الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(127) بَابُ مَا جَاءَ منْ جَهَرَ بِهَا
784 -
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنَا هُشَيْمٌ، عن عَوْفٍ،
===
لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، فإن فيه: كشف عن وجهه فقال، أي تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التعوذ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} إلى آخره، فإن الرواة عن الزهري كلهم لم يذكروا كشف الوجه، ولم يذكروا تلاوته صلى الله عليه وسلم الآية، بل كلهم قالوا: إن عائشة ذكرت وأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} الآية.
ولكن المنكر ما رواه الضعيف مخالفًا للثقات، وحميد وثَّقه ابن سعد وأحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو داود وابن خراش والبخاري ويعقوب بن سفيان، فلا يكون حديثه منكرًا.
ويمكن أن يقال: إن المصنف تسامح في إطلاق المنكر على الشاذ، أو يقال: إن الإِمام أحمد قال: ليس بالقوي في الحديث، فإطلاق المنكر عليه مبني على هذا القول، والله أعلم.
والثاني: أن الاستعاذة ليس في الحديث، بل من كلام حميد، ولا دليل عليه إلَّا وجدان المصنف وظنه، ولا مناسبة لهذا الحديث بالباب، إلَّا أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ الآية من وسط سورة، ولم يقرأ عليها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقرأ التسمية في ابتداء السورة، فلو كان قراءة التسمية على السورة تبركًا لقرأها هاهنا أيضًا، فعلم بذلك أن التسمية في أول سورة جزء منها.
(127)
(بَابُ مَا جَاءَ منْ جَهَرَ بِهَا)(1)
والنسخة المصرية ههنا خالية عن الباب
784 -
(أخبرنا عمرو بن عون، أنا هشيم) بن بشير، (عن عوف) بن
(1) قال ابن القيم في "الهدي"(1/ 200): وروي فيها أحاديث واهية، والحق أن الصحيح هاهنا ليس بصريح، والصريح ليس بصحيح. (ش).
عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى بَرَاءَةَ وَهِىَ مِنَ الْمِئِينَ، وَإِلَى الأَنْفَالِ وَهِىَ مِنَ الْمَثَانِى، فَجَعَلْتُمُوهُمَا فِى السَّبْعِ الطُّوَلِ وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ؟
===
أبي جميلة الأعرابي، (عن يزيد الفارسي قال: سمعت ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم) أي ما الباعث لكم على (إن عمدتم) أي قصدتم (إلى براءة)(1) أي سورة التوبة (وهي) أي سورة براءة (من المئين) لكونها مئة وثلاثين آية، والمئين جمع المئة، وأصل المئة مأِيٌّ كمعِيٍّ، والهاء عوض عن الواو، وإذا جمعت المئة قلت: مئون، ولو قلت: مئات جاز.
(وإلى الأنفال) أي سورة الأنفال (وهي من المثاني) المثاني من القرآن ما كان أقل من المئين، فإنهم قالوا: أول (2) القرآن السبع الطول، ثم ذوات المئين، أي ذات مدّة آية ونحوها، وهي إحدى عشر سورة، ثم المثاني وهي ما لم يبلغ مئة آية، وهي عشرون سورة، ثم المفصل.
(فجعلتموهما) وفي نسخة: "فجعلتموها"، وفي رواية الترمذي:"فوضعتموها"، وضمير التثنية باعتبار كونهما سورتين، وضمير الواحدة باعتبار كونها سورة واحدة باعتبار المعنى والقصة (في السبع الطول) بضم ففتح (ولم تكتبوا بينهما سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ ).
قال القاري (3): توجيه السؤال أن الأنفال ليست من السبع الطُّوَل لقصرها عن المئين، لأنها سبع وسبعون آية، وليست غيرها لعدم الفصل بينها وبين براءة.
قلت: وحاصل السؤال أمور: الأول: أن سورة الأنفال سورة قصيرة من
(1) لها عشرة أسماء ذكرها "ابن رسلان".
