المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(118) بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ

- ‌(119) بَابُ افْتَتِاحِ الصَّلَاةِ

- ‌(120) بَابٌ

- ‌(121) بَابُ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ

- ‌(123) بَابُ مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ الدُّعَاءِ

- ‌(124) (بَابُ مَنْ رَأَى الاستِفْتَاحَ بِـ: سُبْحَانَكَ)

- ‌(125) بَابُ السَّكْتَةِ عِنْدَ الافْتِتَاحِ

- ‌(126) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الجَهْرَ بِـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌(127) بَابُ مَا جَاءَ منْ جَهَرَ بِهَا

- ‌(128) (باب تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِلأَمْرِ يَحْدُثُ)

- ‌(129) بَابُ مَا جَاءَ في نُقْصَانِ الصَّلَاةِ

- ‌(130) بابٌ: فِى تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ

- ‌(131) بَابُ مَا جَاءَ فِي القِرَاءَة في الظُّهْرِ

- ‌(132) بَابُ تَخْفِيفِ الأُخْرَيَيْنِ

- ‌(133) باب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌(134) بَابُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ في الْمَغْرِبِ

- ‌(135) (بَابُ مَنْ رَأَى التَّخْفِيفَ فِيهَا)

- ‌(136) بابُ الرَّجُلِ يُعِيدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِى الرَّكْعَتَيْنِ

- ‌(137) بَابُ القِرَاءَةِ في الفَجْرِ

- ‌(138) بَابُ مَنْ تَرَكَ القِرَاءَةَ في صَلاتِهِ

- ‌(139) بَابُ مَنْ كَرِهَ القِراءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا جَهَرَ الإِمَامُ

- ‌(140) (بَابُ مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَر)

- ‌(142) بَابُ تَمَامِ التَّكْبِيرِ

- ‌(143) بابٌ: كَيْفَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ

- ‌(144) بَابُ النُّهُوضِ في الفَرْدِ

- ‌(145) بَابُ الإِقْعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ

- ‌(146) بَابُ مَا جَاءَ في مَا يَقْولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوع

- ‌(147) بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(148) (بَابُ رَفْعِ النِّسَاءِ إِذَا كُنَّ مَعَ الإمَامِ رُؤوسَهُنَّ مِنَ السَّجْدَةِ)

- ‌(149) بَابُ طُولِ القِيامِ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(150) بَابُ صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(153) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ

- ‌(154) بَابٌ: في الدُّعَاءِ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(155) بَابُ الدُّعَاءِ في الصَّلَاةِ

- ‌(156) بَابُ مِقْدَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(157) (بَابُ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمَامَ سَاجِدًا كَيْفَ يَصْنَعُ

- ‌(158) بَابٌ: في أَعْضَاءِ السُّجُودِ

- ‌(159) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ

- ‌(160) (بَابُ صِفَةِ السُّجُودِ)

- ‌(161) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(162) بَابٌ: في التَّخَصُّرِ وَالإِقْعَاءِ

- ‌(163) بَابٌ: في الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(164) بَابُ كَرَاهِيَّةِ الوَسْوَسَةِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(165) بَابُ الفَتْحِ عَلَى الإِمَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(166) بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّلْقِينِ

- ‌(167) بَابُ الالْتِفَاتِ في الصَّلَاةِ

- ‌(168) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ

- ‌(169) بَابُ النَّظَرِ في الصَّلَاةِ

- ‌(170) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(171) بَابٌ: في الْعَمَلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(172) بَابُ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(173) بَابٌ في تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(174) بَابُ التَّأْمِينِ وَرَاءَ الإِمَامِ

- ‌(175) بَابُ التَّصْفِيقِ في الصَّلَاةِ

- ‌(176) بَابُ الإِشِارَةِ في الصَّلَاةِ

- ‌(177) بَابٌ: في مَسْحِ الْحَصَى في الصَّلَاةِ

- ‌(178) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا

- ‌(179) بَابُ الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ في الصَّلَاةِ عَلَى عَصًا

- ‌(180) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(181) بَابٌ: في صَلَاةِ القَاعِدِ

- ‌(182) بَابٌ كَيْفَ الْجُلُوسُ في التَّشَهُّدِ

- ‌(183) بَابُ مَنْ ذَكرَ التَّوَرُّكَ في الرَّابِعَةِ

- ‌(184) بَابُ التَّشَهُّدِ

- ‌(185) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(186) بَابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(187) بَابُ إِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ

- ‌(188) بَابُ الإِشَارَةِ في التَّشَهُّدِ

- ‌(189) بَابُ كرَاهِيَّةِ الاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ في الصَّلَاةِ

- ‌(190) بَابٌ: في تَخْفِيفِ القُعُودِ

- ‌(191) بَابٌ: في السَّلَامِ

- ‌(192) بَابُ الرَّدِّ عَلَى الإِمَامِ

- ‌(193) بَابُ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

- ‌(194) بَابُ حَذْفِ السَّلَامِ

- ‌(195) بَابٌ: إِذَا أَحْدَثَ في صَلاتِهِ

- ‌(196) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَتَطَوَّعُ في مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ

- ‌(197) بَابُ السَّهْوِ في السَّجدتَيْنِ

- ‌(198) بَابٌ: إِذَا صَلَّى خَمْسًا

- ‌(201) بَابُ مَنْ قَالَ: بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(202) بَابُ مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ

- ‌(203) بَابُ مَنْ نَسِيَ أَنْ يَتَشهَّدَ وَهُوَ جَالِسٌ

- ‌(204) بَابُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وتَسْلِيمٌ

- ‌(205) بَابُ انْصِرافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(206) بَابٌ: كيْفَ الانْصِرَافُ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(207) بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ التَّطوُّعَ في بَيْتِهِ

- ‌(208) بَابُ مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ

الفصل: ‌(184) باب التشهد

(184) بَابُ التَّشَهُّدِ

(1)

968 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنِى شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى الصَّلَاةِ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ،

===

بصدر اليمنى على قبلته، ثم قال: وهذا في التشهد الأول، وليس في حديثه ذكر التشهد الأخير.

وقال الطحاوي (2) بعد تخريج حديث فليح: فذكروا القعود على ما ذكره عبد الحميد في حديثه في المرة الأولى، ولم يذكر غيره ذلك.

(184)

(بَابُ التَّشَهُّدِ)

968 -

(حدثنا مسدد، نا يحيى، عن سليمان الأعمش، حدثني شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله قبل عباده) أي قبل السلام على عباده، فعلى هذا لفظ قبل ظرف.

