الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي: جاءني علي بن المديني، فكتب عني عن عبد السلام بن حرب أحاديث إسحاق بن أبي فروة فقلت: أي شيء تصنع بها؟ قال: " أعرفها، لا تقلب "(1).
وهذا من معنى قول الوزاعي: " تعلم ما لا يؤخذ به، كما تتعلم ما يؤخذ به "(2).
وتقدم أيضاً ذكر مثاله من صنيع يحيى بن معين.
السبب الثالث: سرقة الحديث
والمراد به: أن يأخذ الراوي حديث غيره مما لم يسمعه، فيدعي سماعه.
يفسره ما نقله الحسين بن إدريس، قال: سألت عثمان بن أبي شيبة عن أبي هشام الرفاعي؟ فقال: " إنه يسرق حديث غيره فيرويه "، قلت: أعلى وجه التدليس؟ أو على وجه الكذب؟ فقال: " كيف يكون تدليساً وهو يقول: حدثنا! "(3).
وهذا قدح شديد في العدالة، يسقط الاعتداد بجميع رواية الموصوف بذلك.
ومن أمثلته:
1 _
قال يحيى بن معين في (عبد العزيز بن أبان القرشي): " ليس
(1) أخرجه العقيلي في " الضعفاء "(1/ 102) والخطيب في " الجامع "(رقم: 1579) بإسناد صحيح.
(2)
أخرجه أبو زُرعة الدمشقي في " تاريخه "(1/ 263) وإسناده جيد.
(3)
أخرجه الخطيب في " تاريخه "(3/ 376) وإسناده صحيح.
بثقة "، قال عثمان الدارمي: قلت: من أين جاء ضعفه؟ فقال: " كان يأخذ أحاديث الناس فيرويها " (1).
ولذا قال ابن معين في رواية معاوية بن صالح عنه: " كذاب، يدعي ما لم يسمع، وأحاديثه لم يخلقها الله قط "(2).
2 _
وقال أحمد بن حنبل في (يحيى بن عبد الحميد الحماني): " ما زلنا نعرف أنه يسرق الأحاديث أو يتلقطها أو يتلقفها "(3).
3 _
وقال الحافظ علي بن الحسين بن الجنيد في (يحيى بن أكثم التميمي المروزي): " كانوا لا يشكون أن يحيى بن أكثم كان يسرق حديث الناس، ويجعله لنفسه "(4).
4 _
وقال يحيى بن معين في (محمد بن الحسن بن زبالة): " ليس بثقة، كان يسرق الحديث "(5).
وفسر ذلك ابن حبان فقال: " يسرق الحديث، ويروي عن الثقات ما لم يسمع منهم من غير تدليس عنهم "(6).
5 _
وقال الداقطني في (عبد الله بن إبراهيم المؤدب): " كذاب، يروي عن قوم لم يلحقهم "(7).
6 _
وقال يحيى بن معين في (مطرف بن مازن): " قال لي هشام بن يوسف: جاءني مطرف بن مازن، فقال: أعطني حديث ابن جريج ومعمر
(1) تاريخ عثمان الدارمي (النص: 569).
(2)
أخرجه ابنُ عدي (6/ 503) وإسناده صحيح.
(3)
العلل ومعرفة الرجال (النص: 4079).
(4)
الجرح والتعديل (4/ 2 / 129).
(5)
تاريخ يحيى بن معين (النص: 799).
(6)
المجروحين، لابن حبان (2/ 275).
(7)
سؤالات السهمي (النص: 331).
حتى أسمعه منك، فأعطيته فكتبها، ثم جعل يحدث بها عن معمر نفسه، وعن ابن جريج، فقال لي هشام بن يوسف: انظر في حديثه فهو مثل حديثي سواء، فأمرت رجلاً فجاءني بأحاديث مطرف بن مازن، فعارضت بها، فإذا هي مثلها سواء، فعلمت أنه كذاب " (1).
