الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(171) بَابٌ: في الْعَمَلِ في الصَّلَاةِ
917 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، نَا مَالِكٌ، عن عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عن عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، عن أَبِي قَتَادَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ
===
(171)
(بَابٌ: في الْعَمَلِ في الصَّلاةِ)
أي: العمل الذي ليس من جنس أعمال الصلاة إذا كان (1) قليلًا لا يفسد الصلاة قال في "البدائع"(2): ومنها العمل الكثير الذي ليس من أعمال الصلاة في الصلاة من غير ضرورة، وأما القليل فغير مفسد، واختلف في الحد الفاصل بين القليل والكثير، قال بعضهم: الكثير ما يحتاج فيه إلى استعمال اليدين، والقليل ما لا يحتاج فيه إلى ذلك، حتى قالوا: إذا زَرَّ قميصه في الصلاة فسدت صلاته، وإذا حَلَّ أزراره لا تفسد، وقال بعضهم: كل عمل لو نظر الناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة فهو كثير، وكل عمل لو نظر إليه ناظر ربما يشتبه إليه أنه في الصلاة فهو قليل، وهو الأصح.
وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا قاتل في صلاته في غير حالة الخوف أنه تفسد صلاته، لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة، وكذا إذا أخذ قوسًا ورمى بها فسدت صلاته، لأن أخذ القوس وتثقيف السهم عليه ومده حتى يُرمى عمل كثير، ألا ترى أنه يحتاج فيه إلى استعمال اليدين، وكذا الناظر إليه من بعيد لا يشك في أنه في غير الصلاة، وكذا لو ادهن، أو سرَّح رأسه، أو حملت امرأة صبيًا وأرضعته لوجود حد العمل الكثير على العبارتين، فأما حمل الصبي بدون الإرضاع فلا يوجب فساد الصلاة.
917 -
(حدثنا القعنبي، نا مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم، عن أبي قتادة) بن ربعي الأنصاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
(1) وهكذا قاله الشافعية، كما في "ابن رسلان". (ش).
(2)
"بدائع الصنائع"(1/ 553).
يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زينَبَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا". [خ 516، م 543]
918 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ -، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: "بَيْنَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ جُلُوسٌ (1) ، خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْمِلُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِى الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ،
===
يصلي وهو) الواو حالية (حامل (2) أمامة) بالإضافة، وفي بعضها بالتنوين، فإن قلت: قال النحاة: إن كان اسم الفاعل للماضي وجبت الإضافة، قلت: إذا أريد به الحكاية للحال الماضية جاز إعماله كقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} (3)(بنت زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على عاتقه (فإذا سجد وضعها) أي أمامة عن عاتقه على الأرض (وإذا قام حملها) على عاتقه.
918 -
(حدثنا قتيبة -يعني ابن سعيد-، ثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عمن عمرو بن سليم الزرقي أنه سمع أبا قتادة يقول: بينا نحن في المسجد جلوس) أي جالسين إذ (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت أبي العاص بن الربيع) وهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على زينب، اختلف في اسمه فقيل: لقيط وهو الأكثر، وقيل: هشيم، وقيل: مهشم.
وكان شهد بدرًا مع الكفار، فلما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فدائه قلادة لها كانت خديجة قد أدخلتها بها على أبي العاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوها عليها الذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم، وكان أبو العاص مصاحبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصافيًا، وكان قد أبى أن يطلق زينب لما أمره المشركون أن يطلقها، فشكر له
(1) وفي نسخة: "جلوسًا".
(2)
استدل بالحديث على أن العمل وإن كثر إذا لم يكن في ركن واحد لا يبطل. "ابن رسلان". (ش).
(3)
سورة الكهف: الآية 18.
وَأُمُّهَا زينَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ صَبِيَّةٌ يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ عَلَى عَاتِقِهِ، يَضَعُهَا إِذَا رَكَعَ وُيعِيدُهَا إِذَا قَامَ، حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا". [خ 5996، م 543، ن 711]
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ولما أطلقه من الأسر شرط عليه أن يرسل زينب إلى المدينة، فعاد إلى مكة وأرسلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام بمكة على شركه حتى كان قبيل الفتح خرج بتجارة إلى الشام، فلما عاد لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ المسلمون ما في تلك العير من الأموال وأسروا أناسًا.
