المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(140) (باب من رأى القراءة إذا لم يجهر) - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٤

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(118) بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ

- ‌(119) بَابُ افْتَتِاحِ الصَّلَاةِ

- ‌(120) بَابٌ

- ‌(121) بَابُ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ

- ‌(123) بَابُ مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ الدُّعَاءِ

- ‌(124) (بَابُ مَنْ رَأَى الاستِفْتَاحَ بِـ: سُبْحَانَكَ)

- ‌(125) بَابُ السَّكْتَةِ عِنْدَ الافْتِتَاحِ

- ‌(126) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الجَهْرَ بِـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌(127) بَابُ مَا جَاءَ منْ جَهَرَ بِهَا

- ‌(128) (باب تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِلأَمْرِ يَحْدُثُ)

- ‌(129) بَابُ مَا جَاءَ في نُقْصَانِ الصَّلَاةِ

- ‌(130) بابٌ: فِى تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ

- ‌(131) بَابُ مَا جَاءَ فِي القِرَاءَة في الظُّهْرِ

- ‌(132) بَابُ تَخْفِيفِ الأُخْرَيَيْنِ

- ‌(133) باب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌(134) بَابُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ في الْمَغْرِبِ

- ‌(135) (بَابُ مَنْ رَأَى التَّخْفِيفَ فِيهَا)

- ‌(136) بابُ الرَّجُلِ يُعِيدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِى الرَّكْعَتَيْنِ

- ‌(137) بَابُ القِرَاءَةِ في الفَجْرِ

- ‌(138) بَابُ مَنْ تَرَكَ القِرَاءَةَ في صَلاتِهِ

- ‌(139) بَابُ مَنْ كَرِهَ القِراءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا جَهَرَ الإِمَامُ

- ‌(140) (بَابُ مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَر)

- ‌(142) بَابُ تَمَامِ التَّكْبِيرِ

- ‌(143) بابٌ: كَيْفَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ

- ‌(144) بَابُ النُّهُوضِ في الفَرْدِ

- ‌(145) بَابُ الإِقْعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ

- ‌(146) بَابُ مَا جَاءَ في مَا يَقْولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوع

- ‌(147) بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(148) (بَابُ رَفْعِ النِّسَاءِ إِذَا كُنَّ مَعَ الإمَامِ رُؤوسَهُنَّ مِنَ السَّجْدَةِ)

- ‌(149) بَابُ طُولِ القِيامِ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(150) بَابُ صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(153) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ

- ‌(154) بَابٌ: في الدُّعَاءِ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(155) بَابُ الدُّعَاءِ في الصَّلَاةِ

- ‌(156) بَابُ مِقْدَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(157) (بَابُ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمَامَ سَاجِدًا كَيْفَ يَصْنَعُ

- ‌(158) بَابٌ: في أَعْضَاءِ السُّجُودِ

- ‌(159) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ

- ‌(160) (بَابُ صِفَةِ السُّجُودِ)

- ‌(161) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(162) بَابٌ: في التَّخَصُّرِ وَالإِقْعَاءِ

- ‌(163) بَابٌ: في الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(164) بَابُ كَرَاهِيَّةِ الوَسْوَسَةِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(165) بَابُ الفَتْحِ عَلَى الإِمَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(166) بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّلْقِينِ

- ‌(167) بَابُ الالْتِفَاتِ في الصَّلَاةِ

- ‌(168) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ

- ‌(169) بَابُ النَّظَرِ في الصَّلَاةِ

- ‌(170) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(171) بَابٌ: في الْعَمَلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(172) بَابُ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(173) بَابٌ في تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(174) بَابُ التَّأْمِينِ وَرَاءَ الإِمَامِ

- ‌(175) بَابُ التَّصْفِيقِ في الصَّلَاةِ

- ‌(176) بَابُ الإِشِارَةِ في الصَّلَاةِ

- ‌(177) بَابٌ: في مَسْحِ الْحَصَى في الصَّلَاةِ

- ‌(178) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا

- ‌(179) بَابُ الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ في الصَّلَاةِ عَلَى عَصًا

- ‌(180) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(181) بَابٌ: في صَلَاةِ القَاعِدِ

