فالأنسب أن يراد بالنفث السحر، لقوله تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ} (1)، وأن يراد بالهمز الوسوسة، لقوله تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} (2) وهي خطراتهم، فإنهم يغرون الناس على المعاصي، كما تهمز الركضة والدواب بالمهماز، انتهى.
قلت: وما اعترض عليه ابن حجر وأجاب عنه القاري، فكلاهما ذكرهما القاري في "المرقاة"(3).
(1) سورة الفلق: الآية 4.
(2)
سورة المؤمنين: الآية 97.
(3)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 279).
763 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِى التَّطَوُّعِ، ذَكَرَ نَحْوَهُ. [انظر تخريج الحديث السابق]
764 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ (1) ، أَخْبَرَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، أَخْبَرَنِى أَزْهَرُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَرَازِىُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: بِأَىِّ شَىْءٍ كَانَ يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِيَامَ اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ سَأَلْتَنِى عَنْ شَىْءٍ مَا سَأَلَنِى عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ،
===
763 -
(حدثنا مسدد، نا يحيى، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن رجل) هو عاصم العنزي المذكور في الحديث المتقدم، (عن نافع بن جبير، عن أبيه) أي جبير بن مطعم (قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في التطوع) أي الصلاة النافلة (ذكر) الظاهر أن مرجع الضمير مسعر، ويحتمل أن يكون مسددًا أو يحيى (نحوه) أي نحو الحديث المتقدم.
764 -
(حدثنا محمد بن نافع، نا زيد بن الحباب) بضم المهملة وموحدتين (أخبرني معاوية بن صالح، أخبرني أزهر بن سعيد الحرازي) بمهملة وراء خفيفة مفتوحتين وبعد الألف زاي، قال في "الأنساب" (2): هذه النسبة إلى حراز، وهو بطن من ذي الكلاع بن (3) حمير، نزل حمص أكثرهم.
(عن عاصم بن حميد) السكوني، مخضرم (قال: سألت عائشة بأي شيء) أي من الدعوات والأذكار (كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل؟ ) أي يقرؤها في قيامه من الليل (فقالت) عائشة: (لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك) كأنها رضي الله عنها حمدت السائل على سؤاله.
(1) وفي نسخة: "حباب". (ش).
(2)
(2/ 39).
(3)
كذا في الأصل: "ذي الكلاع بن حمير"، وفي "الأنساب" للسمعاني: ذي الكلاع من حمير.
كَانَ إِذَا قَامَ كَبَّرَ عَشْرًا، وَحَمِدَ اللَّهَ عَشْرًا، وَسَبَّحَ عَشْرًا، وَهَلَّلَ عَشْرًا، وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَقَالَ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَاهْدِنِى، وَارْزُقْنِى، وَعَافِنِى» ، وَيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". [ن 1617، جه 1356]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِىِّ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ.
765 -
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: بِأَىِّ شَىْءٍ كَانَ نَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ
===
(كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام) في الليل (كبر عشرًا) أي يقول: الله أكبر عشر مرات (وحمد الله) أي قال: الحمد لله (عشرًا) أي عشر مرات (وسبح) أي قال: سبحان الله (عشرًا، وهلل) أي قال: لا إله إلَّا الله (عشرًا، واستغفر) أي قال: أستغفر الله (عشرًا، وقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهمَّ اغفر لي واهدني، وارزقني، وعافني، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة).
(قال أبو داود: رواه خالد بن معدان عن ربيعة الجرشي) وهو ربيعة بن الغاز بمعجمة وزاي، أبو الغاز الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة، مختلف في صحبته (1)(عن عائشة نحوه) أي نحو الحديث المتقدم (2).
765 -
(حدثنا ابن المثنى) محمد، (نا عمر بن يونس، نا عكرمة، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة: بأي شيء) أي دعاء (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته) أي التهجد (إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل يفتتح صلاته: اللهم رب).
(1) انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(3/ 261).
(2)
أخرج هذه الرواية أحمد في "مسنده"(6/ 143)، والنسائي في "الكبرى"(10706).
