المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثاني: الإجازة - تحرير علوم الحديث - جـ ١

[عبد الله الجديع]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل:مقدمات تعريفية

- ‌المبحث الأول:علم الحديث: تعريفه، تاريخه، أقسامه

- ‌1 _ تعريف علم الحديث:

- ‌2 _ تاريخ علم الحديث:

- ‌3 _ تقسيم علوم الحديث:

- ‌المبحث الثاني:ألقاب الحديث من جهة من يضاف إليه

- ‌1_ الحديث المرفوع:

- ‌مسائل:

- ‌المسألة الثالثة: قول الصحابي: (قال: قال)

- ‌المسألة السابعة: حكم تفسير الصحابي للقرآن

- ‌المسألة الثامنة: الحديث القدسيُّ

- ‌2 _ الحديث الموقوف:

- ‌3 _ الحديث المقطوع:

- ‌المبحث الثالث:ألقاب الحديث باعتبار تعدد الأسانيد

- ‌القسم الأول: الحديث المتواتر

- ‌تقسيم الحديث المتواتر بحسب صِيغته:

- ‌ المتواتر اللفظي

- ‌ المتواتر المعنوي

- ‌القسم الثاني: حديث الآحاد

- ‌النوع الأول: الحديث المشهور

- ‌النوع الثاني: الحديث العزيز

- ‌النوع الثالث: الحديث الغريب

- ‌حجية خبر الواحد الصحيح:

- ‌المبحث الرابع:المتابعات والشواهد

- ‌المبحث الخامس:لطائف الإسناد

- ‌العالي والنازل:

- ‌القسم الأول:تحرير أركان النظر في الحديث

- ‌الباب الأول:تحليل الإسناد

- ‌الفصل الأول:تمييز النقلة

- ‌المبحث الأول:الطريق إلى تمييز الراوي

- ‌المبحث الثاني:تمييز الراوي بما يعرف به من اسم وكنية ونسب ولقب وصفة أخرى

- ‌الدلالة الأولى: تمييز الأسماء

- ‌الدلالة الثانية: تمييز الكنى

- ‌الدلالة الثالثة: تمييز الأنساب

- ‌الدلالة الرابعة: تمييز الألقاب

- ‌حكم استعمال ألقاب المحدثين في دراسة الأسانيد:

- ‌الدلالة الخامسة: تمييز الأبناء

- ‌الدلالة السادسة: تمييز النساء

- ‌المبحث الثالث:تميز الراوي بمعرفة شيوخه وتلاميذه وطبقته

- ‌الفرع الأول: تمييز الشيوخ والتلاميذ

- ‌1 _ رواية الآباء عن الأبناء

- ‌2 _ رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌3 _ رواية الأقران:

- ‌4 _ رواية السابق واللاحق:

- ‌الفرع الثاني تميز طبقات الرواة

- ‌الطرف الأول: تمييز مواليد الرواة

- ‌الطرف الثاني: تمييز وفيات الرواة

- ‌فوائد معرفة الطبقات:

- ‌تقسيم الطبقات:

- ‌المبحث الخامس:تفسير طبقة الصحابة

- ‌كيف تثبت الصحبة

- ‌من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير

- ‌ هل للصحابة عدد محصور

- ‌المبحث السادس:تمييز المشتبه من أسماء الرواة

- ‌ التشابه في الرسم

- ‌ الاشتراك

- ‌الفصل الثاني:اتصال الإسناد

- ‌المبحث الأول:الصيغة الصريحة بالسماع

- ‌شرط قبول صيغة السماع:

- ‌المبحث الثاني:الصيغة الصريحة بالاتصال بغير لفظ السماع وما في معناه

- ‌القسم الأول: القراءة على الشيخ

- ‌القسم الثاني: الإجازة

- ‌القسم الثالث: الوجادة

- ‌حكم التحديث وجادة في الصحة والضعف:

- ‌المبحث الثالث:صيغة العنعنة وما يجري مجراها

- ‌المبحث الرابع:مسائل متفرقة في اتصال الإسناد

- ‌المسألة الثانية:رموز صيغ الأداء

- ‌المسألة الرابعة:المرسل إذا علمت فيه الواسطة

- ‌الباب الثانينقد النقلة

- ‌الفصل الأولحكم نقد النقلةوصفة الناقد

- ‌المبحث الأول:حكم نقد الراوي

- ‌المبحث الثاني:صفة الناقد

- ‌المبحث الثالث:نماذج لأعيان من يعتمد قوله في نقد الرواة

- ‌الفصل الثانيتفسير التعديل

- ‌المبحث الأول:معنى العدالة

- ‌لا يصلح عد الصغائر مفسقات

- ‌المبحث الثاني:الدليل على اشتراط عدالة الناقل لقبول خبره

- ‌المبحث الثالث:طريق إثبات عدالة الراوي

- ‌ مسائل:

- ‌المسألة الأولى: هل ارتفاع الجهالة إثبات للعدالة

- ‌المسألة الثانية: معنى وصف الراوي بالشهرة

- ‌المبحث الرابع:معنى الضبط

- ‌النوع الأول: حفظ الصدر

- ‌كيف يثبت حفظ الراوي

- ‌النوع الثاني: حفظ الكتاب

- ‌المبحث الخامس:كيف يعرف الضبط

- ‌المبحث السادس:حكم تحمل الحديث في الصغر

- ‌المبحث السابع:حكم الرواية بالمعنى

- ‌المذهب الأول: جواز الرواية بالمعنى

- ‌المذهب الثاني: التمسك باللفظ

- ‌ مسائل:

- ‌المسألة الثالثة: إحالة الرواية على سياق مذكور:

- ‌المبحث الثامن:مسائل متممة لركن الضبط

- ‌المسألة الثانية: حكم رواية الضرير

- ‌المبحث التاسع:أصول في تعديل الرواة

- ‌الأصل الثاني: هل يتوقف قبول التعديل على العلم بأسبابه

- ‌الأصل الخامس: درجات العدول متفاوتة

- ‌الأصل السادس: هل رواية الثقة عن رجل تعديل له

- ‌الأصل السابع: تصحيح الناقد لإسناد حديث، هل يفيد تعديلاً منه لرواته

- ‌ عمل الناقد بحديث الراوي، وذهابه إلى مقتضاه

- ‌الأصل التاسع: قول الناقد: (إن كان هذا فلاناً فهو ثقة)

- ‌الأصل العاشر: أكثر رواة العلم ثقات

- ‌المبحث العاشر:تحرير القول في تعديل جماعةمن المتقدمين تنازعهم الناس

- ‌طريقة العجلي:

- ‌طريقة أبي بكر بن خزيمة:

- ‌طريقة ابن حبان:

- ‌طريقة الحاكم النيسابوري:

- ‌طريقة ابن عبد البر:

- ‌المبحث الحادي عشر:تحرير القول في عدالة الصحابة

- ‌ضبط الصحابي:

- ‌مسائل في عدالة الصحابة:

- ‌المسألة الأولى: الرجل يختلف في صحبته، فيقدح فيه بعض من لا يثبتها له:

- ‌المسألة الثالثة: تحرير القول في جهالة الصحابي

- ‌الفصل الثالثتفسير الجرح

- ‌تمهيد:في معنى الجرح

- ‌المبحث الأول:صور الجرح غير المؤثر

- ‌الصور الأولى: استعمال المباحات، أو ما يختلف فيه الاجتهاد حلاًّ وحرمة

- ‌الصورة الثانية: ما يعود الجرح فيه إلى طريق التلقي، والجارح اعتمد فيه المذهب المرجوح

- ‌الصورة الثالثة: الجرح بسبب التحمل في الصغر

- ‌الصورة الرابعة: ما يعود إلى جحد الشيخ أن يكون حدث بالحديث، أو تركه القول بمقتضاه

- ‌الصورة الخامسة: الرواية عن المجروحين والمجهولين

- ‌الصورة السادسة: الجرح والتدليس

- ‌المبحث الثاني:تحرير القول فيما يسلب العدالة

- ‌السبب الأول: الفسق

- ‌السبب الثاني: الكذب، والتهمة به

- ‌أثر التوبة من الكذب في الحديث:

- ‌الكذب في حديث الناس:

- ‌كتابة أحاديث الكذابين والمتهمين بالكذب للتمييز:

- ‌السبب الثالث: سرقة الحديث

- ‌السبب الرابع: البدعة

- ‌مذاهب أهل العلم في رد حديث أهل البدع أو قبوله:

- ‌السبب الخامس: الجهالة

- ‌المبحث الثالث:تحرير عود ما يسلب الضبطإلى سوء حفظ الراوي

- ‌القسم الأول: الوهم والغلط بمقتضى الجبلة

- ‌الوهم والغلط يقع بأسباب:

- ‌أولها: المخالفة في الأسانيد

- ‌ثانيها: وصل المراسيل

- ‌ثالثها: رفع الموقوف

- ‌رابعها: الجمع بين الرواة في سياق واحد وحمل حديث بعضهم على بعض

- ‌خامسها: قبول التلقين

- ‌سادسها: التصحيف إذا حدث من كتبه

- ‌القسم الثاني: ما يرجع من سوء الحفظإلى تساهل الراوي

- ‌المبحث الرابع:متى يترك حديث الراوي

- ‌المبحث الخامس:درجات سوء الحفظ

- ‌المبحث السادس:مسائل تتصل بالجرح بسوء الحفظ

- ‌المبحث السابع:أصول في جرح الرواة

- ‌الفصل الرابعتفسير الجهالة

- ‌المبحث الأول:من هو الراوي المجهول

- ‌القسم الأول: جهالة عين

- ‌القسم الثاني: جهالة حال

- ‌المبحث الثاني:جهالة الراوي سبب لرد حديثه

- ‌المبحث الثالث:أصول في الراوي المجهول

- ‌المبحث الرابع:تحرير القول في الرواة المسكوت عنهم

- ‌الفصل الخامستعارض الجرح والتعديل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول:مقدمات ضرورية لتحقيق القولفي الراوي المختلف فيه

- ‌المقدمة الأولى: أهلية الناقد لقبول قوله

- ‌المقدمة الثانية: التحقق من ثبوت الجرح أو التعديل عن الناقد المعين

- ‌المقدمة الثالثة: منع قبول صيغة الجرح أو التعديل التي لا تنسب إلى ناقد معين

- ‌المقدمة الرابعة: مراعاة ميول الناقد المذهبية في القدح في النقلة

- ‌المقدمة الخامسة: اعتبار بشرية الناقد في تأثيرها في إطلاق الجرح أو التعديل

- ‌المقدمة السادسة: وجوب اعتبار مرتبة الناقد مقارنة بمخالفة

- ‌المقدمة السابعة: ملاحظة مذهب الناقد فيما يراه جرحاً، ومذهبه فيه مرجوح

- ‌المقدمة الثامنة: التحقق من آخر قولي أو أقوال الناقد في الراوي، إن كان قد اختلف عليه

- ‌المقدمة التاسعة: مراعاة دلالة ألفاظ الجرح والتعديل

- ‌المقدمة العاشرة: التحقق من كون العبارة المعينة قيلت من قبل الناقد في ذلك الشخص المعين