- ‌(182) بَابٌ كَيْفَ الْجُلُوسُ في التَّشَهُّدِ

- ‌(183) بَابُ مَنْ ذَكرَ التَّوَرُّكَ في الرَّابِعَةِ

- ‌(184) بَابُ التَّشَهُّدِ

- ‌(185) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(186) بَابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(187) بَابُ إِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ

- ‌(188) بَابُ الإِشَارَةِ في التَّشَهُّدِ

- ‌(189) بَابُ كرَاهِيَّةِ الاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ في الصَّلَاةِ

- ‌(190) بَابٌ: في تَخْفِيفِ القُعُودِ

- ‌(191) بَابٌ: في السَّلَامِ

- ‌(192) بَابُ الرَّدِّ عَلَى الإِمَامِ

- ‌(193) بَابُ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

- ‌(194) بَابُ حَذْفِ السَّلَامِ

- ‌(195) بَابٌ: إِذَا أَحْدَثَ في صَلاتِهِ

- ‌(196) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَتَطَوَّعُ في مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ

- ‌(197) بَابُ السَّهْوِ في السَّجدتَيْنِ

- ‌(198) بَابٌ: إِذَا صَلَّى خَمْسًا

- ‌(201) بَابُ مَنْ قَالَ: بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(202) بَابُ مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ

- ‌(203) بَابُ مَنْ نَسِيَ أَنْ يَتَشهَّدَ وَهُوَ جَالِسٌ

- ‌(204) بَابُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وتَسْلِيمٌ

- ‌(205) بَابُ انْصِرافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(206) بَابٌ: كيْفَ الانْصِرَافُ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(207) بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ التَّطوُّعَ في بَيْتِهِ

- ‌(208) بَابُ مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ

الفصل: ‌(140) (باب من رأى القراءة إذا لم يجهر)

(140)

باب مَنْ رَأَى (1) القِرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَر

827 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِىُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. (ح): وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِىُّ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، الْمَعْنَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَرَأَ خَلْفَهُ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:«أَيُّكُمْ قَرَأَ؟ » .

===

أبي هريرة أو من غيره من الصحابي حكمًا كالحديث المرفوع حكمًا، فالعجب من بعض المحدثين الذين قالوا: إن هذا الكلام من كلام الزهري، كيف حكموا بأنه من كلام الزهري مع أنه لا دليل عليه ولا قرينة، بل الدليل على خلافه ظاهر، والله تعالى أعلم.

(140)(بَابُ مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَر)

هذه الترجمة موجودة في جميع النسخ الموجودة إلَّا في نسخة "عون المعبود"، فإنها ليست فيها هاهنا ترجمة، وفي النسخة المجتبائية على حاشيتها "باب من لم ير القراءة إذا لم يجهر"، والأحاديث المذكورة في الباب تناسب هذه الترجمة لا الترجمة المذكورة في المتن.

827 -

(حدثنا أبو الوليد الطيالسي، نا شعبة، ح: وحدنا محمد بن كثير العبدي، أنا شعبة، المعنى) أي معنى حديث أبي الوليد عن شعبة وحديث محمد بن كثير عن شعبة واحد، وإن كان في بعض ألفاظهما اختلاف (عن قتادة، عن زرارة، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر فجاء رجل فقرأ خلفه بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}) وهذا يدل على أن قراءته كانت سرّا، لأن صلاة الظهر سرية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سرًّا، فبعيد من الصحابي أن يجهر بالقراءة، ولكن لما كان يهمس بها صار سببًا للمخالجة.

(فلما فرغ) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة (قال: أيكم قرأ؟ ) أي معي في

(1) وفي نسخة: "من لم ير".

ص: 256

قَالُوا: رَجُلٌ، قَالَ:"قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ بَعْضَكَمْ خَالَجَنيهَا". [م 398، ن 917، حم 4/ 426]

===

الصلاة (قالوا: رجل) أي قرأ رجل واحد، ولم يقرأ الجماعة (قال: قد عرفت أن بعضكم خالجنيها) أي نازعني القراءة، وهذا الحديث يدل على منع القراءة خلف الإِمام مطلقًا.