وهرب أبو العاص بن الربيع، ثم أتى المدينة ليلًا، فدخل على زينب، فاستجار بها فأجارته، وصاحت زينب بعد صلاة الصبح أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها، وقال:"يجير على المسلمين أدناهم"، ثم قال لزينب:"أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك، فإنك لا تحلين له"، قالت: إنه جاء في طلب ماله، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك السرية، وقال:"إن هذا الرجل منا بحيث علمتم، وقد أصبتم له مالًا وهو مما أفاء الله صلى الله عليه وسلم عليكم، وأنا أحب أن تحسنوا وتردوا إليه الذي له، فإن أبيتم فأنتم أحق به"، فقالوا: بل نرده عليه، فردوا عليه ماله أجمع، فعاد إلى مكة وأدى إلى الناس أموالهم، ثم قال: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما منعني من الإِسلام إلَّا خوف أن تظنوا بي أكل أموالكم، ثم قدم على رسول الله مسلمًا، وحسن إسلامه، وتوفي سنة 12 هـ.
(وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي)، أي أمامة (صبية يحملها على عاتقه)(1) أي كتفه (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه، يضعها إذا ركع ويعيدها) على عاتقه (إذا قام) من السجدة (حتى قضى صلاته، يفعل ذلك بها).
(1) قال ابن رسلان: اختلفوا في توجيه الحديث على أقوال، ثم بسطه، وكذا بسط الكلام عليه النووي في "شرح مسلم" وردَّ على ما قاله الخطابي، وكذا تأويل المالكية، فليراجع (3/ 37)، وفي "المنهل" (6/ 16): اختلفت المالكية في تأويله، لأنهم رأوه عملًا كثيرًا، فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة، واستبعده عياض وغيره =
919 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، عن مَخْرَمَةَ، عن أَبِيهِ، عن عَمْرِو بْنِ سُلَيْم الزُّرَقِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قتَادَةَ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي لِلنَّاسِ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عُنُقِهِ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا". [م 543، حم 5/ 310]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ مَخْرَمَةُ مِنْ أَبِيهِ (1) إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا.
===
وقال الخطابي (2): يشبه أن تكون الصبية قد ألفته، فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته، فينهض من سجوده فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها، وقال في "البدائع" (3): ثم هذا الصنيع لم يكره منه صلى الله عليه وسلم، لأنه كان محتاجًا إلى ذلك لعدم من يحفظها، أو لبيانه الشرع بالفعل أن هذا غير موجب فساد الصلاة، ومثل هذا في زماننا أيضًا لا يكره لواحدٍ منا لو فعل ذلك عند الحاجة، أما بدون الحاجة فمكروه.
919 -
(حدثنا محمد بن سلمة المرادي، نا ابن وهب، عن مخرمة) بن بكير بن عبد الله بن الأشج المدني، (عن أبيه) بكير، (عن عمرو بن سليم الزرقي قال: سمعت أبا قتادة الأنصاري يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي للناس وأمامة بنت أبي العاص على عنقه، فإذا سجد) أي أراد السجود (وضعها) أي أمامة على الأرض.
(قال أبو داود: لم يسمع مخرمة من أبيه) بكير (إلَّا حديثًا واحدًا)
= لحديث الباب، وروى أشهب وغيره عن مالك أنه كان لضرورة، لأنه لم يجد من يكفيها، وقال بعضهم: لو تركها لشغلته أكثر بما شغل بحملها، وقال القرطبي: منسوخ، وكذا في "الدر المختار"، ورجح الشامي (2/ 512) أن الفعل لبيان الجواز، فلم يبق مكروهًا في حقه عليه السلام، ويكره في حقنا، وذكر في "حاشية البخاري" الأجوبة عن هذا الحديث، وكذا في "حاشية الزيلعي" على "الكنز". (ش).
(1)
زاد في نسخة: "شيئًا".
(2)
انظر: "معالم السنن"(1/ 315).
(3)
(1/ 553).
920 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى، نَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ-، عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عن عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عن أَبِي قَتَادَةَ، صَاحِب رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للصَّلَاةِ، في الظهَرِ أَوْ العَصْرِ، وَقَدْ دَعَاهُ بِلَالٌ للصَّلَاةِ، إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بِنْتُ ابْنَتِهِ عَلَى عُنُقِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في مُصَلَّاهُ، وَقُمْنَا خَلْفَهُ، وَهِيَ في مَكَانِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ.
