المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(174) باب التأمين وراء الإمام - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٤

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(118) بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ

- ‌(119) بَابُ افْتَتِاحِ الصَّلَاةِ

- ‌(120) بَابٌ

- ‌(121) بَابُ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ

- ‌(123) بَابُ مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ الدُّعَاءِ

- ‌(124) (بَابُ مَنْ رَأَى الاستِفْتَاحَ بِـ: سُبْحَانَكَ)

- ‌(125) بَابُ السَّكْتَةِ عِنْدَ الافْتِتَاحِ

- ‌(126) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الجَهْرَ بِـ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌(127) بَابُ مَا جَاءَ منْ جَهَرَ بِهَا

- ‌(128) (باب تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِلأَمْرِ يَحْدُثُ)

- ‌(129) بَابُ مَا جَاءَ في نُقْصَانِ الصَّلَاةِ

- ‌(130) بابٌ: فِى تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ

- ‌(131) بَابُ مَا جَاءَ فِي القِرَاءَة في الظُّهْرِ

- ‌(132) بَابُ تَخْفِيفِ الأُخْرَيَيْنِ

- ‌(133) باب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌(134) بَابُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ في الْمَغْرِبِ

- ‌(135) (بَابُ مَنْ رَأَى التَّخْفِيفَ فِيهَا)

- ‌(136) بابُ الرَّجُلِ يُعِيدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِى الرَّكْعَتَيْنِ

- ‌(137) بَابُ القِرَاءَةِ في الفَجْرِ

- ‌(138) بَابُ مَنْ تَرَكَ القِرَاءَةَ في صَلاتِهِ

- ‌(139) بَابُ مَنْ كَرِهَ القِراءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا جَهَرَ الإِمَامُ

- ‌(140) (بَابُ مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ إِذَا لَمْ يَجْهَر)

- ‌(142) بَابُ تَمَامِ التَّكْبِيرِ

- ‌(143) بابٌ: كَيْفَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ

- ‌(144) بَابُ النُّهُوضِ في الفَرْدِ

- ‌(145) بَابُ الإِقْعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ

- ‌(146) بَابُ مَا جَاءَ في مَا يَقْولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوع

- ‌(147) بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(148) (بَابُ رَفْعِ النِّسَاءِ إِذَا كُنَّ مَعَ الإمَامِ رُؤوسَهُنَّ مِنَ السَّجْدَةِ)

- ‌(149) بَابُ طُولِ القِيامِ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجدَتَيْنِ

- ‌(150) بَابُ صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(153) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ

- ‌(154) بَابٌ: في الدُّعَاءِ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(155) بَابُ الدُّعَاءِ في الصَّلَاةِ

- ‌(156) بَابُ مِقْدَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

- ‌(157) (بَابُ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الإِمَامَ سَاجِدًا كَيْفَ يَصْنَعُ

- ‌(158) بَابٌ: في أَعْضَاءِ السُّجُودِ

- ‌(159) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ

- ‌(160) (بَابُ صِفَةِ السُّجُودِ)

- ‌(161) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(162) بَابٌ: في التَّخَصُّرِ وَالإِقْعَاءِ

- ‌(163) بَابٌ: في الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(164) بَابُ كَرَاهِيَّةِ الوَسْوَسَةِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(165) بَابُ الفَتْحِ عَلَى الإِمَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(166) بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّلْقِينِ

- ‌(167) بَابُ الالْتِفَاتِ في الصَّلَاةِ

- ‌(168) بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ

- ‌(169) بَابُ النَّظَرِ في الصَّلَاةِ

- ‌(170) بَابُ الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(171) بَابٌ: في الْعَمَلِ في الصَّلَاةِ

- ‌(172) بَابُ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌(173) بَابٌ في تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ في الصَّلَاةِ

- ‌(174) بَابُ التَّأْمِينِ وَرَاءَ الإِمَامِ

- ‌(175) بَابُ التَّصْفِيقِ في الصَّلَاةِ

- ‌(176) بَابُ الإِشِارَةِ في الصَّلَاةِ

- ‌(177) بَابٌ: في مَسْحِ الْحَصَى في الصَّلَاةِ

- ‌(178) بَابُ الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا

- ‌(179) بَابُ الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ في الصَّلَاةِ عَلَى عَصًا

- ‌(180) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ

- ‌(181) بَابٌ: في صَلَاةِ القَاعِدِ

- ‌(182) بَابٌ كَيْفَ الْجُلُوسُ في التَّشَهُّدِ

- ‌(183) بَابُ مَنْ ذَكرَ التَّوَرُّكَ في الرَّابِعَةِ

- ‌(184) بَابُ التَّشَهُّدِ

- ‌(185) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(186) بَابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ

- ‌(187) بَابُ إِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ

- ‌(188) بَابُ الإِشَارَةِ في التَّشَهُّدِ

- ‌(189) بَابُ كرَاهِيَّةِ الاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ في الصَّلَاةِ

- ‌(190) بَابٌ: في تَخْفِيفِ القُعُودِ

- ‌(191) بَابٌ: في السَّلَامِ

- ‌(192) بَابُ الرَّدِّ عَلَى الإِمَامِ

- ‌(193) بَابُ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

- ‌(194) بَابُ حَذْفِ السَّلَامِ

- ‌(195) بَابٌ: إِذَا أَحْدَثَ في صَلاتِهِ

- ‌(196) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَتَطَوَّعُ في مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ

- ‌(197) بَابُ السَّهْوِ في السَّجدتَيْنِ

- ‌(198) بَابٌ: إِذَا صَلَّى خَمْسًا

- ‌(201) بَابُ مَنْ قَالَ: بَعْدَ التَّسْلِيمِ

- ‌(202) بَابُ مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ

- ‌(203) بَابُ مَنْ نَسِيَ أَنْ يَتَشهَّدَ وَهُوَ جَالِسٌ

- ‌(204) بَابُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وتَسْلِيمٌ

- ‌(205) بَابُ انْصِرافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(206) بَابٌ: كيْفَ الانْصِرَافُ مِنَ الصَّلاةِ

- ‌(207) بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ التَّطوُّعَ في بَيْتِهِ

- ‌(208) بَابُ مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ

الفصل: ‌(174) باب التأمين وراء الإمام

قِيلَ: هَذَا الأَعْرَابِيُّ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي:"إِنَّمَا الصَّلَاةُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّه، فَإِذَا كُنْتَ فِيها فَلْيَكُنْ ذَلِكَ شَأْنَكَ"، فَمَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَطُّ أَرْفَقَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [ق 2/ 249]

(174) بَابُ التَّأْمِينِ وَرَاءَ الإِمَامِ

===

(قيل: هذا الأعرابي) وأشاروا إليَّ (فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر الله، فإذا كنت فيها) أي في الصلاة (فليكن ذلك) أي: قراءة القرآن وذكر الله تعالى لا كلام الناس (شأنك) أي حالك، (فما رأيت معلمًا قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم).

(174)

(بَابُ التَّأْمِينِ (1) وَرَاءَ الإمَامِ)

أي قول المصلي: آمين إذا قرأ الإِمام {وَلَا الضَّالِّينَ} ، وآمين هو بالمد والتخفيف في جميع الروايات، وعند جميع القراء، وحكى الواحدي عن حمزة والكسائي الإمالة فيها، وفيها ثلاث لغات أُخر، وهو من أسماء الأفعال مثل صه للسكوت، وتفتح في الوصل، لأنها مبنية بالاتفاق مثل كيف، وإنما لم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء، ومعناها اللَّهم استجب عند الجمهور، وقيل غير ذلك مما يرجع إلى هذا المعنى، فقيل: ليكن كذلك، وقيل: اقبل، وقيل: لا تخيب رجاءنا، وقيل: لا يقدر على هذا غيرك، وقيل: هو كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله إلَّا الله.

