المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(126) باب من لم ير الجهر بـ: بسم الله الرحمن الرحيم - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٤

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(118) بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ

- ‌(119) بَابُ افْتَتِاحِ الصَّلَاةِ

- ‌(120) بَابٌ

- ‌(121) بَابُ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ

- ‌(123) بَابُ مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ الدُّعَاءِ

- ‌(124) (بَابُ مَنْ رَأَى الاستِفْتَاحَ بِـ: سُبْحَانَكَ)

- ‌(125) بَابُ السَّكْتَةِ عِنْدَ الافْتِتَاحِ

- ‌(126) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الجَهْرَ بِـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌(127) بَابُ مَا جَاءَ منْ جَهَرَ بِهَا

- ‌(128) (باب تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِلأَمْرِ يَحْدُثُ)

- ‌(129) بَابُ مَا جَاءَ في نُقْصَانِ الصَّلَاةِ

- ‌(130) بابٌ: فِى تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ

- ‌(131) بَابُ مَا جَاءَ فِي القِرَاءَة في الظُّهْرِ

- ‌(132) بَابُ تَخْفِيفِ الأُخْرَيَيْنِ

- ‌(133) باب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌(134) بَابُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ في الْمَغْرِبِ

- ‌(135) (بَابُ مَنْ رَأَى التَّخْفِيفَ فِيهَا)

- ‌(136) بابُ الرَّجُلِ يُعِيدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِى الرَّكْعَتَيْنِ

- ‌(137) بَابُ القِرَاءَةِ في الفَجْرِ

- ‌(138) بَابُ مَنْ تَرَكَ القِرَاءَةَ في صَلاتِهِ

- ‌(139) بَابُ مَنْ كَرِهَ القِراءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا جَهَرَ الإِمَامُ

- ‌(140) (بَابُ مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَر)

- ‌(142) بَابُ تَمَامِ التَّكْبِيرِ

- ‌(143) بابٌ: كَيْفَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ

- ‌(144) بَابُ النُّهُوضِ في الفَرْدِ

- ‌(145) بَابُ الإِقْعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ

- ‌(146) بَابُ مَا جَاءَ في مَا يَقْولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوع

- ‌(147) بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(148) (بَابُ رَفْعِ النِّسَاءِ إِذَا كُنَّ مَعَ الإمَامِ رُؤوسَهُنَّ مِنَ السَّجْدَةِ)

- ‌(149) بَابُ طُولِ القِيامِ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(150) بَابُ صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(153) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ

- ‌(154) بَابٌ: في الدُّعَاءِ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(155) بَابُ الدُّعَاءِ في الصَّلَاةِ

- ‌(156) بَابُ مِقْدَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(157) (بَابُ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمَامَ سَاجِدًا كَيْفَ يَصْنَعُ

- ‌(158) بَابٌ: في أَعْضَاءِ السُّجُودِ

- ‌(159) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ

- ‌(160) (بَابُ صِفَةِ السُّجُودِ)

- ‌(161) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(162) بَابٌ: في التَّخَصُّرِ وَالإِقْعَاءِ

- ‌(163) بَابٌ: في الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(164) بَابُ كَرَاهِيَّةِ الوَسْوَسَةِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(165) بَابُ الفَتْحِ عَلَى الإِمَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(166) بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّلْقِينِ

- ‌(167) بَابُ الالْتِفَاتِ في الصَّلَاةِ

- ‌(168) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ

- ‌(169) بَابُ النَّظَرِ في الصَّلَاةِ

- ‌(170) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(171) بَابٌ: في الْعَمَلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(172) بَابُ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(173) بَابٌ في تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(174) بَابُ التَّأْمِينِ وَرَاءَ الإِمَامِ

- ‌(175) بَابُ التَّصْفِيقِ في الصَّلَاةِ

- ‌(176) بَابُ الإِشِارَةِ في الصَّلَاةِ

- ‌(177) بَابٌ: في مَسْحِ الْحَصَى في الصَّلَاةِ

- ‌(178) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا

- ‌(179) بَابُ الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ في الصَّلَاةِ عَلَى عَصًا