===
وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قال أبو طالب: سألت أحمد عنه فقال: ثقة، ولم يسمع من أبيه شيئًا، إنما يروي من كتاب أبيه، وقال ابن معين: وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمعه، وقال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلَّا حديثًا واحدًا، وهو حديث الوتر، وقال سعيد بن أبي مريم عن خاله موسى بن سلمة: أتيت مخرمة فقلت: حدثك أبوك؟ فقال: لم أدرك أبي وهذه كتبه.
920 -
(حدثنا يحيى بن خلف، نا عبد الأعلى، نا محمد- يعني ابن إسحاق-، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة في الظهر أو العصر)، ظاهر اللفظ أن الشاك أبو قتادة، ويحتمل أن يكون الشك من بعض رواة السند، فيكون المعنى: قال الأستاذ: الظهر أو العصر (1).
(وقد دعاه) الواو حالية (بلال للصلاة (2) إذا خرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلينا وأمامةُ بنتُ أبي العاص بنتُ ابنته) أي زينب (على عنقه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصلاه، وقمنا خلفه) أي مقتدين به (وهي) أي أمامة (في مكانها الذي هو فيه) أي: على عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) وعند زببر بن بكار وتبعه السهيلي الصبح، كذا في "الزرفاني"(1/ 345)، وبه جزم في "الدرجات"(ص 66) محتجًا برواية الطبراني في "الكبير"(22/ 442 رقم 1079) عن عمرو بن سليم الزرقي. (ش).
(2)
الحديث نص في أنها مكتوبة، لكن أعل ابن عبد البر بأنه برواية ابن إسحاق عن المقبري، ورواه الليث عن المقبري فلم يقل فيه: الظهر أو العصر، قاله الزرقاني (1/ 345). (ش).
قَالَ: فَكَبَّرَ فَكَبَّرْنَا (1). قَالَ: حَتَّى إِذَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ ثُمَّ قَامَ، أَخَذَهَا فَرَدَّهَا في مَكَانِهَا، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ في كلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ صلى الله عليه وسلم ". [انظر سابقه]
921 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عن (2) يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عن ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْتُلُوا الأَسْوَدَيْنِ في الصَّلَاةِ: الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ". [ت 395، ن 1202، جه 1245، دي 1504، حم 2/ 233، ق 3/ 128، ك 1/ 256، حب 2351]
===
(قال) أبو قتادة: (فكبر) رسول الله صلى الله عليه وسلم للتحريمة (فكبرنا. قال) أبو قتادة: (حتى إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركع أخذها فوضعها) أي عن عنقه على الأرض (ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام، أخذها فردها في مكانها) أي على عنقه، في العبارة تقديم وتأخير، وأصلها حتى إذا فرغ من سجوده أخذها فردها في مكانها ثم قام (فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع بها ذلك) أي حملها على عنقه إذا قام، ووضعها عند الركوع والسجود، (في كل ركعة حتى فرغ من صلاته صلى الله عليه وسلم).
921 -
(حدثنا مسلم بن إبراهيم، نا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن ضمضم) بمعجمتين كزمزم (ابن جوس) بفتح الجيم في آخره مهملة (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتلوا الأسودين) هو من باب التغليب (في الصلاة: الحية والعقرب).
(1) وفي نسخة: "وكبرنا".
(2)
وفي نسحة: "حدثنا".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال الشوكاني في "النيل"(1): والحديث (2) يدل على جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة من غير كراهية، وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء كما قال العراقي، وحكى الترمذي عن جماعة كراهة ذلك منهم إبراهيم النخعي، وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن قتادة قال: إذا لم تتعرض لك فلا تقتلها.
واستدل المانعون من ذلك إذا بلغ حد الفعل الكثير بحديث: "إن في الصلاة لشغلًا"، وبحديث:"اسكنوا في الصلاة"، ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب خاص، فلا يعارضه ما ذكروه، انتهى ملخصًا.
وقال أيضًا: قال في "شرح السنة": وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القتل كالزنابير ونحوها، وقال في "البدائع" (3): وقتل الحية والعقرب في الصلاة لا يفسدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة"، وروي أن عقربًا لدغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فوضع عليه نعله وغمزه حتى قتله ، فلما فرغ من صلاته قال:"لعن الله العقرب لا تبالي نبيًا ولا غيره" أو قال: "مصليًا أو غيره"، وبه تبين أنه لا يكره، لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليفعل المكروه خصوصًا في الصلاة ، ولأنه يحتاج إليه لدفع الأذى ، فكان موضع الضرورة ، هذا إذا أمكنه قتل الحية بضربة واحدة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقرب.
