الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(208) بَابُ مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ
1045 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
===
ومسجد القدس ومسجد الحرام، لبعده من الرياء، وأما المكتوبات فيجب على الرجال أن يصلوها في المساجد بالجماعة، وأما النساء فالأفضل لهن أن يصلين المكتوبات والنوافل في بيتهن، وإن كان يجوز لهن أن يصلين المكتوبات في المسجد، فإن البيت أستر لهن وأبعد من الفتنة.
(208)
(بَابُ مَنْ صَلَّى (1) لِغَيْرِ القِبْلَةِ) لاشتباهها (ثُمَّ عَلِمَ) أنه صلى لغير جهة القبلة، فهل يعيد صلاته أم لا؟
1045 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل) المنقري، (نا حماد) بن سلمة، (عن ثابت) البناني (وحميد) الطويل، (عن أنس) بن مالك:(أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس)، وقد وقع في حديث البراء عند البخاري:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده- أو قال: أخواله- من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا".
وقال الحافظ في "الفتح"(2): إن العلماء اختلفوا في الجهة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها للصلاة وهو بمكة، فقال ابن عباس وغيره: كان يصلي إلى بيت المقدس، لكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين البيت المقدس، وأطلق آخرون أنه كان يصلي إلى بيت المقدس، وقال آخرون: كان يصلي إلى الكعبة، فلما تحول إلى المدينة استقبل بيت المقدس، وهذا ضعيف، ويلزم منه دعوى النسخ مرتين، والأول أصح، لأنه يجمع بين القولين، وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس.
(1) هكذا بوَّب الترمذي، وأورد فيه حديث عامر. (ش).
(2)
"فتح الباري"(1/ 96).
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَنَادَاهُمْ وَهُمْ رُكُوعٌ في صَلَاةِ الْفَجْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ: أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ (1)،
===
(فلما نزلت هذه الآية {فَوَلِّ وَجْهَكَ (2) شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (3) وفي حديث البراء عند البخاري: وكان يعجبه صلى الله عليه وسلم أن تكون قبلته قبل البيت، لأنها قبلة أبيه إبراهيم، ولطعن اليهود، فإنهم كانوا يقولون: يخالفنا ويتبع قبلتنا (فمر رجل من بني سلمة) بكسر اللام.
قال الحافظ في شرح حديث البراء: قوله: فخرج رجل هو عباد بن بشر بن قيظي كما رواه ابن منده من حديث تويلة بنت أسلم، وقيل: هو عباد بن نهيك، وأهل المسجد الذين مر بهم قيل: هم من بني سلمة، وقيل: هو عباد بن بشر الذي أخبر أهل قباء في صلاة الصبح، وقال في شرح حديث ابن عمر: والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر أو ابن نهيك، انتهى.
قلت: ولكن يخدش في هذا أن عباد بن بشر من بني حارثة، وعباد بن نهيك هو خطمي، وليس كلاهما من بني سلمة، فيكون المار غيرهما من بني سلمة.
قال الحافظ: ومما يدل على تعددها أن مسلمًا روى من حديث أنس: أن رجلاً من بني سلمة مر وهم ركوع في صلاة الفجر، فهذا موافق لرواية ابن عمر في تعيين الصلاة، وبنو سلمة غير بني حارثة.
(فناداهم) أي أهل قباء (وهم ركوع في صلاة الفجر)(4)، والذي وقع في رواية البراء:"فمر على أهل مسجد وهم راكعون"، قال الحافظ: وأهل المسجد الذين مر بهم، قيل: هم من بني سلمة (نحو بيت المقدس، ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة)، وفي رواية ابن عمر عند البخاري فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) وفي نسخة: "القبلة".
(2)
وكان التحويل في ظهر الثلاثاء للنصف من شعبان سنة 2 هـ، كذا في "التلقيح"(ص 39). (ش).
(3)
سورة البقرة: الآية 144.
(4)
وفي رواية البخاري (7253): "في صلاة العصر"، ولا منافاة، لأن الخبر وصل إلى قوم كانوا يصلون في المدينة في العصر، ووصل في قباء في الفجر. (ش).
مَرَّتَيْنِ. قَالَ: فَمَالُوا كَمَا هُمْ رُكُوعٌ إِلَى الْكَعْبَةِ". [م 527، حم 3/ 284]
===
قد أنزل إليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة (مرتين) أي ناداهم مرتين (قال) أنس:(فمالوا) أي استداروا من جهة بيت المقدس (كما هم ركوع) الكاف للمبادرة، قاله الحافظ، قال الكرماني: للمقارنة، و"هم" مبتدأ، و "ركوع" خبره (إلى الكعبة).
قال الحافظ: ووقع بيان كيفية التحول في حديث تويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم، وقالت فيه: فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام.
قلت: وتصويره أن الإِمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد، لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، ولما تحول الإِمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه، وتحول النساء حتى صرن خلف الرجال، وهذا يستدعي عملًا كثيرًا في الصلاة، فيحتمل أن يكون وقع ذلك قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام، ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة، أو لم تتوال الخُطا عند التحويل بل وقعت مفرقة.
وفي هذا الحديث قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر طريق العلم به، لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهته، ووقع تحولهم عنها إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد.
وأجيب بأن الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت القطع عندهم بصدق ذلك المخبر، فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم إلَّا بما يفيد العلم، وقيل: كان النسخ بخبر الواحد جائزًا في زمنه صلى الله عليه وسلم مطلقًا، وإنما منع بعده، ويحتاج إلى دليل.
واستدل البخاري بهذا الحديث لمن لم يرَ الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال الحافظ (1): وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا تبين خطؤه، فروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي وغيرهم أنهم قالوا: لا تجب الإعادة، وهو قول الكوفيين، وعن الزهري ومالك وغيرهما: تجب في الوقت لا بعده، وعن الشافعي: يعيد إذا تيقن الخطأ مطلقًا.
ووجه تعلق حديث ابن عمر بترجمة الباب أن دلالته على الجزء الثاني من حيث إنهم صلوا في أول تلك الصلاة إلى القبلة المنسوخة جاهلين بوجوب التحول عنها، وأجزأت عنهم مع ذلك، ولم يؤمروا بالإعادة، فيكون حكم الساهي كذلك، لكن يمكن أن يفرق بينهما بأن الجاهل مستصحب للحكم الأول، مغتفر في حقه ما لا يغتفر في حق الساهي، لأنه إنما يكون عن حكم استقر عنده وعرفه، انتهى ملتقطًا (2).
تمَّ بحمد الله وتوفيقه المجلد الرابع ويتلوه إن شاء الله تعالى المجلد الخامس وأوله: "باب تفريع أبواب الجمعة" وصلَّى الله تعالى على خير خلقه سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وبارك وسلَّم تسليمًا كثيرًا
(1) أجمل الكلام على المذاهب القسطلاني [انظر: "إرشاد الساري" (2/ 72)]. (ش).
(2)
"فتح الباري"(1/ 505).