الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَأَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ (1) فَهَزَّهُ ثُمَّ قَالَ: اجْلِسْ فَإِنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ أَهْلُ الْكِتَاب إِلَّا أَنَّهُمْ (2) لَمْ يَكُنْ بَيْنَ صَلَوَاتِهِمْ (3) فَصْلٌ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ فَقَالَ:"أَصَابَ اللَّهُ بِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ"(4). [ق 2/ 190، ك 1/ 270]
(197) بَابُ السَّهْوِ في السَّجدتَيْنِ
===
التطوع (فوثب) أي قام بسرعة (إليه عمر فأخذ بمنكبيه فَهَزَّه) أي حرك كل واحد منهما (ثم قال: اجلس) أي عن الصلاة (فإنه لم يهلك أهل الكتاب) لعل المراد بالهلاك الهلاكة الأخروية، فعلى هذا معناه لم يضل (إلَّا أنهم لم يكن بين صلواتهم فصل، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصاب الله بك) أي أراد الله بك الخير والهداية مثل قوله تعالى: {حَيْثُ أَصَابَ} أي أراد، أو بلغك الله الصواب (يا ابن الخطاب).
(197)
(بَابُ السَّهْوِ (5) في السَّجْدَتَيْنِ)
وفي نسخة: باب في سجود السهو، وفي نسخة: باب في سجدتي السهو، فمعناه على النسخة الأولى باب السهو بعد الركعتين
(1) وفي نسخة: "بمنكبه".
(2)
وفي نسخة: "أنه".
(3)
وفي نسخة: "صلاتهم".
(4)
زاد في نسخة: "قال أبو داود: وقد قيل: أبو أمية مكان أبي رمثة".
(5)
قال ابن العربي (2/ 182): ذكر الترمذي فيه خمسة أبواب، وهي أصول، وترك بعضها.
قلت: وفي أبواب السهو إشكال على الحنفية عقيم عن الجواب، وهو أن السجدة عندهم تجب بترك واجب، والواجب هو الفرض الذي بقي في ثبونه شيء من الكلام، فكيف يتحقق الوجوب في حقه صلى الله عليه وسلم؟ ويظهر جوابه مما قاله بحر العلوم في "رسائل الأركان" من المقدمة. انظر:(ص 92). (ش).
1008 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ، عن مُحَمَّدٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ: الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ
===
1008 -
(حدثنا محمد بن عبيد، نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الشوكاني (1): ظاهره أن أبا هريرة حضر القصة، وحمله الطحاوي على المجاز، فقال: إن المراد به صلى بالمسلمين، وسبب ذلك قول الزهري: إن صاحب القصة استشهد ببدر، لأنه يقتضي أن القصة وقع قبل بدر وهي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين، لكن اتفق أئمة الحديث كما نقله ابن عبد البر وغيره على أن الزهري وهم في ذلك.
(إحدى صلاتي العشي) قال في "المجمع"(2): بفتح العين وتشديد ياء، إحدى صلاتي العشي أي الظهر أو العصر لأنه بعد الزوال إلى المغرب، وقيل: من الزوال إلى الصباح، وقيل لصلاة المغرب والعشاء: العشاءان، ولما بين المغرب والعتمة: عشاء (الظهر أو العصر) الشاك ابن سيرين لا أبو هريرة، كما يدل عليه ما أخرجه الإِمام أحمد في "مسنده"(3) بسنده عن ابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال: ذكرها أبو هريرة ونسيها محمد فصلَّى ركعتين، الحديث.
وعند الطحاوي (4) بسنده عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة إحدى صلاتي العشي: الظهر أو العصر، وأكثر ظني أنه ذكر الظهر.
والذي عند النسائي (5). من حديث ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة
(1)"نيل الأوطار"(3/ 129).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 600 - 601).
(3)
"مسند أحمد"(2/ 234).
(4)
"شرح معاني الآثار"(1/ 444).
(5)
"سنن النسائي"(1224).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال: صلَّى بنا النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال: قال أبو هريرة: ولكني نسيت معنى هذا الكلام، قال محمد بن سيرين: ذكر أبو هريرة إحدى صلاتي العشي على التعيين، ولكني أنا نسيت.
واختلفت الروايات (1) ففي بعضها بالشك كما في هذه الرواية، وفي بعضها تعيين العصر كما في رواية داود بن الحصين عند مسلم عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال: سمعت أبا هريرة، وفيها: صلَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، وفي بعضها تعيين الظهر كما في رواية يحيى بن أبي كثير عند مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو هريرة، ولفظها:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى ركعتين من صلاة الظهر ثم سلَّم".
قال الحافظ (2) في وجه الاختلاف: والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة، وأبعد من قال: يحمل على أن القصة وقعت مرتين، بل روى النسائي من طريق ابن عون عن ابن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة، ولفظه:"صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال أبو هريرة: ولكني نسيتها"، فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرًا على الشك، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر [فجزم بها]، وتارةً غلب على ظنه أنها العصر، فجزم (3) بها، وطرأ الشك في تعيينها أيضًا على ابن سيرين، وكان السبب في ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية، ولم تختلف الرواة في حديث عمران في قصة الخرباق أنها العصر، فإن قلنا: إنهما قصة (4) واحدة، فيترجح رواية من عين العصر في حديث أبي هريرة، انتهى.
(1) مال النووي إلى تعدد القصة في روايات أبي هريرة، ومال ابن عبد البر والقاضي عياض إلى أن القصة في روايات أبي هريرة واحدة، وبسطها ابن رسلان. (ش).
(2)
"فتح الباري"(3/ 97).
(3)
وبهذا جزم ابن رسلان إذ قال: وقع الشك لأبي هريرة وابن سيرين معًا.
(4)
والظاهر التغاير، وبه جزم ابن خزيمة كما في "ابن رسلان". (ش).
قَالَ: فَصَلَّى بنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَمَّ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ في مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ (1) عَلَيْهَا، إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، يُعْرَفُ في وَجْهِهِ الْغَضَبُ، ثُمَّ خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ
===
قلت: ما قال الحافظ: إن الشك فيما روى النسائي من جهة أبي هريرة، ففيه نظر، فإن لفظ النسائي في النسخة التي عندنا هكذا:"صلَّى بنا النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال: قال أبو هريرة: ولكني نسيت" بتكرار لفظ قال وبواو العطف، فعلى هذا معنى هذا الكلام كما تقدم: قال ابن سيرين: قال أبو هريرة، أي في تسمية إحدى صلاتي العشي وتعيينها، ولكني نسيت، فعلى هذا لا يدل هذا الكلام على أن الشاك أبو هريرة بل الشاك ابن سيرين.
وأيضًا في قوله: "ولم تختلف الرواة في حديث عمران في قصة الخرباق أنها العصر" نظر، فإنه أخرج البيهقي (2) من طريق خالد، عن أبي قلابة، ثنا أبو المهلب، عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهر أو العصر ثلاث ركعات، الحديث بالشك.
(قال) أبو هريرة: (فصلَّى بنا ركعتين ثم سلَّم) أي على الركعتين الأوليين وسها عن الركعتين الأخريين (ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد) أي في جهة القبلة، فإنه روى مسلم من طريق ابن عيينة عن أيوب:"ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد"، وكأنه الجذع الذي كان صلى الله عليه وسلم يستند إليه قبل اتخاذ المنبر، وبذلك جزم بعض الشراح (فوضع يديه عليها) أي على الخشبة (إحداهما على الأخرى) حال من يديه (يعرف في وجهه الغضب)، لعل وجه الغضب تأثير التردد والشك في فعله، أو كأنه كان غضبان فوقع له الشك لأجل غضبه.
(ثم خرج سرعان الناس) بفتح المهملات (3) ومنهم من سكن الراء،
(1) وفي نسخة: "يده".
(2)
"السنن الكبرى"(2/ 355).
(3)
قال عياض: كذا رويناه من متقني مشايخنا. "ابن رسلان". (ش).
وَهُمْ يَقُولُونَ: قَصُرَتِ الصَّلَاةُ، قَصُرَتِ الصَّلَاةُ، وَفِي النَّاسِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَاهُ أَنْ يُكَلِّمَاهُ،
===
وحكى عياض أن الأصيلي ضبطه بضم ثم إسكان كأنه جمع سريع، كقفيز وقفزان وكثيب وكثبان، والمراد بهم أوائل الناس خروجًا من المسجد، وهم أصحاب الحاجات غالبًا.
(وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة) بضم القاف وكسر المهملة على البناء للمفعول، أي إن الله قصرها، وبفتح ثم ضمٍّ على البناء للفاعل، أي صارت قصيرة، قال النووي (1): هذا أكثر وأرجح (2)(وفي الناس أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه) والمعنى أنهما غلب عليهما احترامه وتعظيمه عليه السلام عن الاعتراض عليه، وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم.
قلت: وجه الهيبة المانعة عن الكلام هو حالته الغضبية المقتضية للهيبة كما في حديث القيامة، ففيه غضب الرب تبارك وتعالى منع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن المتقدم بين يديه والكلام.
قلت: هذا يدل على أن قصة ذي اليدين كانت حين كان الكلام مباحًا في الصلاة، لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حدثت به تلك الحادثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته وفعل فيها بخلاف ما عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين مع أنه كان حاضرًا في القصة.
أخرج الطحاوي في "معاني الآثار"(3) بإسناده عن عطاء قال: صلَّى عمر بن الخطاب بأصحابه، فسلَّم في الركعتين، ثم انصرف، فقيل له [في ذلك]
(1) انظر: "شرح صحيح مسلم"(3/ 76).
(2)
ونقل ابن رسلان عن النووي للأول هو الأشهر، فتأمل، وبسط ابن رسلان في تحقيق اللفظ. (ش).
(3)
"شرح معاني الآثار"(1/ 448).
فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَمِّيهِ ذَا الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَسِيْتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ:"لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرِ الصَّلَاةُ".
===
فقال: إني جهزت عيرًا من العراق بأحمالها وأحقابها حتى وردت المدينة، فصلَّى بهم أربع ركعات، قلت: هذا مرسل جيد، قاله الشيخ النيموي (1) رحمه الله.