- ‌(180) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(181) بَابٌ: في صَلَاةِ القَاعِدِ

- ‌(182) بَابٌ كَيْفَ الْجُلُوسُ في التَّشَهُّدِ

- ‌(183) بَابُ مَنْ ذَكرَ التَّوَرُّكَ في الرَّابِعَةِ

- ‌(184) بَابُ التَّشَهُّدِ

- ‌(185) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(186) بَابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(187) بَابُ إِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ

- ‌(188) بَابُ الإِشَارَةِ في التَّشَهُّدِ

- ‌(189) بَابُ كرَاهِيَّةِ الاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ في الصَّلَاةِ

- ‌(190) بَابٌ: في تَخْفِيفِ القُعُودِ

- ‌(191) بَابٌ: في السَّلَامِ

- ‌(192) بَابُ الرَّدِّ عَلَى الإِمَامِ

- ‌(193) بَابُ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

- ‌(194) بَابُ حَذْفِ السَّلَامِ

- ‌(195) بَابٌ: إِذَا أَحْدَثَ في صَلاتِهِ

- ‌(196) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَتَطَوَّعُ في مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ

- ‌(197) بَابُ السَّهْوِ في السَّجدتَيْنِ

- ‌(198) بَابٌ: إِذَا صَلَّى خَمْسًا

- ‌(201) بَابُ مَنْ قَالَ: بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(202) بَابُ مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ

- ‌(203) بَابُ مَنْ نَسِيَ أَنْ يَتَشهَّدَ وَهُوَ جَالِسٌ

- ‌(204) بَابُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وتَسْلِيمٌ

- ‌(205) بَابُ انْصِرافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(206) بَابٌ: كيْفَ الانْصِرَافُ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(207) بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ التَّطوُّعَ في بَيْتِهِ

- ‌(208) بَابُ مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ

الفصل: ‌(126) باب من لم ير الجهر بـ: بسم الله الرحمن الرحيم

(126) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الجَهْرَ بِـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

===

(126)

(بَابُ مَنْ (1) لَمْ يَرَ الجَهْرَ بِـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

في ابتداء الفاتحة أو السورة في الصلاة، وفي النسخة المصرية: باب الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

قلت: قال في "البدائع"(2): ثم يخفي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقال الشافعي: يجهر به.

قال الشوكاني في "النيل"(3): وقد استدل بالحديث من قال: إنه لا يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وهم على ما حكاه ابن سيد الناس في "شرح الترمذي" علماء الكوفة ومن شايعهم، قال: وممن رأى الإسرار بها عمر وعلي وعمار.

وقد اختلف عن بعضهم فروي عنه الجهر، وممن لم يختلف عنه أنه كان يسر بها عبد الله بن مسعود، وبه قال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين والحسن وابن سيرين.

وروي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير، وروي عنهما الجهر بها، وروي عن علي أنه كان لا يجهر بها، وعن سفيان وإليه ذهب الحكم وحماد والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وأبو عبيد، وحكي عن النخعي. وروي عن عمر، قال أبو عمر من وجوه ليست بالقائمة أنه قال: يخفي الإِمام أربعًا: التعوذ، وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وآمين، وربنا لك الحمد.

(1) وذكر الترمذي فيه حديث عبد الله بن مغفل لابنه: أي بنيّ محدث، وأجاد الزيلعي على "الهداية" الكلام على هذه المسألة مهذبًا ومنقحًا، فليراجع. [انظر:"نصب الراية"(1/ 327 - 361)]. (ش).

(2)

"بدائع الصنائع"(1/ 474).

(3)

"نيل الأوطار"(2/ 231 - 232).