ولا خلاف في أن آمين ليس من القرآن حتى قالوا بارتداد من قال: إنه منه، وأنه مسنون في حق المنفرد والإمام والمأموم والقارئ خارج الصلاة، واختلف القراء في التأمين بعد الفاتحة إذا أراد ضم سورة إليها، والأصح أنه يأتي بها.

(1) قال ابن العربي (2/ 48): ليس في التأمين حديث صحيح، وبسط اختلاف أقوال المالكية فيه، وبسط الكلام عليه في آخر تفسير "الجمل"(8/ 463). (ش).

ص: 432

932 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ حُجْرٍ أَبِى الْعَنْبَسِ الْحَضْرَمِىِّ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَرَأَ

===

932 -

(حدثنا محمد بن كثير، أنا سفيان) الثوري، (عن سلمة) بن كهيل، (عن حجر (1) أبي العنبس) قال في "تهذيب التهذيب": حجر بن العنبس (الحضرمي) أبو العنبس، ويقال: أبو السكن الكوفي، وذكره ابن حبان في "الثقات" في التابعين، ثم قال في أتباع التابعين: حجر بن عنبس أبو العنبس، انتهى.

وحكى الترمذي (2) عن البخاري: أن شعبة أخطأ فيه فقال: عن حجر أبي العنبس، وإنما هو حجر بن العنبس، ويكنى أبا السكن، انتهى.

قلت: لكن يرده رواية أبي داود هذه فإن عنده في رواية سفيان الثوري أيضًا، عن حجر أبي العنبس، وقد تفحصنا نسخ أبي داود من الهندية والمصرية، فما وجدنا فيها إلَّا عن حجر أبي العنبس، وكذلك يرده ما قال ابن حبان: حجر بن العنبس أبو العنبس، وقال العيني: وجزم ابن حبان في "الثقات" فقال: كنيته كاسم أبيه، وقد ذكر له هذه الكنية الحافظ في "تهذيب التهذيب" و"التقريب" وكذلك قول البخاري: يكنى أبا السكن لا ينافي أن تكون كنيته أبا العنبس أيضًا، لأنه لا مانع أن يكون لشخص كنيتان.

(عن وائل بن حجر (3) قال: كان (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ

(1) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم "ابن رسلان". (ش).

(2)

"سنن الترمذي"(2/ 28).

(3)

ذكر ابن رسلان له قصة مع معاوية إذ أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم معه فلم يركبه خلفه، ثم لما ولي معاوية ذكره القصة. (ش).

(4)

يشكل مناسبة هذا الحديث والآتي بالترجمة. (ش).

ص: 433

{وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: "آمِينَ" وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ". [ت 248، جه 855، حم 4/ 316، قط 1/ 334، حب 1805، دي 1247]

===

{وَلَا الضَّالِّينَ} قال (1): آمين ورفع بها صوته) (2) وفي هذا الحديث دليل على أن الإِمام يؤمن خلافًا لمالك كما قال بعضهم عنه، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الإِمام لا يأتي به.

واستدل بعض المالكية لمالك: أن الإِمام لا يقولها لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإِمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين"، لأنه صلَّى الله تعالى عليه وسلم قسم ذلك بينه وبين القوم، والقسمة تنافي الشركة، وحملوا قوله صلَّى الله تعالى عليه وسلم:"إذا أمن الإِمام" على بلوغ موضع التأمين، وفي ظاهر الرواية عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى-: أن الإِمام والمأمومين وكذلك المنفرد يؤمنون في الصلاة وفي غيرها سرًّا، وبه قال الإِمام الشافعي - رحمه الله تعالى- في الجديد في المأمومين، وفي القديم يجهر.

قال في كتاب "الأم"(3): قال الشافعي: فإذا فرغ من قراءة أم القرآن قال: آمين، ورفع بها صوته ليقتدي به من كان خلفه، فإذا قالها قالوها، وأسمعوا أنفسهم، ولا أحب أن يجهروا بها، فإن فعلوا فلا شيء عليهم، هذا قوله الجديد.

وقال في "الإقناع"(4): والسادسة التأمين عقب الفاتحة بعد سكتة لطيفة لقارئها في الصلاة وخارجها للاتباع، ويسن في جهرية جهر بها، وأن يؤمن المأموم مع تأمين إمامه لخبر الصحيحين، وخرج بقي جهرية السرية، فلا جهر

(1) قال ابن رسلان: واستحب أصحابنا سكتة لطيفة قبله ليتميز عن القرآن، قال الشافعي: لو زاد لفظ رب العالمين ونحوه من الذكر بعده، فحسن. (ش).

(2)

قال ابن رسلان: احتج به الرافعي على الجهر به، وقال في "أماليه": يحتمل أن يراد به أنه تكلم بها على لغة المد. (ش).

(3)

(1/ 311).

(4)

(2/ 28 - 29).

ص: 434

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

بالتأمين فيها ولا معية بل يؤمِّن الإِمام وغيره سرًّا مطلقًا، وقال في حاشيته: قوله: مع تأمين إمامه، وليس في الصلاة ما تسن مقارنة الإِمام فيه غير التأمين، ولو قرأ معه وفرغا معًا كفى تأمين واحد، أو فرغ قبله قال البغوي: ينتظر، والمختار أو الصواب أنه يؤمن لنفسه ثم للمتابعة.

وقال في "روضة المحتاجين": وسن جهرٌ به في جهرية من إمام ومنفرد مأموم تبعًا لتأمين إمامه، فإن لم يؤمن الإِمام أو آخره عن وقته المندوب فيه أمن هو أي المأموم، ولو فاته التأمين مع تأمين الإِمام لم يتداركه بعده، ولو قرأ الفاتحة مع إمامه وفرغا معًا كفاه تأمين واحد عن تأمينه لقراءة نفسه ولقراءة إمامه، أو فرغ قبله أمن لنفسه، ثم يؤمن لقراءة إمامه، ولا ينتظر ليؤمن معه، وهذا على قوله القديم.

واختلفت الروايات عن مالك ففي أولاها: أن الإِمام يؤمن، وهي رواية المدنيين عنه، وثانيتها: رواية ابن القاسم عنه وهي المشهورة، لا يؤمن الإِمام في الجهرية، وعنه لا يؤمن مطلقًا.

وقال في "مختصر الأخضري": والتأمين بعد الفاتحة للفذ والمأموم، ولا يقولها الإِمام إلَّا في قراءة السر، وقول أحمد مثل قول الشافعي.

قال الترمذي (1): وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق.

وما ورد في رواية أبي هريرة بصيغة الأمر من قوله: "إذا أمَّن الإِمام فأمِّنوا"، وفي رواية:"إذا قال الإِمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فقولوا: آمين"، حمله الجمهور على الندب، وحكي عن بعض أهل العلم وجوبه

(1)"سنن الترمذي"(2/ 28).

ص: 435

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

على المأموم عملًا بظاهر الأمر، وأوجبته الظاهرية على كل من يصلي، وقالت الرافضة: إنه بدعة تفسد به الصلاة.

وهذا الحديث رواه سفيان وشعبة عن سلمة بن كهيل، عن حجر، عن وائل، فقال سفيان: ورفع بها صوته، وقال شعبة (1): وخفض بها صوته.