(فقام رجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين)، وفي رواية: وفي القوم رجل في يديه طول يقال له: ذو اليدين، وجزم ابن قتيبة بأنه كان يعمل بيديه جميعًا، وذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق، بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف، اعتمادًا على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم، ولفظه:"فقام إليه رجل يقال له: الخرباق، وكان في يديه طول"، قاله الحافظ (2).
(فقال: يا رسول الله (3) أنسيت (4) أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر الصلاة) أي في ظني، قال النووي (5): فيه دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء، وهو ظاهر القرآن والحديث، واتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر عليه، بل يُعْلمه الله تعالى به، ثم قال الأكثرون: شرط تنبهه صلى الله عليه وسلم على الفور متصلًا بالحادثة، ولا يقع فيه تأخير، وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته صلى الله عليه وسلم، واختاره إمام الحرمين.
(1)"آثار السنن"(1/ 140).
(2)
"فتح الباري"(3/ 100).
(3)
أوَّل أحمد تكلمه على أنه كان على يقين من أن الصلاة قد تمَّت كما حكاه الترمذي، وأنت خبير بأن قوله:"أنسيت" يرد على هذا التأويل. (ش).
(4)
بسط ابن رسلان في معنى السهو والنسيان، وجمع بينه وبين قوله تعالى:{عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5]، وأخرج مالك في "موطئه" (1/ 100):"إني لا أنسى ولكن أنسى لأسن"، وذكر في "أحكام القرآن" (1/ 66): روي عن ابن مسعود قلنا: يا رسول الله إنك تهم، قال:"ومالي لا أهم ورفغ أحدكم بين أظفاره وأنامله"، انتهى. (ش).
(5)
"شرح صحيح مسلم"(3/ 72).
قَالَ: بَلْ (1) نَسِيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " فَأَوْمَؤُوا أَي: نَعَمْ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَقَامِهِ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ
===
(قال) ذو اليدين: (بل نسيت يا رسول الله) تردد أولًا في النسيان والقصر، ثم لما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم النسيان والقصر استدل بذلك على تعيين النسيان، فإنه لما تيقن بنفي القصر تعين النسيان (فأقبل) أي توجه (رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم) أي الحاضرين في الصلاة.
(فقال) أي لهم: (أصدق ذو اليدين) في قوله بالنسيان في الصلاة؟ (فأومؤوا) وأشاروا (أي: نعم)، ولعلَّ هذا تفسير للإيماء من بعض رواة الحديث، وفي رواية: فقالوا: نعم. وفي أخرى: فقالوا: صدق يا نبي الله، فيحمل هذا الاختلاف على أنهم أومؤوا هو الأصل، وقولهم:"قالوا: نعم"، وقولهم:"صدق ذو اليدين" مجاز يحمل القول على الإشارة، وهذا مجاز سائر، فينبغي رد الروايات التي فيها التصريح بالقول إلى هذه، أو يحمل على أن بعضهم قال بالنطق، وبعضهم (2) بالإشارة.
(فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه) الذي صلَّى فيه أولًا (فصلَّى الركعتين الباقيتين (3)، ثم سلَّم) (4) أي للسجود (ثم كبَّر) أي قال: الله أكبر (وسجد مثل
(1) وفي نسخة: "بلى".
(2)
وبكلا الاحتمالين شرحه ابن رسلان. (ش).
(3)
فيه حجة على أن من سلم وعليه صلاة باقية فليتمه ويأتي بما بقي، وهذا بما لا خلاف فيه. "ابن رسلان". (ش).
(4)
قال العلائي: جميع طرقه لم يختلف في شيء منها على أن السجدة بعد السلام، والشافعية أخذوا بحديث أبي سعيد الذي فيه ترغيم للشيطان، ففيه السجود قبل السلام، وقالوا: الأخذ به أولى من حديث ذي اليدين، لأنه قولي ومتضمن للقسمين: الزيادة والنقصان وغير ذلك، وتأولوا حديث ذي اليدين بأن المراد فيه من السلام السلام على النبي، أو هو منسوخ كما أخرجه الشافعي في "الأم"(1/ 359)، أو مرجح بكثرة الطرق
…
إلخ، قاله ابن رسلان. (ش).
سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ.
قَالَ: فَقِيْلَ لِمُحَمَّدٍ: سَلَّمَ في السَّهْوِ؟ فَقَالَ: لَمْ أَحْفَظْهُ (1) مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَكِنْ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ. [خ 714، م 573، ت 399، ن 1224، جه 1214، حم 2/ 37]
===
سجوده) أي في الصلاة (أو أطول) أي منه (ثم رفع) أي رأسه من السجود (وكبَّر، ثم كبَّر) للسجود الثاني (وسجد مثل سجوده)(2) الأول أو في الصلاة (أو أطول) أي منه (ثم رفع) أي رأسه من السجود (وكبَّر).
(قال) أي أيوب: (فقيل لمحمد: سلَّم في السهو؟ ) بتقدير حرف الاستفهام، أي هل ذكر أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلَّم بعد سجود السهو؟ (فقال) محمد:(لم أحفظه) أي السلام بعد سجود السهو (من أبي هريرة، ولكن نبئت) أي أخبرت (أن عمران بن حصين قال) أي في حديثه: (ثم سلَّم) أي بعد الفراغ من سجدتي السهو.
اختلفت النسخ في قوله: "ثم رفع وكبَّر، ثم كبَّر وسجد"، ففي جميع النسخ الموجودة عندنا من المكتوبة بالخط القديمة والمصرية والمجتبائية والكانفورية هكذا:"ثم رفع وكبَّر، ثم كبَّر وسجد"، ولكن في النسخة القادرية ونسخة "عون المعبود" خلاف هذا ففيهما:"ثم رفع وكبَّر وسجد"، ولم يذكر فيهما "ثم كبَّر".
ويؤيدهما ما أخرجه البيهقي في "سننه"(3) عن أبي داود فقال فيه: "وصلَّى الركعتين الباقيتين، ثم سلَّم، ثم كبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبَّر".
(1) وفي نسخة: "لم أحفظ".
(2)
بسط ابن رسلان على معنى المثل والشبه. (ش).
(3)
"السنن الكبرى"(2/ 357).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ويؤيدهما أيضًا ما أخرجه الطحاوي (1) من طريق أسد عن حماد بن زيد بهذا السند، فقال فيه:"فصلى بنا الركعتين الباقيتين، ثم سلَّم، ثم كبَّر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه، فكبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول".
قال الحافظ (2): وفي الحديث جواز البناء على الصلاة لمن أتى بالمنافي سهوًا، وقال سحنون: إنما يبني من سلَّم من ركعتين كما في قصة ذي اليدين، لأن ذلك وقع على غير القياس، فيقتصر به على مورد النص، والذين قالوا بجواز البناء مطلقًا قيدوه بما إذا لم يطل الفصل.
واختلفوا في قدر الطول فحده الشافعي في "الأم" بالعرف، وفي "البويطي" بقدر ركعة، وعن أبي هريرة قدر الصلاة التي يقع السهو فيها.
وفيه أن الكلام سهوًا لا يقطع الصلاة خلافًا للحنفية. وأما قول بعضهم: إن قصة ذي اليدين كانت قبل نسخ الكلام في الصلاة فضعيف، لأنه اعتمد على قول الزهري: إنها كانت قبل بدر، وقد قدمنا أنه إما وهم في ذلك، أو تعددت القصة لذي الشمالين المقتول ببدر ولذي اليدين الذي تأخرت وفاته بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت شهود أبي هريرة للقصة كما تقدم وشهدها عمران بن حصين وإسلامه متأخر أيضًا.
وروى معاوية بن خديج قصة أخرى في السهو، ووقع فيها الكلام ثم البناء، أخرجها أبو داود وابن خزيمة وغيرهما، وكان إسلامه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين، انتهى ملخصًا.
وأجاب عنه العيني (3)، قلت: وقع في كتاب النسائي أن ذا اليدين
(1)"شرح معاني الآثار"(1/ 444).
(2)
"فتح الباري"(3/ 102).
(3)
"عمدة القاري"(5/ 641 - 642).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والشمالين واحد، كلاهما لقب (1) على الخرباق حيث قال: أخبرنا محمد بن رافع بسنده عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن سليمان، عن أبي هريرة قال:"صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر، فسلَّم من ركعتين فانصرف، فقال له ذو الشمالين بن عمرو: أنقصت الصلاة أم نسيت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق يا رسول الله صلى الله عليه وسلم "، الحديث، وهذا سند صحيح متصل، صرَّح فيه بأن ذا الشمالين هو ذو اليدين.
وروى النسائي أيضًا بسندٍ صحيح صرَّح فيه أيضًا أن ذا الشمالين هو ذو اليدين، وقد تابع الزهري على ذلك عمران بن [أبي] أنس، قال النسائي (2): أخبرنا عيسى بن حماد بسنده عن عمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى يومًا فسلَّم في ركعتين ثم انصرف، فأدركه ذو الشمالين فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال: لم تنقص الصلاة ولم أنسَ، قال: بلى، والذي بعثك بالحق، قال
(1) وقال ابن رسلان: اختلفوا ها هنا في موضعين: الأول: أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد أو اثنان، ولا خلاف بين أهل السير أن ذا الشمالين قتل ببدر، فالجمهور على أن ذا اليدين غيره لروايات أبي هريرة في شهوده القصة، ثم بسط طرقه، ثم قال: قال الأثرم: سمعت مسددًا يقول: الذي قتل هو ذو الشمالين
…
إلخ، واختار عياض في "الإكمال" أنهما قصتان: إحداهما: قبل بدر لذي الشمالين، ولم يشهدها أبو هريرة بل أرسل، والثانية: لذي اليدين وشهدها أبو هريرة.