وأما قول البيهقي في "كتاب القراءة خلف الإِمام"(1): ثم إن كان كره النبي صلى الله عليه وسلم من قراءته شيئًا، فإنما كره جهره بالقراءة خلف الإِمام، ألا تراه قال: أيكم قرأبـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ؟ فلولا أنه رفع صوته بقراءة هذه السورة وإلَّا لم يسم له ما قرأ، انتهى، فبعيد، لأنه تقدم أن هذه القصة وقعت في صلاة الظهر وهي سرية، وأما المخالجة فلا يلزم أن يكون من رفع الصوت، بل يمكن أن تكون هذه المخالجة من ارتكاب المكروه من بعض من خلفه، وهو القراءة خلفه.

ونظيره ما رواه النسائي (2) من طريق شبيب بن أبي الروح عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فقرأ الروم، فالتبس عليه، فلما صلى قال: ما بال أقوام يصلون معنا لا يحسنون الطهور، وإنما يلبس علينا القرآن أولئك".

قال الحافظ ابن حجر (3): إسناد حديث شبيب حسن، فكما لبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم تركهم إحسان الطهور، كذلك أثر في قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءتهم السرية، وصار سببًا للمخالجة بكونها غير مأذونة فيها لا بخصوص جهرها، ويحتمل أن يكون قرأها سرًّا ، ولشدة همسه وقعت المخالجة.

وأما تسمية السورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فغير ثابت، فأما الحجاج بن أرطأة

(1)(ص 166).

(2)

"سنن النسائي"(947).

(3)

انظر: "مرقاة المفاتيح"(2/ 20).

ص: 257

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ في حَدِيثِهِ: قَال شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: أَلَيْسَ قَوْل سَعِيدٍ: أَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ؟ قَال: ذَاكَ إِذَا جَهَرَ بِهِ.

===

روى عن قتادة هذا الحديث ولفظه: "فلما فرغ قال: من ذا الذي يخالجني؟ "، وروى شبابة وأبو الوليد الطيالسي ومحمد بن كثير العبدي عن شعبة، عن قتادة ولفظه:"فجاء رجل فقرأ خلفه بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، فلما فرغ قال: أيكم قرأ؟ "، ليس فيه ذكر السورة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم ذكره عمران بن حصين الراوي، وأما سعيد بن أبي عروبة فروى عن قتادة هذا الحديث، وفيه:"فلما انفتل قال: أيكم قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ " فلما اختلف فيها ولم يذكره أكثر الرواة فلم يثبت.

(قال أبو داود: قال أبو الوليد في حديثه: قال شعبة: فقلت لقتادة: أليس قول سعيد: أنصت للقرآن؟ قال) قتادة: (ذاك) أي الحكم بالإنصات (إذا جهر) الإِمام (به) أي بالقرآن.

حاصله: أن شعبة حين سمع هذه الرواية من شيخه قتادة، وكانت صريحة في النهي عن القراءة في السرية والجهرية، سأل شيخه قتادة أنك تقرأ في السرية مع أن شيخك سعيد بن المسيب أمر بالإنصات مطلقًا، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، فكيف تخالفه؟ فأجاب قتادة أن الأمر بالإنصات منه مخصوص بما إذا جهر الإِمام، وأما إذا كانت قراءته سرًّا فلا يحكم بالإنصات، وأنت تعلم أنه تخصيص لعموم اللفظ من غير مخصص، بل الحديث الذي رواه يدل على خلافه.

فما قال صاحب "عون المعبود"(1): فالإنصات للقرآن على قول سعيد بن المسيب يشتمل الصلاة الجهرية والسرية، وفي حديث عمران أن الرجل قرأ في صلاة الظهر خلف النبي صلى الله عليه وسلم بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، ففي الظاهر قول سعيد يخالف حديث عمران، هذا معنى قول شعبة، غلط ظاهر،

(1) انظر: (3/ 56).

ص: 258

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ في حَدِيثِهِ: قَالَ: قُلْتُ لِقَتَادَةَ: كَأَنَّهُ كَرِهَهُ. قَالَ: لَوْ كَرِهَهُ نَهَى عَنْهُ.

