المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(150) باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٤

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(118) بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ

- ‌(119) بَابُ افْتَتِاحِ الصَّلَاةِ

- ‌(120) بَابٌ

- ‌(121) بَابُ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ

- ‌(123) بَابُ مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ الدُّعَاءِ

- ‌(124) (بَابُ مَنْ رَأَى الاستِفْتَاحَ بِـ: سُبْحَانَكَ)

- ‌(125) بَابُ السَّكْتَةِ عِنْدَ الافْتِتَاحِ

- ‌(126) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الجَهْرَ بِـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌(127) بَابُ مَا جَاءَ منْ جَهَرَ بِهَا

- ‌(128) (باب تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِلأَمْرِ يَحْدُثُ)

- ‌(129) بَابُ مَا جَاءَ في نُقْصَانِ الصَّلَاةِ

- ‌(130) بابٌ: فِى تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ

- ‌(131) بَابُ مَا جَاءَ فِي القِرَاءَة في الظُّهْرِ

- ‌(132) بَابُ تَخْفِيفِ الأُخْرَيَيْنِ

- ‌(133) باب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌(134) بَابُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ في الْمَغْرِبِ

- ‌(135) (بَابُ مَنْ رَأَى التَّخْفِيفَ فِيهَا)

- ‌(136) بابُ الرَّجُلِ يُعِيدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِى الرَّكْعَتَيْنِ

- ‌(137) بَابُ القِرَاءَةِ في الفَجْرِ

- ‌(138) بَابُ مَنْ تَرَكَ القِرَاءَةَ في صَلاتِهِ

- ‌(139) بَابُ مَنْ كَرِهَ القِراءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا جَهَرَ الإِمَامُ

- ‌(140) (بَابُ مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَر)

- ‌(142) بَابُ تَمَامِ التَّكْبِيرِ

- ‌(143) بابٌ: كَيْفَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ

- ‌(144) بَابُ النُّهُوضِ في الفَرْدِ

- ‌(145) بَابُ الإِقْعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ

- ‌(146) بَابُ مَا جَاءَ في مَا يَقْولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوع

- ‌(147) بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(148) (بَابُ رَفْعِ النِّسَاءِ إِذَا كُنَّ مَعَ الإمَامِ رُؤوسَهُنَّ مِنَ السَّجْدَةِ)

- ‌(149) بَابُ طُولِ القِيامِ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(150) بَابُ صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(153) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ

- ‌(154) بَابٌ: في الدُّعَاءِ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(155) بَابُ الدُّعَاءِ في الصَّلَاةِ

- ‌(156) بَابُ مِقْدَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(157) (بَابُ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمَامَ سَاجِدًا كَيْفَ يَصْنَعُ

- ‌(158) بَابٌ: في أَعْضَاءِ السُّجُودِ

- ‌(159) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ

- ‌(160) (بَابُ صِفَةِ السُّجُودِ)

- ‌(161) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(162) بَابٌ: في التَّخَصُّرِ وَالإِقْعَاءِ

- ‌(163) بَابٌ: في الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(164) بَابُ كَرَاهِيَّةِ الوَسْوَسَةِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(165) بَابُ الفَتْحِ عَلَى الإِمَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(166) بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّلْقِينِ

- ‌(167) بَابُ الالْتِفَاتِ في الصَّلَاةِ

- ‌(168) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ

- ‌(169) بَابُ النَّظَرِ في الصَّلَاةِ

- ‌(170) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(171) بَابٌ: في الْعَمَلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(172) بَابُ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(173) بَابٌ في تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(174) بَابُ التَّأْمِينِ وَرَاءَ الإِمَامِ

- ‌(175) بَابُ التَّصْفِيقِ في الصَّلَاةِ

- ‌(176) بَابُ الإِشِارَةِ في الصَّلَاةِ

- ‌(177) بَابٌ: في مَسْحِ الْحَصَى في الصَّلَاةِ

- ‌(178) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا

- ‌(179) بَابُ الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ في الصَّلَاةِ عَلَى عَصًا

- ‌(180) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(181) بَابٌ: في صَلَاةِ القَاعِدِ

- ‌(182) بَابٌ كَيْفَ الْجُلُوسُ في التَّشَهُّدِ

- ‌(183) بَابُ مَنْ ذَكرَ التَّوَرُّكَ في الرَّابِعَةِ

- ‌(184) بَابُ التَّشَهُّدِ

- ‌(185) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(186) بَابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(187) بَابُ إِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ

- ‌(188) بَابُ الإِشَارَةِ في التَّشَهُّدِ

- ‌(189) بَابُ كرَاهِيَّةِ الاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ في الصَّلَاةِ

- ‌(190) بَابٌ: في تَخْفِيفِ القُعُودِ

- ‌(191) بَابٌ: في السَّلَامِ

- ‌(192) بَابُ الرَّدِّ عَلَى الإِمَامِ

- ‌(193) بَابُ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

- ‌(194) بَابُ حَذْفِ السَّلَامِ

- ‌(195) بَابٌ: إِذَا أَحْدَثَ في صَلاتِهِ

- ‌(196) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَتَطَوَّعُ في مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ

- ‌(197) بَابُ السَّهْوِ في السَّجدتَيْنِ

- ‌(198) بَابٌ: إِذَا صَلَّى خَمْسًا

- ‌(201) بَابُ مَنْ قَالَ: بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(202) بَابُ مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ

- ‌(203) بَابُ مَنْ نَسِيَ أَنْ يَتَشهَّدَ وَهُوَ جَالِسٌ

- ‌(204) بَابُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وتَسْلِيمٌ

- ‌(205) بَابُ انْصِرافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(206) بَابٌ: كيْفَ الانْصِرَافُ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(207) بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ التَّطوُّعَ في بَيْتِهِ

- ‌(208) بَابُ مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ

الفصل: ‌(150) باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

(150) بَابُ صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

854 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عن سُلَيْمَانَ،

===

قلت: وأما الإشكال بمخالفة حديث البخاري لمسلم وأبي داود بإثبات القيام ونفيه، فإن البخاري ذكر هذا الحديث برواية الحكم عن ابن أبي ليلى في "باب استواء الظهر في الركوع"، وفيه استثناء القيام والقعود من المساواة، ونفي الاستواء فيهما، وفي رواية لمسلم وأبي داود من حديث هلال عن ابن أبي ليلى، وفيهما إثبات المساواة للقيام، فذكر الحافظ في "باب الطمأنينة" تحت حديث الحكم عن ابن أبي ليلى الذي ليس فيه هذا الاستثناء.

فقال (1): ولم يقع في هذا الطريق الاستثناء الذي مرَّ في "باب استواء الظهر"، وهو قوله:"ما خلا القيام والقعود"، ووقع في رواية لمسلم:"فوجدت قيامه فركعته فاعتداله"، الحديث، وحكى ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه نسب هذه الرواية إلى الوهم، ثم استبعده، لأن توهم الراوي الثقة على خلاف الأصل، ثم قال في آخر كلامه: فينظر ذلك في الروايات، ويحقق الاتحاد والاختلاف من مخارج الحديث، انتهى.

وقد جمعت طرقه فوجدت مداره على ابن أبي ليلى عن البراء، لكن الرواية التي فيها زيادة ذكر القيام من طريق هلال بن أبي حميد عنه، ولم يذكره الحكم عنه، وليس بينهما اختلاف في سوى ذلك، إلَّا ما زاده بعض الرواة عن شعبة عن الحكم من قوله:"ما خلا القيام والقعود"، وإذا جمع بين الروايتين ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة، وكذا القعود، والمراد به القعود للتشهد.

(150)

(بَابُ صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسجُودِ)

أي: من لا يتم ركوعه وسجوده، ما حكم صلاته؟

854 -

(حدثنا حفص بن عمر النمري، نا شعبة، عن سليمان) هو الأعمش

(1)"فتح الباري"(2/ 288).

ص: 310

عن عُمَارَةَ بْن عُمَيْرٍ، عن أَبِي مَعْمَرٍ، عن أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ". [ت 265، ن 1027، جه 870، دي 1327، حم 4/ 119، خزيمة 591، حب 1892، ق 2/ 88، قط 1/ 348]

===

(عن عمارة (1) بن عمير، عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة، (عن أبي مسعود البدري) هو عقبة بن عمرو (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود).