وأما إذا احتاج إلى معالجة وضربات فسدت صلاته كما إذا قاتل في صلاته؛ لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة.
(1)(2/ 396).
(2)
نقل ابن قدامة إجماع الأربعة على جوازه، وحمله الشافعية على الفعل القليل، كما في "ابن رسلان"، وقال الشوكاني (2/ 396): فحديث البيهقي: كفاك ضربة، لا يدل على التقييد، وقال ابن العربي (2/ 181): يقتلها إن كان يسيرًا، وإلَّا فيستأنف الصلاة، ورجح في "الدر المختار" عدم الفساد، وقال: يباح قطع الصلاة لقتلها. [انظر: "رد المحتار" (2/ 513)]. (ش).
(3)
(1/ 554).
922 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ - وَهَذَا لَفْظُهُ- قَالَ: نَا بِشْرٌ (1) - يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ-، ثَنَا بُرْدٌ (2)، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَحْمَدُ: يُصَلِّي- وَالْبَابُ عَلَيْهُ مُغْلَقٌ، فَجِئْتُ فَاسْتَفْتَحْتُ، - قَالَ أَحْمَدُ: فَمَشَى- فَفَتَحَ لِي
===
وذكر شيخ الإِسلام السرخسي: أن الأظهر أنه لا تفسد صلاته، لأن هذا عمل رخص فيه للمصلي، فأشبه المشي بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضؤ، انتهى.
922 -
(حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد وهذا لفظه) أي لفظ مسدد (قال) هكذا في جميع النسخ بلفظ الواحد، وهذا خلاف دأب المحدثين، فإن المحدث إذا حدث عن شيخيه وهما يحدثان عن شيخ واحد فيقول: قالا: حدثنا بصيغة التثنية لا بلفظ الواحد، فلفظ "قال" المذكور في الكتاب بلفظ الواحد، إن كان من المصنف يمكن أن يؤول بإرجاع الضمير إلى كل واحد منهما.
(نا بشر -يعني ابن المفضل-، ثنا برد) بضم أوله وسكون الراء، يعني ابن سنان، (عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد: يصلي)(3) أي لفظ "يصلي" مختص برواية أحمد، ولفظ الترمذي:"قالت: جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت"، (والباب (4) عليه مغلق فجئت فاستفتحت، قال أحمد: فمشى) (5) أي لم يقل لفظ "مشى" مسدد، وكذا ذكر الترمذي هذا اللفظ من رواية يحيى بن خلف عن بشر (ففتح لي
(1) وفي نسخة: "قالا: حدثنا بشر".
(2)
زاد في نسخة: "يعني ابن سنان".
(3)
زاد النسائي: تطوعًا، وكذا ترجم عليه الترمذي. "ابن رسلان". (ش).
(4)
فيه استحباب غلق الباب إذا كان في جهة القبلة ليكون سترة، ولأنه أستر وأخفى. (ش).
(5)
قال ابن رسلان: هذا محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين، انتهى. (ش).
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُصَلَّاهُ، وَذَكَرَ أَنَّ الْبَابَ كَانَ في الْقِبْلَةِ". [ت 601، ن 1206، حم 6/ 31، حب 2355، قط 2/ 80، ق 2/ 265]
===
ثم رجع) أي القهقرى (إلى مصلاه، وذكر أن الباب كان في القبلة).
وأخرج هذا الحديث الدارقطني (1) من طريق مسدد: حدثنا بشر بن المفضل عن برد عن الزهري، وفيه: وذكرت أن الباب كان في القبلة، وفي رواية الترمذي: ووصفت الباب في القبلة؛ وفي رواية النسائي: قالت: استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعًا، والباب على القبلة.
فهذه الروايات تدل على أن كون الباب في القبلة من كلام عائشة رضي الله عنها، فعلى هذا معنى قول أبي داود: وذكر أن الباب
…
إلخ، أن عروة بن الزبير ذكر أن عائشة قالت: إن الباب كان في القبلة.
قلت: ويشكل ما وقع في هذا الحديث عند النسائي وأحمد بن حنبل والدارقطني، ولفظ النسائي: قالت: استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعًا، والباب على القبلة، فمشى عن يمينه أو عن يساره، ففتح الباب، ثم رجع إلى مصلاه.