(2)
هكذا حكاه صاحب "السعاية"(2/ 281) وذكر في "منار الهدى" برواية عائشة مرفوعًا ما يدل على أن هذه الأقسام مرفوعة، وفي "الإتقان"(1/ 84) نوع تفصيل، وراجع العيني أيضًا. [انظر:"عمدة القاري"(12/ 413)]. (ش).
(3)
"مرقاة المفانيح"(5/ 30).
قَالَ عُثْمَانُ: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ وَيَقُولُ لَهُ: «ضَعْ هَذِهِ الآيَةَ فِى السُّورَةِ الَّتِى يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا» ، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الآيَةُ وَالآيَتَانِ فَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا نْزِلَ (1) عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ
===
المثاني، لأن فيها سبعًا وسبعين آية، فأدخلتموها في السبع الطول، والثاني: أن براءة وهي سورة طويلة، لأن فيها مدّة وثلاثين آية يناسب لها أن تكون من الطول، فأدخلتموها في المئين، والثالث: ما كتبتم بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
(قال عثمان) -رضي الله تعالى عنه -: كان النبي صلى الله عليه وسلم مما) من تبعيضية، والمراد بلفظ "ما" الزمان، أي كان يأتي عليه الزمان ولا ينزل عليه شيء، وربما يأتي عليه الزمان وهو (تنزل عليه الآيات فيدعو بعض من كان يكتب له) الوحي من زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهما (ويقول له: ضع (2) هذه الآية في السورة (3) التي يذكر فيها كذا وكذا) كقصة هود وحكاية يونس.
(وتنزل عليه الآية والأيتان فيقول مثل ذلك)، أي ضعوها في سورة كذا وكذا كالطلاق والحج، وهذا يدل على أنَّ ترتيب الآيات توقيفي، وعليه الإجماع والنصوص المترادفة، وأما ترتيب السور فمختلف فيه، قاله القاري (4) عن "الإتقان"(5).
(وكانت الأنفال من أول ما نزل عليه بالمدينة، وكانت براءة من آخر ما نزل
(1) وفي نسخة: "أنزل".
(2)
فيه حجة على أن ترتيب الآيات توقيفي، فالقراءة المنكوسة حرام. (ش).
(3)
استدل بعضهم على أنه يكره أن يقول: سورة البقرة وسورة آل عمران، بل ينبغي أن يقول: السورة التي ورد فيها هذا، كما في الحديث، لكن الصواب الذي عليه الجمهور أنه يجوز. "ابن رسلان". (ش).
(4)
(5/ 31).
(5)
(1/ 82).
مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ (1) قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا،
===
من القرآن) قال القاري: فهي مدنية أيضًا، وبينهما النسبة الترتيبية بالأولية والآخرية، فهذا أحد (2) وجوه الجمع بينهما، ويؤيده ما وقع في رواية بعد ذلك:"فظننت أنها منها"، وكان هذا مستند من قال: إنهما سورة واحدة، وهو ما أخرجه أبو الشيخ عن دوق، وأبو يعلى عن مجاهد، وابن أبي حاتم عن سفيان وابن لهيعة كانوا يقولون: إن براءة من الأنفال، ولهذا لم تكتب البسملة بينهما مع اشتباه طرقهما، ورُدَّ بتسمية النبي- صلى الله عليه وسلم لكل منهما باسم مستقل.
قال القشيري: إن الصحيح أن التسمية لم يكن فيها، لأن جبرئيل عليه الصلاة والسلام لم ينزل بها فيها، وعن ابن عباس: لم تكتب البسملة في براءة، لأنها أمان، وبراءة نزلت بالسيف، وعن مالك: أن أولها لما سقط سقطت معه البسملة، فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها، وقيل: إنها ثابتة أولها في مصحف ابن مسعود، ولا يعول على ذلك، انتهى.