هذا الحديث (2) يدل على فرضية تعديل الأركان، وإليه ذهب الإِمام أبو يوسف والشافعي، فإنهما قالا: لو ترك الطمأنينة فسدت صلاته، وقال أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله-: إن الطمأنينة والقرار في الركوع والسجود ليست بفرض، وعلى هذا الخلاف القومة التي بعد الركوع، والقعدة التي بين السجدتين، حتى روى الحسن عن أبي حنيفة فيمن لم يقم صلبه في الركوع إن كان إلى القيام أقرب منه إلى تمام الركوع لم يجزه، وإن كان إلى تمام الركوع أقرب منه إلى القيام أجزأه إقامةً للأكثر مقام الكل.

احتج الإِمام أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله - بهذا الحديث، وبحديث الأعرابي الذي دخل المسجد وأخف الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"قم فصل فإنك لم تصل"، وهذا الحديث يأتي بعد ذلك الحديث متصلًا، والاستدلال به من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه أمره بالإعادة، والإعادة لا تجب إلَّا عند فساد الصلاة، وفسادها بفوات الركن.

والثاني: أنه نفى كون المؤدى صلاة بقوله: "فإنك لم تصل".

(1) بضم العين فيهما.

(2)

قال ابن العربي: وقد احتج به الشافعي ومالك على فرضية الاعتدال، وبه قال أحمد وإسحاق، "ابن رسلان". (ش). [انظر:"عارضة الأحوذي"(2/ 67)].

ص: 311

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والثالث: أنه أمره بالطمأنينة، ومطلق الأمر للفرضية، وأبو حنيفة ومحمد احتجا لنفي الفرضية بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (1) أمر بمطلق الركوع والسجود، والركوع الانحناء والميل، والسجود هو التطأطؤ والخفض والوضع، فإذا أتى بأصل الانحناء والوضع فقد امتثل لإتيانه بما يطلق عليه الاسم، فأما الطمأنينة فدوام على أصل الفعل، والأمر بالفعل لا يقتضي الدوام.

وأما حديث الأعرابي فهو من الآحاد، فلا يصلح ناسخًا للكتاب، ولكن يصلح مكملًا، فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب، ونفيه الصلاة على نفي الكمال، وتمكن النقصان الفاحش الذي يوجب عدمها، وأمره بالإعادة على الوجوب جبرًا للنقصان، أو على الزجر عن المعاودة إلى مثله، كالأمر بكسر دنان الخمر عند نزول تحريمها تكميلًا للغرض على أن الحديث حجة عليهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مكن الأعرابي من المضي في الصلاة في جميع المرات، ولم يأمره بالقطع، فلو لم تكن تلك الصلاة جائزة لكان الاشتغال بها عبثًا، إذ الصلاة لا تمضي في فاسدها، فينبغي أن لا يمكنه.

ثم الطمأنينة في الركوع واجبة عند أبي حنيفة ومحمد كذا ذكره الكرخي، حتى لو تركها ساهيًا يلزمه سجود السو، وذكر أبو عبد الله الجرجاني: أنها سنة حتى لا يجب سجود السهو بتركها ساهيًا، وكذا القومة التي بين الركوع والسجود، والقعدة التي بين السجدتين، والصحيح ما ذكره الكرخي، لأن الطمأنينة من باب إكمال الركن، وإكمال الركن واجب كإكمال القراءة بالفاتحة.

ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق صلاة الأعرابي بالعدم، والصلاة إنما يقضى عليها بالعلم إما لانعدامها بترك الركن، أو بانتقاصها بترك الواجب، لتصير عدمًا من وجه، فأما ترك السنَّة فلا يلتحق بالعدم، لأنه لا يوجب نقصانًا فاحشًا،

(1) سورة الحج: الآية 77.

ص: 312

855 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبيُّ، نَا أَنَسٌ - يَعْنِي ابْنَ عِياضٍ -. (ح): وَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي (1) يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ - وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْمُثنَّى-، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عن أَبِيهِ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،

===

ولهذا يكره تركها أشد الكراهة، حتى روي عن أبي حنيفة رحمه الله أخشى أن لا تجوز صلاته.

855 -

(حدثنا القعنبي، نا أنس - يعني ابن عياض-، ح: ونا ابن المثنى، حدثني يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، وهذا لفظ ابن المثنى) لا القعنبي (حدثني سعيد بن أبي سعيد) واسمه كيسان (عن أبيه) أبي سعيد، (عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد) وفي رواية: أنَّ رجلًا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد، (فدخل رجل) هو خلاد (2) بن رافع كما بينه ابن أبي شيبة، قال ابن حجر (3): هو خلاد بن رافع الأنصاري، وجاء أنه استشهد ببدر، فعليه تكون القصة قبلها ، ولا تشكل عليه رواية أبي هريرة للقضية، مع أنه إنما أسلم سنة سبع، ووقعة بدر كانت في الثانية، لأنه يحتمل أن أبا هريرة رواها عن بعض الصحابة الذين شاهدوها، فأرسلها.

(فصلى) وفي النسائي: فصلى ركعتين، والظاهر أنها تحية المسجد (ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم) مقدمًا حق الله صلى الله عليه وسلم على حق رسوله عليه السلام، كما هو أدب الزيارة لأمره عليه السلام بذلك لمن سلَّم عليه قبل صلاة التحية، فقال له: ارجع فصلِّ، ثم ائت فسلم علي.

(1) وفي نسخة: "حدثنا".

(2)

يشكل عليه لفظ الترمذي: كالبدوي، ويحتمل أن يكون شَبَّه به لأنه أخف الصلاة أو بغير ذلك. "ابن رسلان". (ش).

(3)

انظر: "مرقاة المفاتيح"(2/ 249).

ص: 313

فَرَدَّ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عليه السلام وَقَالَ: فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَعَلَيْكَ السَّلَامُ"، ثُمَّ قَالَ (1):"ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ (2) فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي (3).

===

(فرد (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام وقال: فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل) (5) أي صلاة كاملة أو صحيحة (فرجع الرجل) أي إلى موضعه الذي صلَّى فيه (فصلى) مرة ثانية (كما كان صلَّى) في المرة الأولى (ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم) بعد ما صلَّى ثانيًا (فسلم (6) عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام، ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ارجع فصل فإنك لم تصل) أي صلاة كاملة أو صحيحة، قال ابن الملك: النفي في قوله: لم تصل نفي لكمال الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد، ونفي لجوازها عند أبي يوسف.

قلت: وكذلك عند (7) الشافعي، لكن تقريره على صلاته كرات يؤيد كونه نفي الكمال لا الصحة، فإنه يلزم منه أيضًا الأمر بعبادة فاسدة مرات.

(حتى فعل) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الرجل (ذلك) أي الأمر بإعادة الصلاة أو تكرار الصلاة (ثلاث مرار، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا، فعلمني) فإن قيل: لم سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليمه أولًا حتى افتقر إلى

(1) زاد في نسخة: "له".

(2)

وفي نسخة: "مرات".

(3)

وفي نسخة: "علمني".

(4)

هذا يرد على من قال: إنه عليه السلام لم يرد عليه، لأن الموعظة أهم من الرد، وقال آخرون: يجوز ترك الرد تأديبًا، "ابن رسلان". (ش).

(5)

فيه أن الصلاة الفاسدة لا تسمى صلاة، "ابن رسلان". (ش).

(6)

فيه تكرار السلام إذا ولى ظهره، وإن لم يخرج من المجلس، "ابن رسلان". (ش).

(7)

واعتذر عن الشافعية ابن رسلان إنما فعل عليه السلام ذلك؛ لأن التعليم بعده أوقع. (ش).

ص: 314

قَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ،

===

المراجعة كرة بعد أخرى؟ قلنا: لأن الرجل لما لم يستكشف الحال مغترًا بما عنده سكت عن تعليمه زجرًا له، وإرشادًا إلى أنه ينبغي له أن يستكشف ما استبهم عليه، فلما طلب كشف الحال بَيَّنَه بحسن المقال.