===

لأن قول سعيد بن المسيب كما أنه يشمل الصلاة الجهرية والسرية كذلك حديث عمران يدل على كراهة القراءة خلف الإِمام في السرية والجهرية، فلا مخالفة بينهما أصلًا، فليس معنى قول شعبة إلَّا ما قلنا، وهكذا نقل الشيخ محمد يحيى رحمه الله عن شيخه مولانا الشيخ رشيد أحمد الكَنكَوهي - رحمه الله تعالى-.

وقال البيهقي في معنى هذا الكلام: قال الإِمام أحمد رحمه الله: قوله: "ذاك إذا جهر به" يحتمل أن يكون راجعًا إلى الإِمام، ويحتمل أن يكون راجعًا إلى المأموم، يعني إنما لا يجوز للمأموم قراءته إذا جهر بالقرآن، فأما إذا قرأه في نفسه فلا يكون مخالفًا للإنصات، انتهى.

(وقال ابن كثير في حديثه: قال) شعبة: (قلت لقتادة: كأنه) صلى الله عليه وسلم (كرهه) أي القراءة خلف الإِمام (قال) قتادة: (لو كرهه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة (نهى عنه).

حاصل هذا الكلام أن شعبة لما سمع هذا الحديث عن شيخه قتادة سأله أن لفظ الحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره القراءة خلفه، فأجاب قتادة أنه صلى الله عليه وسلم لم يكره القراءة، لأنه لو كرهها لنهى عنه، ولما لم ينه عنه علم أنه لم يكرهها، وأنت تعلم أن التنبيه على علة الحكم وهي المخالجة، فإنه علة للكراهة تنصيص على الحكم وإن لم يصرح به، مع أن قول قتادة هذا مخالف للكلام السابق، فإنه يدل على أن الكراهة عند الجهر ثابت عنده، وهذا الكلام ينفي الكراهة مطلقًا، فلو كان المراد الإنكار عن النهي الصريح، فلا يلزم أن يكون صريحًا، وإن كان المراد الإنكار عن النهي والكراهة مطلقًا، فهو غلط، لأنه موجود كما فهمه شعبة بتنصيص العلة، وعلى كل حال قول قتادة في نفي الكراهة غير موجه.

وقد ورد النهي عن القراءة خلف الإِمام صراحة في حديث حجاج بن

ص: 259

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أرطاة عن قتادة، أخرجه البيهقي في "كتاب القراءة"(1)، والدارقطني (2) من طريق سلمة بن الفضل، نا الحجاج بن أرطاة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس ورجل يقرأ خلفه، فلما فرغ قال: من ذا الذي يخالجني سورتي؟ فنهى عن القراءة خلف الإِمام".

ثم نقل تضعيفه بقوله: قال ابن صاعد -وهو يحيى بن محمد بن صاعد-: قوله: "فنهى عن القراءة خلف الإِمام" تفرد بروايته حجاج، وقد رواه عن قتادة شعبة وابن أبي عروبة ومعمر وإسماعيل بن أبي مسلم وحجاج بن حجاج وأيوب بن أبي مسكين وهمام وأبان وسعيد بن بشير، فلم يقل أحد منهم ما تفرد به حجاج.

ثم أخرج البيهقي حديث الدارقطني فذكره بإسناده نحوه، ثم قال: قال الدارقطني: قوله: فنهاهم عن القراءة خلف الإِمام، وهم من الحجاج.

ثم قال البيهقي في آخر البحث: وفي هذا دلالة على أن قوله: "فنهى عن القراءة خلف الإِمام" توهم من الحجاج بن أرطاة، لا أنه سمعه من قتادة، وللحجاج من أمثال ذلك ما لا يمكن ذكره هاهنا لكثرته، ولذلك سقط عند أهل العلم بالحديث عن حد الاحتجاج به، قال يحيى بن معين: حجاج بن أرطاة لا يحتج بحديثه، وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه، انتهى.

قلت: وفيما قال البيهقي من تضعيف حجاج بن أرطاة نظر، فإنه قال في "ميزان الاعتدال" (3): وقد طول ابن حبان وابن عدي ترجمته وأفادا: وأكثر ما نقم عليه التدليس، وفيه تنبيه لا يليق بأهل العلم، وكان أحمد يقول: كان من الحفاظ، وروى أبو غالب عن أحمد قال: كان الحجاج حافظًا، قيل له:

(1) انظر: "السنن الكبرى"(2/ 162).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 326).