قال ميرك: كذا وقع في أجل سماعنا في "المشكاة" و"صحيح البخاري"

بفتح القاف وسكون الموحدة، ووقع في بعض النسخ منهما بكسر القاف وفتح الموحدة، ويؤيده ما وقع في رواية البخاري لفظه: السلام على الله من عباده، انتهى، كذا نقله القاري (3)، فعلى هذا يكون لفظ قبل عباده منصوبًا بنزع الخافض بتقدير "من" أي من جهة عباده.

(السلام على فلان وفلان) قال الحافظ (4): في رواية عبد الله بن نمير

(1) وفي نسخة: "باب ما يقول في التشهد".

(2)

"شرح معاني الآثار"(1/ 260).

(3)

"مرقاة المفاتيح"(2/ 329).

(4)

"فتح الباري"(2/ 312).

ص: 501

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، ===

عن الأعمش عند ابن ماجه "يعنون الملائكة"، وللإسماعيلي من رواية علي بن مسهر "فنعد الملائكة"، ومثله للسراج من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بلفظ:"فنعد من الملائكة ما شاء الله".

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وصدر هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما فرغ من الصلاة، بين ذلك حفص بن غياث في روايته عند البخاري في كتاب الاستئذان، ولفظها: فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه، فقال: إن الله هو السلام، وكذلك في رواية عيسى بن يونس أيضًا: فلما انصرف من الصلاة قال:

(لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام) قال الحافظ: قال البيضاوي ما حاصله: أنه صلى الله عليه وسلم أنكر التسليم على الله، وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال، فإن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكها ومعطيها.

وقال التوربشتي: وجه النهي عن السلام على الله تعالى، لأنه مرجوع إليه بالمسائل المتعالي عن المعاني المذكورة، فكيف يدعى له وهو المدعو على الحالات؟

قال الخطابي: المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا: السلام على الله، فإن السلام منه بدأ وإليه يعود، ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب، ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة من الآفات والمهالك.

وقال النووي (1): معناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، يعني السالم من النقائص، ويقال: المسلم أولياءه، وقيل: المسلِّم عليهم، قال ابن الأنباري: أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه وتعالى عنها.

(1)"شرح صحيح مسلم"(2/ 355).

ص: 502

وَلَكِنْ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَحِيَّاتُ للهِ

===

(ولكن إذا جلس أحدكم) أي في الصلاة كما بين في رواية حفص، وفي رواية حصين:"إذا قعد أحدكم في الصلاة"، والمراد بالجلوس الجلوس في التشهدين كما بينه النسائي في روايته من طريق أبي الأحوص عن عبد الله، ولفظها:"إذا قعدتم في الركعتين فقولوا"، وله من طريق الأسود عن عبد الله "فقولوا في كل جلسة"، ولابن خزيمة عن الأسود عن عبد الله " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها".

(فليقل) استدل بهذا القول على الوجوب، قال الشوكاني (1): قال النووي في "شرح مسلم": مذهب أبي حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء أن التشهدين سنة، وقال: وروي عن مالك القول بوجوب الأخير.

قلت: وعند الحنفية التشهد واجب في كلتا القعدتين الأولى والأخيرة على ظاهر الرواية ، قال الحلبي في شرح "المنية" (2): ومنها قراءة التشهد، فإنها واجب في القعدتين الأولى والأخيرة، وإلى هذا مال صاحب "الهداية" في "باب سجود السهو"، فأوجب السجود بترك التشهد في القعدة الأولى كما في القعدة الأخيرة، وهو ظاهر الرواية، وفي رواية: هي واجبة في القعدة الأخيرة فقط، وأما في الأولى فهي سنة، وإليه مال صاحب "الهداية" في "باب صفة الصلاة" حيث قال: وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة، وظاهر الرواية أظهر للمواظبة في جميع ذلك من غير ترك مرة.

(التحيات لله)(3) جمع تحية، ومعناها السلام، وقيل: البقاء، وقيل: العظمة، وقيل: السلامة من الآفات والنقص، وقيل: الملك، وقال ابن قتيبة: لم يكن يحيى إلَّا الملِك خاصة، وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت، فكان المعنى: التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله.

(1)"نيل الأوطار"(2/ 749).

(2)

(ص 296).

(3)

وشرح ابن رسلان أيضًا ألفاظ التحية بما لا مزيد عليه. (ش).

ص: 503

وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ،

===

وقال الخطابي: ولم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله تعالى، فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم، فقال: قولوا: التحيات لله، أي أنواع التعظيم له.

(والصلوات) قيل: المراد الخمس، أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة، وقيل: المراد العبادات كلها، وقيل: الدعوات، وقيل: المراد الرحمة، وقيل: التحيات العبادات القولية، والصلوات العبادات الفعلية والطيبات الصدقات المالية.

(والطيبات) أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به، وقيل: الطيبات ذكر الله، وقيل: الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء، وقيل: الأعمال الصالحة وهو أعم.

قال البيضاوي: يحتمل أن يكون والصلوات والطيبات عطفًا على التحيات، ويحتمل أن تكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف، والطيبات معطوفة عليها، والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة، والثانية لعطف المفرد على الجملة.

(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، قال الطيبي (1): أصل "سلام عليك": سلمت سلامًا عليك، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل من النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره، ثم التعريف إما للعهد التقديري، أي ذلك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي، وكذلك السلام الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا وعلى إخواننا، وإما للجنس، والمعنى أن حقيقة السلام الذي يعرفه كل واحد وعمن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا، ويجوز أن يكون للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} (2).

(1)"شرح الطيبي"(3/ 1034).

(2)

سورة النمل: الآية 59.

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فإن قيل: كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيًا عنه في الصلاة؟

فالجواب أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله: عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق؟ أجاب الطيبي بما محصله: نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي علمه الصحابة، ويحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان: إن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت، فقرت أعينهم بالمناجاة، فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته، فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، انتهى.

وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة، وهو مما يخدش في وجه الاحتمال المذكور، ففي البخاري في كتاب الاستئذان بعد أن ساق حديث التشهد قال:"وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا: السلام يعني على النبي"، وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه" والسراج والجوزقي وأبو معين (1) والبيهقي بلفظ:"فلما قبض قلنا: السلام على النبي" بحذف لفظ يعني.

قلت: وهذا الذي نقل عن بعض الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أنهم قالوا في التشهد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: على النبي، فليس فيه حجة، فإنهم ما قالوا ذلك إلَّا برأيهم، فما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الألفاظ أولى بالأخذ مما قالوه باجتهادهم ورأيهم، وقد كانت الصحابة في زمانه صلى الله عليه وسلم يغيبون عنه في

(1) كذا في الأصل، والصواب: أبو نعيم. انظر: "فتح الباري"(2/ 314).