(وكانت قصتها) أي الأنفال (شبيهة بقصتها) أي براءة، ويجوز العكس، وهذا وجه آخر معنوي، ولعل المشابهة في قضية المقاتلة بقوله في سورة براءة:{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ} (3) ونحوه، وفي نبذ العهد بقوله في الأنفال:{فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ} ، وقال ابن حجر: لأن الأنفال بَيَّنَتْ ما وقع له صلى الله عليه وسلم مع مشركي مكة، وبراءة بَيَّنَتْ ما وقع له مع منافقي أهل المدينة، والحاصل: أن هذا بما ظهر لي في أمر الاقتران بينهما.
(1) وفي نسخة: "كان".
(2)
وبهذا ظهر تقديم الأنفال. (ش).
(3)
سورة التوبة: الآية 14.
فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا. فَمِنْ هُنَاكَ وَضَعْتُهُمَا (1) فِى السَّبْعِ الطُّوَالِ، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [ت 3086، حم 1/ 57، حب 43، ق 2/ 42، ك 2/ 221]
===
(فظننت أنها) أي براءة (منها) أي من الأنفال، (فمن هناك) أي فمن أجل ذلك لما ذكر من وجوه ما ظهر لنا من المناسبة بينهما قرنت بينهما و (وضعتهما في السبع الطوال، ولم أكتب بينهما سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أي لعدم العلم بأنها سورة مستقلة، لأن البسملة كانت تنزل عليه صلى الله عليه وسلم للفصل، ولم تنزل فلم أكتب.
وهذا لا ينافي ما ذكر عن علي من الحكمة في عدم نزول البسملة، وهو أن ابن عباس سأل عليًّا لِمَ لم تكتب؟ قال: لأن بسم الله أمان، وليس فيها أمان، أنزلت بالسيف، وكانت العرب تكتبها أول مراسلاتهم في الصلح والأمان والهدنة، فإذا نبذوا العهد ونقضوا الأيمان لم يكتبوها، ونزل القرآن على هذا الاصطلاح، فصارت علامة الأمان، وعدمها علامة نقضه، فهذا معنى قوله: أمان، وقولهم: آية رحمة، وعدمها عذاب، كذا ذكره الجعبري، انتهى.
قلت: فإن قيل: ما وقع في كتابة الصلح بالحديبية من أن سهيل بن عمرو أنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابة البسملة، وقال: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو؟ ولكن اكتب باسمك اللهم، يخالف هذا الكلام الذي روي عن ابن عباس عن علي، فإن ما وقع في الحديبية يدل على أنهم لا يعرفون البسملة، وهذا يدل على أنها كانت معروفة بينهم في الصلح والهدنة.
قلت: ويمكن أن يجاب عنه بأن البسملة شاملة لـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} و"باسمك اللَّهم"، وإنكار سهيل مختص بلفظ الرحمن فقط.
قال الطيبي: دل هذا الكلام على أنهما نزلتا منزلة سورة واحدة، وكمل السبع الطوال بها، ثم قيل: السبع الطوال هي البقرة وبراءة وما بينهما،
(1) وفي نسخة: "وضعتها".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وهو المشهور، لكن روى النسائي والحاكم عن ابن عباس أنها البقرة والأعراف وما بينهما، قال الراوي: وذكر السابعة فنسيتها، وهو يحتمل أن تكون الفاتحة، فإنها من السبع المثاني، أو هي السبع المثاني، ونزلت سبعتها منزلة المئين، ويحتمل أن تكون الأنفال بانفرادها، أو بانضمام ما بعدها إليها، وصح عن ابن جبير أنها يونس، وجاء مثله عن ابن عباس، ولعل وجهه أن الأنفال وما بعدها مختلف في كونها من المثاني، وأن كلًّا منهما سورة أو هما سورة.
وصح عن علي أنه قال: لا تقولوا في عثمان إلَّا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلَّا عن ملأ منا، قال أي عثمان: فما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفرًا، قلت: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا يكون فرقة ولا اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت.
قال ابن التين: الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء لذهاب حملته، لأنه لم يكن مجموعًا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا بآيات سوره على ما وقَّفَهُم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءات حين قرؤوا بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجًا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم دفعًا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت، فاقتصر على لغة واحدة.