ص: 158

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وروى علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود قال: ثلاث يخفيهن الإِمام: الاستعاذة، وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وآمين، وروي نحو ذلك عن إبراهيم والثوري، وعن الأسود: صليت خلف عمر سبعين صلاة فلم يجهر فيها ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم أنه قال: الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بدعة، وروى الترمذي والحازمي الإسرار عن أكثر أهل العلم.

وأما الجهر بها عند الجهر بالقراءة فروي عن جماعة من السلف، قال ابن سيد الناس: روي ذلك عن عمر وابن عمر وابن الزبير وابن عباس وعلي بن أبي طالب وعمار بن ياسر، وعن عمر فيها ثلاث روايات أنه لا يقرؤها وأنه يقرؤها سرًا وأنه يجهر بها، وكذلك اختلف عن أبي هريرة في جهره بها وإسراره.

وروى الشافعي بإسناده عن أنس بن مالك قال: صلَّى معاوية بالناس بالمدينة صلاة جهر فيها بالقراءة فلم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولم يكبر في الخفض والرفع، فلما فرغ ناداه المهاجرون والأنصار: يا معاوية! نَقَصْتَ الصلاة، أين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ وأين التكبير إذا خفضتَ ورفعتَ؟ فكان إذا صلَّى بهم [بعد ذلك] قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وكبر، أخرجه الحاكم في "المستدرك"(1)، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وذكره الخطيب عن أبي بكر الصديق وعثمان وأُبي بن كعب وأبي قتادة وأبي سعيد وأنس وعبد الله بن أبي أوفى وشدّاد بن أوس وعبد الله بن جعفر والحسين بن علي ومعاوية.

قال الخطيب: وأما التابعون ومن بعدهم ممن قال بالجهر بها فهم أكثر من أن يذكروا وأوسع من أن يحصروا، منهم سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء

(1) انظر: (1/ 233).

ص: 159

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ومجاهد وأبو وائل وسعيد بن جبير وابن سيرين وعكرمة وعلي بن الحسين وابنه محمد بن علي وسالم بن عبد الله بن عمر ومحمد بن المنكدر وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن كعب ونافع مولى ابن عمر وأبو الشعثاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول وحبيب بن أبي ثابت والزهري وأبو قلابة وعلي بن عبد الله بن عباس وابنه والأزرق بن قيس وعبد الله بن معقل بن مقرن.

وممن بعد التابعين: عبيد الله العمري والحسن بن زيد وزيد بن علي بن حسين ومحمد بن عمر بن علي وابن أبي ذئب والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه.

وزاد البيهقي في التابعين عبد الله بن صفوان ومحمد بن الحنفية وسليمان التيمي، ومن تابعيهم المعتمر بن سليمان، وزاد أبو عمر عن أصبغ بن الفرج، قال: كان ابن وهب يقول بالجهر، ثم رجع إلى الإسرار، وحكاه غيره عن ابن المبارك وأبي ثور، انتهى.

قال في "البدائع"(1): والكلام في التسمية في مواضع:

أحدها: أنها من القرآن أم لا؟

الثاني: أنها من الفاتحة أم لا؟

والثالث: أنها من رأس كل سورة أم لا؟

أما الأول: فالصحيح من مذهب أصحابنا أنها من القرآن، لأن الأمة أجمعت على أن ما كان بين الدفتين مكتوبًا بقلم الوحي فهو من القرآن، والتسمية كذلك، وكذا روى المعلى عن محمد، وقال: قلت لمحمد: التسمية آية من القرآن أم لا؟ فقال: ما بين الدفتين كله قرآن، فقلت: فما بالك لا تجهر بها، فلم يجبني.

(1)"بدائع الصنائع"(1/ 474 - 476).

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وكذا روى الجصاص عن محمد أنه قال: التسمية آية من القرآن، أنزلت للفصل بين السور للبدأة بها تبركًا، وليست بآية من كل واحدة منها.

وقال الشافعي: إنها من الفاتحة قولًا واحدًا، وله في كونها من رأس كل سورة قولان.