ص: 505

السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّه الصَّالِحِينَ،

===

أسفارهم في الغزوات وغيرها، ولا يتشهدون إلَّا بما تعلموا لفظ التشهد بالخطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا الذي قالوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كان يلزم أن يقولوا فيها في التشهد:"السلام على النبي"، فلما لم يقولوا ذلك في الغيبة عنه صلى الله عليه وسلم كيف يجوز أن يبدلوا بعده لفظه صلى الله عليه وسلم الخطاب بالغيبة؟ .

وقد نقل الحافظ ما روى سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد فذكره، قال: فقال ابن عباس: إنما كنا نقول: السلام عليك أيها النبي إذا كان حيًّا، فقال ابن مسعود: هكذا علمنا وهكذا نعلم، فظاهر أن ابن عباس قاله بحثًا، وأن ابن مسعود لم يرجع إليه.

ثم قال الحافظ (1): لكن رواية أبي معمر أصح، لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، والإسناد مع ذلك ضعيف، على أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حي في قبره كما أن الأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم، ولا فرق بين أن يكون فوق الأرض أو تحت حجابها، كما لا فرق في حضوره وغيبته في زمان حياته صلى الله عليه وسلم، ولهذا لعله لم يذهب إليه أحد من الأئمة.

والمراد بقوله: "ورحمة الله" إحسانه، وقوله:"وبركاته" هو اسم لكل خير فائض منه تعالى على الدوام، وقيل: البركة الزيادة في الخير، وإنما جمعت البركة دون السلام والرحمة لأنهما مصدران.

(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، قال البيضاوي: علمهم أن يفردوه صلى الله عليه وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم، ثم علمهم أن يخصوا أنفسهم، لأن الاهتمام بها أهم، ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلامًا منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملًا لهم، انتهى.

(1)"فتح الباري"(2/ 314).

ص: 506

فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ أَصَابَ كُلَّ عبدٍ صَالِحٍ في السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِله إِلَّا اللَّه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،

===

واستدلَّ به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء، وفي "الترمذي" مصححًا من حديث أبي بن كعب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ نفسه، والأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وتتفاوت درجاته.

(فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض، أو بين السماء والأرض) وهو كلام معترض بين قوله: الصالحين وبين قوله: أشهد

إلخ، علمهم لفظًا يشمل الجميع مع غير الملائكة من المرسلين والنبيين والصديقين وغيرهم بغير مشقة، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، والشك فيه من مسدد، وإلَّا فقد رواه غيره عن يحيى بلفظ: من أهل السماء والأرض، أخرجه الإسماعيلي وغيره، وقد ورد في بعض طرقه سياق التشهد متواليًا وتأخير الكلام المذكور بعد، وهو من تصرف الرواة.

(أشهد أن لا إله إلَّا الله) زاد ابن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة عن أبيه: وحده لا شريك له، وسنده ضعيف (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال:"بينا النبي صلى الله عليه وسلم يعلم التشهد إذ قال رجل: وأشهد أن محمدًا رسوله وعبده، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد كنت عبدًا قبل أن أكون رسولًا، قل: عبده ورسوله"، ورجاله ثقات إلَّا أنه مرسل.

وقد روى التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة غير ابن مسعود، منهم ابن عباس، ومنهم جابر، ومنهم عمر، ومنهم ابن عمر، ومنهم علي، ومنهم أبو موسى، ومنهم عائشة، ومنهم سمرة، ومنهم ابن الزبير، ومنهم سلمان، ومنهم أبو حميد، ومنهم أبو بكر، ومنهم الحسين بن علي، ومنهم طلحة بن عبيد الله، ومنهم أنس، ومنهم أبو هريرة، ومنهم أبو سعيد، ومنهم فضل بن عباس، وأم سلمة، وحذيفة، والمطلب بن ربيعة، وابن أبي أوفى رضي الله عنهم.

ص: 507

ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُوَ بِهِ". [خ 835، م 402، ت 289، ن 1162، جه 899، دي 1340، حم 1/ 431]

===

لكن رجح الجمهور تشهد ابن مسعود، قال أبو بكر البزار: هو أصح حديث في التشهد، وقد روى من نيف وعشرين طريقًا، وسرد أكثرها، وممن جزم بذلك البغوي في "شرح السنَة"، وقال مسلم: إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود، لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضًا، وغيره قد اختلف أصحابه، وقال الزهري: إنه أصح حديث روي في التشهد، ومن مرجحاته أنه متفق عليه دون غيره، وأن رواته لم يختلفوا في حرف منه، بل نقلوه مرفوعًا على صفة واحدة، وأنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم تلقينًا.

(ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به) واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة، قال ابن بطال: خالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة، فقالوا: لا يدعو في الصلاة إلَّا بما يوجد في القرآن، كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة، والمعروف في كتب الحنفية (1) أنه لا يدعو في الصلاة إلَّا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث، ولكن ظاهر الحديث يرد عليهم، قاله الحافظ (2).

وأجاب عنه العيني (3) قلت: ليس ما نقله عن كتب الحنفية كذلك، بل المذكور في كتبهم أنه لا يدعو في الصلاة إلَّا من الأدعية المأثورة، أو بما شابه ألفاظ القرآن، وقوله: يرد عليهم، رد عليه، لأن فيما ذهبوا إليه إهمالًا لحديث مسلم، وهو "إن صلاتنا هذه" الحديث، ونحن عملنا بالحديثين، لأنا نختار من الأدعية المأثورة أو من الأدعية ما شابه ألفاظ القرآن.

(1) قلت: وكذا قال أحمد كما في "المغني"(2/ 236)، وتقدم في "باب الدعاء في الصلاة" أيضًا. (ش).

(2)

"فح الباري"(2/ 321).

(3)

"عمدة القاري"(4/ 596).

ص: 508

969 -

حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، أَنَا إِسْحَاقُ - يَعْنِي ابْنَ يُوسُفَ-، عن شَرِيكٍ، عن أَبِي إِسْحَاقَ، عن أَبِي الأَحْوَصِ، عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نقُولُ إِذَا جَلَسْنَا في الصَّلَاةِ،

===

قلت: قال في "الهداية"(1): ودعا بما شاء بما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة، ولا يدعو بما يشبه كلام الناس تحرزًا عن الفساد، ولهذا يأتي بالمأثور المحفوظ وما لا يستحيل سؤاله من العباد كقوله: اللَّهمَّ زوجني فلانة، يشبه كلامهم

إلخ.

