الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاة الجوهريّ ابن الجصّاص
وفيها مات الحسين بن عبد الله الجوهري ابن الجصاص [1] .
وكان ابن طولون قَالَ: لَا يباع لنا شيء إلّا عَلَى يده [2] .
وعنه قَالَ: كنتُ يومًا جالسًا في الدهليز، فخرجت قَهْرمانة معها مائة حبة جوهر، تساوي الحبة ألف دينار، فقالت: يحتاج هذا إلى خرط ليصغر فأخذته مسرعًا، وجمعت يومي ما قدرت عَلَيْهِ حتّى حصّلت مائة حبّة من النّوع الصغار، وأتيت القهرمانة فقلت: قد خرطنا هذا، وتقومت عليّ بمائة ألف درهم [3] .
وقد أسلفنا من أخباره لمّا صودر سنة اثنتين وثلاثمائة.
قَالَ التّنُوخيّ [4] : ولما صودر وجد في داره سبعمائة مزمّلة خيزران [5] .
[و] بلغت مصادرته [ستة آلاف][6] ألف دينار. وأطلق بعد المصادرة، فلم يبقَ لَهُ إلّا ما قيمته سبعمائة ألف دينار [7] .
وكان مَعَ هذا فيه نوع بله وغفلة. لَهُ حكايات في المغفلين. مرضَ مرة بالحمى فقيل: كيف أنت؟
قَالَ: الدنيا كلّها محمومة [8] . ونظر في المرآة يومًا فقال لرجل: ترى لحيتي طالت؟
[1] انظر عنه في: الولاة والقضاة 240.
[2]
نشوار المحاضرة 2/ 315، المنتظم 6/ 211.
[3]
الخبر بأطول من هذا في: نشوار المحاضرة 2/ 312، 313، والمنتظم 6/ 211، 212، والبداية والنهاية 11/ 156.
[4]
في نشوار المحاضرة 1/ 37.
[5]
في النشوار: «مزمّلة خيازر» . والمزملة: جرّة أو خابية خضراء في وسطها ثقب مركّب فيه قصبة فضة أو رصاص يشرب منها. وفي: المنتظم 6/ 213: «سبعمائة مزمّلة جباب» .
[6]
في الأصل بياض، والمستدرك من: نشوار المحاضرة 258، وأخبار الحمقى والمغفّلين 56، والمنتظم 6/ 213، وفي البداية والنهاية 11/ 156:«أخذ منه فيها ما يقاوم ستة عشر ألف ألف دينار» ، النجوم الزاهرة 3/ 218.
[7]
سيأتي ذلك قريبا. وانظر: وفيات الأعيان 3/ 77.
[8]
أخبار الحمقى والمغفّلين 51.
فقال: المرآة في يدك.
فقال: الشاهد يرى ما لَا يرى الحاضر [1] .
ودخل يومًا عَلَى ابن الفُرات فقال: أيها الوزير، عندنا كلاب ما تدعنا ننام.
قَالَ: لعلهم جري.
قَالَ: لَا واللَّه، ألا كلُّ كلب مثلي ومثلك [2] .
وقيل: كَانَ يدعو ويقول: حسبي اللَّه وأنبياؤه وملائكته. اللَّهمّ أعد من بركة دعائنا عَلَى أهل القصور في قصورهم، وعلى أهل الكنائس في كنائسهم [3] .
وفرغ مرة من الأكل فقال: الحمد للَّه الذي لَا يحلف بأعظم منه [4] .
ونزل مَعَ الوزير الخاقانيّ في المركب وبيده بطيخة كافور، فبصق في وجه الوزير وألقى البطيخة في دجلة. ثم أخذ يعتذر قَالَ: أردت أنّ أبصق في وجهك والقي البطيخة في الماء، فغلطت.
فقال: كذا فعلت يا جاهل [5] .
ومع هذا كَانَ سعيدًا متمّولًا محظوظًا.
قَالَ أبو عليّ التّنوخيّ في «نشواره» [6] : سمعت الأمير جعفر بن ورقاء
[1] أخبار الحمقى والمغفّلين لابن الجوزي 51.
[2]
الهفوات النادرة للصابي 53 رقم 53 وفيه أن الحوار كان بينه وبين المقتدر باللَّه، وفي ذيل زهر الآداب 202 بينه وبين الوزير علي بن عيسى. والمثبت يتفق مع: غرر الخصائص للوطواط 140، والنجوم الزاهرة 3/ 218 وفيه تحرّفت «جرى» إلى:«جربي» .