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ
===
قال القاري (1): قيل: لا يجوز نصب رب على الصفة، لأن الميم المشددة بمنزلة الأصوات فلا يوصف بما اتصل به، فالتقدير يا رب جبريل، قال الزجاج: هذا قول سيبويه، وعندي أنه صفة، فكما لا تمتنع الصفة مع ياء لا تمتنع مع الميم، قال أبو علي: قول سيبويه عندي أصح، لأنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد اللَّهم، ولذلك خالف سائر الأسماء، ودخل في حيز ما لا يوصف نحو حيهل، فإنهما صارا بمنزلة صوت مضموم إلى اسم فلم يوسف، ذكره الطيبي.
(جبريل) هكذا في نسخ أبي داود غير مهموز، وكذا في نسخ مسلم، وفي النسائي وابن ماجه بالهمزة، وقال في ابن ماجه: قال عبد الرحمن بن عمر: احفظوه جبرائيل مهموزة، فإنه كذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(وميكائيل وإسرافيل) تخصيص هؤلاء بالإضافة مع أنه تعالى رب كل شيء لتشريفهم وتكريمهم على غيرهم، قال ابن حجر: كأنه قدم جبرائيل، لأنه أمين الكتب السماوية، فسائر الأمور الدينية راجعة له، وأخر إسرافيل، لأنه أمين اللوح المحفوظ والصور، فإليه أمر المعاش والمعاد، ووسط ميكائيل، لأنه أخذ بطرف من كل منهما، لأنه أمين القطر والنبات ونحوهما مما يتعلق بالأرزاق المقومة للدين والدنيا والآخرة، وهما أفضل من ميكائيل، وفي الأفضل منهما خلاف.
قلت: ذكر الله تعالى في القرآن جبريل وميكال باسمهما ولم يذكر إسرافيل.
(فاطر السموات والأرض) أي مبدعهما (عالم الغيب والشهادة) أي بما غاب وظهر عند غيره (إنت تحكم بين عبادك) في يوم معادك بالتمييز بين المحق
(1)"مرقاة المفاتيح"(3/ 137).
فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». [م 770، ت 3420، ن 1625، جه 1357، حم 6/ 156]
766 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قُرَادٌ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بِإِسْنَادِهِ بِلَا إِخْبَارٍ وَمَعْنَاهُ قَالَ: "كَانَ إِذَا قَامَ كَبَّرَ وَيَقُولُ
…
" [انظر سابقه]
===
والمبطل بالثواب والعقاب (فيما كانوا فيه يختلفون) أي في أمر الدين في أيام الدنيا.
(اهدني) أي ثبتني وزدني الهداية (لما اختلف فيه) الهداية يتعدى بنفسه وبإلى وباللام، وما موصولة، أي للذي اختلف فيه عند مجيئ الأنبياء، وهو الطريق المستقيم الذي دعوا إليه فاختلفوا فيه (من الحق) من بيان لما (بإذنك) أي بتوفيقك وتيسيرك (إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) جملة استئنافية متضمنة للتعليل.
766 -
(حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، (نا أبو نوح قراد) عبد الرحمن بن غزوان، (نا عكرمة) بن عمار العجلي (بإسناده) أي بإسناد حديث عكرمة المتقدم (بلا إخبار) وفي نسخة: بالإخبار، إن كان بحرف النفي فمعناه أن حديث أبي نوح عن عكرمة مغاير في اللفظ لحديث يونس عن عكرمة، وإن كان بدون النفي فمعناه أن هذا الحديث من هذا السند موافق في الألفاظ للحديث السابق، ووجه الجمع بينهما أن المراد بالموافقة والمغايرة في الجملة (ومعناه) أي هذا الحديث موافق للحديث المتقدم في معناه.
(قال) أي عكرمة بهذا السند، أو قال أبو نوح عن عكرمة بسنده:(كان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام كبر) الظاهر أن المراد بالتكبير تكبيرة الإحرام، وغرضه بهذا أن ذكر التكبير في هذا الحديث زيادة على حديث عمر بن يونس السابق (ويقول) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء.