وقال في "البدائع"(2): ولكن ينبغي أن يدعو بما لا يشبه كلام الناس، حتى يكون خروجه من الصلاة على وجه السنَّة، وهو إصابة لفظ السلام، وفسره أصحابنا فقالوا: ما يشبه كلام الناس هو ما لا يستحيل سؤاله من غير تعالى كقوله: أعطني كذا، أو زوجني امرأة، وما لا يشبه كلام الناس هو ما يستحيل سؤاله عن غيره كقوله: اللَّهَمَّ اغفر لي ونحو ذلك.

969 -

(حدثنا تميم بن المنتصر) بن تميم بن الصلت الهاشمي مولاهم، الواسطي، جد أسلم بن سهل الحافظ الملقب بِبَحْشَل لأمه، ثقة ضابط، مات سنة أربع أو خمس وأربعين، (أنا إسحاق، يعني ابن يوسف) بن مرداس بمكسورة وسكون راء وبدال مهملة قبل الألف وبعدها سين مهملة، المخزومي الواسطي المعروف بالأزرق بتقديم الزاي على الراء، ثقة، مات سنة 195 هـ.

(عن شريك) بن عبد الله النخعي، (عن أبو إسحاق) السبيعي، (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الكوفي، (عن عبد الله) بن مسعود (قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة)، ولهذا نقول في تلك الجلسات من عند أنفسنا: السلام على الله، السلام على جبرائيل، السلام على

(1)(1/ 53).

(2)

(بدائع الصنائع)(1/ 499).

ص: 509

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قدْ عُلِّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ".

قَالَ شَرِيكٌ: وَنَا جَامِعٌ- يَعْنِي ابْنَ شَدَّادٍ -، عن أَبِي وَائِلٍ، عن عَبْدِ الله بِمِثْلِهِ قَالَ: وَكَان يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ يُعَلِّمُنَاهُنَّ كَمَا يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: "اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا،

===

ميكائيل (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عُلِّمَ)(1) أي ما يحتاج إليه في الصلاة وغيرها (فذكر) أي تميم بن المنتصر (نحوه) أي نحو حديث مسدد.

(قال شريك) أي ابن عبد الله: (ونا) وهذا تحويل عطف على لفظ عن أبي إسحاق المذكور في السند المتقدم (جامع يعني ابن شداد) المحاربي، أبو صخرة الكوفي، أحد الفضلاء، ثقة، (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة، (عن عبد الله بمثله) أي بمثل حديث أبي إسحاق.

(قال) أي شريك بهذا السند: (وكان يعلمنا كلمات ولم يكن)

أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعلمناهن) أي الكلمات (كما يعلمنا التشهد) فإن تعليم التشهد كان أهم بأنه صلى الله عليه وسلم علم عبد الله بن مسعود التشهد، وكفه بين كفيه، كما يعلم السورة من القرآن، ويحتمل أن يكون معناه: بل أهم من تعليم التشهد.

(أللَّهم ألِّف) أي ألق الألفة والمحبة (بين قلوبنا) فيحب بعضنا بعضًا كما قال الله تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} (2)، (وأصلح ذات بيننا)، أي أصلح أحوال بيننا حتى يكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق، فإنك عليم بذات الصدور أي بمضمراتها، ولما كانت الأحوال ملابسة للبين، قيل لها: ذات البين، وإصلاحها سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين، فهو درجة فوق درجة من اشتغل بخويصة نفسه بالصيام والصلاة فرضًا ونفلًا "مجمع"(3) مع التغيير.

(1) قال ابن رسلان: بضم العين وتشديد اللام المكسورة مبني للمفعول. (ش).

(2)

سورة الأنفال: الآية 63.

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(2/ 252).

ص: 510

وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لنَا في أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، مُثْنِينَ بِهَا، قَابِلِيهَا، وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا". [حب 992، ك 1/ 265]

===

(واهدنا سبل السلام) أي طرق دينه التي بها نسلم من العذاب، (ونجنا من الظلمات إلى النور) أي من الكفر إلى الإِسلام، ومن الجهل إلى العلم، (وجنبنا الفواحش) أي باعدنا من الذنوب الكبيرة (ما ظهر منها وما بطن) أي لم يظهر على الناس، فالمراد علانيتها وسرها.

(وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا (1) وذرياتنا)، والمراد بالبركة فيها التزايد في الخير منها، (وتب علينا) أي ارجع علينا بقبول التوبة والمغفرة (إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها) من الثناء (قابليها) - وفي نسخة: قائليها- بصيغة جمع الفاعل من القبول سقطت نونها بالإضافة.

قال القاري في "الحرز": أي قابلين لنعمتك آخذين لها على نعت القبول ووصف الرضا، وفي نسخة: قائليها على أنه اسم فاعل قال: قال المصنف: لا يظهر لها وجه وجيه، وفي نسخة -وهو أصل الجلال-:"فأبليها" بفتح فاء فهمز فسكون موحدة وكسر لام فياء ساكنة، وكتب الجلال تحته لعله فأبلها أي بلا ياء، قيل: ولعل الياء حصلت من إشباع الكسرة، وحاصله أنه من الإبلاء بمعنى الإعطاء، فالمعنى فأعط النعم على وجه الزيادة.

(وأتمها) أمر من الإتمام، والضمير للنعمة (علينا) كما قال الله تعالى:{وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (2).

(1) يدخل فيه من لم يتزوج بعد حتى من في الجنة، "ابن رسلان". (ش).

(2)

سورة المائدة: الآية 3.

ص: 511

970 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ قَالَ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِى فَحَدَّثَنِى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِى الصَّلَاةِ، فَذَكَرَ مِثْلَ دُعَاءِ حَدِيثِ الأَعْمَشِ:«إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُد» . [حم 1/ 422]

===

970 -

(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا زهير) بن معاوية، (نا الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة) بالمعجمة مصغرًا، أبو عروة الهمداني الكوفي (قال: أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده) أي علقمة (وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله، فعلمه التشهد في الصلاة)، وقد عقد البخاري في "صحيحه""باب المصافحة"، وذكر فيه: قال ابن مسعود: علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه، ثم أخرجه موصولًا مطولًا في الباب اللاحق، وهو "باب الأخذ باليدين"، والغرض من الأخذ باليد الاهتمام بتعليم التشهد، ويدل عليه قوله في هذا الحديث: كما يعلمني سورة من القرآن.

(فذكر مثل دعاء) أي مثل تشهد (حديث الأعمش) المتقدم (إذا قلت هذا) وهذا الكلام إلى آخره زيادة على حديث الأعمش، كان ينبغي للمصنف أن يكتب قبل هذا الكلام لفظ: وزاد، معناه إذا قرأت التشهد (أو قضيت هذا) أي أتممت، لفظة أو للشك من الراوي، أي قال هذا اللفظ أو ذاك (فقد قضيت صلاتك) ولم يبقَ عليك شيء من أركان الصلاة (إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد).