(3)

(1/ 460).

ص: 260

828 -

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَلَمَّا انْفَتَلَ قَالَ:«أَيُّكُمْ قَرَأَ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}؟ فَقَالَ (1) رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ: «عَلِمْتُ (2) أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» . [م 398]

===

ليس هو بذاك؟ قال: لأن في حديثه زيادة على حديث الناس، وقال شعبة: اكتبوا عن حجاج بن أرطاة وابن إسحاق فإنهما حافظان.

وقال في "تهذيب التهذيب"(3): قال ابن عيينة: سمعت ابن أبي نجيح يقول: ما جاءنا منكم مثله، يعني الحجاج بن أرطاة، وقال الثوري: عليكم به، فإنه ما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه، وقال العجلي: كان فقيهًا، وكان أحد مفتي الكوفة، وكان فيه تنبيه، يقول: أهلكني حبُّ الشرف، وكان جائز الحديث إلَّا أنه صاحب إرسال، وكان يرسل عن يحيى بن أبي كثير ومكحول ولم يسمع منهما، وإنما يعيب الناس منه التدليس، وقال البزار: كان حافظًا مدلسًا، وكان معجبًا بنفسه، وكان شعبة يثني عليه، ولا أعلم أحدًا لم يروِ عنه، يعني ممن لقيه إلَّا عبد الله بن إدريس، انتهى ملخصًا، فعلم بهذا أن ترك الناس إياه كان لتدليسه، وكان حافظًا، فتقبل، والله أعلم.

828 -

(حدثنا ابن المثنى، نا ابن أبي عدي، عن سعيد) بن أبي عروبة، (عن قتادة، عن زرارة) بضم الزاي، ابن أوفى، (عن عمران بن حصين) مصغرًا (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فلما انفتل) أي انصرف عن الصلاة (قال: أيكم قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ فقال رجل: أنا) أي أنا قرأتها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (علمت أن بعضكم خالجنيها) أي: خالجني في القراءة.

(1) وفي نسخة: "قال".

(2)

وفي نسخة: "قد علمت".

(3)

(2/ 196).

ص: 261

(141)

بَابُ مَا يُجِزِئُ الأُمِّيَّ والأَعْجَمِيَّ (1) مِنَ القَرِاءَةِ

829 -

حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَفِينَا الأَعْرَابِىُّ

===

(141)

(بَابُ ما يجزئ) أي ما يكفي (الأُمي) أي الذي لا يكتب ولا يحسب، ويكون على أصل ولادة أمه لم يتعلم الكتابة والحساب (والأعجمي) قال في "المجمع": الأعجم والأعجمي: من لا يفصح ولو عربيًّا، منسوب إلى العجم (من القراءة) أي فإنهما لا يقدران على قراءة القرآن فأي شيء يجزئ لهم عن قراءته

829 -

(حدثنا وهب بن بقية، أنا خالد، عن حميد الأعرج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر (2) بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن) الواو حالية (نقرأ القرآن وفينا) أي في جماعة الصحابة الموجودين (الأعرابي) وهو البدوي، ويجمع على الأعراب والأعاريب، والنسبة إلى الأعراب أعرابي.

قال سيبويه: إنما قيل في النسب إلى الأعراب: أعرابي، لأنه لا واحد له على هذا المعنى، ألا ترى أنك تقول: العرب، فلا يكون على هذا المعنى.

وحكى الأزهري: رجل عربي إذا كان نسبه في العرب ثابتًا وإن لم يكن فصيحًا، وجمعه العرب، كما يقال: رجل مجوسي ويهودي، والجمع بحذف ياء النسبة اليهود والمجوس، ورجل معرب إذا كان فصيحًا وإن كان عجمي

(1) وفي نسخة: "والعجمي".

(2)

قال أحمد بحديث الباب كما في "المغني"(2/ 159). (ش).

ص: 262

وَالْعَجَمِيُّ (1) فَقَالَ: "اقْرَأُوا فكلٌّ حَسَنٌ، وَسَيَجِيءُ أَقْوامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقِدْحُ، يَتَعَجَّلُونَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ". [حم 3/ 397]

===

النسب، ورجل أعرابي بالألف إذا كان بدويًّا، سواء كان من العرب أو من مواليهم.