واستدل الإِمام الشافعي رحمه الله ومن وافقهم في الجهر بآمين بحديث سفيان ورجحوه بوجوه.

أولها: قال الترمذي: سمعت محمدًا البخاري يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا، وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث، فقال: عن حجر أبي العنبس، وإنما هو حجر بن العنبس، ويكنى أبا السكن.

قلت: وقد علمت بما تقدم أن هذا ليس بخطأ، لأنه كما هو ابن العنبس كذلك هو أبو العنبس، وكما يكنى (2) أبا السكن كذلك يكنى أبا العنبس.

ثم قال: وزاد فيه عن علقمة بن وائل، وليس فيه عن علقمة، وإنما هو حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر.

قلت: زيادة الثقة مقبولة ولا يستبعد أن تكون رواية حجر عنهما جميعًا، فروى بواسطة علقمة بالنزول، ثم روى عن أبيه بلا واسطة.

ثم قال: وقال: وخفض بها صوته وإنما هو مد بها صوته.

قلت: وهذا دعوى ليس مبناه إلَّا على ظنه من غير دليل يدل عليه.

وأيضًا قال الترمذي: سألت أبا زرعة عن هذا الحديث؟ فقال: حديث سفيان في هذا أصح، ثم استدل عليه، وقال: روى العلاء بن صالح الأسدي

(1) وحديث شعبة صححه الحاكم في التفسير على شرطهما، وأقره عليه الذهبي. [انظر:"المسدرك"(2/ 232)]. (ش).

(2)

ولا مانع من أن يكون له كنيتان. "ابن رسلان". (ش).

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان، فتأيدت رواية سفيان برواية العلاء بن صالح عن سلمة، وترجحت على رواية شعبة.

قلت: حديث سفيان وحديث شعبة كلاهما حديثان صحيحان، من أخبار الآحاد، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر بكثرة الرواة ما داما في مرتبة الآحاد، فإن الحديث الصحيح الذي رواه وإحد حقيق بالاحتجاج مثل الحديث الصحيح الذي رواه أكثر من واحد ما دام في مرتبة الآحاد.

وثانيها: قال البيهقي: لا أعلم اختلافًا بين أهل العلم بالحديث، قالوا: إن سفيان وشعبة إذا اختلفا فالقول قول سفيان، وقال يحيى بن سعيد: ليس أحد أحب إليَّ من شعبة، ولا يعدله عندي أحد، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان.

قلت: هذا قول القطان، فدعوى الإجماع على هذا القول ليس بصحيح، فإن الحافظ ابن حجر قال في "تهذيب التهذيب" (1): قال أبو طالب عن أحمد: وشعبة أحسن حديثًا عن الثوري، لم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث، ولا أحسن حديثًا منه، قسم (2) له من هذا حظ، وقال محمد بن العباس النسائي: سألت أبا عبد الله: من أثبت، شعبة أو سفيان؟ فقال: كان سفيان رجلًا حافظًا، وكان رجلًا صالحًا، وكان شعبة أثبت منه، وأتقى رجلًا، وقال ابن مهدي: كان الثوري يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث، وقال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد: أيما كان أحفظ للأحاديث الطوال، سفيان أو شعبة؟ فقال: كان شعبة أمرَّ فيها.

وثالثها: أن شعبة قال: سفيان أحفظ مني.

(1)(4/ 343).

(2)

وقع في الأصل: "فتم"، وهو تحريف، والتصويب من "تهذيب التهذيب"(4/ 343)، و"تهذيب الكمال"(3/ 390).

ص: 437

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قلت: وقد تقدم قول سفيان أنه قال: شعبة أمير المؤمنين في الحديث، وسفيان أيضًا داخل في المؤمنين، وأيضًا قد تقدم من قول يحيى بن سعيد: إن شعبة أحفظ للأحاديث الطوال، ولو سلم فمحمول على المسائل الفقهية، فإنه قال في "تذكرة الحفاظ" (1): قال ابن المديني: شعبة أحفظ للمشايخ، وسفيان أحفظ للأبواب.

ورابعها: أن أبا الوليد الطيالسي رواه عن شعبة بوفاق الثوري في "سننه"(2).

قلت: وهذا لا يقتضي الترجيح، فقد قدمنا أن الحديثين صحيحان ولا تعارض بينهما، فيحتاج إلى الترجيح، وقول البيهقي: يحتمل أن يكون تنبه لذلك فعاد إلى الصواب في متنه، وترك ذكر علقمة في إسناده مبنيٌّ على احتمال ليس له أصل، ولو كان كذلك لرده المحدثون بهذا الوجه، والبخاري مع سعيه في تضعيفه وتوهينه لم يذكر هذا الوجه، والأصل كما قلنا: إن الحديثين صحيحان رواه شعبة بواسطة علقمة ومن غير واسطة، فهذا الاحتمال مردود.

وخامسها: أن الروايتين لو تقاومتا لكانت رواية الرفع متضمنة لزيادة وكانت أولى بالقبول.

قلت: وهذا الوجه غير سديد، فإن الرفع والخفض صفتان متقابلتان للصوت، فلا زيادة في الرواية التي فيها الرفع.

وسادسها: أن رواية سفيان يتقوى بما رواه الحاكم (3) بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته بآمين"، وبما ذكر البيهقي عن علي قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين إذا

(1)(1/ 196).

(2)

"السنن الكبرى"(2/ 57).

(3)

"المستدرك"(1/ 322).

ص: 438

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قرأ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، وعنده أيضًا عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ {وَلَا الضَّالِّينَ} رفع صوته بآمين".

قلت: وهذا الوجه أيضًا لا يوجب الترجيح، فإنا لا ننكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع بآمين صوته، بل نقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع بها صوته، ولم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم داوم عليه أو جهر بآمين في آخر عمره صلى الله عليه وسلم، فبهذا علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بآمين أحيانًا تعليمًا للأمة ثم أخفى بها، والدليل عليه أن آمين دعاء، والأصل في الدعاء الإخفاء لا الجهر، وقد عمل بذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكابر الصحابة عمر وعلي -رضي الله تعالى عنهما-.

قال العيني (1): روى الطبراني (2) في "تهذيب الآثار": حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي سعيد، عن أبي وائل قال:"لم يكن عمر وعلي -رضي الله تعالى عنهما - يجهران ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا بآمين".

وقد أخرجه الطحاوي (3): حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي سعيد، عن أبي وائل قال: كان عمر وعلي لا يجهران ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا بالتعوذ ولا بالتأمين، وكذلك روي عدم الجهر عن عبد الله بن مسعود.

وأما الشيخ النيموي فاختار في هذا البحث طريقًا آخر، وقال في كتابه "آثار السنن" (4): إن حديث وائل بن حجر حديث مضطرب، ووجه الاضطراب أنه روي من طريق سفيان في هذا الحديث بلفظ "ورفع بها صوته"، ومن طريق

(1)"عمدة القاري"(4/ 503).

(2)

كذا في "عمدة القاري" أيضًا (4/ 503)، والصواب: الطبري، لأن مصنف "تهذيب الآثار" الطبري لا الطبراني، والله أعلم.

(3)

"شرح معاني الآثار"(1/ 204).

(4)

(1/ 93).