767 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ قال: قال مَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِى الصَّلَاةِ فِى أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَفِى آخِرِهِ، فِى الْفَرِيضَةِ وَغَيْرِهَا. [انظر سابقه]
768 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّى
===
767 -
(حدثنا القعنبي قال: قال مالك) بن أنس الإِمام: (لا بأس بالدعاء في الصلاة في أوله (1) وأوسطه وفي آخره في الفريضة وغيرها) قال في "المدونة"(2): قال مالك: ولا بأس بأن يدعو الرجل لجميع حوائجه في المكتوبة حوائج دنياه وآخرته في القيام والجلوس والسجود، قال: وكان يكرهه في الركوع، وقال في محل آخر: كان مالك يكره الدعاء في الركوع، ولا يرى به بأسًا في السجود، قلت لابن القاسم: أرأيت مالكًا حين كره الدعاء في الركوع كان يكره التسبيح في الركوع؟ قال: لا، وقال في "مختصر الخليل" (3): ودعا بما أحب وإن لدنياه وسمى من أحب، ولو قال: يا فلان فعل الله بك كذا، لم تبطل.
768 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك) بن أنس الإِمام، (عن نعيم) مصغرًا (ابن عبد الله المجمر) بإسكان الجيم صفة لعبد الله، لأنه كان يأخذ المجمرة قدام عمر، وقيل: لأنه كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يبخره، (عن علي بن يحيى الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء بعدها قاف، (عن أبيه) يحيى بن خلاد، (عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا يومًا نصلي) (4) قال الحافظ: أفاد بشر بن
(1) أي: أول قيام الليل، وأوسطه؛ لأن خير الأمور أوسطها، وآخره؛ لأن الدعاء فيه أسمع، قاله ابن رسلان، قلت: وهو الأوجه بما شرح به الشيخ لمناسبة الضمير، وإلَّا فكلام الشيخ أظهر. (ش).
(2)
(1/ 100 و 74).
(3)
(1/ 290).
(4)
أخرجه الطبراني، وبَيَّن أن الصلاة كانت المغرب، وسنده لا بأس به ("المعجم الكبير" 5/ 41، رقم 4532)، وأصله في "البخاري" بدون ذكر العطاس. (ش).
وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ:«سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا آنِفًا؟ » . فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا
===
عمر الزهراني في روايته عن رفاعة بن يحيى أن تلك الصلاة كانت المغرب (وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال الحافظ (1): قال ابن بشكوال: هذا الرجل هو رفاعة بن رافع راوي الخبر، ثم استدل على ذلك بما رواه النسائي وغيره عن قتيبة، عن رفاعة بن يحيى الزرقي، عن عم أبيه معاذ بن رفاعة، عن أبيه قال:"صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم -فعطست فقلت: الحمد لله حمدًا"، الحديث، ونوزع في تفسيره به باختلاف سياق السبب والقصة.
والجواب أنه لا تعارض بينهما بل يحمل على أن عطاسه وقع عند رفع رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مانع أن يكني عن نفسه لقصد إخفاء عمله، أو كنى عنه لنسيان بعض الرواة لاسمه، وأما ما عدا ذلك من الاختلاف فلا يتضمن إلَّا زيادة لعل الراوي اختصرها.
(اللَّهم ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من الصلاة (قال: من المتكلم بها) أي بالكلمة (آنفًا؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أنا الذي تكلمت بالكلمة في الصلاة.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكًا)، قيل: الحكمة في
اختصاص (2) العدد المذكور من الملائكة بهذا الذكر أن عدد حروفه مطابق للعدد
(1)"فتح الباري"(2/ 286).
(2)
هكذا ذكره العيني (4/ 535) أيضًا، والعجب أنه والحافظ كليهما لم يذكرا شيئًا في =
يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ». [خ 799، ق 2/ 95، خزيمة 614]
769 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ،
===
المذكور، فإن لفظ بضع يطلق من الثلاث إلى التسع، وعدد الذكر المذكور ثلاثة وثلاثون، قاله الحافظ (1).