والأعرابي إذا قيل له: يا عربي فرح بذلك، وهشّ له، والعربي إذا قيل له: يا أعرابي غضب له، فمن نزل البادية أو جاور البادين وظعن بظعنهم وانتوى بانتوائهم فهم أعراب، ومن نزل بلاد الريف، واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها ممن ينتمي إلى العرب فهم عرب وإن لم يكونوا فصحاء.

(والعجمي فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا) أي القرآن كما تقرؤون (فكل) أي فقراءة كلكم (حسن) يعني قراءة الأعرابي والعجمي، وإن كان باعتبار خروج الألفاظ عن مخارجها وقواعد لسان العرب غير مستقيمة، ولكن باعتبار ترتب الثواب عليها والقبول عند الله معتبرة.

(وسيجيء أقوام يقيمونه)(2) أي يبالغون في عمل القراءة كمال المبالغة، ويجهدون كمال الجهد في إصلاح الألفاظ ومراعاة القواعد ومراعاة صفات ألفاظه، وليس غرضهم بهذا إلَّا طلب الدنيا رياء وسمعة ومباهاة وشهرة (كما يقام القدح) وهو السهم قبل أن يراش.

قال الطيبي: وفي الحديث رفع الحرج، وبناء الأمر على المساهلة في الظاهر، وتحري الحسبة، والإخلاص في العمل، والتفكر في معاني القرآن، نقله القاري (3).

(يتعجلونه) أي يؤثرون العاجلة على الآجلة، ويطلبون ثوابه في الدنيا (ولا يتأجلونه) بطلب الأجر في العقبى.

(1) وفي نسخة: "والأعجمي".

(2)

بسطه ابن رسلان، ونقل عن جماعة أن المبالغة في القراءة من مكايد الشيطان. (ش).

(3)

"مرقاة المفاتيح"(5/ 12).

ص: 263

830 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ (1) ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ وَفَاءِ بْنِ شُرَيْحٍ الصَّدَفِىِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَنَحْنُ نَقْتَرِئُ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ، كِتَابُ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَفِيكُمُ الأَحْمَرُ، وَفِيكُمُ الأَبْيَضُ، وَفِيكُمُ الأَسْوَدُ، اقْرَءُوهُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَوَّمُ السَّهْمُ، يَتَعَجَّلُ أَجْرَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُهُ» . [حم 5/ 338، حب 757]

831 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحَ، نَا سُفْيَانُ

===

830 -

(حدثنا أحمد بن صالح، نا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري (و) عبد الله (بن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن وفاء بن شريح الصدفي، عن سهل بن سعد الساعدي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا ونحن نقترئ) أي نقرأ القرآن (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله) على توفيقه إياكم لقراءة القرآن (كتاب الله واحد) وقارؤوه مختلفون باختلاف ألسنتهم (وفيكم) أي في جماعتكم من القراء (الأحمر)(2) وهم العرب (وفيكم الأبيض)(3) وهم الروم (وفيكم الأسود) وهم الحبشة (اقرؤوه) أي القرآن (قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه) أي يسددونه (كما يُقَوَّمُ) أي يسدد (السهم، يتعجل أجره) في الدنيا، لأن قراءته لتحصيل حطام الدنيا (ولا يتأجله) أي ليس غرضهم أن يطلبوا أجر القراءة من الله تعالى في الآخرة.

831 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع بن الجراح، نا سفيان

(1) زاد في نسخة: "قال".

(2)

أهل الشام، لأن الغالب على ألوانهم العمرة، أو لأن غالب أموالهم الذهب، "ابن رسلان". (ش).

(3)

أهل فارس لبياض لونهم أو كثرة الفضة، "ابن رسلان". (ش).