ص: 439

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

شعبة: "أخفى بها صوته"، وكلاهما متساويان، فاضطرب الحديث في الرفع والخفض، ولا يمكن التوفيق بينهما إلَّا أن يقال: إنه أراد بالرفع رفعًا يسيرًا بحيث سمعه من كان يليه من الصف الأول، وبالخفض أنه لم يجهر كالتكبير والتسميع، وكيف ما كان يدل بظاهره على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضم معها كلمة أخرى، ولم يقلها إلَّا مرةً واحدةً.

وقد أخرج الطبراني في "الكبير"(1) عن وائل بن حجر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة، فلما فرغ من فاتحة الكتاب قال: آمين ثلاث مرات، انتهى، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2): رجاله ثقات.

وأخرج الطبراني والبيهقي (3) عن وائل بن حجر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، قال:"رب اغفر لي، آمين".

قلت: فيه أحمد بن عبد الجبار، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": وثَّقه الدارقطني وأثنى عليه أبو كريب، وضعفه جماعة، وقال ابن عدي: لم أرَ له حديثًا منكرًا، انتهى.

وقال علي القاري في "المرقاة"(4): وروى الطبراني بسند لا بأس به، ثم ساق الحديث، قلت: فهذه الاختلافات في حديث وائل تدل على اضطرابه، ولعل الإِمام البخاري مع شدة حرصه على إثبات الجهر بالتأمين، وصاحبه مسلمًا لم يخرجاه في "صحيحيهما" بهذه العلة، انتهى مختصرًا.

ثم ذكر الشيخ النيموي (5) حديث أبي هريرة الذي رواه الدارقطني

(1) المعجم الكبير" (22/ 22).

(2)

(2/ 289) ح (2667).

(3)

"المعجم الكبير"(22/ 42)، و"السنن الكبرى"(2/ 58).

(4)

(2/ 287).

(5)

آثار السنن" (1/ 93).

ص: 440

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والحاكم (1) قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: آمين"، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، قال الشيخ النيموي: وقد اغتر الحافظ ابن القيم بتصحيح الحاكم.

وقال في "إعلام الموقعين"(2): رواه الحاكم بإسناد صحيح، قلت: فيه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي بن زِبْرِيق لم يخرج له الشيخان في "صحيحيهما" ولا الأربعة في "سننهم"، وضعفه النسائي وأبو داود وكذبه محمد بن عوف الطائي.

قال الذهبي في "الميزان"(3): قال أبو حاتم: لا بأس به، سمعت ابن معين يثني عليه، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو داود: ليس بشيء، وكذبه محدث حمص محمد بن عوف الطائي، انتهى.

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(4): روى الآجري عن أبي داود أن محمد بن عوف (5) قال: ما أشك أن إسحاق بن زبريق يكذب، وقال في "التقريب": صدوق يهم كثيرًا، انتهى.

ثم ساق حديث أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة الذي رواه ابن ماجه، ثم قال: وإسناده ضعيف، لأن في إسناده بشر بن رافع، قال البخاري: لا يتابع في حديثه، وقال أحمد: ضعيف، وقال ابن معين: حدث بمناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: يروي أشياء موضوعة

(1)"سنن الدارقطني"(1274)، و"المستدرك"(1/ 223).

(2)

(2/ 428).

(3)

(1/ 181).

(4)

(1/ 216).

(5)

وقع في "تهذيب التهذيب": محمد بن عون، وهو تحريف، والصواب محمد بن عوف بن سفيان الطائي، الحمصي الحافظ.

ص: 441

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

كأنه المتعمد لها، هكذا في "الميزان"، ثم نقل ضعفه عن "تهذيب التهذيب" و"التقريب" للحافظ.

ثم قال: وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق بشر بن رافع بدون قوله: فيرتج بها المسجد، بل انتهى إلى قوله: حتى يسمع من يليه من الصف الأول، وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" كذلك ليس فيه: فيرتج بها المسجد، وفيه: حتى يسمع الصف الأول.

ثم قال: فظهر لك ما رواه ابن ماجه من زيادة قوله: فيرتج بها المسجد، لا يتابع على ذلك، ومع ذلك هذه الزيادة تخالف قوله: حتى يسمع أهل الصف الأول.

ثم ساق حديث أم الحصين: "أنها صلَّت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} ، قال: آمين، فسمعته وهي في صف النساء"، رواه ابن راهويه في "مسنده"، والطبراني في "الكبير"، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف.

ثم قال: لم يثبت الجهر بالتأمين عن النبي- صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء الأربعة، وما جاء في الباب فهو لا يخلو من شيء، ثم عقد "باب ترك الجهر بالتأمين"، واستدل له بقوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (1)، وبحديث أبي هريرة الذي رواه مسلم (2) بلفظ:"إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولوا: آمين"، بأنه يدل على أن الإِمام لا يجهر بآمين، لأن تأمين الإِمام لو كان مشروعًا بالجهر لما علق النبي صلى الله عليه وسلم تأمينهم بقوله:{وَلَا الضَّالِّينَ} ، بل السياق يقتضي بأنه لم يقل إلَّا هكذا: وإذا قال: آمين، فقولوا: آمين.

وبحديث الحسن أن سمرة بن جندب وعمران بن حصين تذاكرا، فحدث

(1) سورة الأعراف: الآية 55.

(2)

"صحيح مسلم"(410).

ص: 442

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

سمرة بن جندب أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين، سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فأنكر عليه عمران بن حصين، فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب، فكان في كتابه إليهما أو في رده عليهما: أن سمرة قد حفظ، رواه أبو داود وآخرون، وإسناده صالح.

قال الشيخ النيموي (1): الأظهر أن السكتة الأولى كانت لقراءة الثناء في نفسه، والسكتة الثانية للتأمين سرًّا، ولو حمل على أن السكتة الثانية كانت لأن يتراد إليه نفسه كما ذهب إليه بعضهم يلزم منه أن يكون تأمين المأمومين قبل تأمين النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تبادر المأموم الإِمام.

ثم ساق حديث سمرة بن جندب الذي رواه أحمد والدارقطني (2) أنه كان إذا صلى بهم سكت سكتتين: إذا افتتح الصلاة، وإذا قال: ولا الضَّآلِّين سكت أيضًا هنية، فأنكروا ذلك عليه، فكتب إلى أبي بن كعب، فكتب إليهم أن الأمر كما صنع سمرة، وقال: إسناده صحيح.

ثم ساق حديث وائل بن حجر الذي رواه أحمد والترمذي وأبو داود والطيالسي والدارقطنيِ والحاكم (3) وآخرون من طريق شعبة، ولفظه:"فلما قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين، وأخفى بها صوته"، وقال: إسناده صحيح، وفي متنه اضطراب.

ثم ذكر في "تعليقه" ما ذكره الترمذي عن البخاري من العلل الثلاث، ثم نقل عن الزيلعي ما قال في "نصب الراية" (4): واعلم أن في الحديث

(1)"آثار السنن"(1/ 95 - 99).

(2)

"مسند أحمد"(5/ 11)، و"سنن الدارقطني"(1/ 336).

(3)

انظر: "مسند أحمد"(4/ 316)، و"سنن الترمذي"(2/ 28)، و"سنن أبي داود"(932)، و"مسند الطيالسي"(1024)، و"سنن الدارقطني"(1/ 334)، و"المستدرك"(2/ 232).

(4)

"نصب الراية"(1/ 270).

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

علة أخرى ذكرها الترمذي في "علله الكبير" فقال: سألت محمد بن إسماعيل هل سمع علقمة من أبيه؟ فقال: إنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، انتهى.