قلت: هذا يوهم أنه ترك ما ثبت كونه قرآنًا.
والصواب أن يقال: كان في جمع أبي بكر المنسوخات، والقراءة التي ما حصل فيها التواتر جمعًا كليًّا من غير تهذيب وترتيب، فترك عثمان المنسوخات وأبقى المتواترات، وحرر رسوم الكلمات، وقرر ترتيب السور
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والآيات على وفق العرضة الأخيرة من العرضات المطابقة لما في اللوح المحفوظ، وإن اختلف نزولها منجمًا على حسب ما تقتضي الحالات والمقامات.
ولذا قال الباقلاني: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في نفس القراءة، وإنما قصد جمعهم على القراءة العامة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس ذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير إلى آخر ما ذكره.
والحاصل أن هذا المقدار على هذا المنوال هو كلام الله المتعال بالوجه المتواتر الذي أجمع عليه أهل المقال، فمن زاد أو نقص منه شيئًا كفر في الحال.
ثم اتفقوا على أن ترتيب الآي توقيفي، لأنه كان آخر الآيات نزولًا {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (1)، فأمره جبرئيل أن يضعها بين آيتي الربا والمداينة، ولذا حرم عكس ترتيبها، بخلاف ترتيب السور، فإنه لما كان مختلفًا فيه كرهت مخالفته بغير عذر، ولما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قرأ النساء قبل آل عمران لبيان الجواز، أو نسيانًا ليعلم الصحة به، مع أن الأصح أن ترتيب السور توقيفي أيضًا، وإن كانت مصاحفهم مختلفة في ذلك قبل العرضة الأخيرة التي عليها مدار جمع عثمان، فمنهم من رتبها على النزول، وهو مصحف علي أوله إقرأ، فالمدثر، فنون، فالمزمل، فَتَبَّتْ، فالتكوير، وهكذا إلى آخر المكي والمدني.
ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت ولاءً، وكذلك الطواسين، ولم يرتب المسبحات ولاءً، بل فصل بين سورها، وكذا اختلاط المكيات بالمدنيات، والله أعلم، قاله القاري (2).
(1) سورة البقرة: الآية 281.
(2)
"مرقاة المفاتيح"(5/ 31 - 33).
785 -
حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى ابْنَ مُعَاوِيَةَ - الفزاري-، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ الأَعْرَابِىُّ، عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِىِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ فِيهِ:"فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا". [انظر سابقه]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ الشَّعْبِىُّ وَأَبُو مَالِكٍ، وَقَتَادَةُ، وَثَابِتُ بْنُ عُمَارَةَ:"إِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكْتُبْ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ النَّمْلِ"
===
785 -
(حدثنا زياد بن أيوب) بن زياد الطوسي البغدادي دَلُّويَه، ولَقَّبَه أحمد: شعبة الصغير، ثقة حافظ، (نا مروان -يعني ابن معاوية الفزاري-، أنا عوف الأعرابي، عن يزيد الفارسي) هو يزيد بن يوسف، مجهول، (حدثني ابن عباس بمعناه) أي بمعنى الحديث المتقدم (قال) مروان بن معاوية (فيه) أي في حديثه:(فقبض) أي فتوفي (رسول الله ولم يبين لنا أنها) أي البراءة (منها) أي الأنفال، ولا أنها ليست منها، ولما كان في هذا السياق زيادة على الحديث المتقدم ذكرها المصنف.
(قال أبو داود: وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (وأبو مالك) لعله غزوان الغفاري الكوفي، وأخرج أبو داود في "المراسيل" عن أبي مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتب باسمك اللَّهم، فلما نزلت:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (1) كتبها (وقتادة) بن دعامة (وثابت بن عمارة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى نزلت سورة النمل)(2).
وهذا مجمع عليه أن البسملة في سورة النمل في أثنائها وهي قوله:
(1) سورة النمل: الآية 30.