(يبتدرونها أيهم يكتبها أول) روي بالضم على البناء، لأنه ظرف قطع عن الإضافة، وبالنصب على الحال، وأما أَيُّهم فرويناه بالرفع وهو مبتدأ وخبره يكتبها.
769 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي، (عن مالك) الإِمام، (عن أبي الزبير) المكي، (عن طاوس) بن كيسان، قيل: اسمه ذكوان، وطاوس لقبه، (عن ابن عباس) أي عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة) أي التهجد (من جوف الليل يقول) أي قبل الشروع في الصلاة، نقله القاري (2) عن ميرك، ثم قال: والأظهر أنه كان يقول بعد الافتتاح، أو في قومة الاعتدال.
(اللَّهم لك الحمد) تقديم الخبر للدلالة على الحصر (أنت نور السموات والأرض) أي منورهما، أو مظهرهما، أو خالق نورهما، وقيل: المراد أهل السماوات والأرض يستضيئون بنوره.
= الجمع بين مختلف ما ورد من عدد الملائكة مع أنهما مالا إلى اتحاد القصة، وهو الأقرب من سياق الروايات، ومال صاحب "فيض الباري"(2/ 302) إلى التعدد. (ش).
(1)
"فتح الباري"(2/ 287).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(3/ 135).
وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَّامُ (1) السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ (2)،
===
(ولك الحمد، أنت قيام السموات والأرض) ومعناه: الدائم القائم بحفظ المخلوقات، والقيام والقيوم من أبنية المبالغة، وهو القائم بنفسه الذي يقوم به كل موجود، حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلَّا به.
(ولك الحمد أنت رب السموات والأرض) أي مربيهما، والرب لغة المالك والسيد والمدبر والمربي والمكمل والمنعم، ولا يطلق غير مضاف إلَّا على الله إلَّا نادرًا (ومن) غلب فيه العقلاء (فيهن) أي في السماوات والأرض يعني العلويات والسفليات من المخلوقات.
(أنت الحق) أي الثابت بالوجود الحقيقي الدائم الأزلي الأبدي (وقولك الحق) أي المتحقق الثابت بلا شك فيه، وفي رواية البخاري:"قولك حق" بالتنكير، والتعريف للحصر، والتنكير للعظمة.
(ووعدك الحق) لا خلف في وعده ووعيده في الإنعام والانتقام في حق عبيده، قال الطيبي: عرف الحق في أنت الحق ووعدك الحق، ونكر في البواقي، لأنه لا منكر سلفًا وخلفًا أن الله هو الثابت الدائم الباقي، وما سواه في معرض الزوال:
أَلَا كُلُّ شَيءٍ مَا خَلَا اللهِ بَاطِلُ
وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره، إما قصدًا وإما عجزًا، تعالى الله عنهما، والتنكير للبواقي للتفخيم.
(1) وفي نسخة: "قيم".
(2)
وفي نسخة: "حق".
وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ. اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ،
===
ثم قال القاري (1): فإن قلت: لم عرف الحق في الأوليين، ونكر في البواقي؟ قلت: المعرف بلام الجنس والنكرة المسافة بينهما قريبة، بل صرحوا بأن مؤداهما واحد لا فرق بينهما، إلَّا بأن في المعرفة إشارة إلى أن الماهية التي دخل عليها اللام معلومة للسامع، وفي النكرة لا إشارة إليه، وإن لم تكن إلَّا معلومة، وفي "صحيح مسلم":"قولك الحق" بالتعريف أيضًا، وقال الخطابي: عرفهما للحصر.
(ولقاؤك حق) فيه الإقرار بالبعث بعد الموت، فالمراد به لقاء الله المصير إلى دار الآخرة، وطلب ما هو عند الله، فدخل فيه الرؤية، فإن قلت: ذلك داخل تحت الوعد، قلت: الوعد مصدر، والمذكور بعد هو الموعود، أو هو تخصيص بعد تعميم.