واستشكل تقريره عليه السلام على صلاته وهي فاسدة ثلاث مرات على القول بأن النفي للصحة.

وأجيب بأنه أراد استدراجه بفعل ماجهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيًا أو غافلًا فيتذكر، فيفعله من غير تعليم، فليس من باب التقرير على الخطأ، بل من باب تحقق الخطأ، أو بأنه لم يعلمه أولًا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره، ولتفخيم الأمر وتعظيمه عليه.

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت) أي أردت القيام (إلى الصلاة فكبر) للتحريمة (ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن)، وفي الحديث كما في الآية:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (1)، دليل على أن قراءة الفاتحة ليست بركن، وما دون الآية غير مراد إجماعًا، فتبقى الآية، وبه أخذ أبو حنيفة.

وفي "شرح السنَّة"(2): أراد بما تيسر معك من الفاتحة إذا كان يحسنها ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (3)، والمراد الشاة ببيان السنَّة، وفيه دليل على وجوب القراءة في الركعات كلها كما يجب الركوع والسجود، ذكره الطيبي، وفيه أبحاث محلها كتب الفقه وأصوله.

ومن جملتها أنه عليه السلام صرَّح بأن المراد بالهدي الشاة، ولم يرو عنه أنه قال: المراد بما تيسر هو الفاتحة، ومن ادَّعى فعليه البيان، وأما ما ورد في رواية صحَّحها أحمد والبيهقي وابن حبان من قوله عليه السلام: "ثم قرأ

(1) سورة المزمل: الآية 20.

(2)

وقال ابن رسلان: أو يؤول بأنه في العاجز عن الفاتحة. (ش).

(3)

سورة البقرة: الآية 196.

ص: 315

ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا،

===

بأم القرآن" إنما يدل على الوجوب، وبه نقول مع أن الواقعة لم تتكرر كما هو الظاهر، فتحمل إحداهما على أنها رويت باللفظ، والأخرى على أنها رويت بالمعنى، ولكن فيه أن ما بينهما تفاوت فاحش في المعنى، ففي تصحيح الرواية نظر ظاهر، والله أعلم.

ثم القراءة ليست بفرض مطلقًا عند أبي بكر الأصم، وعندنا فرض في الركعتين لا على التعيين، وأما تعيين الأوليين فبطريق الوجوب، وعند بعض العلماء القراءة فرض في ركعة، وعند بعض في ثلاث ركعات.

(ثم اركع حتى تطمئن راكعًا) حال مؤكدة، والظاهر أنها مقيدة، (ثم ارفع) رأسك عن الركوع (حتى تعتدل قائمًا) والحديث لا يدل على الاطمئنان في القومة، لكن جاء في رواية ابن حبان:"حتى تطمئن قائمًا"، والله أعلم بصحته.

وقال إمام الحرمين من الشافعية مع جلالته: إنه عليه السلام لم يذكر الطمأنينة في الاعتدال والجلوس بين السجدتين، وفيه أن الاطمئنان في الجلوس بين السجدتين مذكور في هذا الحديث المتفق عليه، وأما قول ابن حجر: إن هذا سهو منه إذ في قوله: "حتى يستوي قائمًا" التصريح بوجوب القيام من الركوع مع الاستواء فيه، وهذا هو الاعتدال والطمأنينة اللذان قلنا بوجوبهما، فمبني على أنه لم يفرق بين الاعتدال والطمأنينة، فتأمل فيهما.

(ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا) وهي السجدة الأولى (ثم اجلس حتى تطمئن جالسًا) وهذه جلسة بين السجدتين، ولم يذكر في هذه الرواية السجدة الثانية ولا الرفع منها، وقد ذكرا في رواية البخاري ومسلم.

قال النووي (1): هذا الحديث محمول على بيان الواجبات دون السنن،

(1)"شرح صحيح مسلم"(2/ 343).

ص: 316

ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ في صَلَاتِكَ كُلِّهَا".

قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيَّ عن أَبِي هُرَيْرَةَ: وَقَالَ في آخِرهِ: "فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ، وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا، فَإنَّمَا انْتَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِكَ"

===

فإن قيل: لم يذكر فيه كل الواجبات من المجمع عليها كالنية والتشهد والقعود الأخير، وترتيب أركان الصلاة، والمختلف فيه كالتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فالجواب أن الواجبات المجمع عليها كانت معلومة عند السائل، فلم يحتج إلى بيانها.

(ثم افعل ذلك) أي ما ذكر بما يمكن تكريره، فخرج نحو تكبيرة الإحرام (في صلاتك كلها) أي في كل الركعات منها، استدل الشافعية بهذه الجملة على فرضية القراءة في الركعات كلها، والجواب عنه أن هذا اللفظ لو يحمل على عمومه يلزم وجوب تكبيرة الافتتاح في الركعات كلها ووجوب جلسة الاستراحة وغيرها، فما كان جوابهم عنها فهو جوابنا عن هذا.

"قال أبو داود" كما في نسخة: (قال القعنبي: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، وقال في آخره: فإذا فعلت هذا) أي ما ذكر من الأفعال (فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا) أي من الواجبات لا من الأركان (شيئًا، فإنما انتقصته من صلاتك).

وهذا الكلام يدل على أن ما ذكر قبل من قوله: فإنك لم تصل، فنفي الصلاة فيه محمول على نفي الكمال، فإن وقوع النقص في الصلاة لا يستلزم بطلانها، وقد استدل الصحابة بهذا اللفظ على نفي الكمال، فقال رفاعة (1): وكان أهون عليهم من الأول أنه من انتقص من ذلك انتقص من صلاته ولم تذهب كلها.

(1) كما في رواية الترمذي في "باب ما جاء في وصف الصلاة"، وهو بعينه ما قالته الحنفية من أنها لم تذهب كلها. (ش).

ص: 317

وَقَالَ فِيهِ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبغِ الْوُضُوءَ". [خ 757، م 397، ت 303، ن 884، حم 2/ 437، ق 2/ 37، خزيمة 461]

856 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عن إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عن عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ،

===

(وقال) القعنبي (فيه: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء) وغرض المصنف بيان الاختلاف بين حديث القعنبي وحديث ابن المثنى، فالاختلاف بينهما في السند بأن ابن المثنى حدث هذا الحديث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وحدث القعنبي عن سعيد بن أبي سعيد وزاد لفظ المقبري، ولم يذكر عن أبيه، بل حدثه عن أبي هريرة بلا واسطة أبيه.

وأما الاختلاف في المتن ففي أن القعنبي زاد في آخر الحديث: "فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا شيئًا، فإنما انتقصته من صلاتك"، وزاد في أول الحديث:"إذا قمت إلى الصلاة فأسبع الوضوء"، ولم يذكرهما ابن المثنى.

856 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد (1)، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد) بن رافع، قال الحافظ في "الإصابة" (2): وذكر ابن الكلبي أن خلادًا قتل ببدر، قال أبو عمر: يقولون: إن له رواية" وقيل: إنه المسيء صلاته، فقد روى أبو موسى من طريق سفيان بن وكيع، عن أبيه وكيع، عن ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن يحيى بن عبد الله بن خلافى، عن أبيه، عن جده أنه دخل المسجد فصلَّى، ورواه سعيد بن منصور وعبد الله بن محمد الزهري عن ابن عيينة عن ابن عجلان عن علي بن يحيى بن (3) عبد الله بن خلاد عن أبيه عن جده به.

(1) ابن سلمة، "ابن رسلان". (ش).

(2)

(2/ 139).

(3)

وفي "الإصابة"(2/ 139): عن عبد الله، وهو تحريف.