ص: 264

الثَّوْرِىُّ، عَنْ أَبِى خَالِدٍ الدَّالَانِىِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّى لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا،

===

الثوري، عن أبي خالد الدالاني) هو يزيد بن عبد الرحمن، (عن إبراهيم) بن عبد الرحمن (السكسكي، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل) لم أقف على تسميته (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا) يعني به ما يجعله وردًا (1) له، لا أن المراد من الإجزاء هو الإجزاء عن القراءة في الصلاة، فإن تعلم ما تجزئ به الصلاة من القرآن فرض، وأما في مدة ما يتعلم فإنه يكتفي بالتحميدة والتسبيحة، وهاهنا لم يكن كذلك، فإنه كان تعلم ما لا بد منه في الصلاة، إذ لولا ذلك لأمره بتعلم هذا القدر منه، ولم يكتف على تعليم ما اكتفى به، هكذا نقل مولانا محمد يحيى رحمه الله عن شيخه الكَنكَوهي - قدس سره -.

ونقل صاحب "عون المعبود"(2) عن شارح "المصابيح": قال "صاحب المصابيح": اعلم أن هذه الواقعة لا تجوز أن تكون في جميع الأزمان، لأن من يقدر على تعلم هذه الكلمات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة، بل تأويله لا أستطيع أن أتعلم شيئًا من القرآن في هذه الساعة، وقد دخل علىَّ وقت الصلاة، فإذا فرغ من تلك الصلاة لزمه أن يتعلم، انتهى.

قال القاري (3) عن الطيبي بعد ذكر التأويل الأول: وتوهم بعضهم من إيراد هذا الحديث في هذا الباب أن هذه القصة في الصلاة، فقال: لا يجوز ذلك في جميع الأزمنة، لأن من قدر على تعلم هذه الكلمات يقدر على تعلم فاتحة الكتاب [لا محالة] بل تأويله أني لا أستطيع أن أتعلم شيئًا من القرآن في هذه

(1) ويؤيد ذلك ما في "الترغيب"(2/ 430): قد عالجت القرآن فلم أستطعه، وأوضح منه ما فيه عن أنس قال: جاء رجل بدوي فقال: يا رسول الله علمني خيرًا، الحديث. (ش).

(2)

(3/ 60 - 61).

(3)

"مرقاة المفاتيح"(2/ 304).

ص: 265

فَعَلِّمْنِى مَا يُجْزِئُنِى مِنْهُ، فقَالَ (1) «قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّهِ (2)» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، هَذَا لِلَّهِ، فَمَا لِى؟

===

الساعة، وقد دخل عليَّ وقت الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل: سبحان الله

إلخ"، فمن دخل عليه وقت صلاة مفروضة، ولم يعلم الفاتحة، وعلم شيئًا من القرآن، لزمه أن يقرأ بقدر الفاتحة عدد آيات وحروف، فإن لم يعلم شيئًا منه يقول هذه الكلمات، وفيه بُعدٌ، لأن عجز العربي المتكلم بمثل هذا الكلام عن تعلم ما تصح به صلاته من القرآن مستبعد جدًّا، وَأَنّى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص له بالاكتفاء على التسبيح على الإطلاق من غير أن يبين ما له وما عليه، انتهى.

ثم قال في آخر البحث: ثم الظاهر أنه في الصلاة مطلقًا لما مر من حديث رفاعة للترمذي في كتاب صفة الصلاة، قال:"إذا قصت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله به، ثم تشهد، فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلَّا فاحمد الله وكبره وهلله، ثم اركع"، فالأولى أن يحمل الحديثان على أول الأمر الذي كان بناؤه على المساهلة والتيسير، والله أعلم.

قلت: وفي سند هذا الحديث أبو خالد الدالاني، قال ابن حجر فيه: صدوق، يخطئ كثيرًا، وكان يُدَلِّسُ، وفيه إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي، قال فيه: صدوق ضعيف الحفظ، فالحديث ضعيف.

(فعلمني ما يجزئني) أي يكفيني (منه) أي من وِرْدِ القرآن أو من القراءة في الصلاة، (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلَّا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا) أي ما ذكر من الكلمات (لله) أي مختص له (فما) ذا (لي؟ ) أي علمني شيئًا يكون فيه دعاء

(1) وفي نسخة: "قال".

(2)

زاد في نسخة: "العلي العظيم".

ص: 266

قَالَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى وَارْزُقْنِى وَعَافِنِى وَاهْدِنِى» ، فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلأَ يَدَهُ (1) مِنَ الْخَيْرِ» . [ن 924، حم 4/ 382، خزيمة 544، ق 2/ 381]

===

واستغفار ينفعني (قال: قل: اللَّهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني، فلما قام) ذاك الرجل (قال) أي فعل ذلك الرجل (هكذا بيده) أي: أشار إشارة مثل هذه الإشارة المحسوسة، وفي نسخة "المشكاة" بعد قوله: هكذا بيديه "وقبضهما".