(والجنة حق) أي نعيمها (والنار حق) أي جحيمها، وفيه إشارة إلى أنهما موجودتان (والساعة حق) أي يوم القيامة، وأصل الساعة القطعة من الزمان، وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها، وأنها مما يجب أن يصدق بها، وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد.
(اللهم لك أسلمت) أي انقدت وخضعت (وبك آمنت) أي صدقت (وعليك توكلت) أي فوضت الأمر إليك تاركًا للنظر في الأسباب العادية (وإليك أنبت) أي رجعت إليك في تدبير أمري (وبك خاصمت) أي بما أعطيتني من البرهان، ولقنتني من الحجة، وبقوتك خاصمت أعداءك (وإليك حاكمت) أي كل من جحد الحق حاكمته إليك، وجعلتك الحكم بيننا، لا من كانت أهل الجاهلية تتحاكم إليه من كاهنهم وغيره.
(1)"مرقاة المفاتيح"(3/ 36).
فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ. أَنْتَ إِلَهِى لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ». [خ 1120، م 769، ت 3418، ن 1619، حم 1/ 298، دي 1486]
770 -
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِى ابْنَ الْحَارِثِ -، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِى التَّهَجُّدِ يَقُولُ بَعْدَ مَا يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ» ، ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَاهُ. [انظر تخريج الحديث السابق]
771 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ
===
(فاغفر لي) قال ذلك مع كونه مغفورًا له، إما على سبيل التواضع والهضم لنفسه وإجلاله وتعظيمًا لربه، أو على سبيل التعليم لأمته ليقتدى به (ما قدمت) أي من الذنوب، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين (وأخرت وأسررت وأعلنت) أي: أخفيت وأظهرت، (إنت إلهي لا إله إلَّا أنت).
770 -
(حدثنا أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين، (نا خالد- يعني ابن الحارث-، نا عمران بن مسلم) المنقري بكسر الميم وسكون النون، أبو بكر القصير البصري (أن قيس بن سعد) المكي (حدثه قال: نا طاوس، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في التهجد يقول بعد ما يقول: الله أكبر)، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما يكبر تكبيرة الافتتاح (ثم ذكر) قيس بن سعد، أو أبو كامل شيخ المصنف (معناه) أي معنى الحديث المتقدم.
وغرضه بذكر هذا السياق أن الحديث المتقدم لم يذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء داخل الصلاة أو خارجها، فحبين بهذا السياق أنه صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء داخل الصلاة بعد التحريمة.
771 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد وسعيد بن عبد الجبار)، هكذا في النسخ الموجودة إلَّا في النسخة القادرية و"عون المعبود"(1)، ففيهما: قتيبة بن سعيد بن عبد الجبار، وهو غلط، فإن قتيبة ليس جده عبد الجبار، بل هما شيخان
(1) انظر: (2/ 475).
نَحْوَهُ: قَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ. عَنْ عَمِّ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَطَسَ رِفَاعَةُ - ولَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: رِفَاعَةُ - فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ
===
لأبي داود: قتيبة بن سعيد بن جميل وسعيد بن عبد الجبار بن يزيد القرشي (نحوه) أي نحو الحديث المتقدم.
(قال قتيبة: نا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة (1) بن رافع، عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع، عن أبيه قال) رفاعة:(صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رفاعة) فيه التفات من التكلم إلى الغيبة (ولم يقل قتيبة: رفاعة) بل قال: فعطست، كما في الترمذي والنسائي (فقلت: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه).
قال الحافظ (2): قيل: الأول بمعنى الزيادة، والثاني بمعنى البقاء، قال الله تعالى:{وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (3)، هذا يناسب الأرض، لأن المقصود به النماء والزيادة لا البقاء، لأنه بصدد التغير، وقال تعالى:{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} (4)، فهذا يناسب الأنبياء، لأن البركة باقية لهم، ولما كان الحمد يناسبه المعنيان جمعهما، كذا قرره بعض الشراح ولا يخفى ما فيه.
(كما يحب ربنا ويرضى) فيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد، (فلما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أتم الصلاة (انصرف) إلى الجماعة
(1) كان حق الحديث أن يذكر في "باب تشميت العاطس في الصلاة"، والحديث ذكره ابن العربي وبسط طرقه. [انظر:"عارضة الأحوذي"(2/ 193)]. (ش).