والموضع الثاني: أن الخرباق هو ذو اليدين أو غيره، فالذي اختاره عياض وابن الأثير والنووي في غير موضع أنهما واحد، وجعلهما ابن حبان اثنين، وقال ابن عبد البر: يحتمل ويحتمل، وقال ابن الجوزي: قولان: أحدهما: أنه عمير، قال العلائي: هو وهم، فإن عميرًا هو ذو الشمالين، وقال أيضًا في موضع آخر: هو الخرباق، قال ابن الأثير: يقال له ذو اليدين وذو الشمالين، وقال ابن حبان: الخرباق غير ذي اليدين، وقال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون الخرباق غير ذي اليدين، ويحتمل أن يكون هو، وكذا قال القرطبي والنووي، اختاره عياض والنووي في غير موضع أنه غيره. (ش).
(2)
"سنن النسائي"(1228).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فصلَّى بالناس ركعتين". وهذا أيضًا سند صحيح على شرط مسلم.
وأخرج نحوه الطحاوي عن ربيع المؤذن عن شعيب بن الليث عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب إلى آخره.
فثبت أن الزهري لم يهم، ولا يلزم من عدم تخريج ذلك في "الصحيحين" عدم صحته، فثبت أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد.
والعجب من هذا القائل أنه مع اطلاعه على ما رواه النسائي من هذا كيف اعتمد على قول من نسب الزهري إلى الوهم، ولكن أريحية العصبية تحمل الرجل على أكثر من هذا.
وقال هذا القائل أيضًا: وقد جوَّز بعض الأئمة أن تكون القصة لكل من ذي الشمالين وذي اليدين، وأن أبا هريرة روى الحديثين، فأرسل أحدها وهو قصة ذي الشمالين، وشاهد الآخر وهو قصة ذي اليدين.
قلت: هذا يحتاج إلى دليل صحيح، وجعل الواحد اثنين خلاف الأصل، وقد يلقب الرجل بلقبين وأكثر.
وقال أيضًا: ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ: "بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر" الحديث.
قلت: هذا الحديث رواه مسلم من خمس طرق، فلفظه في الطريقين:"صلَّى بنا"، وفي طريق:"صلَّى لنا"، وفي طريق:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى ركعتين"، وفي طريق:"بينما أنا أصلي"، وفي ثلاث طرق التصريح بلفظ:"ذي اليدين"، وفي الطريقين بلفظ:"رجل من بني سليم"، وفي الطريق الأول:"إحدى صلاتي العشي"، إما الظهر أو العصر بالشك، وفي الثاني:"إحدى صلاتي العشي" من غير ذكر الظهر والعصر بدون اليقين، وفي الثالث:"صلاة العصر" بالجزم، وفي الرابع والخامس:"صلاة الظهر" بالجزم، فهذا كله يدل على اختلاف القضية، وإلا يكون فيه إشكال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فإذا كان الأمر كذلك يحتمل أن يكون الرجل المذكور الذي نص عليه أنه من بني سليم غير ذي اليدين، وأن تكون قضيته غير قضية ذي اليدين، وأن أبا هريرة شاهد هذا حتى أخبر عن ذلك بقوله:"بينا أنا أصلي"، وكون ذي اليدين من بني سليم على قول من يدعي ذلك لا يستلزم أن لا يكون غيره من بني سليم.
وحاصل هذا الجواب أن هذه القصة التي وقعت في هذا الحديث هي قصة غير قصة ذي اليدين، شاهد أبو هريرة هذه القصة ووقعت في زمنه عند مشاهدته، والرجل الذي تكلم ليس هو ذا اليدين بل هو غيره، واتفق أنه أيضًا من بني سليم، وليس فيه ذكر التكلم في الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما تكلم الرجل في الصلاة فمفسد لصلاته، ولم يتعرض في الحديث بذكر إعادة صلاته ولا لعدمها، فلا يستدل بهذا الحديث على جواز كلام المصلح والساهي في الصلاة.
وأجاب عنه الشيخ العلامة النيموي في "آثار السنن"(1)، قلت: وأما قوله: "بينا أنا أصلي" فليس بمحفوظ، ولعل بعض رواة هذا الحديث فهم من قول أبي هريرة صلَّى بنا، أنه كان حاضرًا فروى هذا الحديث بالمعنى على ما زعمه، وقد أخرجه مسلم من خمس طرق، فلفظه في طريقين:"صلَّى بنا"، وفي طريق:"صلَّى لنا"، وفي طريق:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى ركعتين"، وفي طريق:"بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، تفرد به يحيى بن أبي كثير، وخالفه غير واحد من أصحاب أبي سلمة وأبي هريرة، فكيف يقبل أن أبا هريرة قال في هذا الخبر بينما أنا أصلي؟
قلت: مدار البحث والاستدلال في هذه المسألة موقوف على أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد، وأنه استشهد ببدر، ولم يدركه أبو هريرة، لأن إسلامه سنة سبع من الهجرة، وقد أتى الشيخ العلامة النيموي في هذه المسألة بكلام مشبع حسن نورده ها هنا ملخصًا، فقال (2): ثم لا يخفى أن حديث أبي هريرة من
(1)(1/ 148).
(2)
"آثار السنن"(1/ 143 - 148).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
مراسيل الصحابة، لأن ذا اليدين قتل ببدر، وكان إسلام أبي هريرة بعده عام خيبر سنة سبع من الهجرة، واستدل على ذلك بثلاثة وجوه:
أحدها: أن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه - نص بأن إسلام أبي هريرة كان بعد ما قتل ذو اليدين، أخرجه الطحاوي في "معاني الآثار" بسنده عن ابن عمر أنه ذكر له حديث ذي اليدين فقال: كان إسلام أبي هريرة بعد ما قتل ذو اليدين.
قلت: رجاله كلهم ثقات إلَّا العمري فاختلف فيه، قواه غير واحد من الأئمة، وضعفه النسائي وابن حبان وغيرهما من المتشددين، وأحسن شيء فيه ما قاله الذهبي في "الميزان": صدوق في حفظه شيء، وهذا لا ينحط حديثه عن درجة الحسن، وقد حسن حديثه غير واحد من أهل العلم، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": قال أبو يعلى: عن رجل عن سعيد المقبري، قال: فإن كان هو العمري فالحديث حسن، وأخرج له مسلم في "صحيحه"، وقال الذهبي في "الميزان": قال الدارمي: قلت لابن معين: كيف حاله في نافع؟ قال: صالح ثقة، قلت: هذا الأثر أخرجه الطحاوي من طريق العمري عن نافع، فهو حسن جدًا.
وثانيها: أن ذا الشمالين هو ذو اليدين كلاهما واحد، واستدل على ذلك بوجوه:
منها ما رواه الزهري في حديث أبي هريرة ذا الشمالين مكان ذي اليدي، أخرجه النسائي في "سننه" بوجهين، وكذلك غير واحد من المخرجين.
ومنها ما رواه البزار والطبراني في "الكبير" عن ابن عباس قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا ثم سلم، فقال له ذو الشمالين: أنقصت الصلاة يا رسول الله؟ قال: كذلك يا ذا اليدين؟ قال: نعم، فركع ركعة، وسجد سجدتين.
ومنها ما قال ابن اسعد في "طبقاته": ذو اليدين ويقال: ذو الشمالين، اسمه عمير بن عمرو بن نضلة من خزاعة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ومنها ما قال ابن حبان في "ثقاته": ذو اليدين، ويقال له: ذو الشمالين أيضًا ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، وقال أيضًا: ذو الشمالين عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عامر بن الحارث بن غُبشان الخزاعي حليف بني زهرة.
ومنها ما قال أبو عبد الله محمد بن يحيى العدني في "مسنده": قال: أبو محمد الخزاعي ذو اليدين أحد أجدادنا، وهو ذو الشمالين.
ومنها ما قال المبرد في "الكامل": ذو اليدين هو ذو الشمالين كان يسمى بهما جميعًا.
ومنها أن ذا اليدين يقال له: الخرباق، وهو ابن عمرو بن نضلة، وذو الشمالين أيضًا ابن عبد عمرو بن نضلة.
قلت: فثبت بهذه الأقوال أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد، وقد اتفق أهل الحديث والسير أن ذا الشمالين استشهد ببدر.
قال ابن إسحاق في "مغازيه": هو خزاعي، يكنى أبا محمد، حليف لبني زهرة، قدم أبوه مكة فحالف عبد الحارث بن زهرة، شهد بدرًا وقتل بها، قتله أسامة الجشمي، وقيل: إنه قتل يوم أحد، والأول أصح وأكثر.
وقال ابن هشام في "سيرته": واستشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش إلى أن قال: وذو الشمالين ابن عبد عمرو بن نضلة حليف له من خزاعة.
وقال البيهقي في "المعرفة": وذو الشمالين هو ابن عبد عمرو بن نضلة حليف لبني زهرة من خزاعة، استشهد يوم بدر، وهكذا ذكره عروة بن الزبير وسائر أهل العلم بالمغازي.
وثالثها: أن الزهري - وهو أحد أركان الحديث وأعلم الناس بالمغازي- قد نص على أن قصة ذي اليدين كانت قبل بدر، قال ابن حبان في "صحيحه" في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
النوع السابع عشر من القسم الخامس بعد ما أخرج حديث أبي هريرة من قصة ذي اليدين: قال الزهري: كان هذا قبل بدر، ثم أحكمت الأمور بعد.
قلت: وقد وافقه على ذلك ابن وهب على ما حكاه عنه العلامة ابن التركماني في "الجوهر النقي"، حيث قال: ذكر عن ابن وهب أنه قال: إنما كان حديث ذي اليدين في بدء الإِسلام.
قلت: فثبت بهذه الوجوه أن ذا اليدين هو ذو الشمالين الذي استشهد ببدر، وأن أبا هريرة لم يكن حاضرًا في قصة السهو.
واعترضوا عليه بوجوه: قال أبو عوانة في "صحيحه": قال بعض الناس: ذو اليدين وذو الشمالين واحد، ويحتجون بحديث رواه الزهري، ويطعنون في هذا الحديث بأن ذا الشمالين قتل يوم بدر، وأن أبا هريرة لم يدركه، وليس كما يقولون، وذلك أن ذا اليدين ليس هو ذا الشمالين، لأن ذا اليدين رجل سماه بعضهم الخرباق، عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات بذي خشب على عهد عمر، وذو الشمالين هو ابن عمرو حليف لبني زهرة، وقد صحَّ في هذه الأحاديث أنه صلَّى مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة، انتهى.