استدل الحنفية بهذا الكلام على فرضية القعدة في آخر الصلاة مقدار التشهد، وعلى عدم فرضية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القعدة الأخيرة.

قال في "البدائع"(1): ولنا ما روينا من حديث ابن مسعود وعبد الله بن

(1)"بدائع الصنائع"(1/ 500).

ص: 512

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتمام الصلاة عند القعود قدر التشهد من غير شرط الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج في محل آخر من كتابه من حديث ابن مسعود معلقًا: وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: "إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك".

وقال في "الهداية"(1): وتشهد وهو واجب عندنا، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس بفريضة عندنا خلافًا للشافعي - رحمه الله تعالى - لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا قلت هذا أو فعلت فقد تمت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، انتهى.

وأخرج الطحاوي (2) من حديث أبي بكرة قال: ثنا أبو عاصم، عن أبي عوانة، عن الحكم، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال: إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته، معناه إذا قضى تشهده ثم أحدث، كما في حديث عبد الله بن عمر، وهذا الحديث وإن كان ظاهره موقوفًا لكنه مرفوع حكمًا، لأنه لا مجال للرأي فيه.

وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي ذكره في "البدائع"، فأخرجه الطحاوي (3) بأسانيده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قضى الإِمام الصلاة فقعد، فأحدث هو أو أحد ممن أتم الصلاة معه قبل أن يسلم الإِمام، فقد تمت صلاته، فلا يعود إليها"، ولفظ الثاني عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رفع المصلي رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده، ثم أحدث، فقد تمت صلاته فلا يعود لها"، وكذا أخرجه الدارقطني في "سننه"(4) بأسانيد مختلفة.

(1)(1/ 53).

(2)

"شرح معاني الآثار"(1/ 273).

(3)

قلت: وأخرجه أبو داود أيضًا في "باب الإِمام يحدث بعد ما يرفع رأسه". (ش).

(4)

"سنن الدارقطني"(1/ 350 - 354).

ص: 513

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

واعترضوا على حديث ابن مسعود (1) فقال الحافظ في "الدراية": اتفق الحفاظ على أن هذه زيادة مدرجة من كلام ابن مسعود، منهم ابن حبان والدارقطني والبيهقي والخطيب، وأوضحوا الحجة في ذلك، وقال الخطابي: إن لم يثبت إدراجها دلت على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست بواجبة، انتهى.

وقال النووي في "شرح مسلم"(2): وقد جاء في رواية من هذا الحديث في غير مسلم زيادة: "فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك"، ولكن هذه الزيادة ليست صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الشوكاني في "النيل"(3): وأما حديث ابن مسعود فقال البيهقي في "الخلافيات": إنه كالشاذ من قول عبد الله، وإنما جعل كالشاذ، لأن أكثر أصحاب الحسن بن الحر لم يذكروا هذه الزيادة لا من قول ابن مسعود مفصولة من الحديث، ولا مدرجة في آخره، وإنما رواه بهذه الزيادة عبد الرحمن بن ثابت عن الحسن، فجعلها من قول ابن مسعود، وزهير بن معاوية عن الحسن فأدرجها في آخر الحديث في قول أكثر الرواة عنه، ورواها شبابة بن سوار عنه مفصولة كما ذكر الدارقطني، انتهى.

قلت: دعوى الإدراج لا دليل عليها، والأصل عدم الإدراج حتى يقوم عليه دليل، كيف وقد شك الإِمام الخطابي في رفعه، ووقفه، فقال (4): قد اختلفوا في هذا الكلام هل هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول ابن مسعود؟ فإن صح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففيه دلالة على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد غير واجبة، انتهى.

(1) قال ابن رسلان: هذا مدرج من كلام ابن مسعود رضي الله عنه من قوله: إذا قلت هذا أو فعلت، ثم بسطه. (ش).

(2)

(2/ 356).

(3)

"نيل الأوطار"(2/ 779).

(4)

انظر: "معالم السنن"(1/ 329).

ص: 514

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فهذا الكلام صريح في أن عند الإِمام الخطابي لم يثبت إدراجه، وما نقل صاحب "العون"(1) عن السندي معزوًا إلى العراقي بأن المراد من الاختلاف اختلاف الرواة في وصله وفصله، فهذا كأنه توجيه القول بما لا يرضى به قائله، فالذي وصله مثل محمد بن عبد الله النفيلي، فلم يذكر لا لفظ قال ولا لفظ ذكر، فهو كأنه صريح في أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما من ذكره بلفظ قال كما هو عند الطحاوي وغيره، فهو يحتمل أن يرجع ضميره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان مرجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ظاهر في عدم الإدراج، وإن كان ابن مسعود فغير جائز أن يصدر هذا القول منه من رأيه، لأنه لا مجال فيه للرأي، فيحكم بأنه مرفوع حكمًا، ومثل هذا يقال في حديث من رواه بلفظ قال عبد الله كما هو عند الدارقطني من طريق شبابة بن سوار عن زهير بلفظ: قال عبد الله: فإذا قلت ذلك، الحديث.

قال ابن الهمام في "شرح الهداية"(2): قال النووي: اتفق الحفاظ على أنها مدرجة، والحق أن غاية الإدراج أن تصير موقوفة، والموقوف في مثله له حكم الرفع، واعترضوا على حديث عبد الله بن عمرو، فقال الترمذي: ليس إسناده بذلك القوي، وقد اضطربوا في إسناده.

قال الشوكاني (3): وإنما أشار إلى عدم قوة إسناده، لأن فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وقد ضعفه بعض أهل العلم، وقال النووي في "شرح المهذب": إنه ضعيف باتفاق الحفاظ، وفيه نظر، فإنه قد وثَّقه غير واحد، منهم: زكريا الساجي وأحمد بن صالح المصري، وقال يعقوب بن سفيان: لا بأس به، وقال يحيى بن معين: ليس به بأس، انتهى.

(1)(3/ 255).

(2)

"فتح القدير"(1/ 240).

(3)

"نيل الأوطار"(2/ 779).

ص: 515

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قلت: قال في "الميزان"(1): قدم على المنصور فوعظه وصدعه بأنهم ظلمة، وكان البخاري يقوي أمره، ولم يذكره في "كتاب الضعفاء"، وقال إسحاق بن راهويه: سمعت يحيى بن سعيد يقول: عبد الرحمن بن زياد ثقة.

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(2): وكان ابن وهب يطريه، وكان أحمد بن صالح ينكر على من يتكلم فيه، ويقول: هو ثقة، وقال ابن رشدين عن أحمد بن صالح: من تكلم في ابن أنعم فليس بمقبول، ابن أنعم من الثقات، وقال سحنون: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ثقة، وقال الحربي: غيره أوثق منه.