ص: 318

عن عَمِّهِ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَذَكَر (1) نَحْوَهُ، قَالَ فِيهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لا تَتِمُّ صَلَاةٌ لأَحَدٍ مِنَ النَاسِ حَتَّى يَتَوَضَأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ"- يَعْنِي مَوَاضِعَهُ- "ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَحْمَدَ الله عز وجل وُيثْنِيَ عَلَيْهِ،

===

قلت: ذكر عبد الله (2) في نسب علي بن يحيى زيادة لا حاجة إليها، وقول ابن عيينة: عن جده وهم، فقد رواه إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق وغيرهما عن علي بن يحيى عن أبيه عن عمه وهو رفاعة، والحديث حديثه، وهو مشهور به، وكذا رواه إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى المذكور عن أبيه عن جده عن رفاعة، فهذه الطرق هي وغيرها في السنن، وقد رواه أحمد وابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن علي بن يحيى فقال: عن رفاعة أن خلادًا دخل المسجد، الحديث، وكذا أخرجه الطحاوي من طريق شريك بن أبي نمر عن علي بن يحيى وهو الصواب، فخرج من هذا أن خلادًا هو المسيء صلاته، وأن رفاعة أخوه هو الذي روى الحديث، فإن كان خلادًا استشهد ببدر، قالقصة كانت قبل بدر فنقلها رفاعة، والله أعلم، انتهى.

(عن عمه)(3) أي عم يحيى بن خلاد لا عم علي بن يحيى، وهو رفاعة بن رافع:(أن رجلًا دخل المسجد فذكر) أي موسى بن إسماعيل (نحوه) أي نحو الحديث المتقدم (قال) موسى (فيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه) الضمير للشأن (لا تتم) أي لا تكمل (صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء) أي ماء الوضوء، أو بضم الواو أي فعل الوضوء (يعني مواضعه) ولعله ترك سائر الشرائط من طهارة الثوب والبدن وغيرها اكتفاء بالشهرة.

(ثم يكبر) أي: للافتتاح (ويحمد الله (4) عز وجل ويثني عليه،

(1) وفي نسخة: "ذكر".

(2)

قال ابن حجر: هذا وهم، والصواب إسقاط عبد الله، "ابن رسلان". (ش).

(3)

قال المنذري (1/ 298): هذا وهم، والصواب عن أبيه عن عمه. (ش).

(4)

يحتمل أن يراد به الفاتحة، "ابن رسلان". (ش).

ص: 319

وَيَقْرَأَ بِمَا شَاءَ (1) مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَرْكَعَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ يَقُولَ: اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولَ: اللهُ أَكْبَرُ، وَيرْفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَويَ قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولَ: اللَّه أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثمَّ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ". [حم 4/ 340]

857 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِك وَالْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ (2) قَالَا: نَا هَمَّامٌ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عن عَلِيٍّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، عن أَبِيهِ، عن عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِع بِمَعْنَاهُ،

===

ويقرأ بما شاء من القرآن، ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائمًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد) أي السجدة الأولى (حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد) أي السجدة الثانية (حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك) أي المذكور من الأفعال (فقد تمت صلاته).

857 -

(حدثنا الحسن بن علي، نا هشام بن عبد الملك) بن عمران (والحجاج بن منهال قالا: نا همام، نا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه) أي عم أبيه يحيى بن خلاد (رفاعة بن رافع بمعناه) أي بمعنى الحديث المتقدم. وهذا الحديث يخالف حديث موسى بن إسماعيل المتقدم، فإن فيه علي بن

(1) وفيه نسختان: "تقرأ بما شئت"، "يقرأ بما تيسر".

(2)

وفي نسخة: "المنهال".

ص: 320

قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى، فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ عز وجل وَيَحْمَدَهُ، ثُمَّ يَقْرَأَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَتيَسَّرَ" - فَذكَرَ نَحْوَ (1) حَمَّادٍ، قَالَ:"ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْجُدَ فَيُمَكِّنَ وَجْهَهُ" -

===

يحيى بن خلاد يروي عن عم أبيه يحيى بن خلاد بلا واسطة أبيه، وفي هذا يروي علي بن يحيى بن خلاد بواسطة أبيه عن عم أبيه رفاعة بن رافع، فيمكن أن يكون له رواية عنهما، فروى أولًا عن رفاعة بواسطة أبيه ثم عنه من غير واسطة، أو روى أولًا بلا واسطة ثم نسيه فروى بواسطة أبيه، إن كان له به لقاء، وإلَّا فيكون فيه انقطاع، أو سهو من الكاتب بأنه ترك لفظ "عن أبيه".

(قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للرجل المسيء صلاته (إنها) الضمير للقصة (لا تتم) بفتح التاء الأولى وكسر الثانية (صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء، كما أمره الله تعالى، فيغسل وجهه) ويغسل (يديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه و) يغسل (رجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله عز وجل للافتتاح (ويحمده) والمراد به الثناء (ثم يقرأ من القرآن ما أذن) الله عز وجل كما في رواية همام عند دارمي (له فيه وتيسر) وهو قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (فذكر) أي همام (نحو) حديث (حماد).

وقد صرَّح الدارمي بما تركه أبو داود، وأحال إلى حديث حماد بعد قوله:"ما أذن الله عز وجل له فيه، ثم يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه، حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ويقول: سمع الله لمن حمده، فيستوي قائمًا حتى يقيم صلبه، فيأخذ كل عضو مأخذه"، انتهى.

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إسحاق: (ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه،

(1) وفي نسخة: "نحو حديث".

ص: 321

قَال هَمَّامٌ: وَرُبَّمَا قَال-: "جَبْهَتَهُ- مِنَ الأَرْض، حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى مَقْعَدِهِ وُيقِيمَ صُلْبَهُ" فَوَصَفَ الصَّلَاةَ هَكَذَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حَتَّى فَرَغَ، "لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ". [ت 302، ن 1136، جه 460، دى 1329 ، حم 4/ 340 ، ك 1/ 243، ق 2/ 380]

===

قال همام: وربما قال) إسحاق: (جبهته) موضع وجهه (من الأرض، حتى تطمئن مفاصله وتسترخي) أي تلين (ثم يكبر فيستوي قاعدًا على مقعده وبقيم صلبه) أي في الجلسة بين السجدتين (فوصف) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ) من بيان الصلاة، ثم قال:(لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك).

قلت: وهذا الحديث يدل على أن قراءة القرآن واجبة في الركعات كلها، والمذهب على خلاف ذلك، واختلف في محل القراءة المفروضة، فمحلها الركعتان الأوليان عينًا في الصلاة الرباعية، هو الصحيح من مذهب أصحابنا، وقال بعضهم: ركعتان منها غير عين، وإليه ذهب القدوري، وقال الحسن البصري: المفروض هو القراءة في ركعة واحدة، وقال مالك: في ثلاث ركعات، وقال الشافعي: في كل ركعة.

احتج الحسن بقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} ، والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار، فإذا قرأ في ركعة واحدة فقد امتثل أمر الشرع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلَّا بقراءة"، وقد وجدت القراءة في ركعة، فثبتت الصلاة ضرورة.

وبهذا يحتج الشافعي إلَّا أنه يقول: اسم الصلاة يطلق على كل ركعة، فلا تجوز كل ركعة إلَّا بقراءة، بقوله عليه السلام:"لا صلاة إلَّا بقراءة"، ولأن القراءة في كل ركعة فرض في النفل، ففي الفرض أولى، لأنه أقوى، ولأن القراءة ركن من أركان الصلاة، ثم سائر الأركان من القيام والركوع والسجود فرض في كل ركعة، فكذا القراءة.

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وبهذا يحتج مالك إلَّا أنه يقول: القراءة في الأكثر أقيم مقام الكل تيسيرًا.

ولنا إجماع الصحابة، فإن عمر ترك القراءة في المغرب في أحد الأوليين فقضاها في الركعة الأخيرة وجهر، وعثمان ترك القراءة في الأوليين من صلاة العشاء فقضاها في الأخريين وجهر، وعلي وابن مسعود كانا يقولان: المصلي بالخيار في الأخريين إن شاء قرأ، وإن شاء سكت، وإن شاء سبح، وسأل رجل عائشة عن قراءة الفاتحة في الأخريين فقالت: ليكن على وجه الثناء، ولم يرو عن غيرهم خلاف ذلك فيكون ذلك إجماعًا.