ولفظ أحمد: استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فمشى في القبلة إما عن يمينه وإما عن يساره.
ولفظ الدارقطني: استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فمشى عن يمينه أو عن شماله.
ووجه الإشكال فيها أن الباب إذا كان في القبلة فلا معنى لمشيه عن يمينه أو عن شماله.
والجواب عنه: أن معنى كون الباب في القبلة أن يكون محاذيًا له،
(1)"سنن الدارقطني"(2/ 80).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أو مائلًا إلى اليمين أو الشمال، ويمكن ههنا أن يكون الباب مائلًا إلى اليمين أو الشمال، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك عن يمينه أو شماله.
والجواب الثاني عنه: أن يقال: يمكن أنه وقع من بعض الرواة تقديم وتأخير في اللفظ واختصار، ويكون نظم الحديث هكذا: استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعًا، والباب على القبلة أو عن يمينه أو عن يساره، فمشى، ففتح الباب.
ويدلس على ذلك ما أخرجه الدارقطني (1) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا استفتح إنسان الباب، ففتح له ما كان في قبلته أو عن يمينه أو عن يساره.
قلت: وهاهنا إشكال آخر صعب الجواب، وهو أن كون الباب في القبلة لا يكاد يصح، فإنه قد صرح المؤرخون وثبت عن الأحاديث الصحاح أن حجرة عائشة رضي الله عنها كانت في شرقي المسجد، وكان باب حجرتها شارعة إلى المسجد.
قال في "نزهة الناظرين في مسجد سيد الأولين والآخرين" في ذكر حجرة عائشة: وباب بيته كان في المغرب، وقيل: في الشام، وقيل: كان له بابان: باب في المغرب، وباب في الشام.
وقال في "خلاصة الوفاء"(2): وكان باب عائشة يواجه الشام.
وقال في "وفاء الوفاء": ووقفت عند باب عائشة فإذا هو مستقبل المغرب، وهو صريح في أن الباب كان في جهة المغرب، وسيأتي ما يؤيده.
وكذا ما روي في الصحيح من كشفه صلى الله عليه وسلم من سجف الباب في مرضه
(1)"سنن الدارقطني"(2/ 80).
(2)
(2/ 71).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأبو بكر يؤم الناس، وترجيل عائشة شعره وهو في معتكفه، وهي في بيتها، لكن سبق أيضًا ما يقتضي أن الباب كان مستقبل الشام، وهو ضعيف أو مؤول، أما ضعفه فلما تقدم من أن بيت فاطمة -رضي الله تعالى عنها - كان ملاصقًا له من جهة الشام، وأما تأويله (1) فبأحد الأمرين:
أحدهما: حمله على أنه باب شرعته عائشة لما ضربت حائطًا بينها وبين القبور المقدسة بعد دفن عمر -رضي الله تعالى عنه - لا أنه الباب الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، وفيه بعد.
وثانيهما: أنه كان له بابان، إذ لا مانع من ذلك، انتهى ملخصًا.
وهذه التقارير كلها يرد ما وقع في حديث أبي داود من أن الباب كان في القبلة.
ثم رأيت في "وفاء الوفاء": وكان بيت حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ملاصقًا لبيت عائشة رضي الله عنها من جهة القبلة.
ونقل ابن زبالة فيما رواه عن عبد الرحمن بن حميد وعبيد الله بن عمر بن حفص وأبي سبرة وغيرهم أنه كان بين بيت حفصة وبين منزل عائشة رضي الله عنهما الذي فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم -طريق، وكانتا يتهاديان الكلام وهما في منزليهما من قرب ما بينهما.
فهذا الكلام يدل على أنه كان بين منزليهما طريق، فلا بد أن يكون في الجدار المشتركة بينهما باب، فلعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في منزل عائشة -رضي الله تعالى عنها -، وكان هذا الباب مسكوكًا، فجاءت عائشة من هذا الباب، وهذا هو الجواب عن هذا الإشكال، والله تعالى أعلم.
(1) وأجاب عنه الوالد المرحوم في "الكوكب الدري"(1/ 473)، فأجاد بأنه ليس المراد في جدار القبلة بل قدامه وأمامه، يعني لم يكن خلفه، فمشى عليه السلام قدامه، فلما حاذى الباب وهو في جانبه اليمين مال إلى اليمين وفتح الباب. (ش).