ثم أجاب عن هذه العلل التي بينها البخاري فقال: كلها مدفوعة، فأما قوله: إن حجرًا هو ابن العنبس وليس بأبي العنبس فليس بصواب، لأن اسم أبيه عنبس، وكنيته كاسم أبيه أبو العنبس، ولا مانع من أن يكون له كنية أخرى وهي أبو السكن، وبهذا جزم ابن حبان في كتاب "الثقات" حيث قال: حجر بن عنبس أبو السكن الكوفي، وهو الذي يقال له: حجر أبو العنبس، وقد تابعه الثوري في أبي العنبس، أخرج أبو داود في "باب التأمين".

وقال البيهقي في "سننه الكبير"(1): وأما قوله: حجر أبو العنبس فكذلك ذكره محمد بن كثير عن الثوري، انتهى.

وأخرج الدارقطني في "سننه"(2) في "باب التأمين": حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني، حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، ثنا وكيع والمحاربي قالا: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس وهو ابن عنبس، الحديث، فثبت أن شعبة ليس بمتفرد بأبي العنبس، بل ذكره محمد بن كثير ووكيع والمحاربي عن سفيان الثوري أيضًا.

وأما قوله: ليس فيه علقمة، فقد بين في بعض الروايات أن حجرًا سمعه عن علقمة، عن وائل، وقد سمعه من وائل نفسه.

أخرج أحمد في "مسنده"(3) بسنده عن حجر أبي العنبس قال: سمعت علقمة بن وائل يحدث عن وائل، - أو سمعه حجر من وائل- قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث.

(1)(2/ 57).

(2)

(1/ 334).

(3)

(4/ 316).

ص: 444

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وأخرج أبو داود الطيالسي في "مسنده"(1): حدثنا شعبة قال: أخبرني سلمة بن كهيل قال: سمعت حجرًا أبا العنبس قال: سمعت علقمة بن وائل يحدث عن وائل- وقد سمعت من وائل-، إلى آخر الحديث. وأخرج أبو مسلم الكجي في "سننه" بسنده عن حجر، عن علقمة بن وائل، عن وائل قال: وقد سمعه من وائل.

وأما الاختلاف بين الثوري وشعبة في الرفع والخفض، فغايته أن الحديث مضطرب لا يصلح للاحتجاج لأحد الفريقين، وأما ما قالوا ترجيحًا لحديث الرفع على حديث الخفض من أن الثوري أحفظ من شعبة، فهذا القول ليس بمجمع عليه، بل في ترجيح أحدهما على الآخر أقوال، ثم ذكر الأقوال التي تقدمت في أول البحث.

ثم قال: وعندي وجه حسن لترجيح ما رواه شعبة على ما رواه الثوري، وهو أن شعبة لم يكن يُدَلِّس لا عن الضعفاء ولا عن الثقات، وقد صرح فيه بالإخبار، قال: أخبرني سلمة بن كهيل كما هو عند الطيالسي، وأما الثوري فكان ربما يدلس وقد عنعنه، قال الذهبي في "الميزان" (2): سفيان بن سعيد الحجة المثبت، متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء، ولكن له نقد وذوق، وقال الحافظ في "التقريب": وكان ربما دلس، انتهى، فبهذا يرجح ما رواه شعبة من حديث الخفض على ما رواه الثوري من حديث الرفع لشبهة التدليس فيه.

وأما ما قال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(3) ترجيحًا لرواية الرفع: وترجيح ثانٍ وهو متابعة العلاء بن صالح ومحمد بن سلمة بن كهيل له، فيجاب عنه بأن العلاء بن صالح ليس من الثقات الأثبات، قال في "التقريب":

(1)"مستند أبي داود الطيالسي"(1117).

(2)

(2/ 169).

(3)

(2/ 427).

ص: 445

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

صدوق له أوهام، وقال الذهبي في "الميزان": قال أبو حاتم: كان من عنق الشيعة، وقال ابن المديني: روى أحاديث مناكير، وأما محمد بن سلمة فقال الذهبي: قال الجوزجاني: ذاهب واهي الحديث.

قلت: فمتابعتهما له لا تقدح فيما رواه شعبة، لأنهما ليسا من الثقات الأثبات، حتى يقال: إن شعبة خالفه الثقات، وتكون روايته شاذة غير محفوظة، وغاية ما في الباب أن كل واحد من الحديثين يرجح على الآخر بوجه.

فإن قال قائل: رواه أبو داود عن مخلد بن خالد الشعيري، عن ابن نمير، عن علي بن صالح، عن سلمة بن كهيل، فعلي بن صالح متابع ثالث لسفيان.

قلت: لعله وهم، لقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن نمير، عن العلاء بن صالح. والترمذي عن محمد بن أبان، عن ابن نمير، عن العلاء بن صالح، عن سلمة بن كهيل، فاختلف القول في علي والعلاء، وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن أبان أحفظان من الشعيري، والحفاظ كالبيهقي وغيرهم لم يذكروا في متابعة الثوري إلَّا العلاء بن صالح لا علي بن صالح، فلو كان ما يوجد في النسخ المتداولة من "سنن أبي داود" من ذكر علي بن صالح صوابًا لذكروه في متابعة الثوري، لأنه أثبت من العلاء بن صالح ومحمد بن سلمة، والله أعلم وعلمه أحكم.

وأقول أنا: إن الحافظ ابن حجر صرح بكونه وهمًا، فإنه قال في "تهذيب التهذيب" في ترجمة العلاء بن صالح: وسماه أبو داود في روايته علي بن صالح وهو وهم.

فإن قلت: قال البيهقي في "سننه الكبرى"(1): وقد رواه أبو الوليد الطيالسي عن شعبة نحو رواية الثوري، ولفظه:"فلما قال: ولا الضالين قال: آمين رافعًا بها صوته"، انتهى.

(1)(2/ 58).

ص: 446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قلت: هذه رواية شاذة عن شعبة تفرد بها أبو الوليد، وعنه إبراهيم بن مرزوق، وخالفه غير واحد من أصحاب شعبة، كأبي داود الطيالسي ومحمد بن جعفر ويزيد بن زريع وعمرو بن مرزوق وغيرهم كلهم عن شعبة، وقالوا فيه:"وأخفى بها صوته، أو خفض بها صوته"، ومع ذلك إبراهيم بن مرزوق البصري عمي قبل موته، فكان يخطئ ولا يرجع كما في "التقريب" وغيره.

فحاصل الكلام: أن المحفوظ عن شعبة حديث الخفض لا حديث الرفع.

وأما علة الانقطاع فسخيفة جدًّا، لأن سماع علقمة عن أبيه ثابت بوجوه:

منها: ما أخرجه النسائي (1) في "باب رفع اليدين عند الرفع من الركوع"، وفيه: حدثني علقمة بن وائل حدثني أبي، فذكر الحديث، وأخرجه البخاري في "جزء رفع اليدين"، وفيه: قال: سمعت علقمة بن وائل بن حجر حدثني أبي، فذكر الحديث، فقوله: حدثني أبي يدل على سماعه من أبيه.

ومنها: ما أخرجه مسلم في "صحيحه"(2) من حديث القصاص من طريق سماك بن حرب عن علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه، الحديث، فقوله: أن أباه حدثه يدلس على سماع علقمة من أبيه وائل بن حجر.

ومنها: ما قاله الترمذي في كتاب الحدود من "جامعه": علقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه، انتهى.

قلت: وأما ما قاله البخاري من أنه ولد بعد موت أبيه، فيعارض بما قال

(1)"سنن النسائي"(1055).