احتج الشافعي بما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "الحمد لله رب العالمين سبعُ آيات، إحداهن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"(1)، فقد عد التسمية آية من الفاتحة، دلَّ أنها من الفاتحة، ولأنها كتبت في المصاحف على رأس الفاتحة، وكل سورة بقلم الوحي، فكانت من الفاتحة، ومن كل سورة.

ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم خبرًا عن الله تعالى أنه قال: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"(2) الحديث.

ووجه الاستدلال به من وجهين:

أحدهما: أنه بدأ بقوله: "الحمد لله رب العالمين" لا بقوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، ولو كانت من الفاتحة لكانت البداءة بها لا بالحمد.

والثاني: أنه نص على المناصفة، ولو كانت التسمية في الفاتحة لم تتحقق المناصفة، ويكون مالله أكثر بأنه يكون في النصف الأول أربع آيات ونصف، ولأن كون الآية من سورة كذا، ومن موضع كذا، لا يثبت إلَّا بالدليل المتواتر من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت بالتواتر أنها مكتوبة في المصاحف، ولا تواتر على كونها من السورة.

ولهذا اختلف أهل العلم فيه، فعدها قراء أهل الكوفة من الفاتحة، ولم يعدها قراء أهل البصرة منها، وذا دليل عدم التواتر، ووقوع الشك والشبهة

(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 45).

(2)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(395).

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

في ذلك، فلا يثبت كونها من السورة مع الشك، ولأن كون التسمية من كل سورة بما اختص به الشافعي لا يوافقه في ذلك أحد من سلف الأمة، وكفى به دليلًا على بطلان المذهب.

والدليل عليه ما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غُفِرَ له، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (1) "، وقد اتفق القراء وغيرهم على أنها ثلاثون آية سوى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولو كانت هي منها لكانت إحدى وثلاثين آية وهو خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا انعقد الإجماع من الفقهاء والقراء أن سورة الكوثر ثلاث آيات، وسورة الإخلاص أربع آيات، ولو كانت التسمية منها لكانت سورة الكوثر أربع آيات، وسورة الإخلاص خمس آيات، وهو خلاف الإجماع.

وأما ما روي من الحديث ففيه اضطراب، ولأنه في حد الآحاد، وخبر الواحد لا يوجب العلم، وكون التسمية من الفاتحة لا يثبت إلَّا بالنقل الموجب للعلم، مع أنه عارضه ما هو أقوى منه وأثبت وأشهر، وهو حديث القسمة، فلا يقبل في معارضته.

أما قوله: إنها كتبت في المصاحف بقلم الوحي على رأس السور، فنعم لكن هذا يدل على كونها من القرآن لا على كونها من السور، لجواز أنها كتبت للفصل بين السور، لا لأنها منها، فلا يثبت كونها من السور بالاحتمال، انتهى مختصرًا.

قلت: ومذهب مالك في التسمية ما ذكره في "المدونة"(2): قال: وقال

(1) سورة الملك: الآية 1. والحديث أخرجه أبو داود (1400)، والترمذي (2891)، وابن ماجه (3786)، وأحمد في "مسنده" (2/ 299 و 321)، وابن حبان في "صحيحه" (787، 789)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 565) و (2/ 497).

(2)

(1/ 68).

ص: 162

780 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . [خ 743، م 399، ت 246، ن 902، حم 3/ 101، دي 1240، جه 813، خزيمة 491، قط 1/ 314، حب 1798، ق 2/ 50]

===

مالك: لا يقرأ في الصلاة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في المكتوبة، لا سرًا في نفسه، ولا جهرًا، قال: وقال مالك: وهي السنة، وعليها أدركت الناس، قال: وقال في قراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الفريضة قال: الشأن ترك قراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الفريضة، قال: لا يقرأ سرًا ولا علانية، لا إمام ولا غير إمام، قال: وفي النافلة إن أحب فعل وإن أحب ترك، ذلك واسع، انتهى.

وهذا القول يدل على أنها ليست من القرآن عنده أصلًا إلَّا في سورة النمل.