وأما دعوى الاضطراب في إسناده من الترمذي فغير صحيح، وليس في إسناده شائبة اضطراب، فإنه قد أخرج الطحاوي (3) من حديث أبي بكرة: ثنا أبو داود، ثنا عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة، عن عبد الله بن عمرو أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رفع رأسه من آخر السجود، فقد مضت صلاته إذا هو أحدث"، ثم أخرج من حديث يزيد بن سنان ومحمد بن العباس بن الربيع اللؤلؤي قال: ثنا معاذ بن الحكم عن عبد الرحمن بن زياد، فذكر مثله بأسانيده.

قلت: وهذا الحديث وقع فيه اختصار، فإنه قد أخرج بعيد ذلك من حديث يزيد بن سنان: ثنا معاذ بن الحكم، ثنا سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، فذكر مثل حديث أبي بكرة عن أبي داود عن ابن المبارك، قال معاذ: فلقيت عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، فحدثني عن عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سوادة، فقلت له: لقيتهما جميعًا؟ فقال: كلاهما حدثني به عن عبد الله بن

(1)(2/ 562).

(2)

(6/ 175).

(3)

"شرح معاني الآثار"(1/ 274).

ص: 516

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رفع المصلي رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده، ثم أحدث، فقد تمت صلاته، فلا يعود لها".

قلت: وهذا الحديث بين لنا ما وقع من النقصان في الحديث الأول.

وأخرج الطحاوي من حديث إبراهيم بن منقذ وعلي بن شيبة قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي وبكر بن سوادة الجذامي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قضى الإِمام الصلاة، فقعد، فأحدث هو أو أحد ممن أتم الصلاة معه قبل أن يسلم الإِمام، فقد تمت صلاته فلا يعود فيها".

وكذلك أخرج هذا الحديث الدارقطني (1) من حديث الحسين بن إسماعيل، ثنا يعقوب الدورقي، ثنا مروان بن معاوية الفزاري، ثنا عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن بكر بن سوادة وعبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا جلس الإِمام في آخر ركعة، ثم أحدث رجل من خلفه قبل أن يسلم الإِمام، فقد تمت صلاته"، قال الدارقطني: عبد الرحمن بن زياد ضعيف، لا يحتج.

قلت: وقد تقدم الجواب عنه بأنه وثَّقه غير واحد.

ثم أخرج من حديث محمد بن يحيى بن مرداس، ثنا أبو داود، ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم بمثل السند الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قضى الإِمام الصلاة وقعد، فأحدث قبل أن يسلم، فقد تمت صلاته، ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة".

ثم أخرج من حديث الحسين، ثنا يوسف يعني ابن موسى، ثنا وكيع،

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 379).

ص: 517

971 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنِ (1) ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى التَّشَهُّدِ:«التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» - قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: زِدْتُ فِيهَا "وَبَرَكَاتُهُ"-

===

ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن زياد، عن بكر بن سوادة، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحدث الإِمام"، الحديث، ولم يذكر فيه عبد الرحمن بن رافع، أفترى أن في أسانيد هذا الحديث شائبة اضطراب، فالعجب من الإِمام الترمذي كيف ادعى أن في إسناد هذا الحديث اضطرابًا؟ فالحديث سنده ومتنه خاليان عن الاضطراب، والله تعالى أعلم.

971 -

(حدثنا نصر بن علي) الجهضمي، (حدثني أبي) هو علي بن نصر بن علي الجهضمي، (نا شعبة، عن أبي بشر) جعفر بن إياس وهو ابن أبي وحشية اليشكري الواسطي، قال الحافظ في "التقريب": ثقة، من أثبت الناس في سعيد بن جبير، وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد، قال أحمد: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد، قال: لم يسمع منه شيئًا، وقال ابن معين: طعن عليه شعبة في حديثه عن مجاهد، قال: من صحيفة.

(سمعت (2) مجاهدًا) وهذا نص في سماعه عن مجاهد على خلاف ما قال فيه شعبة، قال في "الميزان": قال أبو طالب: سأل أحمد عن حديث شعبة، عن أبي بشر سمع مجاهدًا يحدث عن ابن عمر مرفوعًا في التحيات، فأنكره، فقلت: يرويه نصر بن علي الجهضمي عن أبيه، عنه.

(يحدث عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، قال) أي مجاهد: (قال ابن عمر: زدت فيها) أي في التحيات (وبركاته) أي لفظ

(1) زاد في نسخة: "عبد الله".

(2)

تكلم ابن رسلان على إسناد الحديث. (ش).

ص: 518

"السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِله إِلَّا اللَّهُ"- قَالَ ابْنُ عُمَرَ: زِدْتُ فِيهَا "وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ- وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". [قط 1/ 351]

972 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عن قَتَادَةَ. (ح): وَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نَا هِشَامٌ، عن قَتَادَةَ، عن يُونُسَ بْن جُبَيْرٍ، عن حِطَّانَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: "صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، فَلَمَّا جَلَسَ في آخِرِ صَلَاتِهِ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أُقِرَّتِ الصَّلَاةُ بالْبِرِّ وَالزَّكَاةِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ أَبُو مُوسَى أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَأَرَمَّ الْقَوْمُ

===

"وبركاته"، فلفظ "وبركاته" زيادة مني لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلَّا الله، قال ابن عمر: زدت فيها وحده لا شريك له) أي لفظ: "وحده لا شريك له" لم يكن مرويًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أنا زدته فيها من قبل نفسي (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله).

972 -

(حدثنا عمرو بن عون) بن أوس، أبو عثمان البزار الواسطي البصري، (أنا أبو عوانة) وضاح بن عبد الله اليشكري، (عن قتادة، ح: وأنا أحمد بن حنبل، نا يحيى بن سعيد) القطان، (نا هشام) الدستوائي، (عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: صلى بنا أبو موسى الأشعري، فلما جلس في آخر صلاته) أي القعدة الأخيرة (قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة) أي تكلم بهذا الكلام، وغرضه بهذا الكلام مدح الصلاة.

(فلما انفتل) أي انصرف (أبو موسى) عن الصلاة (أقبل على القوم) أي على جماعة المقتدين (فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ ) كناية عن الكلمة التي قالها الرجل (قال: فأرم القوم) أي سكتوا، قال في "القاموس": أَرَمَّ سكت

ص: 519

قَالَ (1): أَيُّكُمْ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَأَرَمَّ الْقَوْمُ. قَالَ: فَلَعَلَّكَ يَا حِطَّانُ (2) قُلْتَهَا؟ قَالَ: مَا قُلْتُهَا، وَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي بِهَا. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ لَهُ (3) مِنَ الْقَومِ: أَنَا قُلْتُهَا وَمَا أَرَدْتُ بِهَا إِلَّا الْخَيْرَ.

فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ تَقُولُونَ في صَلَاتِكُمْ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّه خَطَبَنَا فَعَلَّمَنَا وَبَيَّنَ لنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: "إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُم، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا

===

(قال) أي ثانيًا: (أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال) أي حطان: (فأرم القوم) أي لم يجيبوه في المرة الثانية أيضًا.

(قال) أي أبو موسى: (فلعلك يا حطان قلتها؟ قال) أي حطان: (ما قلتها، ولقد رهبت) أي خفت (أن تبكعني) أي: تبكتني وتوبخني، قال في "القاموس": بكعه: استقبله بما يكره (بها) أي بسبب هذه الكلمة (قال) أي حطان: (فقال رجل له من القوم: أنا قلتها وما أردت بها) أي بهذه الكلمة (إلَّا الخير) وهو مدح الصلاة.

(فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ ) فإن التكلم بمثل هذه الكلمات مفسد للصلاة (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا) من التعليم (وبين لنا سُنَّتَنا) أي طريقتنا من الدين (وعلمنا صلاتنا) أي فرائضها وواجباتها وسننها ومستحباتها.

(فقال: إذا صليتم) أي أردتم الصلاة بالجماعة (فأقيموا) أي سووا (صفوفكم، ثم ليؤمكم (4) أحدكم، فإذا كبر) أي الإِمام (فكبروا)(5) أنتم

(1) وفي نسخة: "فقال".

(2)

زاد في نسخة: "أنت".

(3)

وفي نسخة: "له رجل".

(4)

اختلفوا في أنه أمر ندب أو إيجاب، على أربعة أقوال. ابن رسلان. (ش).

(5)

بفاء التعقيب، فلو كبر وقد بقي من إحرام الإِمام حرف لم يصح الاقتداء بلا خلاف. "ابن رسلان". (ش).

ص: 520

وَإِذَا قَرَأَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، يُجِبْكُمُ اللَّه، وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيرْفَعُ قَبْلَكُمْ" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"فَتِلْكَ بِتِلْكَ". "وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، يَسْمَعِ اللَّهُ لَكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". "وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ» ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَتِلْكَ بِتِلْكَ"، "فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ

===

(وإذا قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، يجبكم الله) أي يتقبل دعاءكم (وإذا كبر) أي للركوع (وركع فكبروا واركعوا، فإن الإِمام يركع قبلكم ويرفع) أي رأسه من الركوع (قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك) أي تأخركم عن الإِمام في الخرور للركوع (بتلك) أي بمقابلة تأخركم عنه في الرفع عن الركوع، فكأنه ساوى ركوعكم ركوع الإِمام، والتأنيث على تأويل الخصلة.

(وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللَّهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم) أي لحمدكم سماع قبول (فإن الله عز وجل قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم) أي ليعلمكم: (سمع الله لمن حمده) فأصل هذه الكلمة إخبار من الله تعالى بسماع حمد عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم أجراها على لسان عباده بواسطة نبيه صلى الله عليه وسلم.

(إذا كبر) أي للسجود (وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإِمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتلك بتلك)، يحتمل أن تكون الإشارة إلى الساعة، أي ساعة تأخركم في الرفع عن السجود بمقابلة ساعة تأخركم في الخرور للسجود.

(فإذا كان) أي المصلي (عند القعدة) أي في القعدة الأولى أو الثانية (فليكن من أول قول أحدكم) أي لا يتقدم منكم قول في القعدة قبل هذا القول،

ص: 521

أَنْ يَقُولَ: التَّحِيَّاتُ (1) الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ للَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ".

لَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ: "وَبَرَكَاتُهُ"، وَلَا قَالَ:"وَأَشْهَدُ" قَالَ: "وَأَنَّ مُحَمَّدًا". [م 404، ن 830، جه 901، دي 1312، حم 4/ 393]

973 -

حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ، نَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ:"سَمِعْتُ أَبِي، نَا قَتَادَةُ، عن أَبِي غَلَّابٍ يُحَدِّثُهُ، عن حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ. زَادَ: "فَإِذَا قَرَأ فَأَنْصِتُوا". وَقَالَ في

===

ويكون هذا القول في القعدة مقدمًا على جميع الأقوال (إن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا اله إلَّا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، لم يقل أحمد: وبركاته، ولا قال: وأشهد، قال: وأن محمدًا).

غرض المصنف بهذا الكلام بيان الفرق بين لفظ عمرو بن عون وأحمد بن حنبل بأن أحمد خالف ابن عون في لفظ "وبركاته، وأشهد"، فإنه لم يذكرهما، وقال: وأن محمدًا بغير لفظ أشهد.

973 -

(حدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول التيمي، أبو عمرو البصري، وقيل: عاصم بن محمد بن النضر، (نا المعتمر) أي ابن سليمان (قال: سمعت أبي) أي سليمان التيمي (2)، (نا قتادة، عن أبو غَلّاب) يونس بن جبير (يحدثه) أي يحدث أبو غلاب قتادة، (عن حطان بن عبد الله الرقاشي) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين، البصري (بهذا الحديث) المتقدم.

(زاد) أي سليمان التيمي: (فإذا قرأ) أي الإِمام (فأنصتوا، وقال في

(1) وفي نسخة: "التحيات لله".

(2)

ثقة من رواة الستة. (ش).

ص: 522

التَّشَهُّدِ بَعْدَ (1) أَشْهَدُ أَنْ لَا إِله إِلَّا اللَّهُ، زَادَ "وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ". [انظر سابقه]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَوْلُهُ: "وَأَنْصِتُوا"(2) لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَلَمْ يَجِئْ بِهِ إِلَّا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ في هَذَا الْحَدِيثِ.

974 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عن أَبِي الزُّبَيْرِ، عن سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ وَطَاوسٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ وَكَانَ (3) يَقُولُ: "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيباتُ لله، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّه الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ". [م 403، ت 290، ن 1174، جه 900، حم 1/ 292]

===

التشهد بعد أشهد أن لا إله إلَّا الله، زاد: وحده لا شريك له، قال أبو داود: وقوله: "وأنصتوا" ليس بمحفوظ، ولم يجئ به إلَّا سليمان التيمي في هذا الحديث) وقد تقدم البحث في تضعيف هذا الكلام في "باب الإِمام يصلي من قعود" في الجزء المتقدم.

974 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا الليث، عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم، (عن سعيد بن جبير وطاوس، عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن) أي: يهتم بتعليم التشهد كما يهتم بتعليم القرآن (وكان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وأشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم).