[3]
أخبار الحمقى والمغفّلين 51.
[4]
أخبار الحمقى والمغفّلين 50.
[5]
في الوزراء للصابي 302: إن أبا الحسن عليّ بن عيسى جلس معه يوما في طيّاره، وأراد الخاقاني أن يحيّيه بتفّاحة كانت في يده، وهمّ أن يبصق في الماء، فبصق في وجه علي بن عيسى، ورمى بالتفّاحة إلى الماء، وقال: إنّا للَّه، غلطنا. فقال عليّ بن عيسى: إنّا للَّه ثلطنا.
والحكاية أعلاه في: أخبار الحمقى والمغفّلين لابن الجوزي 50. والهفوات النادرة للصابي 30 رقم 27، والنجوم الزاهرة 3/ 218.
[6]
ج 1/ 26- 28.
يَقُولُ: اجتزت بابن الجصّاص، وكان بيننا مصاهرة، فرأيته عَلَى روشن داره وهو حافٍ حاسر، يعدو كالمجنون، فلمّا رآني استحيا، فقلت: ويلك ما لك؟
فقال: يحق لي أنّ يذهب عقلي، وقد أخذوا منّي كذا وكذا أمرا عظيمًا.
فقلت مسليًا لَهُ: ما سَلْم لك يكفي. وإنّما يقلق هذا القلق من يخاف الحاجة، فأصبر حتّى أواقفك، أنك غنيّ.
قَالَ: هات.
فقال: أليس دارك هذه بفرشها وآلاتها لك؟ وعقارك بالكرخ وضياعك؟
فما زلت أحاسبه إلى أنّ بلغ قيمة ما بقي له سبعمائة ألف دينار.
ثمّ قلت: وأصدقني عمّا سَلْم لك من الجوهر والعبيد والخيل وغير ذَلِكَ.
فحسبنا ذَلِكَ، فإذا هُوَ بقيمة ثلاثمائة ألف دينار أخرى، فقلت: فمن ببغداد مثلك اليوم وجاهك قائم؟! فسجد للَّه وبكى، وقال: قد أنقذني اللَّه بك. ما عزانيّ أحد أنفع منك، وما أكلت شيئًا منذ ثلاث، وأحب أنّ تقيم عندي لنأكل ونتحدث. فقلت:
أفعل. فأقمت يومي عنده [1] .
قَالَ التّنُوخيّ [2] : وكنت اجتمعت مَعَ أَبِي عليّ ولد أَبِي عَبْد اللَّه ابن الجصاص فسألته عمّا يحكي عَنْ أَبِيهِ من أنّ الْإِمَام قرأ: وَلَا الضَّالِّينَ 1: 7 [3] فقال: إيْ لعمري، بدل آمين [4] .
وإنّه أراد أنّ يقب رأس الوزير الخاقانيّ، فقال: إنّ فيه دهنا.
[1] والحكاية في: المنتظم لابن الجوزي 6/ 213، 214، وهي باختصار في البداية والنهاية 11/ 156، 157.
[2]
في: نشوار المحاضرة 1/ 29.
[3]
آخر سورة الفاتحة.
[4]
الهفوات النادرة للصابي 147، أخبار الحمقى والمغفّلين 53، ذيل زهر الآداب 203، فوات الوفيات 1/ 275، وانظر نادرة مشابهة في البصائر والذخائر للتوحيدي 1/ 145 بتحقيق د.
إبراهيم الكيلاني، مكتبة أطلس ومطبعة الإنشاء بدمشق 1964.
فقال: لو كَانَ فيه خرا لقبلته. ومثل وصفه مصحفًا عتيقًا فقال: كسرويًا [1] .
فقال: غالبه كذب، وما كانت فيه سلامة تخرجه إلى هذا. ما كَانَ إلّا من أدهي النَّاس. ولكنه كَانَ يطلق بحضرة الوزير [2] قريبا من ذلك لسلامة [3] طبع كان فيه، ولأنه كان يحب أنّ يصور نفسه عندهم بصورة الأبله لتأمنه الوزراء لكثرة خلوته [4] بالخلفاء. فأنا أحدثك عَنْهُ بحديث تعلم [5] أنّه في غاية الحزْم [6] .
ثمّ قَالَ: حدَّثني أَبِي أنّ ابن الفُرات لما ولي الوزارة، قَالَ: فقصدني قصدًا قبيحًا لشيء كَانَ في نفسه عليَّ وبالغ، وتلطفت معه بكل طريق. وكان عندي سبعة آلاف ألف دينار عينًا وجوهرًا سوى غيرها. ففكرت في أمري، فوقع لي الرأي في الليل في الثلث الأخير. فركبت في الحال إلى داره، فدققت فقال البوابون: لَيْسَ هذا وقت وصول، والوزير نائم.
فقلت: عرفوا الحجاب أني حضرت في مهم.
فعرفوهم، فخرج إليَّ أحدهم فقال: إنّه إلى السّاعة لم ينتبه.
فقلت: لا، الأمر أهمّ من ذلك فنبّه.
فدخل ثمّ خرج فأدخلني إِلَيْهِ وهو عَلَى سرير، وحوله نحو خمسين نفسًا، كأنهم حفظة، وقد قاموا وهو جالس مرتاعًا، ظن أنّ حادثة حدثت، فرفعني وقال: ما الأمر؟
فقلت: خير، ما حَدَث شيء، ولا جئت إلّا في أمر يخصني.
فسكن وصرف من حوله، وقال: هات.
فقلت: أيها الوزير، إنك قصدتني أقبح قصد، وشرعت في هلاكي بإزالة نعمتي، ولعمري، إني أسأت في خدمتك. وقد كَانَ في بعض هذا التّقويم بلاغ
[1] نشوار المحاضرة 1/ 30، الهفوات النادرة 148، أخبار الحمقى والمغفّلين 53.
[2]
في النشوار: «الوزراء» .
[3]
في النشوار: «بسلاسة» .
[4]
في النشوار: «خلواته» : وكذا في: أخبار الحمقى 53.
[5]
في النشوار: «لتعلم معه» .
[6]
النشوار 1/ 30.
عندي. وقد جهلت في استصلاحك، فلم يغن شيء. وليس شيء أضعف من الهرّ [1] ، وإذا عاث في دكان الفاميّ [2] فظفر بهِ ولزه وثب عَلَيْهِ وخمشه. ولستُ أضعف من السِّنَّور، وقد جعلت هذا الكلام عذرا. فإن صلحت لي وإلا فعلي وعلي. وعقدت الأيمان لأقصدن الخليفة الآن وأحمل إِلَيْهِ من خزانتي ألفي ألف دينار وأقول: سَلْم ابن الفُرات إلى فلان ووله الوزارة، فيخدمني ويرجع تدبير أموره إليّ، فأسلمك إِلَيْهِ، فيعذبك حتّى يأخذ منك الألفي ألف. وأنت تعلم أنّ حالك يفي بها، ويعظم قدري بعزلي وزيرًا وتقليدي آخر.
فلمّا سمع هذا، قَالَ: يا عدوّ اللَّه، وتستحلّ هذا؟
فقلت: إنّ أحوجتني إلى هذا، وإلّا فاحلف لي السّاعة عَلَى معاملتي بكلّ جميل، ولا تبغ لي الغوائل.
وقال: وتحلف ليّ أنتَ أيضًا على مثل ذلك، وعلى حسن الطّاعة.
و [المؤازرة][3] ؟
فقلت: أفعل.
فقال: لعنك اللَّه، فما أنت إلّا إبليس. واللَّه لقد سحرتني.
واستدعى دَواةً، وعملنا نسخة اليمين، وأحلفته بها أولًا، ثمّ حلفت لَهُ.
فقال: يا أبا عَبْد اللَّه، لقد عَظُمْتَ في نفسي، واللَّه ما كَانَ المقتدر يفرق بين كفايتي وموقعي، وبين أصغر [4] كتّابي مَعَ الذهب، فاكتم ما جرى.
فقلت: سبحان اللَّه.
فقال: إذا كَانَ غدًا فتعال لترى ما أعاملك به.
[1] في النشوار 1/ 32: «السنّور» .
[2]
في النشوار: «في دكّان بقّال» .
[3]
في الأصل بياض، والمستدرك من: نشوار المحاضرة 1/ 34.
[4]
في النشوار 1/ 34: «وبين أخسّ» .
فنهضت، فقال: يا غلمان بأسركم بين يدي أَبِي عَبْد اللَّه. فعدتُ إلى داري وما طلع الفجر.
ثم قَالَ لي ابنه أبو عليّ: هذا فعل من يحكي عَنْهُ تِلْكَ الحكايات؟
فقلت: لا [1] .
والله أعلم.
[1] نشوار المحاضرة 1/ 31- 35، أخبار الحمقى والمغفّلين 53- 56.