780 -

(حدثنا مسلم بن إبراهيم، نا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي، (عن قتادة) بن دعامة، (عن أنس) بن مالك (أن النبي صلى الله عليه وسلم وِأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة) أي في الصلاة (بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1).

قال الحافظ ما ملخصه (2): بضم الدال على الحكاية، واختلف في المراد بذلك، فقيل: المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة، وهذا قول من أثبت البسملة في أولها، وتعقب بأنها تسمى الحمد فقط، وأجيب بمنع الحصر، ومستنده ثبوت تسميتها بهذه الجملة، وهي:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} في "صحيح البخاري"(3)، أخرجه في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد بن

(1) استدل به مالك على عدم الاستفتاح بالدعاء، واستدل به الحنفية وغيرهم على أن البسملة ليست جزء الفاتحة.

(2)

"فتح الباري"(2/ 227).

(3)

رقم الحديث (5006).

ص: 163

781 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِى الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ،

===

المعلى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أعلّمُك أعظم سورة في القرآن"، فذكر الحديث، وفيه: قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، هي السبع المثاني".

وقيل: المعنى كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكًا بظاهر الحديث، وهذا قول من نفى قراءة البسملة، لكن لا يلزم من قوله:"كانوا يفتتحون بالحمد" أنهم لم يقرأوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سرًّا، وقد أطلق أبو هريرة السكوت على القراءة سرًا، كما في الحديث الثاني من الباب.

وقد اختلف الرواة عن شعبة في لفظ الحديث، فرواه جماعة من أصحابه عنه بلفظ: كانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ورواه آخرون عنه بلفظ: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، كذا أخرجه مسلم من رواية أبي داود الطيالسي ومحمد بن جعفر، وكذا أخرجه الخطيب من رواية أبي عمر الدوري، وأخرجه ابن خزيمة من رواية محمد بن جعفر باللفظين، وهؤلاء من أثبت أصحاب شعبة، ولا يقال: هذا اضطراب من شعبة، لأنا نقول: قد رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه باللفظين، وقد فرح بعضهم في صحته لكون الأوزاعي رواه عن قتادة مكاتبة، وفيه نظر، فإن الأوزاعي لم ينفرد به.

ولا يقال: هذا اضطراب من قتادة، لأنا نقول: قد رواه جماعة من أصحاب أنس عنه كذلك.

وطريق الجمع بين هذه الألفاظ حمل نفي القراءة على نفي السماع، ونفي السماع على نفي الجهر، إلى آخر البحث.

781 -

(حدثنا مسدد، نا عبد الوارث بن سعيد، عن حسين) بن ذكوان (المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء) أوس بن عبد الله، (عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير) أي بلفظ الله أكبر

ص: 164

وَالْقِرَاءَةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِىَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِىَ قَاعِدًا، وَكَانَ يَقُولُ فِى كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: التَّحِيَّات لله، وَكَانَ إِذَا جَلَسَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ وَعَنْ فِرْشَةِ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ". [م 498، جه 812، 869، حم 6/ 31، دي 1236]

===

(والقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ركع لم يشخص) من باب الإفعال والتفعيل، أي لم يرفع (رأسه ولم يُصَوّبْه) أي لم يخفضه (ولكن بين ذلك) بأن يسوي رأسه وظهره.

(وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا) أي يقوم مستويًا في القومة، ثم يسجد، (وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد) أي السجدة الثانية (حتى يستوي قاعدًا، وكان يقول في كل ركعتين: التحيات لله) أي: يقرأ بعد كل ركعتين التشهد.

(وكان إذا جلس) أي في كلتا الجلستين الأولى والثانية (يفرش (1) رجله اليسرى) ويقعد عليها (وبنصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقب الشيطان)(2) بفتح العين وكسر القاف، قال في "المجمع": هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الإقعاء عند بعض، وقيل: هو ترك غسل عقبيه في الوضوء، وقال النووي: وفسره أبو عبيدة وغيره بالإقعاء المنهي عنه، وهو أن يلصق أليتيه بالأرض كما يفترش الكلب وغيره، انتهى.