وقال ابن منده: ذو اليدين رجل من وادي القرى يقال له: الخرباق، أسلم في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والسهو كان بعد أحد، وقد شهده أبو هريرة، وأبو هريرة شهد من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع سنين، وذو اليدين من بني سليم، وذو الشمالين من أهل مكة قتل يوم بدر قبل سهو النبي صلى الله عليه وسلم بست سنين، وهو رجل من خزاعة حليف بني أمية، قال: ووهم فيه الزهري فجعل مكان ذي اليدين ذا الشمالين.
وقال البيهقي في "المعرفة" ما ملخصه: أن الزهري وهم في قوله: ذي الشمالين، وإنما هو ذو اليدين، وذو الشمالين تقدم موته فيمن قتل ببدر، وذو اليدين بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(1): لم يتابع الزهري على قوله: إن المتكلم ذو الشمالين، لأنه قتل يوم بدر فيما ذكره ابن إسحاق وغيره.
وقال ابن الأثير الجزري في "أسد الغابة"(2): ذو اليدين واسمه الخرباق من بني سليم، كان ينزل بذي خشب من ناحية المدينة، وليس هو ذا الشمالين، ذو الشمالين خزاعي حليف لبني زهرة، قتل يوم بدر، وقد ذكرناه، وذو اليدين عاش حتى روى عنه المتأخرون من التابعين.
وقال السهيلي في "الروض الأنف"(3): روى الزهري حديث التسليم من الركعتين، وقال فيه: فقام ذو الشمالين رجل من بني زهرة، وهو غلط عند أهل الحديث، وإنما هو ذو اليدين السلمي، واسمه الخرباق، وذو الشمالين قتل ببدر، والحديث شهده أبو هريرة وكان إسلامه بعد بدر بسنين، ومات ذو اليدين السلمي في خلافة معاوية، وروى هذا الحديث عنه ابنه مطير بن الخرباق، ورواه عنه ابنه شعيب بن مطير، ولما رأى المبرد حديث الزهري قال: ذو اليدين هو ذو الشمالين كان يسمى بهما جميعًا، ذكره في آخر كتابه "الكامل"، وجهل ما قاله أهل الحديث.
وقال الحافظ في "فتح الباري"(4): اتفق أئمة الحديث كما نقله ابن عبد البر وغيره على أن الزهري وهم في ذلك إلى أن قال: وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين، ونص على ذلك الشافعي في اختلاف الحديث، ثم قال بعد ورقتين: وقد تقدم أن الصواب التفرقة بين ذي اليدين وذي الشمالين، انتهى.
(1)(1/ 364).
(2)
(2/ 154).
(3)
(5/ 298).
(4)
(3/ 96).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قلت: حاصل كلامهم أن الزهري وهم في جعله ذا الشمالين مكان ذي اليدين، والذي قتل ببدر هو ذو الشمالين غير ذي اليدين، واستدلوا على ذلك بوجوه.
أحدها: أن ذا اليدين اسمه الخرباق اعتمادًا على ما في مسلم من حديث عمران: فقام رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول، وأما ذو الشمالين فاسمه عمير.
وثانيها: أن ذا اليدين سلمي اعتمادًا على ما رواه مسلم في رواية: "فأتاه رجل من بني سليم"، ويؤيده ما أخرجه السيوطي في "جمع الجوامع" ثم علي المتقي في "كنز العمال" عن عبد بن عمير في قصة السهو:"فأدركه ذو اليدين أخو بني سليم".
وثالثها: أن ذا اليدين بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عنه المتأخرون من التابعين.
واستدلوا على ذلك بخبرين:
أحدهما: ما رواه عبد الله بن أحمد في زيادات "المسند" والطبراني في "الكبير" وآخرون في تصانيفهم من طريق معدي بن سليمان قال: ثنا شعيب بن مطير عن أبيه مطير، ومطير حاضر يصدق مقالته قال: كيف كنت أخبرتك قال: يا أبتاه أخبرتني أنك لقيك ذو اليدين بذي خشب، فأخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى بهم إحدى صلاتي العشي وهي العصر، الحديث.
وثانيهما: ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمرو بن مهاجر أن محمد بن سويد أفطر قبل الناس بيوم فأنكر عليه عمر بن عبد العزيز، فقال: شهد عندي فلان أنه رأى الهلال، فقال عمر: أَوَ ذو اليدين هو؟
ورابعها: أن حديث الخرباق أخرجه مسلم وغيره عن عمران بن حصين وهو متأخر الإِسلام، أسلم عام خيبر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وخامسها: أن أبا هريرة حضر القصة يدل عليه قوله: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: يا للعجب كيف ينسبون الوهم إلى الزهري ويزعمون أنه متفرد بذكر ذي الشمالين، وقد مرَّ ما يوافقه على جعله ذا الشمالين مكان ذي اليدين من حديث ابن عباس عند البزار والطبراني، ومن أقوال غير واحد من أهل العلم، وقد تابعه في ذلك عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة عند النسائي والطحاوي بإسناد قوي، قال العلامة ابن التركماني في "الجوهر النقي" (1): هذا سند صحيح على شرط مسلم، وقال الطحاوي في "معاني الآثار" (2): حدثنا ربيع المؤذن بسنده عن أبي هريرة فذكر نحوه وهذا أيضًا سند صحيح.
وأما ما علَّله بعض الجهلة بأن يزيد بن أبي حبيب كان يرسل، فمردود بأن حكم من يرسل ليس كحكم المدلس حتى لا يحتج بعنعنته، وقد احتج الشيخان بعنعنة يزيد بن أبي حبيب في "صحيحيهما".
قلت: فبطل بذلك قول الذين زعموا أن ذا الشمالين لم يذكره أحد في هذه الرواية إلَّا الزهري.
وأما ما استدلوا به على وهمه من الوجوه المتقدمة فنستوفي عليه الكلام بفضل الله الملك العزيز العلَّام.
أما الأول: فيجاب عنه: بأن الذي تكلم في السهو يقال له الخرباق وعمير وذو اليدين وذو الشمالين جميعًا، وقيل: عبد الله أيضًا.
قال العلَّامة ابن الأثير في "جامع الأصول"(3): الخرباق السلمي: اسمه
(1)(2/ 368).
(2)
(1/ 445).
(3)
(13/ 452).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عمير بن عبد عمرو، يكنى أبا محمد، ويقال له: ذو اليدين وذو الشمالين، والخرباق لقب، وقيل: هما اثنان.
وقال الشيخ محمد طاهر في كتابه "المغني"(1): الخرباق بكسر خاء وسكون راء وبموحدة وبقاف، اسمه عمير بن عبد عمرو، ويقال له: ذو اليدين وذو الشمالين، وقيل: هما اثنان.
وقال السمعاني في "أنسابه"(2): ذو الشمالين هذا لقب عبد الله بن عمرو بن نضلة الخزاعي المكي، له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل له: ذو الشمالين، لأنه كان يعمل بيديه، روى قصته أبو هريرة، وروى عنه مطير أيضًا، انتهى.
قلت: ويؤيده ما رواه الدارمي في رواية" ولفظه: فقال له ذو الشمالين، لأنه كان يعمل بيديه، روى قصته أبو هريرة، وروى عنه مطير أيضًا، انتهى.
قلت: ويؤيده ما رواه الدارمي في رواية، ولفظه: فقال له ذو الشمالين عبد الله بن عمرو بن نضلة الخزاعي، وهو حليف بني زهرة.
وأما الثاني: فيجاب عنه: بأن ذا اليدين أيضًا من خزاعة كما نص على ذلك ابن سعد في "طبقاته" وابن حبان في "ثقاته" وقد مرَّت عباراتهما، وقد يدل على ذلك ما قاله أبو محمد الخزاعي من أن ذا اليدين أحد أجدادنا، وأما ذو الشمالين فقد ثبت أن اسم أحد أجداده كان سليمًا.
قال ابن هشام في "سيرته" في باب من حضر ببدر: قال ابن إسحاق: وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم بن ملكان بن أقصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة، انتهى، فما ورد في قصة
(1)(ص 90).
(2)
(2/ 273).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
السهو رجل من بني سليم أراد بذلك سليم بن ملكان، وهو من خزاعة لا سليم بن منصور الذي ليس بخزاعي فاحفظه، فإن هذا الجواب لا تجده في غير هذا الكتاب.
وأما الثالث: فيجاب عنه: بأن ما رواه عبد الله بن أحمد وغيره من حديث ذي اليدين عن معدي بن سليمان عن شعيب بن مطير عن مطير، فهذه سلسلة الضعفاء، أما معدي بن سليمان فقال الذهبي في "ميزانه": قال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به، وقال الحافظ في "التقريب": ضعيف، وأما شعيب بن مطير فلا يعرف، وأما مطير فقال الذهبي في "ميزانه": قال البخاري: لم يصح حديثه، وقال الحافظ في "التقريب": مجهول الحال.
قلت: فثبت أن إسناده في غاية الضعف فلا يصلح أن يستدل به على شيء مما يعارض بما هو أقوى من حيث الدليل، ولضعف هذا السند قال البيهقي في "المعرفة": ذو اليدين بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال، وأما ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن سويد فلا دخل له في الباب، لأن عمر بن عبد العزيز شبه الرجل الذي رأى الهلال بذي اليدين فيما أخبره مما يتعجب منه، والعجب أنهم يزعمون أن ذا اليدين عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمانًا، ومع ذلك لم يرو عنه غير مطير الذي هو مجهول مع أن قصته من أعجب الأمور.
وأما الرابع: فيجاب عنه: بأن عمران لم يرو عنه شيء مما يدل على حضوره يوم ذي اليدين، وقد أخرجه النسائي وغيره عن عمران بلفظ: صلَّى بهم، وظاهر هذا القول أنه لم يحضر تلك الصلاة، فيحمل حديثه على الإرسال.