والحافظ أبو أحمد بن عدي في عدد من الرواة بذلك، وكان يستدل لتلك التهمة، منهم: إبراهيم بن عبد السلام المخزومي المكي، والعباس بن الحسن البلخي، وجعفر بن عبد الواحد الهاشمي، والحسن بن عبد الرحمن بن عباد الاحتياطي، والحسين بن علي بن الأسود العجلي، وحميد بن الربيع الخزاز، وسليمان بن أحمد الواسطي، وعبد الرحمن بن واقد أبو مسلم الواقدي، وعلي بن عبدة المكتب، والنضر بن طاهر أبو الحجاج، ويحيى بن هاشم السمسار، وغيرهم.
وللحافظ أبي أحمد بن عدي توسع في الجرح بهذه التهمة، فربما جرح بها الراوي الضعيف أو المجهول، يروي حديثاً عن شيخ، وقد عرف ذلك الحديث عن ذلك الشيخ من رواية غير هذا الضعيف أو المجهول، فيصف هذا بأنه سرق الحديث ممن حدث به عن ذلك الشيخ؛ لأن هذا المجروح لم يعرف بذلك الحديث أو بذلك الشيخ.
ولا مانع _ كما لا يخفى _ أن يكون الضعيف أو المجهول سمع ما سمعه غيره، لكن ذلك الحديث المعين الذي سمعه لم يشتهر من طريقه.
وتسليم هذه التهمة للراوي تحتاج إلى دليل قوي، فإن ناسب الوصف بها كون الراوي متروكاً أو مذكوراً بالكذب، أو منكر الحديث، تساهلنا في ذكرها، إذ تكون حينئذ جارية في سياق ما علمنا من حال الراوي، أما إن
(1) تاريخ يحيى بن معين (النص: 787) ونقله: ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(4/ 1 / 314) وابنُ حبان في " المجروحين "(1/ 75) وابنُ عدي في " الكامل "(8/ 108) والعُقيلي في " الضعفاء "(4/ 216) والحاكم في " المدخل إلى الإكليل "(ص: 65).
كان الموصوف بها لم يبلغ حد الترك فلا يقبل هذا الجرح إلا بدليل قاطع أنه كان يسرق الحديث، فإن ثبت حينئذ ألحقنا ذلك الراوي بالمتروكين وأسقطنا الاعتبار بحديثه.
والراوي الضعيف من جهة سوء حفظه قد يقلب أحاديث سمعها من شيخ يجعلها عن شيخ آخر، ويركب إسناداً على غير متنه، لكنه إنما أتي من جهة سوء الحفظ لا سرقة الحديث، كما يأتي شرحه في مباحث (النقد الخفي).
مسألة:
الراوي يكون قد سمع وكتب، لكن ذهبت أصوله، فيحدث بنفس تلك الأحاديث التي سمع لكن من غير أصوله، فهل يكون ذلك من هذا الباب؟
مثاله: قول أحمد بن إسحاق بن واضح العسال المصري (وهو شيخ مستور): " كان محمد بن خلاد الإسكندراني رجلاً صالحاً ثقة، ولم يكن فيه اختلاف، حتى ذهبت كتبه، فقدم علينا رجل يقال له: أبو موسى، في حياة ابن بكير (1)، فدفع إليه نسخة ضمام بن إسماعيل، ونسخة يعقوب بن عبد الرحمن، فقال: أليس قد سمعت النسختين؟ قال: نعم، قال: فحدثني بهما، قال: ذهبت كتبي ولا أحدث بها، قال: فما زال به هذا الرجل حتى خدعه، وقال: النسخة واحدة، فحدث بها، فكل من سمع منه قديماً قبل ذهاب كتبه فحديثه صحيح، ومن سمع منه بعد ذلك فحديثه ليس بذاك "(2).
قلت: وهذا يعني أنه لا يقبل من الراوي أن يحدث بمسموعه من أصول غيره، إلا أن يثبت سماعه على نفس ذلك الأصل.
(1) هوَ يحيى بن عبْد الله بن بكيْر.
(2)
أخرجه ابن حبان في " المجروحين "(1/ 75)، والحاكم في " المدخل إلى الإكليل " (ص: 68 _ 69) وإسناده إلى ابن واضح صحيح.