(وعن فرشة السبع) هو أن يبسط ذراعيه في السجود ولا يرفعهما عن الأرض، كبسط الكلب والذئب ذراعيه (وكان يختم الصلاة بالتسليم) أي بقوله: السلام عليكم ورحمة الله.

(1) بكسر الراء وضمها وهو أشهر حتى قيل: الكسر لحن، "ابن رسلان". (ش).

(2)

قال ابن رسلان: تفسيره أن يفرش رجليه ويجلس على عقبه، كما يجلس =

ص: 165

782 -

حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أُنْزِلَتْ عَلَىَّ آنِفًا سُورَةٌ» ، فَقَرَأَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حَتَّى خَتَمَهَا. قَالَ:«هَلْ تَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّى عز وجل فِى الْجَنَّةِ» . [م 400، ن 904، حم 3/ 102]

===

782 -

(حدثنا هناد بن السري، ثنا) محمد (بن فضيل، عن المختار بن فلفل قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزلت علي آنفًا) أي الآن (سورة، فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها. قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنه نهر وَعَدَنِيهِ ربي عز وجل في الجنة).

وهذا الحديث يخالف ترجمة الباب، فإن الترجمة في ترك الجهر، وهذا لا يدل على الجهر ولا على تركه في الصلاة، والأولى ما في النسخة المصرية، فإن فيها "باب الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" في موضع "باب من لم ير الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وهذا يشمل حكم الجهر نفيًا وإثباتًا، فالحديثان الأولان يدلان على ترك الجهر، وهذا الحديث يدل على إثبات الجهر خارج الصلاة.

ويمكن أن يوجه في مطابقة الحديث بالباب بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: أنزلت علي آنفًا سورة، ثم فسرها بقوله:"بسم الله الرحمن، إنا أعطيناك الكوثر" فهم منه أن التسمية جزء من السورة، فإذا ثبت أنها جزء من السورة يستدل به على جهرها في الصلاة التي يجهر بالقراءة فيها.

= الرجل عند الإهواء، وأما الإقعاء المسنون كما في رواية مسلم عن ابن عباس: أن ينصب أصابع رجله ويجلس بوركه على عقبه. [انظر: "صحيح مسلم" (536)]. (ش).

ص: 166

783 -

حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الأَعْرَجُ الْمَكِّىُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ الإِفْكَ قَالَتْ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: «أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} (1) الآيَةَ".

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الشَّرْحِ، وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ الاِسْتِعَاذَةِ مِنْه (2) كَلَامِ حُمَيْدٍ.

===

783 -

(حدثنا قطن بن نسير (3)، نا جعفر) بن سليمان الضبعي، (نا حميد) بن قيس (الأعرج المكي، عن ابن شهاب) الزهري، (عن عروة، عن عائشة، وذكر) أي عروة (الإفك، قالت: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه) أي بعد الفراغ عن نزول الوحي، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستر بالثوب عند نزول الوحي.

(وقال: (4) أعوذ بالله السميع العلم من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ} ) جماعة ({مِنْكُمْ}) أي من المؤمنين (الآية، قال أبو داود: وهذا حديث منكر، قد روى هذا الحديث جماعة عن الزهري، لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة منه) أي الحديث (كلام حميد).

غرض المصنف بهذا الاعتراض بوجهين:

الأول: أن هذا السياق مخالف لسياق جماعة رووا عن الزهري، فإنهم

(1) سورة النور: الآية 11.

(2)

وفي نسخة: "من".

(3)

"نسير" بضم النون "ابن رسلان". (ش).

(4)

فيه استحباب التعوذ بهذا اللفظ "ابن رسلان"، وفيه أن من قرأ السورة من الوسط يشرع التعوذ لا التسمية. (ش).

ص: 167