وأما الخامس: وهو من أقوى الأدلة لمن ذهب إلى وهم الزهري فيجاب عنه: بأن الطحاوي حمل قوله: "صلَّى بنا" على المجاز، وقال: إنما قول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أبي هريرة (1) عندنا صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بالمسلمين، وهذا جائز في اللغة، ثم استشهد عليه بقول النزال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لم يدركه، وبقول طاوس: قدم علينا معاذ بن جبل، وهو لم يحضره، وبقول الحسن: خطبنا عتبة بن غزوان، وهو لم يشهده، إنما يريدون بذلك قومهم وأهل بلدتهم، فكذلك قول أبي هريرة في حديث ذي اليدين: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد به صلَّى بالمسلمين.
واعترض عليه البيهقي في "المعرفة" بأن هذا ترك الظاهر على أنه رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجز في هذا القول معناه صلَّى بالمسلمين، انتهى ملخصًا.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(2): ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة في هذا الحديث، عن أبي هريرة بلفظ:"بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قلت: لم يترك الظاهر إلَّا بالقرينة الصارفة القوية، وقد أسلفناها، وقد ارتكبها البيهقي أيضًا في "السنن الكبرى" في باب البيان أن النهي مخصوص ببعض الأمكنة فيما رواه عن مجاهد قال: جاءنا أبو ذر إلى آخره، ثم قال مجاهد: لا يثبت له سماع عن أبي ذر، وقوله: جاءنا، يعني جاء بلدنا.
قلت: وأما قوله: بينما أنا أصلي، فليس بمحفوظ، ولعل بعض رواة هذا الحديث فهم من قول أبي هريرة: صلَّى بنا، أنه كان حاضرًا، فروى هذا الحديث بالمعنى على ما زعمه، وقد أخرجه مسلم من خمس طرق، فلفظه في طريقين:"صلَّى بنا"، وفي طريق:"صلَّى لنا"، وفي طريق: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) وقال أبو هريرة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر إذا أصبح الرجل جنبًا كما في "الإكمال" و"الأوجز"(5/ 78)، وجزم الحافظ بمثل هذا المجاز في الحديثين. (ش).
(2)
(3/ 97).
1009 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عن مَالِكٍ، عن أَيُّوبَ، عن مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِ- وَحَدِيثُ حَمَّادٍ أَتَمُّ- قَالَ: صَلَّى (1) رَسُوِلُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ "بِنَا" وَلَمْ يَقُلْ "فَأَوْمَؤوا". قَالَ: - فَقَالَ النَّاسُ: نعَمْ. قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ- وَلَمْ يَقُلْ: وَكَبَّرَ- ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثمَّ رَفَعَ، وَتَمَّ حَدِيثُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ: مَا بَعْدَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ:"فَأَوْمَؤوا" إِلَّا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. [خ 1228]
===
صلَّى ركعتين"، وفي طريق: "بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، تفرد به يحيى بن أبي كثير، وخالفه غير واحد من أصحاب أبي سلمة وأبي هريرة، فكيف يقبل أن أبا هريرة قال في هذا الخبر: بينما أنا أصلي؟ .
فخلاصة الكلام: أن ما زعموه من أن إسلام أبي هريرة كان في قصة ذي اليدين فسخيف جدًا، ويكفيك ما روي في الباب عن ابن عمر وابن عباس والزهري وغيرهم من أهل العلم، وقد أطنبنا الكلام في هذا المقام لأنه من مزال الأقدام.
1009 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أيوب) السختياني، (عن محمد) بن سيرين (بإسناده) أي بإسناد محمد (وحديث حماد) أي المتقدم (أتم) من حديث مالك عن أيوب (قال) أي مالك عن أيوب:(صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يقل) أي مالك: (بنا، ولم يقل) أي مالك: (فأومؤوا. قال: فقال الناس: نعم) أي قال مالك في حديثه في موضع قوله: فأومؤوا: فقال الناس: نعم.
(قال) أي مالك: (ثم رفع، ولم يقل: وكبر) حاصله أن مالكًا لم يذكر التكبير مع رفع الرأس عن السجود الأول للسهو (ثم كبر وسجد مثل سجوده) أي الأول أو في الصلاة مطلقًا (أو أطول ثم رفع) ولم يذكر ههنا أيضًا وكبر (وتم حديثه ولم يذكر ما بعده) أي ما بعد ثم رفع، وذكره حماد وهو قوله: فقيل لمحمد إلى آخر الحديث (ولم يذكر فأومؤوا إلَّا حماد بن زيد) حاصله أن كل
(1) في نسخة: "ثم صلى".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَقُلْ "فَكَبَّرَ" وَلَا ذَكَرَ "رَجَعَ".
===
من روى هذا الحديث لم يذكر أحد منهم الإيماء بل ذكر كلهم لفظ نعم، أو غير ذلك من الألفاظ، إلَّا حماد بن زيد فإنه ذكر الإيماء.
(قال أبو داود: وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر، ولا ذكر رجع)، هذه العبارة من قوله: قال أبو داود: إلى قوله: "رجع" ليست بموجودة في النسخة المصرية، ولا في الهندية الكانفورية، ولكن مكتوبة في حاشية النسخة القلمية القديمة، ونقل عنها في النسخ الدهلوية، والأولى حذفها، ومعناها على صورة وجودها أن أبا داود يقول: كل من روى هذا الحديث من الرواة، لم يقل:"فكبر" ولا ذكر "رجع"، إلَّا حماد بن زيد عن أيوب، فإنه ذكر ثم رفع أي رأسه من السجود الأول، وكبر ثم كبر.
وهذا على النسخ الموجودة عندنا غير نسخة "عون المعبود"، وأما على نسخته فليس هذا في حديث حماد بن زيد أيضًا بل فيها: ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر.
قلت: اختلف المحدثون في رواية مالك فروى مالك في "موطئه"(1): عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلي ركعتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع" فلم يذكر مالك بعد قوله: ثم رفع الأول لفظ وكبر، كما ذكره حماد بن زيد في حديثه عن أيوب.
(1)(1/ 93).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وما قال صاحب "العون"(1): لم يقل أحد منهم فكبَّر، أي زيادة لفظ فكَبَّر قبل قوله: ثم كبر فسجد غير حماد بن زيد عن هشام بن حسان، فإن حماد بن زيد عن هشام قال: فكبر ثم كبر فسجد، فليس في محله، فإن ههنا إشارة إلى الاختلاف الواقع بين حديث مالك عن أيوب، وبين حديث حماد بن زيد عن أيوب، كما يدل عليه العبارة المتقدمة.
وأما الاختلاف الواقع بين حديث حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن محمد، وبين حديث حماد بن زيد، عن أيوب ويحيى بن عتيق وابن عون عن محمد، وحديث حبيب بن شهيد وحميد ويونس وعاصم الأحول عن محمد، وحديث حماد بن سلمة وأبي بكر بن عياش عن هشام، فهو اختلاف آخر، وسيأتيك شرحه في محله، والله تعالى أعلم.
وأخرج البخاري (2) عن مالك بهذا السند: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع"، ولم يذكر في رواية البخاري التكبير مع رفع الرأس من السجود الأول، وكذا السجدة الثانية وتكبيرتيها.
وأما مسلم فلم يخرج حديث مالك بهذا السند، ولكن أخرج (3) حديث مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيام مولى ابن أبي أحمد أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم في ركعتين، الحديث، فزاد مسلم في حديثه لفظ "لنا"، وليس هذا اللفظ في "الموطأ" برواية يحيى، وليس فيه ذكر التكبيرات مع السجدتين.
(1)"عون المعبود"(3/ 318).
(2)
"صحيح البخاري"(1228).
(3)
"صحيح مسلم"(99/ 573).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأيضًا أخرج مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب بهذا السند: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، فسلم في ركعتين، ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد فاستند إليها مغضبًا، وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه، وخرج سرعان الناس. قصرت الصلاة، فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يمينًا وشمالًا، فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق لم تصل إلَّا ركعتين، فصلى ركعتين وسلم، ثم كبر، ثم سجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر ورفع"، قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلم، وفي هذا الحديث ذكر التكبيرات الأربع مع السجدتين، ففي قول أبي داود هذا قوله:"ولا ذكر رجع" مسلم، فإني لم أجد لفظ "رجع" في حديث أحد منهم إلَّا ما ذكر حماد بن زيد عن أيوب كما تقدم.
وأما قوله: "لم يقل: فكبر" غير مسلم، فإنه أخرج مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب، ففيه: فصلى ركعتين وسلم، ثم كبر، ثم سجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر ورفع، الحديث.
وكذلك وقع عند النسائي (1) من حديث يزيد بن زريغ قال: حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وفيه: فجاء فصلى الذي تركه، ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه، ثم كبر.
وكذلك وقع عند البخاري (2) من حديث يزيد بن إبراهيم برواية حفص بن عمر عن محمد، عن أبي هريرة، وفيه: ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر.
(1)"سنن النسائي"(1224).
(2)
"صحيح البخاري"(1229).
1010 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا بِشْرٌ - يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ-، نَا سَلَمَةُ - يَعْنِي ابْنَ عَلْقَمَةَ -، عن مُحَمَّدٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى (1) حَمَّادٍ كُلِّهُ إِلَى آخِرِ قَوْلِهِ: نُبَئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ، قَالَ: قُلْتُ: فَالتَّشَهُّدُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ في التَّشْهُّدِ، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَشَهَّدَ،
===
1010 -
(حدثنا مسدد، نا بشر -يعني ابن المفضل-، نا سلمة، يعني ابن علقمة) التميمي، أبو بشر البصري، قال أحمد: بخ ثقة، وقال ابن المديني: ثبت، ووثقه ابن سعد وابن معين وأبو حاتم والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن محمد) بن سيرين، (عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى) أي حدث بمعنى حديث (حماد كله إلى آخر قوله: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم) وفي هذا الحديث زيادة على حديث حماد وهي قوله: (قال) أي سلمة: (قلت) لمحمد بن سيرين: (فالتشهد) هل هو مذكور في الحديث أم لا؟ (قال) ابن سيرين: (لم أسمع في التشهد) أي في حديث أبي هريرة (وأحب إليَّ (2) أن يتشهد).