(2)
"فتح الباري"(2/ 286).
(3)
سورة فصلت: الآية 10.
(4)
سورة الصافات: الآية 113.
فَقَالَ: «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ فِى الصَّلَاةِ؟ » ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ وَأَتَمَّ مِنْهُ. [ت 404، ن 931، ق 2/ 95، حم 4/ 340]
772 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَطَسَ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ
===
(فقال: من المتكلم في الصلاة؟ ثم ذكر) أي قتيبة (نحو حديث مالك) المتقدم (وأتم منه) أي أتم من حديث مالك.
وفي الترمذي: قال أبو عيسى: حديث رفاعة حديث حسن، وكان هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع، لأن غير واحد من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه، ولم يوسعوا بأكثر من ذلك.
ومذهب (1) الحنفية فيه ما قال الحلبي في شرح "المنية"(2): ولو عطس المصلي فقال: الحمد لله لا تفسد صلاته، لأنه لم يتغير بعزيمته عن كونه ثناء ولا خطاب فيه، وعن أبي حنيفة: أن هذا إذا حمد في نفسه من غير أن يحرك شفتيه، فإن حرك فسدت، والأول هو الظاهر، ثم الذي ينبغي للعاطس هو أن يسكت، وقيل: يحمد في نفسه.
772 -
(حدثنا العباس بن عبد العظيم، نا يزيد بن هارون، أنا شريك، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه) أي عامر بن ربيعة (قال: عطس شابٌّ من الأنصار)، هو رفاعة المذكور في الرواية المتقدمة
(1) ولا يذهب عليك أن جواب العاطس لنفسه لا يفسد الصلاة مطلقًا، حتى لو قال: يرحمك الله لا تفسد أيضًا، أما لغيره لو أجاب بيرحمك الله يفسد، ولو أجاب بالحمد لله لا تفسد على الأصح، كذا في "الشامي"(2/ 456). وسيأتي البسط فيه في "باب تشميت العاطس في الصلاة". (ش).
(2)
(ص 439).
خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِى الصَّلَاةِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّنَا، وَبَعْدَ مَا يَرْضَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ؟ » قَالَ: فَسَكَتَ الشَّابُّ، ثُمَّ قَالَ:«مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا؟ » فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
===
(خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي الشابُّ أو رسول الله صلى الله عليه وسلم (في الصلاة، فقال) الشابُّ: (الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه حتى يرضى ربنا، وبعد ما يرضى) أي لا ينتهي له الحمد إلى الرضا، فإذا رضي انقطع الحمد له، بل له الحمد قبل الرضا وبعد الرضا أيضًا (من أمر الدنيا والآخرة) لفظ من سببية أو بمعنى على، والمراد بالأمر النعماء الشاملة، أي لأجل نعمائه في الدنيا والآخرة، أو على نعمائه الدنيوية والأخروية.
(فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الصلاة إلى الناس (قال: من القائل الكلمة؟ )، والمراد بالكلمة الكلام الذي تكلم به الشاب، وقد تطلق الكلمة على الكلام، كما في قوله تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} (1).
(قال: فسكت الشاب)، وقد استشكل تأخير رفاعة إجابة النبي صلى الله عليه وسلم حين كرر سؤاله ثلاثًا مع أن إجابته واجبة عليه، بل وعلى كل من سمع كلام رفاعة، فإنه لم يسأل المتكلم وحده.
وأجيب بأنه لما لم يعين واحدًا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه، فكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنًّا منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجوا أن يقع العفو عنه، وكأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى سكوتهم فهم ذلك، فعرفهم أنه لم يقل بأسًا، قاله الحافظ (2)، (ثم قال: من القائل الكلمة، فإنه لم يقل بأسًا؟ ) أي لم يتكلم بكلمة فيها ضرر (فقال) أي الشاب: (يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) سورة الأنعام: الآية 115.
(2)
"فتح الباري"(2/ 286).