(2)

"صحيح مسلم"(1680).

ص: 447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الترمذي في كتاب الحدود (1): سمعت محمدًا يقول: عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه ولا أدركه، يقال: إنه ولد بعد موت أبيه بأشهر.

وبما قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(2): قال أبو داود عن ابن معين: مات أبوه وهو أي عبد الجبار حمل.

وبما قال السمعاني في "أنسابه"(3): أبو محمد عبد الجبار بن وائل بن حجر الكندي يروي عن أمه وعن أبيه، وهو أخو علقمة، ومن زعم أنه سمع أباه فقد وهم، لأن وائل بن حجر مات وأمه حامل به، ووضعته بعده بستة أشهر، انتهى.

فهذه العبارات تدل على أن الذي وُلد بعد موت أبيه وائل بن حجر هو عبد الجبار لا علقمة.

قلت: وفي ولادته بعد موت أبيه أيضًا نظر، لأنه روي من طريق محمد بن جحادة عن عبد الجبار أنه قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، فحدثني وائل بن علقمة عن أبي وائل بن حجر، الحديث. أخرجه أبو داود في "باب رفع اليدين"، والطحاوي في "باب موضع وضع اليدين في السجود".

فهذا الخبر يدل على أنه ولد في حياة أبيه لكنه كان صغيرًا، وأما قول من قال: إن قائل: "كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي" هو علقمة بن وائل، لا أخوه عبد الجبار، فليس بسديد، بل هو باطل، بل قد صرح محمد بن جحادة باسم شيخه عبد الجبار لا علقمة على أن علقمة كيف يقول: فحدثني وائل بن علقمة؟ وقد قال الحافظ في "التقريب": صوابه علقمة بن وائل، أيحدث علقمة عن ابنه كما هو الظاهر، أو عن نفسه كما يظهر من تصويب الحافظ؟ وقد أخرج الطبراني من طريق عبد الوارث بلفظ: فحدثني علقمة بن وائل، فالحق أن القائل لهذا القول عبد الجبار وهو يرويه عن أخيه علقمة بن وائل.

(1)"سنن الترمذي"(4/ 55).

(2)

(6/ 105).

(3)

(4/ 172).

ص: 448

933 -

حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّعِيرِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ حُجْرٍ بْنِ عَنْبَسٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ:"أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم، فَجَهَرَ بِآمِينَ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ خَدِّهِ"(2). [ت 249، وانظر سابقه]

934 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عن بِشْرِ بْنِ

===

فثبت بذلك التحقيق أن عبد الجبار مع كونه أصغر من علقمة، وُلد في حياة أبيه ولكنه كان صغيرًا، ولما كان علقمة أكبر منه وأخاه العيني كيف يتصور أنه وُلد بعد موت أبيه؟ بل الحق أنه أدركه وسمع منه، كما يشهد بذلك قوله: حدثني أبي وغيره، وقد نص عليه الترمذي كما مر، فحينئذ ظهر ضعف ما قاله الحافظ ابن حجر في "التقريب" مقلدًا لغيره: علقمة بن وائل بن حجر بضم المهملة وسكون الجيم، الحضرمي الكوفي، صدوق إلَّا أنه لم يسمع من أبيه، انتهى.

933 -

(حدثنا مخلد بن خالد الشعيري) بفتح المعجمة وكسر المهملة (نا ابن نمير، نا علي بن صالح)، قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة العلاء: العلاء بن صالح التيمي، ويقال: الأسدي الكوفي، وسماه أبو داود في روايته علي بن صالح، وهو وهم.

(عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر: أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجهر بآمين) أي بعد قراءة {وَلَا الضَّالِّينَ} (وسلم عن يمينه وعن شماله) أي للخروج عن الصلاة (حتى رأيت بياض خده) أي: صرف وجه بالسلام إلى جانب يمينه وشماله، حتى رأيت بياض خده.

934 -

(حدثنا نصر بن علي، أنا صفوان بن عيسى، عن بشر بن

(1) وفي نسخة: "النبي".

(2)

جعله المزي في "تحفة الأشراف"(11758) هو والذي قبله حديثًا واحدًا.

ص: 449

رَافِعٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَلَا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: "آمِينَ" حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الأَوَّلِ". [جه 853]

935 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} "، فَقُولُوا: آمِينَ،

===

رافع) قال في "التقريب": بشر بن رافع (1) الحارثي، أبو الأسباط النجراني بالنون والجيم، فقيه، ضعيف الحديث، (عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة) قال في "الميزان": أبو عبد الله الدوسي عن أبي هريرة لا يعرف، ما حدث عنه سوى بشر بن رافع، وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قال ابن القطان: لا يعرف، قال ابن أبي حاتم: اسمه عبد الرحمن بن هضاض، وقيل: ابن الصامت.

(عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين، حتى يسمع) بصيغة المعلوم من المجرد أو من الإفعال (من يليه من الصف الأول).

935 -

(حدثنا القعنبي) عبد الله بن مسلمة، (عن مالك) بن أنس الإِمام، (عن سمي مولى أبي بكر) بن الحارث بن هشام، (عن أبي صالح السمان) ذكوان، (عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الإمام (2): {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين) استدل به على أن الإِمام لا يؤمن، لأن القسمة تنافي الشركة، وقد تقدم البحث فيه، أخرج هذا الحديث البخاري في "صحيحه" في "باب جهر (3) المأموم بالتأمين".

(1) قال ابن رسلان: قوَّاه ابن معين. (ش).

(2)

ذكر ابن رسلان أنه يشير إلى أن التسمية ليس جزءًا من الفاتحة؛ لأنه عَدَّه آية، ولذا شرع منه، فصارت سبعة بدون التسمية. (ش).

(3)

قلت: بل هو يدل على الإسرار، وإلَّا فلا يحتاج إلى التقدير بـ {وَلَا الضَّالِّينَ} . (ش).

ص: 450

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال الحافظ في "الفتح"(1): قال الزين بن المنير: مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن في الحديث الأمر بقول آمين، والقول إذا وقع الخطاب مطلقًا حمل على الجهر، ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك.

قال العيني (2): قلت: المطلق يتناول الجهر والإخفاء، وتخصيصه بالجهر والحمل عليه تحكم فلا يجوز، قال العيني في شرح هذا الحديث: قال الخطابي: هذا لا يخالف ما قال: إذا أمن الإِمام فأمنوا، لأنه نص بالتعيين مرة، ودل بالتقدير أخرى، فكأنه قال: إذا قال الإِمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} وأمن، فقولوا: آمين، ويحتمل أن يكون الخطاب في حديث أبي صالح لمن تباعد عن الإِمام، فكان بحيث لا يسمع التأمين، لأن جهر الإِمام به أخفض من قراءته، على كل حال فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه إذا كثرت الصفوف وتكاثفت المجموع.

قلت: ذكر الخطابي الوجهين المذكورين بالاحتمال الذي لا يدل عليه ظاهر ألفاظ الحديثين، فإن كان يؤخذ هذا بالاحتمال، فنحن أيضًا نقول: يحتمل أن الجهر فيه لأجل تعليمه الناس بذلك؛ لأنا لا ننازع في استحباب التأمين للإمام وللمأموم أيضًا، وإنما النزاع في الجهر به، فنحن اخترنا الإخفاء لأنه دعاء، والسنة في الدعاء الإخفاء، انتهى.

قال النووي (3): في هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن تأمين المأموم يكون مع تأمين الإِمام لا بعده، قلت: بل الأمر بالعكس، لأن الفاء في الأصل للتعقيب، قاله العيني.