قال الزرقاني في شرح "الموطأ"(3): قال: قلت لمحمد يعني ابن سيرين: في سجدتي السهو تشهد؟ قال: ليس في حديث أبي هريرة، ومفهومه أنه ورد في حديث غيره، وقد روى أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم من طريق أشعث بن عبد الملك، عن ابن سيرين، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة،
(1) زاد في نسخة: "حديث".
(2)
قال ابن رسلان: قال عياض: ومذهب مالك في السجدة بعد السلام أن يتشهد، واختلف قوله في ما قبل السلام، وقال أحمد: من يسجد قبل السلام، لا يحتاج إلى التشهد، وإذا سجد بعد السلام يتشهد، وعند الحنفية يتشهد، ثم ذكر اختلاف الأقوال في مذهبه وبسطه. (ش).
(3)
"شرح الزرقاني"(1/ 192).
وَلَمْ يَذْكُرْ: "كَانَ يُسَمِّيهِ ذَا الْيَدَيْنِ"، وَلَا ذَكَرَ:"فَأَوْمَؤُوا"، وَلَا ذَكَرَ:"الْغَضَبَ" وَحَدِيثُ حَمَّادٍ (1) أَتَمُّ. [خزيمة 1035، وانظر تخريج الحديث السابق 1008]
1011 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عليٍّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ وَهِشَام وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ وَابْنِ عَوْنٍ، عن مُحَمَّدٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ كَبَّرَ
===
عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين:"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم"، صححه الحاكم على شرطهما، وقال الترمذي: حسن غريب، وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما، ووهموا رواية أشعث لمخالفة غيره من الحفاظ عن ابن سيرين، فإن المحفوظ عنه في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد، وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد لا ذكر للتشهد فيه كما أخرجه مسلم، فصارت زيادة أشعث شاذة، لكن قد جاء التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي، وعن المغيرة عند البيهقي، وفي إسنادهما ضعف، إلا أنه باجتماع الأحاديث الثلاثة ترتقي إلى درجة الحسن، قال العلائي: وليس ذلك ببعيد، وقد صح ذلك عند ابن أبي شيبة عن ابن مسعود من قوله، انتهى.
(ولم يذكر) أي سلمة بن علقمة: (كان يسميه ذا اليدين، ولا ذكر فأومؤوا، ولا ذكر الغضب) كما ذكر هذه الحروف حماد بن زيد (وحديث (2) حماد) عن أيوب المتقدم (أتم) من هذا الحديث.
1011 -
(حدثنا علي بن نصر، نا سليمان بن حرب، نا حماد بن زيد، عن أيوب وهشام) بن حسان (ويحيى بن عتيق وابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين أنه كبر
(1) وفي نسخة: "حماد عن أيوب".
(2)
وفي "ابن رسلان": بدله: وحديث أيوب أتم من حديث سلمة، فتأمل. (ش).
وَسَجَدَ، وَقَالَ هِشَامٌ - يَعْنِي ابْنَ حَسَّانٍ -: كَبَّرَ، ثُمَّ كبَّرَ وَسَجَدَ. [انظر سابقه]
===
وسجد، وقال هشام (1) - يعني ابن حسان -: كبر ثم كبر وسجد) فزاد حماد بن زيد عن هشام بن حسان على خلاف أصحاب ابن حسان ومحمد بن سيرين لفظ: كبر، وهذا إشارة إلى اختلاف آخر غير الاختلاف المتقدم في حديث مالك، فإن الاختلاف في حديث مالك كان في التكبير الوسطاني، وهذا في التكبير الأول قبل تكبير السجدة الأولى.
قال البيهقي في "سننه"(2) بعد ما أخرج حديث أبي داود هذا: تفرد به حماد بن زيد عن هشام وسائر الرواة عن ابن سيرين، ثم سائر الرواة عن هشام بن حسان لم يحفظ التكبيرة الأولى، وحفظها حماد بن زيد، انتهى.
وقال الحافظ في "الفتح"(3): اختلف في سجود السهو بعد السلام هل يشترط له تكبيرة إحرام أو يكتفى بتكبير السجود؟ فالجمهور على الاكتفاء وهو ظاهر غالب الأحاديث.
وحكى القرطبي (4) أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو، قال: وما يتحلل منه بسلام لا بد له من تكبيرة إحرام، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق حماد بن زيد عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين في هذا الحديث قال: فكبر ثم كبر وسجد للسهو، قال أبو داود: لم يقل أحد: فكبر ثم كبر، إلَّا حماد بن زيد، فأشار إلى شذوذ هذه الزيادة، انتهى.
(1) قال العلائي: لم يأت ذكر تكبير الإحرام صريحًا إلَّا ما رواه حماد عن هشام. (ش).
(2)
(2/ 354).
(3)
"فتح الباري"(3/ 99).
(4)
قال ابن رسلان: أشار القرطبي إلى ترجيح القول باشتراط تكبيرة الإحرام إذا كان بعد السلام، قال: لأن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام، وما يتحلل منه بالسلام لا بدَّ له من تكبيرة الإحرام. "ابن رسلان". (ش).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، وَحُمَيْدٌ، وُيوُنسُ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عن مُحَمَّدٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ زيدٍ عن هِشامٍ أَنَّهُ كَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ (1). وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ عن هِشَامٍ، لَمْ يَذْكُرَا عَنْهُ (2) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ زيدٍ أَنَّهُ كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ.
1012 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عن الأَوْزَاعِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ
===
(قال أبو داود: روى هذا الحديث أيضًا (3) حبيب بن الشهيد وحميد ويونس وعاصم الأحول، عن محمد، عن أبي هريرة لم يذكر أحد منهم ما ذكر حماد بن زيد عن هشام أنه كبر ثم كبر، وروى حماد (4) بن سلمة وأبو بكر بن عياش هذا الحديث عن هشام لم يذكرا عنه) أي عن هشام (هذا الذي ذكره حماد بن زيد) عن هشام (أنه كبر ثم كبر) فما زاد حماد لفظ "كبر" على خلاف أصحاب ابن حسان وأصحاب محمد بن سيرين، فهذه زيادة شاذة.
1012 -
(حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، نا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة
(1) زاد في نسخة: "وسجد".
(2)
زاد في نسخة: "قال أبو داود".
(3)
قلت: أما رواية حبيب بن الشهيد وحميد الطويل ويونس بن عبيد، كلهم عن ابن سيرين، فلم أعثر عليها فيما تتبعت من الكتب، وأوردها الحافظ العلائي في كتابه:"نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد" فارجع إليه. أما رواية عاصم الأحول عن ابن سيرين ورواية حماد بن سلمة عن هشام فأخرجها البزار كما ذكر ذلك الحافظ العلائي في كتابه، ومسند أبي هريرة عند البزار لم يطبع بعد. أما رواية أبي بكر بن عياش فلم أقف عليها.
(4)
وذكر ابن رسلان أيضًا بعض المتابعات الآخر عن ابن خزيمة وغيره لم يقولوا: كبر. (ش).
وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ:"وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْو حَتَّى يَقَّنَهُ (1) اللَّهُ ذَلِكَ". [انظر سابقه]
===
وعبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة بهذه القصة) المتقدمة (قال) أبو هريرة:(ولم يسجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سجدتي السهو حتى يَقَّنَه (2) الله)، أي: ألقى الله اليقين في قلبه، إما بالوحي أو بالتذكر (ذلك) أي السهو.
ولعل قول أبي هريرة هذا مبني على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على يقين من أنه لم ينس في الصلاة، فكيف عمل على خلاف يقينه بما أشار به بعض أصحابه مع أنه لا يجوز يجتهد أن يقلد يجتهد آخر، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب عنه أبو هريرة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد حتى يقنه الله تعالى، ولم يسجد على محض قولهم.
قال في "الدر المختار"(3): ولو اختلف الإِمام والقوم، فلو الإِمام على يقين لم يعد، وإلَّا أعاد بقولهم.
وقال الشامي في "حاشيته": قوله: ولو اختلف الإِمام والقوم أي وقع الاختلاف بينهم وبينه كأن قالوا: صليت ثلاثًا، وقال: بل أربعًا، أما لو اختلف القوم والإمام مع فريق منهم ولو واحدًا أخذ بقول الإِمام، ولو تيقن واحد بالتمام وواحد بالنقص وشك الإِمام والقوم فالإعادة على المتيقن بالنقص فقط، ولو تيقن الإِمام بالنقص لزمهم الإعادة إلَّا من تيقن منهم بالتمام، ولو تيقن واحد بالنقص وشك الإِمام والقوم، فإن كان في الوقت فالأولى أن يعيدوا احتياطًا، ولزمت لو المخبر بالنقص عدلان، من "الخلاصة" و"الفتح".
(1) وفي نسخة: "لَقَّنَه".
(2)
وقال ابن رسلان: لقنه بتشديد القاف وتخفيف النون، قال: وفيه حجة للشافعي أن الإِمام لا يرجع إلى قولهم حتى يتذكر بالسهو، قال العيني (4/ 349): اختلفوا أن الإِمام إذا شك هل يأخذ بقول المقتدي؟ فقيل: نعم، وبه قال أبو حنيفة، وقيل: لا، وبه قال الشافعي، انتهى. (ش).
(3)
انظر: "رد المحتار"(2/ 679).
1013 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، نَا يَعْقُوبُ- يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ -، نَا أَبِي، عن صَالِحٍ، عن ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بنَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ
===
وهذا الذي قلنا في معنى قول أبي هريرة مبني على ظاهر لفظه، والنظر الدقيق يحكم بأن معنى قول أبي هريرة هذا: حتى يقنه الله أي مع أن يقنه الله، فحتى للمصاحبة بمعنى مع كما في قوله: قرأت وردي حتى الدعاء، أي مع الدعاء، ويدل على ذلك ما قال البيهقي في "سننه" (1): ويحيى بن أبي كثير لم يحفظ سجدتي السهو عن أبي سلمة، وإنما حفظهما عن ضمضم بن جوش، وقد حفظهما سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة، ولم يحفظهما الزهري لا عن أبي سلمة ولا عن جماعة حدثوه بهذه القصة عن أبي هريرة، انتهى.