ولأن القراءة في الأخريين ذكر يخافت بها على كل حال، فلا تكون فرضًا كثناء الافتتاح، وهذا لأن مبنى الأركان على الشهرة والظهور، ولو كانت القراءة في الأخريين فرضًا لما خالفت الأخريان الأوليين في الصفة كسائر الأركان، وأما الآية فنحن ما عرفنا فرضية القراءة في الركعة الثانية بهذه الآية، بل بإجماع الصحابة على ما ذكرناه، والثاني: إنا ما عرفنا فرضيتها بالنص بل بدلالة النص، لأن الركعة الثانية تكرار للأولى، والتكرار في الأفعال إعادة مثل الأول، فيقتضي إعادة القراءة بخلاف الشفع الثاني، لأنه ليس بتكرار الشفع الأول، بل هو زيادة عليه.

قالت عائشة: "الصلاة في الأصل ركعتان زيدت في الحضر وأقرت في السفر"(1).

والزيادة على الشيء لا يقتضي أن يكون مثله، ولهذا اختلف الشفعان في وصف القراءة من حيث الجهر والإخفاء وفي قدرها، وهو قراءة السورة فلم

(1) أخرجه البخاري في "صحيحه"(350)، ومسلم في "صحيحه"(685)، ومالك في "الموطأ"(1/ 146)، وأبو داود (1198)، والنسائي (454، 455، 456، 1435)، وأحمد في "مسنده"(6/ 272).

ص: 323

858 -

حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عن خَالِدٍ، عن مُحَمَّدٍ - يَعْنِي ابْنَ عَمْروٍ -، عن عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ،

===

يصح الاستدلال، على أن في الكتاب والسنَّة بيان فرضية القراءة، وليس فيهما بيان قدر القراءة المفروضة. وقد خرج فعل الصحابة رضي الله عنهم على مقدار، فيجعل بيانًا لمجمل الكتاب والسنَّة بخلاف التطوع، لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة، حتى إن فساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الأول بخلاف الفرض، والله أعلم، قاله في "البدائع"(1).

قلت: ويمكن أن يقال في الجواب: إن الحديث مشتمل على أفعال: بعض منها أركان، وبعضها من الواجبات، وبعضها من السنن، فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"، أي ائت ذلك الأفعال كلها من الأركان والواجبات والسنن على وجهها، ويكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"وما انتقصت من هذا شيئًا، فإنما انتقصته من صلاتك"، أي إذا أديت ناقصًا شيئًا من هذا أديتها ناقصًا على مرتبة الأفعال منها.

858 -

(حدثنا وهب بن بقية، عن خالد (2)، عن محمد يعني ابن عمرو) بن علقمة، (عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه)، اختلف نسخ أبي داود في ذكر لفظ "عن أبيه" ههنا في رواية محمد بن عمرو عن علي، وفي عدم ذكره، وهذا اللفظ موجود في جميع النسخ الموجودة إلَّا في النسخة القادرية (3)، ونسخة "عون المعبود"، وقد أخرج حديث محمد بن عمرو الإِمام أحمد في "مسنده"، وليس فيه عن أبيه.

وكذلك نقل هذه الرواية الحافظ في "الفتح"(4) عن "مصنف ابن أبي شيبة"،

(1)"بدائع الصنائع"(1/ 295 - 296).

(2)

يعني ابن عبد الله الواسطي. "ابن رسلان". (ش)

(3)

وليس في نسخة ابن رسلان أيضًا. (ش). [وكذلك نص المزي في "تحفة الأشراف" (3604) أنه لم يقل "عن أبيه" في رواية وهب هذه].

(4)

"فتح الباري"(2/ 277).

ص: 324

عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: "إِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ، وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَامْدُدْ ظَهْرَكَ". وَقَالَ: "إِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ بِسُجُودِكَ، فَإِذَا رَفَعْتَ فَاقْعُدْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى". [انظر سابقه]

===

فقال: بينه ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة، ولم يذكر عن أبيه، فدل هذا على أن الصواب فيه ترك لفظ عن أبيه.

وقد ذكر الحافظ هذا الاختلاف الواقع من الرواة بذكر لفظ عن أبيه، وعدم ذكره، فقال: وللحديث طريق أخرى من غير رواية أبي هريرة أخرجها أبو داود والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو ومحمد بن عجلان وداود بن قيسى كلهم عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع، فمنهم من لم يسم رفاعة، وقال: عن عم له بدري، ومنهم من لم يقل عن أبيه، ورواه النسائي والترمذي من طريق يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن جده، لكن لم يقل الترمذي عن أبيه، انتهى.

(عن رفاعة بن رافع بهذه القصة قال: إذا قمت) إلى الصلاة (فتوجهت إلى القبلة فكبر) أي للافتتاح (ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ) من القرآن سوى الفاتحة، (وإذا ركعت فضع راحتيك) أي كفيك (على ركبتيك وامدد) ابسط (ظهرك) وهذا الفعل سنَّة اتفاقًا.

(وقال: إذا سجدت فمكن) أي يديك، قاله الطيبي (بسجودك) أي اسجد سجودًا تامًا مع الطمأنينة، ووضع اليدين في السجود لسنَّة عندنا وفرض عند الشافعي، وقال ابن حجر: معناه: فمكن جبهتك من مسجدك، فيجب تمكينها بأن يتحامل عليها بحيث لو كان تحتها قطن انكبس.

(فإذا رفعت) رأسك من السجود (فاقعد على فخذك اليسرى) أي ناصبًا

ص: 325

859 -

حَدَّثَنَا مُؤمَّلُ بْنُ هِشَامٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ، عن أَبِيهِ، عن عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قالَ:"إِذَا أَنْتَ قُمْتَ في صَلَاتِكَ فَكبِّرِ اللَّهَ عز وجل، ثُمَّ اقْرَأ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ" - وَقَالَ فِيهِ: - "فَإِذَا جَلَسْتَ في وَسَطِ الصَّلَاةِ، فَاطْمَئِنَّ وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ الْيُسْرَى، ثُمَّ تَشَهَّدْ، ثُمَّ إِذَا قُمْتَ، فَمِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِكَ". [خزيمة 597، 638 - وانظر تخريج الحديث السابق]

===

قدمك اليمنى، وهو الافتراش المسنون عندنا في مطلق القعدات، وقال ابن حجر: أي تنصب رجلك اليمنى كما بينه بقية الأحاديث السابقة، ومن ثم كان الافتراش بين السجدتين أفضل من الإقعاء المسنون بينهما كما مر، لأن ذلك هو الأكثر من أحواله عليه السلام، انتهى.

وفيه أن الأولى أن يحمل الأكثر على أنه المسنون، وغيره إما لعذر أو لبيان الجواز، وهذا الحديث يدل على فرضية الفاتحة، وشيئًا من غير الفاتحة، فباعتبار فرضية الفاتحة حجة على الحنفية، وقد مضى الجواب عنهم، وباعتبار فرضية ما زاد على الفاتحة حجة على الشافعية.

859 -

(حدثنا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل) بن علية، (عن محمد بن إسحاق، حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، عن أبيه) أي يحيى بن خلاد (عن عمه) أي يروي يحيى عن عمه (رفاعة بن رافع عن النبي- صلى الله عليه وسلم بهذه القصة، قال: إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله عز وجل، ثم اقرأ ما تيسَّر عليك من القرآن، وقال) محمد بن إسحاق (فيه: فإذا جلست في وسط الصلاة) أي القعدة الأولى للتشهد، (فاطمئن وافترش فخذك اليسرى) ثم اقعد عليها، وانصب رجلك اليمنى (ثم تشهد) أي اقرأ التحيات لله إلى آخر الشهادتين، (ثم إذا قمت) من القعدة الأولى إلى الشفعة الثانية (فمثل ذلك) أي: فافعل مثل ذلك، (حتى تفرغ من صلاتك).