(1)"فتح الباري"(2/ 266).

(2)

"عمدة القاري"(4/ 504).

(3)

"شرح صحيح مسلم"(2/ 357).

ص: 451

فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [خ 782، م 410، ن 927، حم 2/ 233]

936 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عن مَالِكٍ، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ،

===

(فإنه) الضمير للشأن (من وافق قوله قول (1) الملائكة) قال ابن حبان في "صحيحه"(2): فإن الملائكة تقول: آمين، ثم قال: يريد أنه إذا أَمَّنَ كتأمين الملائكة من غير إعجاب ولا سمعة ولا رياء خالصًا لله تعالى، فإنه حينئذ يغفر له.

قلت: ويحتمل أن يراد بالموافقة الموافقة في الزمان، أي وافق تأمين المصلي زمان تأمين الملائكة غفر له، والمراد بالملائكة قيل: هم الحفظة، وقيل: الملائكة المتعاقبون، وقيل: غير هؤلاء، لما روى البيهقي: ووافق ذلك قول أهل السماء: آمين غفر له ما تقدم من ذنبه، قال الحافظ: والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء.

(غفر له ما تقدم من ذنبه) ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية، وهو محمول عند العلماء على الصغائر، ووقع في بعض الروايا في آخر هذا الحديث: وما تأخر، وهي زيادة (3) شاذَّةٌ، قاله الحافظ والعيني.

936 -

(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب)، بمضمومة فسين فياء مشددة مفتوحتين، وقد تكسر الياء، قاله صاحب "المغني"(4)(وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما) أي سعيدًا وأبا سلمة (أخبراه) أي ابن شهاب.

(1) استدل به على أفضلية الملائكة كما قاله المعتزلة "ابن رسلان". (ش)،

(2)

(5/ 108).

(3)

وهي موجودة في النسخ القديمة لأبي داود، فليفتش النسخ ما الصواب في أبي داود. (ش).

(4)

(ص 231).

ص: 452

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . [خ 780، م 410، ت 250، ن 928، جه 852، حم 2/ 233، 459]

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "آمِينَ".

===

(عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمن الإِمام) أي قال الإِمام: آمين. وقيل: معناه إذا دعا، والمراد دعاء الفاتحة من قوله:"اهدنا" إلى آخره بناءً على أن التأمين دعاء، وقيل: معناه إذا بلغ إلى موضع استدعى التأمين، وهو قوله:{وَلَا الضَّالِّينَ} ، ويرد ذلك التصريح بالمراد في حديث الباب، واستدل به على مشروعية التأمين للإمام، قيل: وفيه نظر، لكونها قضية شرطية، وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع.

(فأمنوا (1) فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرج البخاري هذا الحديث في "صحيحه" في "باب جهر الإِمام بالتأمين"، قال الحافظ (2): ووجه الدلالة من الحديث أنه لو لم يكن التأمين مسموعًا للمأموم لم يعلم به، وقد علق تأمينه بتأمينه، وأجايوا بأن موضعه معلوم، فلا يستلزم الجهر به، وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به، ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملًا بظاهر الأمر، قال: وأوجبه الظاهرية على كل مصل، قاله الحافظ.

(قال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين) قال الحافظ: وهو متصل إليه برواية مالك عنه، وأخطأ من زعم أنه معلق.

(1) قالوا: إن المؤتم في كل فعله يؤخر عن الإِمام إلَّا في آمين، فيقول معه خلافًا لمن أنكره مسدلًا بالحديث. "ابن رسلان". (ش).

(2)

"فتح الباري"(2/ 264).

ص: 453

937 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (1) ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ بِلَالٍ:"أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَسْبِقْنِى بِآمِينَ". [حم 6/ 12، ق 2/ 23، ك 1/ 219]

===

937 -

(حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، أنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم) بن سليمان الأحول، (عن أبي عثمان) النهدي وهو عبد الرحمن بن مل بلام ثقيلة وميم مثلثة، (عن بلال) المؤذن (أنه قال: يا رسول الله، لا تسبقني بآمين) قال العيني (2): وقد أول العلماء قوله: لا تسبقني على وجهين:

الأول: أن بلالًا كان يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى من سكتتي الإِمام، فربما يبقى عليه شيء منها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرغ منها، فاستمهله بلال في التأمين بقدر ما يتم فيه قراءة بقية السورة، حتى ينال بركة موافقته في التأمين.

الثاني: أن بلالًا كان يقيم في الموضع الذي يؤذن فيه من وراء الصفوف، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر النبي صلى الله عليه وسلم، فربما سبقه ببعض ما يقرأه، فاستمهله بلال قدر ما يلحق القراءة والتأمين.

قلت: هذا الحديث مرسل، وقال الحاكم في "الأحكام": قيل: إن أبا عثمان لم يدرك بلالًا، وقال أبو حاتم الرازي: رفعه خطأ، ورواه الثقات عن عاصم، عن أبي عثمان مرسلًا، وقال البيهقي: وقيل: عن أبي عثمان، عن سلمان قال: قال بلال، وهو ضعيف ليس بشيء، انتهى.

وقد أخرج البخاري لأبي هريرة تعليقًا ولفظه: وكان أبو هريرة ينادي الإِمام: لا تفتني بآمين، معناه: لا تدعني أن يفوت مني القول بآمين.

قال العيني: وصل ابن أبي شيبة هذا التعليق فقال: حدثنا وكيع، حدثنا كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة أنه كان يؤذن بالبحرين، فقال للإمام:"لا تسبقني بآمين" وكان الإِمام بالبحرين العلاء بن الحضرمي.

(1) زاد في نسخة: "الحنظلي".

(2)

"عمدة القاري"(4/ 498).

ص: 454

938 -

حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ الدِّمَشْقِىُّ وَمَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِىُّ، عَنْ صُبَيْحِ بْنِ مُحْرِزٍ الْحِمْصِىِّ، حَدَّثَنِى أَبُو مُصْبِحٍ الْمَقْرَئِىُّ

===

وروى البيهقي من حديث أبي رافع أن أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم، فاشترط أن لا يسبقه بالضالين، حتى يعلم أنه قد دخل الصف، فكان إذا قال مروان:{وَلَا الضَّالِّينَ} ، قال أبو هريرة: آمين، يمد بها صوته الحديث، انتهى.

938 -

(حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي ومحمود بن خالد قالا: نا الفريابي) محمد بن يوسف، (عن صبيح) قال في "التقريب": اختلف فيه هل هو مفتوح أوله أو مصغر (ابن محرز)(1) المقرئ، قال في "التقريب": بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة (الحمصي، حدثني أبو مصبح)(2) بموحدة مكسورة بعد الصاد المهملة المفتوحة (المقرئي) قال في "التقريب": المَقْرَئي، بفتح الميم والراء بينهما قاف ثم همزة قبل ياء النسبة، وفي "الخلاصة": همزة مكسورة بعد راء ممدودة، الأوزاعي الحمصي.

وقال السمعاني في "الأنساب"(3): بضم الميم، وقيل: بفتحها، وسكون القاف، وفتح الراء، بعدها همزة، هذه النسبة إلى مَقْرَى قرية بدمشق، منها: غيلان بن معشر، ومنها: أبو الصلت شريح بن عبيد الحضرمي الشامي المقرائي.

وقال في "القاموس": ومُقْرَأٌ، كمكرم: بلدة باليمن به معدن العقيق، منه: المُقْرَئِيُّون من المحدثين وغيرهم، ويفتح ابن الكلبي الميم.