فهذا الكلام يدل على أن حديث الزهري ليس فيه ذكر السجدتين، بل وقع في بعض أحاديثه نفي السجدتين كما أشار إليه أبو داود، وصرح به النسائي، أما ما قال أبو داود فسيأتي، وأما ما قال النسائي (2) فأخرج من طريق الليث، عن عقيل قال: حدثني ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن وابن أبي حثمة، عن أبي هريرة أنه قال:"لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قبل السلام ولا بعده".
1013 -
(حدثنا حجاج بن أبي يعقوب) يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بابن الشاعر، ثقة حافظ، (نا يعقوب، يعني ابن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو يوسف المدني، نزيل بغداد، ثقة فاضل، (نا أبي) إبراهيم بن سعد، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد، ثقة، حجة، تكلم فيه بلا قادح، (عن صالح) بن كيسان، (عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة) واسم أبي حثمة عبد الله بن حذيفة العدوي
(1)"السنن الكبرى"(2/ 358).
(2)
"سنن النسائي"(1232).
أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الخَبَرِ قَالَ:"وَلَمْ يَسْجُدِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُسْجَدَانِ إِذَا شَكَّ حَتَّى لَقَّاهُ النَّاسُ".
قَالَ ابْنُ شِهَاب: وَأَخْبَرَنِي بِهَذَا (1) الخَبَرِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ وَأَبُو بَكرٍ
===
المدني، ثقة، عارف بالنسب (أخبره) أي أخبر أبو بكر ابن شهاب (أنه) أي أبا بكر (بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر) أي حدث حجاج بهذا الخبر المتقدم (قال) ابن شهاب في حديثه:(ولم يسجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (السجدتين اللتين تسجدان إذا شك) المصلي وسها في الصلاة (حتى) وفي نسخة: حين.
وقد أخرج البيهقي (2) بلفظ: "حين" فقط، حديث صالح بن كيسان عن ابن شهاب الزهري أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره أنه بلغه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، ثم سلم، فقال ذو الشمالين بن عبد: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تقصر الصلاة ولم أنس، فقال ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم فقال: أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم ما بقي من الصلاة، ولم يسجد السجدتين اللتين يسجدان إذ شك الرجل في صلاته حين"
…
إلخ، (لقّاه الناس) أي: نبهه الناس.
(قال ابن شهاب: وأخبرني بهذا الخبر سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال) ابن شهاب (3): (وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر) بن
(1) وفي نسخة: "هذا".
(2)
"السنن الكبرى"(2/ 358).
(3)
وكان ابن شهاب يقول: إذا عرف الرجل ما نسي فأتمها فلا يسجد للسهو، قال الإِمام مسلم في "كتاب التمييز" له: قول الزهري: إنه لم يسجد ذلك اليوم خطأ وغلط، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد للسهو ذلك اليوم من حديث الثقات ابن سيرين وغيره، قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا من أهل الحديث عوَّل على حديث الزهري في قصة ذي اليدين. "ابن رسلان". (ش).
ابْنُ (1) الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَعِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنسٍ، عن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ (2)، عن أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذ الْقِصَّةِ (3)، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ.
===
عبد الرحمن (بن الحارث بن هشام وعبيد الله بن عبد الله) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، هكذا زاد البيهقي.
(قال أبو داود: رواه يحيى بن أبي كثير، وعمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة بهذه القصة، ولم يذكر أنه سجد السجدتين) وحديث يحيى بن أبي كثير أخرجه البيهقي (4) من طريق شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، وفي آخره: فصلى بهم ركعتين أخريين، وأخرجه مسلم في "صحيحه"(5). بهذا السند فاختصره، وقال بعد ذكر بعض الرواية: واقتص الحديث (6).
وأما حديث عمران بن أبي أنس، فقد أخرجه النسائي (7) من طريق الليث،
(1) زاد في نسخة: "عبد الرحمن بن".
(2)
زاد في نسخة: "والعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، جميعًا"، قلت: لم يرد ذكرها في أكثر نسخ "سنن أبي داود" وذكرها ابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 359).
(3)
كذا في المجتبائية والقديمة.
(4)
"السنن الكبرى"(2/ 357).
(5)
"صحيح مسلم"(573).
(6)
قلت: أخرج روايته أيضًا أحمد في "مسنده"(2/ 420)، والنسائي في "الكبرى"(562)، وأبو عوانة في "صحيحه"(2/ 196 - 197)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2/ 119) رقم (1038)، والطحاوي في "معانيه"(1/ 445)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 357) من طرق عن يحيى بن أبي كثير بإسناده.
(7)
"سنن النسائي"(1228).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ الزُّبَيْدِيُّ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أَبِي بَكْرٍ بنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيهِ:"وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ". [ن 1231، دي 1497، خزيمة 1042]
1014 -
حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ (1)، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عن سَعْدِ (2) سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ عن أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ (3) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (4) صَلَّى الظُّهْرَ فَسَلَّمَ في الرَّكْعَتَيْنِ،
===
عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يومًا، الحديث، وفي آخره: فصلى بالناس ركعتين.
(قال أبو داود: ورواه الزبيدي) محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي مصغرًا، أبو الهذيل الحمصي القاضي، ثقة، ثبت، من كبار أصحاب الزهري، (عن الزهري، عن أبي بكر (5) بن سليمان بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) الزبيدي (فيه) عن الزهري:(ولم يسجد سجدتي السهو).
1014 -
(حدثنا) عبيد الله (بن معاذ، نا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر، (نا شعبة، عن سعد) بن إبراهيم كما في نسخة، أنه (سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر) ولم يشك في الظهر والعصر (فسلم في الركعتين) أي فسلم سهوًا بعد ما صلى ركعتين
(1) وفي نسخة: "عبيد الله بن معاذ".
(2)
وفي نسخة: "سعد بن إبراهيم".
(3)
وفي نسخة: "عن".
(4)
زاد في نسخة: "أنه".
(5)
قلت: أخرج حديث أبي بكر مالك في "موطئه"(1/ 94) عن الزهري عن أبي بكر قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، وليس فيه ذكر السجدة لا نفيًا ولا إثباتًا، وقد تقدم عن الزهري بأسانيد: لم يسجد حتى لقاه الناس، فهذا القول إما من غير الزهري، أو مؤول بأنه لم يسجد حتى يقَّنه الله. (ش).
فَقِيلَ لَهُ: نُقِصَتِ الصَّلَاةَ؟ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ". [خ 715، ن 1227، حم 2/ 386 - 468]
1015 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَسَدٍ، أَنَا شَبَابَةُ، نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عن أَبِي هُرَيْرَةَ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: "كُلَّ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَلْ". فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ".
===
(فقيل له: نُقِصَت الصلاة؟ ) بتقدير حرف الاستفهام فتنبهه للسهو (فصلى ركعتين أي أخريين (ثم سجد سجدتين) أي للسهو.
1015 -
(حدثنا إسماعيل بن أسد) هو إسماعيل بن أبي الحارث أسد بن شاهين البغدادي، أبو إسحاق، قال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال الدارقطني: ثقة صدوق ورع فاضل، وقال البزار: ثقة مأمون، وذكره ابن حبان في "الثقات"، (أنا شبابة) بن سوار، (نا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف) أي من الصلاة (من الركعتين من صلاة المكتوبة) أي بعد ما صلى الركعتين من الصلاة المكتوبة الرباعية، ولفظ "الصلاة" غير معرف باللام في جميع النسخ الموجودة إلَّا في النسخة الكانفورية بإضافة الموصوف إلى الصفة على مذهب الكوفيين.
(فقال له رجل) أي ذو اليدين: (أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ذلك لم أفعل) أي على كل ذلك من القصر والنسيان لم أصل (فقال الناس: قد فعلت ذلك) أي صليت على ذلك القصر أو النسيان (يا رسول الله، فركع ركعتين أخريين) أي اللتين تركهما (ثم انصرف) أي عن الصلاة (ولم يسجد سجدتي السهو).
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ دَاودُ بْنُ الْحُصَيْنِ عن أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى أَبي أَحْمَدَ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَهَذِهِ الْقِصَّةِ (1) قَالَ:"ثمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ".
===
(قال أبو داود: رواه داود بن الحصين) الأموي مولى لهم، أبو سليمان المدني، ثقة، إلَّا في عكرمة، ورمي برأي الخوارج، أخرج روايته مسلم في "صحيحه"(عن أبي سفيان) الأسدي، قال الدارقطني: اسمه وهب، وقال غيره: اسمه قزمان (مولى أبي أحمد) هكذا في أكثر نسخ أبي داود، وفي المصرية ونسخة "العون": مولى ابن أبي أحمد، وهكذا في البخاري، و"الموطأ" في البيوع، ومسلم والنسائي في السهو، وهكذا في "تهذيب التهذيب" و"التقريب" و"الخلاصة" و"الطبقات" لابن سعد.
وقال الكلاباذي في كتاب "الجمع بين رجال الصحيحين": أبو سفيان مولى ابن أحمد أو مولى ابن أبي أحمد المدني، ويقال: مولى لبني عبد الأشهل، ويقال: كان له انقطاع إلى ابن أبي أحمد فنسب إليهم.
وحكى صاحب "العون" عن المنذري ويقال فيه: مولى أبي أحمد ومولى ابن أبي أحمد، وهو مولى عبد الله بن أبي أحمد بن جحش، وثقه ابن سعد والدارقطني، قال ابن عبد البر: قيل: اسمه قزمان، ولا يصح له اسم غير كنيته.
(عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة قال) أي أبو هريرة: (ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم) أخرج مسلم والنسائي هذا الحديث بتمامه (2).
(1) زاد في نسخة: "قال أبو داودة روى يحيى بن أبي كثير وعمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة هذه، لم يذكر أنه سجد السجدتين للسهو".
(2)
"صحيح مسلم"(573)، و"سنن النسائي" (3/ 22). وانظر أيضًا:"موطأ مالك"(1/ 103) رقم (214)، و"مسند أحمد"(2/ 447)، و (2/ 459)، و"صحيح ابن خزيمة"(2/ 119) رقم (1037).