ص: 326

860 -

حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِىُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ -، أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ عَلِىِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَصَّ هَذَا الْحَدِيثَ - قَالَ (1) فِيهِ: «فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ، فَأَقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا

===

860 -

(حدثنا عباد بن موسى الختلي، نا إسماعيل -يعني ابن جعفر-، أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، عن أبيه) علي بن يحيى (عن جده) يحيى بن خلاد (عن رفاعة بن رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

اعْلَمْ أنه وافق هذا السياق سياق الإِمام الطحاوي في شرح "معاني الآثار"(2) في ذكر "عن أبيه"، وخالفه في أنه قال:"عن جده رفاعة بن رافع" من غير تخلل عن، وأما الترمذي فخالف هذا السياق في أنه لم يذكر "عن أبيه"، ووافقه في أنه ذكر لفظة:"عن جده عن رفاعة"، فسياق أبي داود وسياق الترمذي صحيحان، فإنه قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (3) في ترجمة يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع: روى عن أبيه عن جده، وقيل: عن جده، فسياق أبي داود مبني على القول الأول، وسياق الترمذي مبني على القول الثاني الذي أشار إلى ضعفه في ترجمة يحيى بن خلاد بقوله: وعنه ابنه علي بن يحيى وابن ابنه يحيى بن علي إن كان محفوظًا، وأما سياق الطحاوي فلعله سقط فيه لفظ "عن" بين قوله عن جده وبين رفاعة من الناسخ، والله أعلم.

(فقص هذا الحديث، قال فيه: فتوضأ كما أمرك الله) في قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (4) الآية، (ثم تشهد) أي أذن (فأقم) أي أقم للصلاة، (ثم كبر) للافتتاح (فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلَّا) أي إن لم يكن معك قرآن

(1) وفي نسخة: "فقال".

(2)

(1/ 232).

(3)

(11/ 259).

(4)

سورة المائدة: الآية 6.

ص: 327

فَاحْمَدِ اللَّهَ عز وجل وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ"، وَقَالَ فِيهِ: "وَإِنِ انْتَقَصْتَ مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ". [انظر تخريج الحديث السابق]

861 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا اللَّيْثُ، عن يَزيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عن جَعْفَرِ بْنِ الْحَكَمِ. (ح): وَنَا قُتَيْبَةُ، نَا اللّيْثُ، عن جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ،

===

(فاحمد (1) الله عز وجل وكبره وهلله، وقال فيه: وان انتقصت منه شيئًا انتقصت من صلاتك).

قال مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه رحمه الله بعد ذكر هذه الرواية: ثم إن رواية الأعرابي الذي خفف الصلاة جامعة لأمهات مسائل الصلاة، ومشتملة على سننها وواجباتها وآدابها، غير أن ما ثبتت ركنيتها بغيرها تتأكد ركنيتها، وما لم يثبت فيه من غيرها شيء يبقى على الوجوب، كما هو مقتضى صيغة الأمر، وما ثبت فيه من خارج أن الأمر ليس على وجهه يكون خارجًا عن الوجوب، كما في قوله:"تشهد وأقم"، ولا يبعد أن يقال: خبر الواحد إذا وقع بيانًا للمجمل كان في حكم النص، وههنا كذلك، فإنه بيان لمجمل الصلاة القطعية وجوبها، فيكون مفيدًا للفرضية والركنية، إلَّا ما قام فيه قرينة خلافه، فإنه يعدل فيه إلى الوجوب، إلَّا إذا قام قرينة فيعدل إلى السنية، انتهى.

861 -

(حدثنا أبو الوليد الطيالسي، نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جعفر بن الحكم) هو جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري والد عبد الحميد، (ح: ونا قتيبة، نا الليث، عن جعفر بن عبد الله الأنصاري) أشار إلى الاختلاف بين سند أبي الوليد وقتيبة بوجهين: الأول: أن أبا الوليد ذكر بين

(1) وهذا يؤيد ما تقدم في "باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة" من أن الأمي يسبِّح كما قال أحمد وغيره، وتقدم الجواب عن ذلك أنه محمول على أول الأمر إذا كان الأمر على المساهلة. (ش).

ص: 328

عن تَمِيمِ بْنِ الْمَحْمُود (1)، عن عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ شِبْلٍ قَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنْ نَقْرَةِ الْغُرَاب وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ في الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ"

===

الليث وبين جعفر يزيد بن الحكم، وقتيبة لم يذكره، بل روى بلا واسطة، والثاني: أن أبا الوليد قال: جعفر بن الحكم، فنسبه إلى جده، وقتيبة قال: جعفر بن عبد الله الأنصاري، فنسبه إلى أبيه، وزاد كونه أنصاريًّا.

ولكن أخرج الإِمام أحمد في "مسنده" من طريق الحجاج، ثنا الليث، يعني ابن سعد قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب أن جعفر بن عبد الله بن الحكم حدثه، فذكر بين الليث وجعفر يزيد بن أبي حبيب، ثم أخرج من طريق هاشم، قال: ثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن الحكم، فذكر بينهما يزيدَ.

وأخرج هذه الرواية النسائي أيضًا: فذكر بين جعفر والليث رجلين، وهكذا سنده: أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الليث قال: حدثنا خالد عن ابن أبي هلال، عن جعفر بن عبد الله، فلعل الليث يروي هذا الحديث عن جعفر بواسطة يزيد بن أبي حبيب، وبواسطة خالد عن ابن أبي هلال كما في النسائي، وبلا واسطة أيضًا كما عند أبي داود، ولعله أن يكون في سند أبي داود انقطاع أو سقوط، والله أعلم.

(عن تميم بن المحمود، عن عبد الرحمن (2) بن شبل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة) بفتح النون مثل نقرة (الغراب) يريد المبالغة في تخفيف السجود، وإنه لا يمكث في الصلاة إلَّا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله، (وافتراش السبع) وهو أن يضع ساعديه على الأرض في السجود (وأن يوطن) بتشديد الطاء، ويجوز تخفيفها (الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) يقال: أوطن الأرض ووطنها واستوطنها: إذا اتخذها وطنًا.

(1) وفي نسخة: "ابن محمود".

(2)

له في الكتب الستة ثلاثة أحاديث. "ابن رسلان". (ش).

ص: 329

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال ابن الهمام عن الحلواني: إنه ذكر عن أصحابنا: يكره أن يتخذ في المسجد مكانًا معينًا يصلي فيه، لأن العبادة تصير له طبعًا فيه، وتثقل في غيره، والعبادة إذا صارت طبعًا فسبيلها الترك، ولذا كره صوم الأبد، انتهى، فكيف لمن اتخذه لغرض فاسد، انتهى.

وفي "النهاية": قيل: معناه أن يألف الرجل مكانًا معلومًا من المسجد مخصوصًا به يصلي فيه، كالبعير لا يأوي عن عطن إلَّا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخًا.

قال ابن حجر: وحكمته أن ذلك يؤدي (1) إلى الشهرة والرياء والسمعة والتقيد بالعادات والحظوظ والشهوات، وكل هذه آفات أي آفات، فتعين البعد عما أدى إليها ما أمكن، انتهى "علي قاري"(2).

قلت (3): وعندي في النهي عن توطين الرجل مكانًا معينًا في المسجد وجه آخر، وهو أنه إذا وطن المكان المعين في المسجد يلازمه، فإذا سبق إليه غيره يزاحمه ويدفعه عنه، وهو لا يجوز لقوله عليه السلام:"لا، مني مناخ من سبق"(4)، فكما هو حكم مني، فهو حكم المسجد، فمن سبق إلى موضع منه فهو أحق به.

فعلى هذا لو لازم أحد أن يقوم خلف الإِمام قريبًا منه لأجل حصول الفضل، وسبق إليه من القوم أحد، لا يزاحمه ولا يدافعه، فلا يدخل في هذا النهي.

(1) وهكذا جمع العيني بينه وبين حديث عتبان. (ش).

(2)

"مرقاة المفاتيح"(2/ 326).

(3)

قلت: ويحتمل أن يكون الحديث بمعنى حديث: نهى عن إيطان المساجد، كما نقله ابن رسلان، فيكون النهي عن توطين المسجد، وذكر المكان المخصوص اتفاقي. (ش).

(4)

أخرجه أبو داود (2019)، والترمذي (881)، وابن ماجه (3006 - 3007).