وقال في "كتاب مشتبه النسبة" للأزدي: وأما المقرئي بالقاف وفتح الراء بعدها همزة قبل الياء، فمنهم فلان وفلان، وأصحاب الحديث يكتبونه بالألف.

(1) وقال ابن رسلان: بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء ثم زاي. (ش).

(2)

بضم الميم وكسر الباء المشددة. "ابن رسلان". (ش).

(3)

(4/ 344).

ص: 455

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال محمد طاهر في "المغني"(1): المقرئي بضم ميم- وقيل بفتحها- وسكون قاف وفتح راء وكسر همزة نسبة إلى مقرأ بن سبيع.

وقال في "جامع الأصول": المقرني بضم الميم، وقيل: بفتحها والقاف وفتح الراء وكسرها منسوب إلى مقرن بن سبيع بن الحارث بن زيد بن سهل من بني قطن بن عريب، انتهى، والذي وقع في "جامع الأصول" بالنون تصحيف من الناسخ، والصواب بالهمزة (2) ، لأنه صرح في ترجمة راشد بن سعد بكسر الهمزة.

فاختلف في هذا اللفظ بأمور:

أولها: أن الراء ممدودة أو مقصورة، وصاحب "الخلاصة" مال إلى المد، وغيره لا يمدونه، وكلام الأزدي صاحب "مشتبه النسبة" يرجح أن الألف التي تكتب بعد الراء هو اصطلاح المحدثين وليس عند غيرهم، فلا يقرأ، وصرح بذلك الذهبي في "مشتبه النسبة" كما نقل صاحب "العون"(3)، ولفظه: ويكتب بألف هي صورة الهمزة ليفرق بينه وبين المقرئ من القراءة، فعلم بذلك أن الراء فيه ليست بممدودة.

وثانيها: الاختلاف في النسبة، فقال السمعاني في "الأنساب" (4): إن هذه النسبة إلى مقرى قرية بدمشق، وكذا نقل صاحب "العون" عن أبي سعيد المروزي بنقل المنذري أن هذه النسبة إلى مقرى قرية بدمشق، وكذلك نقل في حاشية "تهذيب التهذيب" عن "لب اللباب" تحت ترجمة راشد بن سعد: المقرائي بضم الميم، وفي "التقريب": بفتحها وسكون القاف وفتح الراء وهمزة ثم ياء النسبة، نسبة إلى مقرى قرية بدمشق، انتهى كلام "لب اللباب"(5).

(1)(ص 249).

(2)

وفي نسخة "جامع الأصول"(15/ 399) التي بين أيدينا: المقرائي بالهمزة، منسوب إلى مقرأ بن سبيع، إلخ

(3)

"عون المعبود"(3/ 215).

(4)

(4/ 344).

(5)

(ص 375).

ص: 456

قَالَ: "كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِى زُهَيْرٍ النُّمَيْرِىِّ، وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيَتَحَدَّثُ (1) أَحْسَنَ الْحَدِيثِ، فَإِذَا دَعَا الرَّجُلُ مِنَّا بِدُعَاءٍ قَالَ: اخْتِمْهُ بِآمِينَ، فَإِنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ".

===

وقال أبو داود: المقرائي (2) قبيل من حمير، ولم أر أحدًا صرَّح به إلَّا ما نقل صاحب "العون" عن "غاية المقصود" نقلًا عن "تاج العروس شرح القاموس": مقرأ بن سبيع بن حارث بن مالك بن زيد، على وزن مكرم، بطن من حمير، وبه عرف البلد الذي باليمن لنزوله وولده هناك.

وقال في "جامع الأصول"(3): المقرائي منسوب إلى مقرأ بن سُبَيْع بن الحارث بن زيد بن سهل من بني قَطَن بن عَرِيب، ونقل صاحب "العون" عن المنذري: الأول (4) أي النسبة إلى القبيلة أشهر، قال صاحب "القاموس": مقرأٌ كمكرم: بلدة باليمن به معدن العقيق، ومنه المقرئيون من المحدثين، ويفتح ابن الكلبي الميم.

فهذه ثلاثة أقوال، جمع شارح "القاموس" بين القولين الأخيرين، فقال مقرأ بن سبيع بن الحارث بن مالك بن زيد، على وزن مكر، بطن من حمير، وبه عرف البلد الذي باليمن لنزوله وولده هناك، وأما القول الأول فلا يجتمع مع هذين القولين.

(قال: كنا نجلس إلى أبي زهير النميري) قال في "التقريب" في ترجمة أبي الأزهر: ويقال: أبو زهير الأنماري، صحابي، سكن الشام، لا يعرف اسمه، وقيل: يحيى بن نفير (وكان) أي أبو زهير (من الصحابة، فيتحدث أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال) أبو زهير رضي الله عنه: (اختمه) أي الدعاء (بآمين، فإن آمين مثل الطابع) أي الخاتم (على الصحيفة)

(1) في نسخة: "فيحدث".

(2)

قال المنذري (1/ 323): وكذا قال غيره. "ابن رسلان". (ش).

(3)

(15/ 399).

(4)

كذا قال ابن رسلان. (ش).

ص: 457

قَالَ أَبُو زُهَيْرٍ: أُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَلَحَّ فِى الْمَسْأَلَةِ، فَوَقَفَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمِعُ مِنْهُ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْجَبَ إِنْ خَتَمَ» ، فَقَالَ (1) رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: بِأَىِّ شَىْءٍ يَخْتِمُ؟ فقَالَ: «بِآمِينَ، فَإِنَّهُ إِنْ خَتَمَ بِآمِينَ فَقَدْ أَوْجَبَ» ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ الَّذِى سَأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى الرَّجُلَ فَقَالَ (2): اخْتِمْ يَا فُلَانُ بِآمِينَ وَأَبْشِرْ". وَهَذَا لَفْظٌ مَحْمُودٌ.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: والمقْرَئِي قَبِيل مِنْ حِمْيَرَ.

===

أي كما أن الشيء العزيز يحفظ (3) بالختم، كذلك الدعاء يحفظ بالختم، ويرفع عند الله تعالى.

(قال أبو زهير: أخبركم عن ذلك) أي عن الذي قلت لكم في أمر آمين بأنه مثل الطابع على الصحيفة، وما قلته برأيي، لكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأتينا على رجل قد ألح) أي بالغ (في المسألة) أي في الدعاء (فوقف النبي- صلى الله عليه وسلم يستمع منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب) أي بالإجابة (إن ختم) أي إن طبع (فقال) له (رجل من القوم: بأيِّ شيء يختم؟ فقال: بآمين، فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب، فانصرف الرجل الذي سأل النبي- صلى الله عليه وسلم، فأتى الرجل) الداعي (فقال) ذلك الرجل للداعي: (اختم) دعاءك (يا فلان بآمين وأبشر) بالإجابة (وهذا لفظ محمود).

(قال أبو داود: والمقرئي قبيل من حمير) وقد تقدم بحثه، ومعنى هذا القول أن لفظ المقرئي الذي لحق به ياء النسبة قبيل من حمير، لا أنه مع ياء النسبة قبيل.

(1) زاد في نسخة: "له".

(2)

وفي نسخة: "قال له".

(3)

ويكون محفوظًا بالختم عن الضياع، ويحتمل أن يكون المعنى: كما أن المختوم أجدر بالقبول، كذلك هذا. "ابن رسلان". (ش).

ص: 458