قال القاري في "شرحه"(2): فقيل: أي عدّ الكلمات بأنامله، وقبض كل أنملة بعدد كل كلمة، قال ابن حجر: ثم بين الراوي المراد بالإشارة بهما، فقال: وقبضهما، أي إشارة إلى أنه يحفظ ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يحفظ الشيء النفيس بقبض اليد عليه، وظاهر السياق أن المشير هو المأمور، أي حفظت ما قلت لي، ويؤيده قول الراوي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا) أي الرجل (فقد ملأ يده من الخير) ويصح أن يكون المشير هو عليه السلام حملًا له على الامتثال والحفظ لما أمر به، وحينئذ فيكون معنى قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه فهم من ذلك الرجل الامتثال فبشره ومدحه بأنه ظفر بما لم يظفر به غيره.

ونقل مولانا محمد يحيى المرحوم عن شيخه في كيفية الإشارة قال: هكذا بيده، كما يفعله الفرح بوجدان شيء عزيز الوجود بتحريك يديه، كأنه يشير إلى امتلائهما بذلك الشيء، انتهى.

وقد أخرج الإِمام أحمد هذا الحديث في "مسنده" وفيه بعد قوله: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني: "ثم أدبر وهو ممسك فيه"، وهذا السياق يدل على أن ما قال بعض الشراح في سياق أبي داود في شرح قوله:"قال هكذا بيده": يصح أن يكون المشير هو صلى الله عليه وسلم، غير صحيح، فإن في سياق حديث الإِمام

(1) وفي نسخة: "يديه".

(2)

"مرقاة المفاتيح"(2/ 304).

ص: 267

832 -

حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ - يَعْنِى الْفَزَارِىَّ -، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:"كُنَّا نُصَلِّى التَّطَوُّعَ نَدْعُو قِيَامًا وَقُعُودًا، وَنُسَبِّحُ رُكُوعًا وَسُجُودًا".

833 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ مِثْلَهُ، لَمْ يَذْكُرِ التَّطَوُّعَ، قَالَ:"كَانَ الْحَسَنُ يَقْرَأُ فِى الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِمَامًا (1) - أَوْ خَلْفَ إِمَامٍ - بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (2) ، وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ قَدْرَ (3) {ق} وَ {وَالذَّارِيَاتِ} ".

===

أحمد تصريحًا بأن الإشارة باليدين كانت من هذا الرجل لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

832 -

(حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، أنا أبو إسحاق - يعني الفزاري-، عن حميد، عن الحسن (4)، عن جابر بن عبد الله قال) جابر:(كنا نصلي التطوع ندعو قيامًا وقعودًا) أي في حالة القيام والقعود، قيل: الحديث يدل على أنه يكفي الدعاء في صلاة التطوع، وأن القراءة ليست بفرض فيها، قلت: لا دلالة في الحديث على ذلك، والحديث لا ينفي القراءة، بل إنما يدل على أنهم كانوا يدعون في القيام والقعود، والدعاء ليس بمنهي عنه في الصلاة، فيدعو حيث شاء منها (ونسبح ركوعًا وسجودًا) أي نسبح في حالة الركوع والسجود.

833 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن حميد مثله) أي مثل الحديث الذي رواه أبو إسحاق عن حميد، (لم يذكر) حماد عن حميد (التطوع) كما ذكره أبو إسحاق، فاختلفا في ذكر هذا اللفظ، فذكره أبو إسحاق، ولم يذكره حماد، (قال) حميد:(كان الحسن) البصري (يقرأ في الظهر والعصر إمامًا - أو خلف إمام- بفاتحة الكتاب، ويسبح وبكبر وبهلل قدر ق والذاريات).

(1) وفي نسخة: "إمام".

(2)

زاد في نسخة: "وسورة".

(3)

زاد في نسخة: "قراءة".

(4)

منقطع لأن الحسن لم يسمع عن جابر، "ابن رسلان". (ش).

ص: 268