1016 -
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عن ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ الْهِفَّانِيِّ (1)، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ:"ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَمَا سَلَّمَ"(2). [ن 1330، حم 2/ 423]
1017 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ (3)، نَا أَبُو أُسَامَةَ. (ح): ونَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، عن نَافِعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فسَلَّمَ في الرَّكْعَتَيْنِ (4)، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
===
1016 -
(حدثنا هارون بن عبد الله، نا هاشم بن القاسم، نا عكرمة بن عمار، عن ضمضم بن جوس) بفتح الجيم وسكون الواو ثم مهملة، وفي "الخلاصة": جوش بجيم ومعجمة، وثقه ابن معين والعجلي، وذكره ابن سعد في علماء يمامة (الهفاني) بالكسر وتشديد الفاء، نسبة إلى هفان (5)، بطن من بني حنيفة (حدثني أبو هريرة بهذا الخبر) أي المتقدم (قال) أي أبو هريرة أو هارون بن عبد الله:(ثم سجد سجدتي السهو بعد ما سلم).
1017 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت، نا أبو أسامة) حماد بن أسامة، (ح: ونا محمد بن العلاء، أنا أبو أسامة، أخبرني عبيد الله) بن عمر، (عن نافع، عن ابن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم في الركعتين، فذكر) أي أبو أسامة (نحو حديث ابن سيرين، عن أبي هريرة قال) أي أبو هريرة:
(1) وفي نسخة: "الهنائي".
(2)
زاد في نسخة: "رواه ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة قصَّ هذا الخبر قال فيه: ولم يسجد للسهو، قال أبو داود: رواه سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواه داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة، ذكر أنه سجد السجدتين".
(3)
زاد في نسخة: "المروزي".
(4)
وفي نسخة: "في ركعتين".
(5)
ابن الحارث. "ابن رسلان". (ش).
ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ". [جه 1213]
1018 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. (ح): وَنَا مُسَدَّدٌ، نَا مَسْلَمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: نَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، نَا أَبُو قِلَابَةَ، عن أَبِي الْمُهَلَّبِ، عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن قَالَ:"سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ، ثُمَّ دَخَلَ- قَالَ عن مَسْلَمَةَ: - الْحُجَرَ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ويُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ طَوِيلَ الْيَدَيْنِ فَقَالَ (1): أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَخَرَجَ مُغْضَبًا يَجُرُّ ردَاءَةَ، فَقَالَ: "أَصَدَقَ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، فَصَلَّى تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْهَا
===
(ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو).
1018 -
(حدثنا مسدد، نا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي مصغرًا، (ح: ونا مسدد، نا مسلمة بن محمد قالا: نا خالد الحذاء، نا أبو قلابة، عن أبي المهلب) الجرمي البصري عم أبي قلابة، ثقة، (عن عمران بن حصين قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر) وفي حديث البيهقي (2) بسنده إلى هشيم قال: أبنا خالد عن أبي قلابة، ثنا أبو المهلب، عن عمران بن حصين:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر أو العصر ثلاث ركعات" الحديث. فروى بالشك بين الظهر والعصر، وقال في آخره: هذا هو الصحيح بهذا اللفظ.
(ثم دخل، قال) أي مسدد (عن) شيخه (مسلمة: الحجر) يعني زاد مسلمة بعد قوله: ثم دخل لفظَ الحجرَ، ولم يذكره مسدد عن شيخه يزيد بن زريع (فقام إليه) أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (رجل يقال له الخرباق وكان طويل اليدين فقال) أي الخرباق لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضبًا يجر رداءه) أي لم يلبسه على الطريق المعتاد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: (أصدق) الخرباق؟ (قالوا: نعم، فصلى تلك الركعة) الباقية (ثم سلم، ثم سجد سجدتيها)
(1) وفي نسخة: "فقال له".
(2)
"السنن الكبرى"(2/ 355).
ثُمَّ سَلَّمَ". [م 574، ن 1236، جه 1215]
===
أي سجد سجدتي (1) تلك الركعة اللتين وجبتا لتركها سهوًا (ثم سلم)(2).
وقع الاختلاف بين أهل العلم هل حديث عمران هذا، وحديث أبي هريرة المتقدم حكايته لقصة واحدة أو لقصتين مختلفتين؟ والظاهر ما قاله ابن خزيمة ومن تبعه من التعدد، لأن دعوى الاتحاد تحتاج إلى تأويلات متعسفة كما سلف، قاله الشوكاني (3).
وقال الحافظ في "الفتح"(4): وذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف، اعتمادًا على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم، ولفظه: فقام إليه رجل يقال له: الخرباق، وكان في يديه طول، وهذا صنيع من يوحِّد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظري، وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد، انتهى.
وأما بيان محل السجود (5). للسهو، فمحله المسنون بعد السلام عندنا، سواء كان السهو بإدخال زيادة في الصلاة أو نقصان فيها، وعند الشافعي قبل السلام بعد التشهد فيهما جميعًا، وقال مالك: إن كان يسجد للنقصان فقبل السلام، وإن كان يسجد للزيادة فبعد السلام.
(1) ولفظ النسائي أصرح من ذلك. (ش).
(2)
قال ابن رسلان: رأيت بعض مشايخي علقوا عليه أن هذا وحديث أبي هريرة واحد، وجمعوا بأن المراد بثلاث ركعات ابتداء الثالث، وفيه نظر، بل الظاهر قصتان كما قال به الجمهور. (ش).
(3)
"نيل الأوطار"(3/ 135).
(4)
"فتح الباري"(3/ 100).
(5)
قال ابن رسلان: قال العلائي: اختلف الأئمة في كيفية العمل بهذه الأحاديث، فأبو حنيفة والشافعي سلكا مسلك الترجيح بينها وردَّ بعضها إلى بعض، ومالك وأحمد وإسحاق سلكوا الجمع بين الأحاديث والعمل بكلها. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
احتج الشافعي بما روى عبد الله بن بحينة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو قبل السلام"، وما روي أنه سجد للسهو بعد السلام فمحمول على التشهد كما حملتم السلام على التشهد في قوله صلى الله عليه وسلم:"وفي كل ركعتين فسلم أي فتشهد"، وترجح ما روينا بمعاضدة المعنى إياه من وجهين:
أحدهما: أن السجدة إنما يؤتى بها جبرًا للنقصان المتمكن في الصلاة، والجابر يجب تحصيله في موضع النقص لا في غير موضعه، والإتيان بالسجدة بعد السلام تحصيل الجابر لا في محل النقصان، والإتيان بها قبل السلام تحصيل الجابر في محل النقصان، فكان أولى.
والثاني: أن جبر النقصان إنما يتحقق حال قيام الأصل، وبالسلام القاطع لتحريمة الصلاة يفوت الأصل، فلا يتصور جبر النقصان بالسجود بعده.
واحتجّ مالك بما روى المغيرة بن شعبة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في مثنى من صلاته، فسجد سجدتي السهو قبل السلام"، وكان سهوًا في نقصان، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا، فسجد سجدتي السهو بعد السلام"، وكان سهوًا في الزيادة، ولأن السهو إذا كان نقصانًا فالحاجة إلى الجابر فيؤتى به في محل النقصان على ما قاله الشافعي، فأما إذا كان زيادة فتحصيل السجدة قبل السلام يوجب زيادة أخرى في الصلاة، ولا يوجب رفع شيء، فيؤخر إلى ما بعد السلام.
ولنا حديث ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل سهو سجدتان بعد السلام"، من غير فصل بين الزيادة والنقصان، وروي عن عمران بن الحصين والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم:"أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو بعد السلام"، وكذا روى ابن مسعود وعائشة وأبو هريرة رضي الله عنهم.
وروينا عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من شك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
في صلاته فلم يدر أثَلاثًا صلى أم أربعًا، فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب، وليبن عليه، وليسجد سجدتين بعد السلام".
ولأن سجود السهو أخر عن محل النقصان بالإجماع، وإنما كان لمعنى [و] ذلك المعنى يقتضي التأخير عن السلام، وهو أنه لو أداه هناك ثم سها مرة ثانية وثالثة ورابعة يحتاج إلى أدائه في كل محل، وتكرار سجود السهو في صلاة واحدة غير مشروع، فأخر إلى وقت السلام احترازًا عن التكرار، فينبغي أن يؤخر أيضًا عن السلام، حتى إنه لو سها عن السهو لا يلزمه أخرى، فيؤدي إلى التكرار، ولأن إدخال الزيادة في الصلاة يوجب نقصانًا فيها، فلو أتى بالسجود قبل السلام يؤدي إلى أن يصير الجابر للنقصان موجبًا زيادة نقص، وذا غير صواب.
وأما الجواب عن تعلقهم بالأحاديث، فهو أن رواية الفعل متعارضة، فبقي لنا رواية القول من غير تعارض، وترجح ما ذكرنا لمعاضدة ما ذكرنا من المعنى إياه، أو يوفق فيحمل ما روينا على أنه سجد بعد السلام الأول ولا محل له سواه، فكان محكمًا، وما رواه محتمل، يحتمل أنه سجد قبل السلام الأول، ويحتمل أنه سجد قبل السلام الثاني، فكان متشابهًا، فيصرف إلى موافقة المحكم، وهو أنه سجد قبل السلام الأخير لا قبل السلام الأول ردًّا للمحتمل إلى المحكم.
وما ذكر مالك من الفصل بين الزيادة والنقصان غير سديد، لأنه سواء نقص أو زاد كل ذلك كان نقصانًا، ولأنه لو سها مرتين إحداهما بالزيادة والأخرى بالنقصان ماذا يفعل، وتكرار سجدتي السهو غير مشروع، وقد روي أن أبا يوسف ألزم مالكًا بين يدي الخليفة بهذا الفصل فقال: أرأيت لو زاد
ونقص كيف يصنع؟ فتحير مالك (1).
(1) وقالت المالكية: بالقبلية إذ ذاك تغليبًا للنقص. (ش).