ص: 330

هَذَا لَفْظُ قُتَيْبَةَ. [ن 1112، جه 1429، حم 3/ 444، خزيمة 692، دي 1323، ك 1/ 229]

862 -

حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ قَالَ:"أَتَيْنَا عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَنْصَارِىَّ أَبَا مَسْعُودٍ فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ بَيْنَ أَيْدِينَا فِى الْمَسْجِدِ (1) فَكَبَّرَ، فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَجَعَلَ أَصَابِعَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَجَافَى بَيْنَ مِرْفَقَيْهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَىْءٍ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" فَقَامَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَىْءٍ مِنْهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ

===

وكذا إذا عين مكانًا للصلاة في بيته كما ثبت في حديث عتبان: "أين تحب أن أصلي في بيتك؟ فأشرت إلى ناحية"، فهو أيضًا لا يتعلق به هذا النهي، ونعم لا بأس للقاضي والمفتي والمدرس أن يعينوا موضعًا معلومًا يجلسون فيه في غير وقت الصلاة، ذكره الغزالي والنووي.

(وهذا لفظ قتيبة) أي اللفظ المذكور في متن الحديث لفظ قتيبة، لا لفظ أبي الوليد الطيالسي، ولم أجد لفظ أبي الوليد في الكتب الموجودة عندي.

862 -

(حدثنا زهير بن حرب، نا جرير) بن عبد الحميد، (عن عطاء بن السائب، عن سالم البراد) بفتح الموحدة وتشديد الراء، أبو عبد الله (قال: أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري أبا مسعود) البدري (فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام) أبو مسعود (بين أيدينا) أي قدامنا (في المسجد) ليرينا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكبر) أي افتتح الصلاة بالتكبير (فلما ركع وضع يديه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك) أي من الركبتين، (وجافى) أي باعد (بين مرفقيه) وبين جنبيه، (حتى استقر كل شيء) أي كل عضو (منه) أي من أبي مسعود في محله (ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام) من الركوع (حتى استقر كل شيء) أي عضو (منه) في محله (ثم كبر وسجد

(1) وفي نسخة: "في مسجد".

ص: 331

وَوَضَعَ (1) كَفَّيْهِ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ جَافَى بَيْنَ مِرْفَقَيْهِ (2) حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَئٍ مِنْهُ، ثمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَجَلَسَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَئءٍ مِنْهُ، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِثْلَ هَذِهِ الركْعَةِ، فَصَلَّى صَلَاتَهُ ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْنَا (3) رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي". [ن 1037، دي 1304، حم 4/ 119]

(151)

بَابُ (4) قَوْلِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُتِمُّها صَاحِبُهَا تُتَمُّ مِنْ تَطوُّعِهِ"

863 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا إِسْمَاعِيلُ، نَا يُونُسُ،

===

ووضع كفيه على الأرض، ثم جافى) أي باعد (بين مرفقيه) وبين جنبيه وبين الأرض أيضًا (حتى استقر كل شيء منه، ثم رفع رأسه) من السجدة (فجلس حتى استقر كل شيء منه، ففعل مثل ذلك أيضًا) أي أكبر وسجد ثانيًا ووضع كفيه على الأرض (ثم صلى أربع ركعات) أي صلى ثلاث ركعات مع الأولى والثلاث منها (مثل هذه الركعة) الأولى (فصلى) أي أتم (صلاته ثم قال: هكذا (5) رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي).

(151)

(بَابُ قَوْل (6) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "كُل صَلاةٍ لا يُتِمُّها صَاحِبُهَا تُتَمُّ مِنْ تَطَوُّعِهِ") أي: يكمل الفرائض إذا أداها ناقصة من التطوعات

863 -

(حدثنا يعقوب بن إبراهيم (7)، نا إسماعيل) بن علية، (نا يونس) بن

(1) وفي نسخة: " فوضع".

(2)

وفي نسخة: "بمرفقيه".

(3)

وفي نسخة: "رأيت".

(4)

وفي نسخة: "باب ما جاء في .... ".

(5)

ولم يذكر رفع اليدين، والموضع موضع تعليم. (ش)

(6)

لعل غرض الترجمة رد ما ورد: "لا يقبل سبحة أحدكم حتى يتم فرضه"، ولو صح فمحمول على الاعتياد. (ش).

(7)

الدورقي، وليس دورق ببلد، وإنما كانوا يلبسون قلانس تسمى الدورقية، فنسبوا إليها. "ابن رسلان". (ش).

ص: 332

عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّىِّ قَالَ: خَافَ (1) مِنْ زِيَادٍ أَوِ ابْنِ زِيَادٍ فَأَتَى الْمَدِينَةَ، فَلَقِىَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: فَنَسَبَنِى؛ فَانْتَسَبْتُ لَهُ، فَقَالَ (2): يَا فَتَى (3) أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، رَحِمَكَ (4) اللَّهُ. قَالَ يُونُسُ: وأَحْسِبُهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ،

===

عبيد البصري (عن الحسن) البصري (عن أنس بن حكيم) مكبرًا (الضبي قال) الحسن: (خاف) أنس (من زياد (5) أو ابن زياد) وهو عبيد الله و"أو" للشك (فأتى المدينة، فلقي أبا هريرة، قال) أنس: (فَنَسَّبني) أي سألني أبو هريرة عن نسبي (فانتسبت له) أي بينت له نسبي (فقال) أبو هريرة: (يا فتى، ألا أحدثك حديثًا؟ قال) أنس: (قلت: بلى) حدثني (رحمك الله، قال يونس: وأحسبه) أي الحسن (ذكره) أي الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي قال يونس: أظن أن الحسن قال بعد قوله: ألا أحدثك حديثًا: لفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه لم يحفظ كاملًا، فذكره بالظن.

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يحاسب (6) الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة) قال في "مرقاة الصعود": قال العراقي في "شرح الترمذي": لا تعارض بينه وبين الحديث الصحيح: "إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة

(1) ولفظ ابن رسلان: "خاف أبي". (ش).

(2)

وفي نسخة: "قال".

(3)

وفي نسخة: "بنيّ".

(4)

وفي نسخة: "يرحمك".

(5)

واختلفوا في اسمه على أقوال، بسطها ابن رسلان، وكلها قبل الاستلحاق، ولفظ رواية البيهقي:"من زياد" بدون الشك. (ش).

(6)

وفي "المشكاة": "باب الشفقة والرحمة على الخلق" عن أحمد: أول خصمين يوم القيامة جاران، جمع بينهما القاري. [انظر:"مرقاة المفاتيح"(9/ 244). (ش).

ص: 333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

في الدماء"، فحديث الباب محمول على حق الله تعالى على العبد، وحديث الصحيح في حق الآدميين فيما بينهم، فإن قيل: فأيهما يقدم، محاسبة العباد على حق الله تعالى، أو محاسبتهم على حقوقهم، فالجواب: أن هذا أمر توقيفي، فظواهر الأحاديث دالة على أن الذي يقع أولًا المحاسبة على حقوق الله تعالى.

قلت: الأول أن هذا الحديث مضطرب (1)، قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (2) في ترجمة أنس بن حكيم الضبي البصري: روى عن أبي هريرة، وعنه الحسن وابن جدعان (3)، ذكره ابن المديني في المجهولين، من مشايخ الحسن، والحديث الذي روياه له في الصلاة مضطرب.

قلت: اختلف فيه على الحسن فقيل عنه هكذا، وقيل: عنه عن حريث بن قبيصة، وقيل: عنهِ عن صعصعة عم الأحنف، وقيل: عنه عن رجل من بني سليط، وقيل: عنه غير ذلك، والله أعلم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن القطان: مجهول، انتهى.

فلما كان حال رواة حديث الباب هذا فكيف يقاوم حديث الصحيح؟ ولو سلم فليس بينهما تعارض؛ لأن لفظ حديث الصحيح: "أول ما يقضى"، ولفظ حديث الباب:"أول ما يحاسب"، فيمكن أن يكون المحاسبة أولًا في الصلاة ويكون القضاء أولًا في الدماء، فلا تعارض بينهما (4).

(1) قلت: لكن له طرق عند النسائي. [انظر: "سنن النسائي" (1/ 232)]. (ش).

(2)

(1/ 374).