(1) زاد في نسخة: "أن قال".

(2)

وفي نسخة: "فأنصتوا".

(3)

وفي نسخة: "فكان".

ص: 523

975 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ، نَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَبُو دَاوُدَ، نَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عن أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ،

===

975 -

(حدثنا محمد بن داود بن سفيان، نا يحيى بن حسان، نا سليمان بن موسى أبو داود) الزهري الكوفي، خراساني الأصل، سكن الكوفة ثم تحول إلى دمشق، وثَّقه العباس بن الوليد، قال أبو داود: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: أرى حديثه مستقيمًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكر العقيلي عن البخاري أنه قال: منكر الحديث، وحكى ابن عساكر أن أبا زرعة ذكره في الضعفاء.

(نا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب) الفزاري، أبو محمد السمري بالفتح والضم، نسبة إلى سمرة بن جندب، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن حزم: مجهول، وقال عبد الحق في "الأحكام": ليس ممن يعتمد عليه، وقال ابن عبد البر: ليس بالقوي، وقال ابن القطان: ما من هؤلاء من يعرف حاله، يعني جعفرًا شيخه وشيخ شيخه، وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم، قاله الحافظ، وفي "الميزان": وبكل حال هذا إسناد مظلم لا ينهض بالحكم.

(قال: حدثني خبيب بن سليمان بن سمرة) بن جندب، أبو سليمان الكوفي، روى عن أبيه، عن جده نسخة (1)، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن حزم: مجهول، وقال عبد الحق: ليس بقوي، كذا قال الحافظ، وقال الذهبي: لا يعرف وقد ضعف.

(عن أبيه سليمان بن سمرة) بن جندب الفزاري، روى عن أبيه نسخة كبيرة، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو الحسن بن القطان: حاله مجهولة، كذا في "تهذيب التهذيب"، وقال في "التقريب": مقبول.

(1) ذكر المصنف منها ستة أحاديث، تقدم بيانها في "باب اتخاذ المساجد في الدور". (ش).

ص: 524

عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: "أَمَّا بَعْدُ، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا كَانَ في وَسطِ الصَّلَاةِ أَوْ حِينَ انْقِضَائِهَا فَابْدَؤُوا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَقُولُوا: التَّحِيَّاتُ (1) الطيِّبَاتُ وَالصَّلَوَاتُ وَالْمُلْكُ للهِ، ثُمَّ سَلِّمُوا عَنِ الْيَمِينِ، ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى قَارئكُمْ وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ".

===

(عن سمرة بن جندب) بن هلال الفزاري، قال ابن سيرين: في رسالة سمرة إلى بنيه عِلْمٌ كَثِيْرٌ، وكان شديدًا على الخوارج فكانوا يطعنون عليه، وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه، قال ابن عبد البر: سقط في قدر مملوءة ماءً حارًّا فكان ذلك تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة وأبي محذورة: آخركم موتًا في النار.

(أما بعد، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان) أي المصلي (في وسط الصلاة) أي في الصلاة الرباعية أو الثلاثية (أو حين انقضائها) في جميع الصلوات من الثنائية والثلاثية والرباعية (فابدؤوا) أيها المصلون بالتشهد (قبل التسليم فقولوا: التحيات الطيبات والصلوات والملك لله، ثم سلموا عن اليمين) وفي نسخة: على اليمين، فعلى النسخة الأولى معناه عن الجهة اليمنى، وعلى النسخة الثانية على أهل اليمين، وترك ذكر الشمال اعتمادًا على فهم السامع، أو لبيان أن السلام الواحد يكفي للخروج من الصلاة.

(ثم سلموا على قارئكم) أي: إمامكم، "ثم" هاهنا لتراخي البيان، لا لتراخي الحكم؛ لأن الإِمام له ثلاث أحوال: إما أن يكون بين يديه أو في الجهة اليمنى أو في الجهة اليسرى، فإذا كان بين يديه فيسلم عليه في الحالتين: إذا سلم على أهل اليمين، وإذا سلم على أهل الشمال، وإذا كان في الجهة اليمنى فيسلم عليه أيضًا إذا سلم على أهل اليمين، وإذا كان في جهة الشمال فيسلم عليه أيضًا إذا سلم على أهل الشمال.

(وعلى أنفسكم) أي من المقتدين من أهل اليمين والشمال، وهذا يدل

(1) زاد في نسخة: "لله".

ص: 525

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى كُوفِيُّ الأَصْلِ كَانَ بِدِمَشْقَ.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَدَلَّتْ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنْ سمُرَةَ.

===

على أن الأولى النسخة الأولى بلفظة "عن"، لأنه بين الجهة أولًا، ثم ذكر المسلمين عليهم، وأما على النسخة الثانية بلفظة "على" فيكون بيانًا لما تقدم من المسلمين عليهم، والله تعالى أعلم.

(قال أبو داود: سليمان بن موسى كوفي الأصل كان بدمشق) أي سكن الكوفة أولًا، ثم تحول إلى دمشق فكان بها، كما تقدم في ترجمته (قال أبو داود: ودلت هذه الصحيفة) (1) أي الصحيفة التي كتبها سمرة بن جندب إلى بنيه كما تقدم ذكرها في ترجمة سمرة (أن الحسن سمع من سمرة).

قلت: اختلف المحدثون في سماع الحسن عن سمرة، قال يحيى القطان وآخرون: هي كتاب، وأما رواية الحسن عن سمرة بن جندب ففي "صحيح البخاري" سماعًا منه لحديث العقيقة، وقد روي عنه نسخة كبيرة غالبها في السنن الأربعة، وعند علي بن المديني أن كلها سماع، وكذا حكى الترمذي عن البخاري.

ووقع في "مسند أحمد" في حديث هشيم قال: جاء رجل إلى الحسن فقال: إن عبدًا له ابق، وإنه نذر إن يقدر عليه أن يقطع يده فقال الحسن: حدثنا سمرة، الحديث، وهذا يقتضي سماعه منه بغير حديث العقيقة.

(1) وكتب المولوي عبد الجبار من أهل الحديث في مكتوبه: أن الشيخ حسين عرب اليمني البهوبالي كتب في بياضه المسمى بـ "نور العينين" أنه وقع في بعض النسخ الخطية لأبي داود: قال أبو داود: وحدثنا جعفر بن سعد- لا: سعيد- بن سمرة بن جندب قال: حدثني الحسن قال: سمعت سمرة بن جندب يقول في خطبته: أما بعد، فعلى صحة هذه النسخة يصح قول أبي داود: إن الصحيفة دلَّت على أن الحسن سمع من سمرة، وزال الإشكال، انتهى، كذا في"المكاتيب العلمية" لهذا العبد الفقير. (ش).

ص: 526