الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الخطيب: " ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر، واستقامة الأمر، والاشتهار بالصدق والبصيرة والفهم، لا يسأل عن عدالتهم، وإنما يسأل عن عدالة من كان في عداد المجهولين، أو أشكل أمره على الطالبين "(1).
وذلك كالذي روى حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله (يعني أحمد بن حنبل) وسئل عن إسحاق بن راهويه؟ فقال: " مثل إسحاق يسأل عنه؟! إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين (2).
وقال حمدان بن سهل البلخي: سألت يحيى بن معين عن الكتابة عن أبي عبيد والسماع منه؟ فتبسم، وقال:" مثلي يسأل عن أبي عبيد؟! أبو عبيد يسأل عن الناس "(3).
وقال أبو حاتم الرازي في (يزيد بن هارون): ثقةٌ إمام، صَدوق في الحديث، لا يُسأل عن مثلِه " (4).
وقال أبو حاتم في (محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) وقد سئل عنه؟: " هذا من التابعين، لا يسأل عنه "(5).
قلت: كأنه يقول: له مقام كبير، ومكانة رفيعة، أغنت عن تتبع أمره والسؤال عنه.
الأصل الخامس: درجات العدول متفاوتة
.
لا يقع التفاوت في تحقق ركن العدالة الدينية في الرواة، إذ هي إما عدالة وإما فسق، ولكن التفاوت يقع في تحقق الركن الثاني، وهو قوة
(1) الكفاية في علم الرواية (ص: 147).
(2)
أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 147 _ 148) بإسناد صحيح.
(3)
أخرجه الخطيب في " تاريخه "(12/ 414) بإسناد صالح. وأبو عبيد هوَ القاسم بن سلَاّم.
(4)
الجرح والتعديل (4/ 2 / 295).
(5)
الجرح والتعديل (3/ 2 / 312).
الضبط، فإنه يتفاوت في نسبه بين النقلة، فهم درجات في القبول، ودرجات في الرد، فدرجات المجروحين يأتي بيانها في (تفسير الجرح).
وأما درجات المقبولين فتنقسم في الجملة إلى منزلتين بحسب القسمة الاصطلاحية للحديث المقبول:
الأولى: منزلة الحديث الصحيح.
والثانية: منزلة راوي الحديث الحسن.
والضبط الراجح شرط قبول حديث الراوي العدل، وهو كما لا يخفى مما يتفاوت فيه الناس.
قال جرير بن عبد الحميد: لما ورد شعبة البصرة قالوا له: حدثنا عن ثقات أصحابك، فقال:" إن حدثتكم عن ثقات أصحابي، فإنما أحدثكم عن نفر يسير من هذه الشيعة: الحكم بن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، وسلمة بن كهيل، ومنصور "(1).
قلت: فأراد شعبة أعلاهم في الثقة عنده، وإلا فإنه روى عن كثير من الثقات، ممن وثقهم هو نفسه.
وقيل لعبد الرحمن بن مهدي: أبو خلدة (2)، ثقة؟ فقال:" كان صدوقاً، وكان مأموناً، الثقة سفيان وشعبة "(3).
قال الباجي: " وإنما أراد عبد الرحمن بن مهدي، رحمه الله، التناهي في الإمامة، لو لم يوثق من أصحاب الحديث إلا من كان في درجة شعبة وسفيان الثوري لقل الثقات، ولبطل معظم الآثار ".
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في " تقدمة الجرح والتعديل "(ص: 138، 139، 144) وابن عدي في " الكامل "(1/ 154) وإسناده صحيح.
(2)
هو خالد بن دينار
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 160) و " الجرح والتعديل "(1/ 1 / 37) وابن عدي (1/ 264) وابن حبان في " المجروحين "(1/ 49) والحاكم في " المدخل إلى الصحيح "(ص: 113 _ 114) والخطيب في " الكفاية "(ص: 59 _ 60) وإسناده صحيح.
وقال في شأن أبي خلدة: " عبد الرحمن لم يرد أن يبلغه مبلغ غيره ممن هو أتقن منه وأحفظ وأثبت، وذهب إلى أن يبين أن درجته دون ذلك؛ ولذلك قال: كان خياراً، كان صدوقاً، وهذا معنى الثقة إذا جمع الصدق والخير مع الإسلام "(1).
وشبيه يقول ابن مهدي هذا: قول أحمد بن حنبل وقد سئل عن عقيل بن خالد ويونس بن يزيد وشعيب بن أبي حمزة من أصحاب الزهري: " ما فيهم إلا ثقة " قال المروذي: وجعل يقول: " تدري من الثقة؟ إنما الثقة يحيى القطان، تدري من الحجة؟ شعبة وسفيان حجة، ومالك حجة "، قلت: ويحيى؟ قال: " يحيى وعبد الرحمن، وأبو نعيم الحجة الثبت، كان أبو نعيم ثبتاً ".
وقال المروذي: قلت (يعني لأحمد بن حنبل): عبد الوهاب (يعني ابن عطاء) ثقة؟ قال: " تدري من الثقة؟ الثقة يحيى القطان "(2).
وقال أبو زرعة الدمشقي: قلت ليحيى بن معين، وذكرت له الحجة، فقلت له محمد بن إسحاق منهم؟ فقال:" كان ثقة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز "(3).
قال أبو زرعة: فقلت ليحيى بن معين: فلو قال رجل: إن محمد بن إسحاق كان حجة، كان مصيباً؟ قال:" لا، ولكنه كان ثقة "(4).
ومن هذا قول أبي حاتم الرازي في (محمد بن مسلم بن تدرس أبي الزبير المكي): " روى عنه الناس "، فقال ابنه: يحتج بحديثه؟ قال: " إنما يحتج بحديث الثقات "(5).
(1) التعديل والتجريح، للباجي (1/ 284 _ 285).
(2)
العلل ومعرفة الرجال، رواية المروذي (النص: 48).
(3)
تاريخ أبي زُرعة (1/ 460 _ 461).
(4)
تاريخ أبي زُرعة (1/ 462).
(5)
الجرح والتعديل (4/ 1 / 76).