(2)
قلت: رواية عامر بن شراحيل أخرجها عبد الرزاق في "تفسيره"(2/ 81)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(9/ 2873) رقم (16304)، وابن سعد في "الطبقات"(1/ 263). ورواية أبي مالك أخرجها المصنف في "المراسيل" رقم (35).
ورواية قتادة أخرجها عبد الرزاق في "تفسيره"(2/ 81).
هَذَا مَعْنَاهُ.
===
{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من القرآن، فمن أنكر ذلك كفر.
وأما البسملة في أوائل السور فمختلف فيها أنها من القرآن أو ليس منه، فمن أنكرها لا يكفر لمكان الاختلاف فيه.
قال الشوكاني في "النيل"(1): واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها، بخلاف ما لو نفى حرفًا مجمعًا، أو أثبت ما لم يقل به أحد، فإنه يكفر بالإجماع، ولا خلاف أنها آية في أثناء سورة النمل، ولا خلاف في إثباتها خطًا في أوائل السور في المصحف إلَّا في أول سورة التوبة، وأما التلاوة فلا خلاف بين القراء السبعة في أول فاتحة الكتاب، وفي أول كل سورة إذا ابتدأ بها القارئ ما خلا سورة التوبة، وأما في أوائل السور مع الوصل بسورة قبلها، فأثبتها ابن كثير وقالون وعاصم والكسائي من القراء في أول كل سورة إلَّا أول سورة التوبة، وحذفها منهم أبو عمرو وحمزة وورش وابن عامر.
(هذا معناه) أي هذه التي رويت عنهم معنى ما ذكروه من الحديث، وهذا الحديث مرسل.
قلت: وفيه إشكال، ووجهه أن كتابة البسملة على رأس السور مجمع عليها ما خلا التوبة، وقد تقدم في الحديث المار بأن ابن عباس سأل عثمان:"ولم تكتبوا بينهما سطر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ "، وهذا يدل على أنهم كانوا يكتبون البسملة في أوائل السور، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتب البسملة إلَّا بعد ما نزل في النمل، فكيف خالفوا ذلك، وكتبوا على أوائل السور المنزلة قبل النمل؟
(1)"نيل الأوطار"(2/ 233).
786 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِىُّ، وَابْنُ السَّرْحِ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ قُتَيْبَةُ فِيهِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ (1) حَتَّى تُنَزَّلَ عَلَيْهِ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} "، وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ السَّرْحِ. [ق 2/ 42، ك 1/ 232]
===
ويمكن أن يجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم كان يكتب في الكتب والرسائل في ابتدائها (2) باسمك اللَّهم، ولا يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فلما نزلت في النمل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، جعل يكتب في أوائل الرسائل والسور أيضًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وليس المراد أنه كان لا يكتب البسملة في أوائل السور قبل النمل، ما يدل عليه حديث أبي مالك.
786 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن محمد المروزي) ابن حنبل الإِمام (وابن السرح) أحمد بن عمرو (قالوا: نا سفيان) بن عيينة، (عن عمرو) بن دينار، (عن سعيد بن جبير، قال قتيبة فيه: عن ابن عباس) يعني أحمد بن محمد المروزي وابن السرح جعلاه مرسلًا، وقتيبة وصله عن ابن عباس (قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة) من سورة أخرى (حتى تنزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وهذا) أي لفظ هذا الحديث (لفظ ابن السرح)(3).
(1) وفي نسخة: "السور".
(2)
وفي "المنطوق لمعرفة الفروق": وكان صلى الله عليه وسلم يكتب في عنوان كتبه باسمك اللَّهمَّ، فلما نزل {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} [هود: 41]، الآية، كتب باسم الله، فلما نزل:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] كتب بسم الله الرحمن، فلما نزلت النمل كتب البسملة وأكد كتابتها. (ش).
(3)
ذكر المزي في "تحفة الأشراف"(3/ 738)(6537)، حديثًا لأبي داود ليس في رواية اللؤلؤي:
حديث: عن مسدد، عن المعتمر بن سليمان، عن إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن أبي خالد، عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته =