الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط (1).
الثاني: توهيم سعيد بن المسيب لابن عباس في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة وهو محرم.
فعن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم.
قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس ، وإن كانت خالته، إنما تزوجها حلالاً (2).
قال ابن تيمية: " وأما الغلط فلا يسلم منه أكثر الناس، بل في الصحابة من قد يغلط أحياناً "(3).
مسائل في عدالة الصحابة:
المسألة الأولى: الرجل يختلف في صحبته، فيقدح فيه بعض من لا يثبتها له:
وجد في بعض الرواة من عد في الصحابة؛ لشبهة رواية وقعت له عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو لزعم بعض أهل السيرة أنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فمثل
(1) مُتفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 1685) ومسلم (رقم: 1255).
(2)
حديث صحيح. أخرجه ابن عدي (1/ 125) وتمام الرازي في " الفوائد "(رقم: 625 _ ترتيبه) والبيهقي في " الكبرى "(7/ 212) و " دلائل النبوة "(4/ 332) وابن عبد البر في " التهيد "(3/ 158) وابن عساكر في " تاريخه "(36/ 426 _ 427، و 54/ 123) من طريق الأوزاعي، عن عطاء، به.
وهو عند البُخاري في " صحيحه "(رقم: 1740) وغيره من طريق الأوزاعي، بحديث ابن عباس دونَ توهيم سعيد له.
وقال ابن عبد البر: " هكذا في الحديث: قال سعيد بن المسيب، فلا أدري أكان الأوزاعي يقوله أو عطاء ". قلت: هوَ من قول عطاء أولى؛ لاتصالته بالخبر من روايته.
(3)
قاعدة جليلة في التوسل والوَسيلة (ص: 161).
هؤلاء، إذا وجدت في أحدهم الجرح، فليس هو عند الجارح معدوداً في الصحابة، وثبت عليه الجرح عنده بسبب من أسبابه.
وذلك مثل (بسر بن أرطاة) ويقال: (ابن أبي أرطاة)، فقد عده بعضهم في الصحابة، ولا تثبت له صحبة على التحقيق، قال يحيى بن معين:" أهل المدينة ينكرون أن يكون سمع بسر بن أبي أرطاة من النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل الشام يروون عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "(1).
ولما ثبت عنه من الظلم والفساد في الأرض لهوى بني أمية، قال فيه يحيى بن معين:" رجل سوء "(2).
وأورده ابن عدي في " كتابة " في المجروحين لقول ابن معين فيه، وأورد له حديثين: أحدهما: دعاء مرفوع، والآخر:" لا تقطع الأيدي في الغزو "، وقال:" بسر بن أبي أرطاة مشكوك في صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، لا أعرف له إلا هذين الحديثين، وأسانيده من أسانيد الشام ومصر، ولا أدري بإسناد هذين بأساً "(3).
قلت: إن سلم الحديثان من النكارة، فلا يسلم إسناد فيه مثل بسر من السقوط، فإن ما تقدم له من الفساد يتعذر في مثله التأويل.
والمهم أن تدرك هنا أنه لا يوجد قدح في عدالة من ثبتت صحبته، إنما وجد مثل هذا فيمن اختلف فيه، والراجح عدم صحبته.
وقد يقول الناقد في الرجل: (مجهول)، وغيره يدعي له الصحبة، فلا تحمل قول بعضهم على بعض، فتظن أن من الصحابة من يطلق عليه ذلك، وإنما هذا تعارض بين أن يكون تابعياً مجهولاً، أو صحابياً، فإن رجح القول بصحبته، وإلا فهو تابعي مجهول، فابحث عن راجحه بحجته.
(1) تاريخ يحيى بن معين (النص: 643).
(2)
تاريخ يحيى بن معين (النص: 5236).
(3)
الكامل (2/ 153).
وذلك مثل (معبد بن خالد الجهني أبي رغوة)، فقد قال ابن أبي حاتم:" له صحبة، روى عن أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، مات سنة ثنتين وسبعين، وهو ابن ثمانين سنة، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو مجهول "(1)، وقد قال فيه يحيى بن معين:" ثقة "(2).
قلت: الأشبه أن يكون صدر هذه المقالة من كلام ابن أبي حاتم، لا من كلام أبيه، وأن قوله من بعد:" سمعت أبي يقول ذلك "، إشارة إلى روايته عن أبي بكر وعمر، وما بعده من الكلام، وكذلك وجدت ابن عبد البر نسب القول بصحبته لا بن أبي حاتم، لا لأبيه، وتبعه عليه ابن الأثير وابن حجر وغيرهما (3).
وحيث قام هذا الاحتمال فلا يصح الاعتراض بهذه الصورة على الأصل في انتفاء جرح الصحابي بالجهالة، ويؤيده أن ابن أبي حاتم نفسه أورد توثيقه عن ابن معين، فدل على أصل الاختلاف فيه، ولم أجد مستنداً في ذكر عمره الذي أقام شبهة صحبته إلا كلمة للواقدي، وهو متروك غير ثقة، نقلها عنه من سميت آنفاً وغيرهم.
وقال أبو حاتم الرازي في (خذام بن وديعة): " مجهول "(4)، وغيره يثبت له الصحبة.
وكذا قال في (مدلاج بن عمرو السلمي)(5)، وهو صحابي على الراجح، ولا رواية له.
(1) الجرح والتعديل (4/ 1 / 279).
(2)
تاريخ الدارمي (النص: 724).
(3)
انظر: الاستعياب، لابن عبد البر (10/ 158 _ 159 هامش الإصابة)، وأسد الغابة، لابن عبد الأثير (4/ 160) والإصابة (9/ 242).
(4)
الجرح والتعديل (1/ 2 / 400).
(5)
الجرح والتعديل (4/ 1 / 428).
وقالها في (بلال الفزاري)(1)، والقول قوله، فالرجل إنما روى مرسلاً، ولا صحبة له، ومثله آخرون، منهم: الحارث بن بدل النصري (2)، وعبد الله بن أبي شديدة (3)، وعبد الله بن قيس الأسلمي (4).
وقد وجدت لابن حجر قولاً بخصوص هذه المسألة جديراً بالتنبيه عليه، قال في ترجمة (مدلاج) المتقدم ذكره:" وكذا يصنع أبو حاتم في جماعة من الصحابة يطلق عليهم اسم الجهالة، لا يريد جهالة العدالة، وإنما يريد أنه من الأعراب الذين لم يرو عنهم أئمة التابعين "(5).
قلت: وليس الأمر ما أوهمته عبارته رحمه الله، أن أبا حاتم يقول في أحدهم:(مجهول) وهو من أعراب الصحابة، فهذا ما لا يوجد له مثال واحد البتة في كلام أبي حاتم، ولو قال: حكم أبو حاتم بجهالته لكونه من أعراب الصحابة، فلم يعرف صحبته لعدم ظهور أمره فيها، وذلك أن هؤلاء يكون أحدهم مغموراً، فكيف إذا اقترن بذلك أنه لم يرو عنه من العلم شيء، ولم يأت في صحيح الأخبار ما يبين أمره، كمدلاج المتقدم؟
والتحقيق: أنه لا يوجد فيمن وصقهم أبو حاتم بقوله: (مجهول)، من له صحبة في رأي أبي حاتم نفسه.
المسألة الثانية: الرجل تدعى صحبته بناء على ما لا يثبت عنه من الرواية، فيذكر في الضعفاء من أجل نكارة حديثه، فهذا لا يصح عده صحابياً.
ومثاله: (عمرو بن عبيد الله الحضرمي)، قال البخاري:" رأي النبي صلى الله عليه وسلم، لا يصح حديثه "(6) ، فذكره ابن عدي في الضعفاء، وقال: " وهذا
(1) الجرح والتعديل (1/ 1 / 398).
(2)
الجرح والتعديل (1/ 2 / 69).
(3)
الجرح والتعديل (2/ 2 / 83).
(4)
الجرح والتعديل (2/ 2 / 138).
(5)
لسان الميزان (6/ 15).
(6)
التاريخ الكبير (3/ 2 / 312).