(3)

كذا في "تهذيب الكمال"(1/ 287) رقم (556)"عنه: الحسن وابن جدعان" وهو الصواب، ووقع في "تهذيب التهذيب": وعنه الحسن بن جدعان وهو تحريف.

(4)

قلت: لكن ظاهر حديث البخاري أن قصاص المظالم يكون بعد التخلص عن النار، فتأمل، والبسط في "اللامع"(10/ 98). (ش).

ص: 334

قَالَ: يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلَائِكَتِهِ - وَهُوَ أَعْلَمُ -: انْظُرُوا فِى صَلَاةِ عَبْدِى أَتَمَّهَا أَمْ (1) نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِى فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ،

===

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول ربنا عز وجل لملائكته وهو أعلم) أي بحال (عباده، فليس سؤاله عن ملائكته لتحصيل العلم، بل لمصلحة أخرى: (انظروا في صلاة عبدي) أي المفروضة (أتمها أم نقصها؟ ) أي أداها تامة أم ناقصة (فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها) أي من الفرائض (شيئًا قال) أي الله عز وجل: (انظروا هل لعبدي من تطوع؟ ) أي نافلة (فإن كان له تطوع قال) الله تعالى: (أتموا لعبدي فريضته من تطوعه).

قال في "مرقاة الصعود": قال العراقي في "شرح الترمذي": هذا الذي ورد من إكمال ما ينتقص العبد من الفريضة بما له من تطوع، يحتمل أن يراد به ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة المرغب فيها من الخشوع والأذكار والأدعية، وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة، وإن لم يفعله في الفريضة، وإنما فعله في التطوع.

ويحتمل أن يراد به ما ترك من الفرائض رأسًا فلم يصله، فيعوض عنه من التطوع، والله تعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضًا عن الصلاة المفروضة، والله سبحانه يفعل ما يشاء، فله الفضل والمنة، بل له أن يسامح وإن لم يصل شيئًا لا فريضة ولا نفلًا.

قال القاضي أبو بكر بن العربي (2): الأظهر عندي أنه يكمل ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بنفل التطوع لقوله عليه السلام: ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال، وليس في الزكاة إلَّا فرض أو فضل، فكما يكمل فرض الزكاة بنفلها

(1) وفي نسخة: "أو".

(2)

"عارضة الأحوذي"(2/ 207).

ص: 335

ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكَ". [ت 413، جه 1425، حم 2/ 290 - 425، ن 465، ك 1/ 262]

864 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى سَلِيطٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ (1). [انظر سابقه]

865 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ: «ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ

===

كذلك الصلاة، وفضل الله أوسع وكرمه أعم (2).

(ثم تؤخذ الأعمال) أي المفروضة من الزكاة والصوم والحج وغيرها (على ذاك) أي على حسب ذلك المثال المذكور في الصلاة.

864 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد (3)، عن حميد، عن الحسن، عن رجل من بني سليط) مكبرًا، (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه)(4) أي بنحو الحديث المتقدم.

865 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن داود بن أبي هند، عن زرارة بن أوفى، عن تميم) بن أوس بن خارجة (الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى) المتقدم في الحديث السابق (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم الزكاة مثل ذلك) أي مثل ما في الصلاة (ثم تؤخذ الأعمال) المفروضة كما في رواية ابن ماجه،

(1) وفي نسخة: "نحوه".

(2)

وبسط في الهامش عن "درجات مرقاة الصعود"(ص 64) بأكثر من هذا، وقال: ورد أن ثواب الواجب يعدل ثواب سبعين تطوعًا. (ش).

(3)

ابن سلمة، "ابن رسلان". (ش).

(4)

والظاهر أنه هو الحديث المتقدم كما تقدم في كلام الحافظ. (ش).

ص: 336

عَلَى حَسْبِ ذَلِكَ". [جه 1426، دي 1355، حم 4/ 103]

(152)

بَابُ (1) تَفْرِيعِ أَبْواب الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَوَضْعِ الْيَدَينِ عَلَىَ الرُّكبَتَيْنِ (2)

866 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى يَعْفُورٍ (3)، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِى فَجَعَلْتُ يَدَىَّ

===

وفيه: ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك (على حسب ذلك) أي على موافقة ما في الصلاة من تكميل الفرائض بالتطوعات.

(152)

(بَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ (4) عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ) أي: في الركوع والتطبيق فيه

866 -

(حدثنا حفص بن عمر، نا شعبة، عن أبي يعفور) الكبير، اسمه وقدان، وقيل: واقد، وذكر النووي في "شرح مسلم"(5) أنه الأصغر وتعقب، (عن مصعب) بفتح العين على صيغة المفعول (ابن سعد) بن أبي وقاص (قال: صليت إلى جنب أبي) سعد (فجعلت يدي) على صيغة التثنية المضاف إلى

(1) وفي نسخة: "باب ما جاء في تفريع الركوع".

(2)

في "تحفة الأشراف"(8/ 521) ح (12078)، حديث لأبي داود في فضل السجود، وليس في رواية اللؤلؤي: حديث: "يا أبا فاطمة، أكثر من السجود، فإنه ليس من مسلم يسجد لله سجدة إلَّا رفعه الله بها درجة

".

أبو داود في الصلاة عن قتيبة بن سعيد، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد عن كثير الأعرج، قال: سمعت أبا فاطمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

فذكره.

ثم قال المزي: "حديث أبي داود في رواية أبي الطيب الأشناني، ولم يذكره أبو القاسم"، ورمز للحديث أيضًا: س، ق. انظر:"سنن النسائي"(7790)، و "سنن ابن ماجه"(1422).

(3)

زاد في نسخة: "قال أبو داود: اسمه وقدان".

(4)

وبوَّب له الترمذي وذكر فيه أثر عمر: "إن الركب سنَّت لكم فخذوا بالركب". (ش).

(5)

(3/ 22).

ص: 337

بَيْنَ رُكْبَتَىَّ، فَنَهَانِى عَنْ ذَلِكَ، فَعُدْتُ. فَقَالَ: لَا تَصْنَعْ هَذَا، فَإِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ، فَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ". [خ 790، م 535، ن 1032، ت 259، جه 873، حم 1/ 181]

===

ياء المتكلم، وكذا (بين ركبتي) وفي رواية البخاري:"فطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي"، أي ألصقت بين باطني كفي في حال الركوع (فنهاني) أبي (عن ذلك) أي التطبيق، وفي المرة الأولى لم ينسب النهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فعدت) أي طبقت ثانيًا (فقال) أبي:(لا تصنع هذا) أي التطبيق (فإنا كنا نفعله) في أول الأمر (فنهينا (1) عن ذلك وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب) جمع ركبة، وهذا الحديث يدل على نسخ التطبيق، وأما فعل ابن مسعود فيحمل على أنه لم يبلغه النسخ.

ويؤيد هذا الحديث ما روى ابن المنذر عن ابن عمر بإسناد قوي قال: إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة يعني التطبيق، وما روى أبو داود (2) عن علقمة، عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فكبر ورفع يديه، فلما ركع طبق يديه بين ركبتيه، قال: فبلغ ذلك سعدًا فقال: صدق أخي، قد كنا نفعل هذا، ثم أمرنا بهذا يعني الإمساك على الركبتين.

وقال الحافظ (3): استدل به ابن خزيمة على أن التطبيق غير جائز، وفيه نظر، لاحتمال حمل النهي على الكراهة، فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي قال: إذا ركعت فإن شئت قلت هكذا - يعني وضعت يديك على ركبتيك-، وإن شئت طبقت، وإسناده حسن، وهو ظاهر في أنه كان يرى التخيير، فإما لم يبلغه النهي وإما حمله على كراهة التنزيه، ويدل على أنه ليس بحرام كون عمر وغيره ممن أنكره لم يأمر من فعله بالإعادة، انتهى.

(1) والأصل أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التوافق بأهل الكتاب أولًا، وكان من فعل اليهود التطبيق، ثم أمر بالخلاف فترك، كذا في "الفتح"(2/ 274). (ش).

(2)

هكذا في الأصل، وهو سبق قلم، والصواب:"ابن خزيمة".

(3)

"فتح الباري"(2/ 274).

ص: 338