- ‌المقدمة الحادية عشرة: التحقق من لفظ المنقولة عن الناقد

- ‌المقدمة الثانية عشرة: التيقظ إلى ما يقع أحياناً من المبالغة في صيغة النقد

- ‌المقدمة الثالثة عشرة: قد تطلق العبارة لا يراد ظاهرها

- ‌المبحث الثاني:تحرير منع تقديم الجرح على التعديل إلا بشروط

- ‌الشرط الأول:أن يكون مفسراً، ولو من ناقد واحد

- ‌الشرط الثاني:أن يكون جرحاً بما هو جارح

- ‌الشرط الثالث:أن لا يكون الجرح مردوداً من ناقد آخر بحجة

- ‌المبحث الثالث:تنبيهات حول تعارض الجرح والتعديل

- ‌التنبيه الأول: ترك التعديل عند ظهور الجرح لا يقدح في شخص المعدل أو علمه

- ‌التنبيه الثاني: الجرح لمن استقرت عدالته وثبتت إمامته مردود

- ‌التنبيه الثالث: تقديم الجرح عند اجتماع الشروط لا يلزم منه السقوط بالراوي

- ‌التنبيه الخامس: الراوي يختلف فيه جرحاً وتعديلاً، وهو قليل الحديث

- ‌الفصل السادسمراتب الرواةوتفسير عبارات الجرح والتعديل

- ‌المبحث الأول:مراتب الرواة

- ‌المرتبة الأولى: الاحتجاج

- ‌المرتبة الثانية: الاعتبار

- ‌المرتبة الثالثة: السقوط

- ‌المبحث الثاني:تفسير عبارات الجرح والتعديل

الفصل: ‌القسم الثاني: الإجازة

‌القسم الثاني: الإجازة

اعلم أن المتأخرين توسعوا في هذا، وابتكروا له أنواعاً وصوراً، خرجت عما يأتي بيانه، ولم آت على تفصيل ما ذكروه، من أجل أن جميع ما يخرج عما أذكره من صور الإجازة فهو باطل غير صحيح، وما أذكره فهو بحسبه، والمقصود إبراز ما قبله الأوائل من أنواع الإجازة وضروبها، حيث الحاجة إلى تمييز طرق الأسانيد قبل استقرار مصير الناس إلى الكتب المدونة الصحيحة.

وبالاستقراء وجدت ما استعمله السلف وصححوه وخرجت به أحاديث في كتب السنة، ومنها الصحيحان، ما يلي:

1 _

مناولة الشيخ للتلميذ بعض حديثه مكتوباً، وإذنه له في روايته عنه

وهذه أعلى صور الإجازة؛ لما اشتملت عليه من مزيد التوثق.

قال الخطيب: " يجوز للطالب روايته عنه، وتحل الإجازة محل السماع عند جماعة من أئمة الحديث "(1).

وقال عياض: " هي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين "(2).

وممن صح عنه من أئمة السلف تصحيحها: ابن شهاب الزهري، ويحيى بن أبي كثير، ومنصور بن المعتمر، والأوزاعي، وابن أبي ذئب، ومالك بن أنس، ومعتمر بن سليمان، وعبد الرزاق الصنعاني، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.

وكذا من قال بتصحيح الإجازة بإطلاق فإن هذا النوع أولى بالدخول

(1) الكفاية (ص: 466).

(2)

الإلماع، للقاضي عياض اليَحصُبي (ص: 80).

ص: 146

فيه من غيره، كسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشعيب بن أبي حمزة، والبخاري، وغيرهم.

2 _

إعلام التلميذ للشيخ أن لديه بعض حديثه، أيرويه عنه؟ فيقول الشيخ: نعم.

ثبت هذا عن الحسن البصري، وابن شهاب الزهري، ومكحول الشامي، وهشام بن عروة، وابن جريج، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وغيرهم، وروى عنهم الثقات بذلك كما رووا عنهم بالسماع.

وعن بعض أهل الحديث من لم يكن يختار الرواية بهذا، وهو مذهب تشدد، كيحيى بن سعيد القطان، وصالح جزرة، وإبراهيم الحربي، وروي عن شعبة ولا يصح عنه، أو مذهب تحوط كالمنقول عن أبي زرعة الرازي، وروي عن مالك، وذلك خشية الاتكال.

والأصل وثوق الشيخ بأن التلميذ عنى حديثاً معروفاً له من روايته، وعلامته ثقة التلميذ وأنه غير مجروح.

قال أبو طاهر السلفي: " الأصل في ذلك معرفة الراوي وضبطه وإتقانه على أي وجه كان، سماعاً، أو مناولة، أو إجازة "(1).

قلت: والأحاديث المروية بهذا الطريق لا يميز أكثرها في كتب الحديث، فلا يبين الراوي أنه أخذها عن الشيخ إجازة، ويستعمل فيها صيغة (أخبرنا) كما هو عند طائفة، وجوز بعضهم (حدثنا)، وهذا إذا لم يبين في الرواية أنه إجازة، فلا سبيل إلى تمييزه عن السماع الصريح، وحين جعلوا ذلك اتصالاً، فلم يبق للجدل فيه فائدة.

(1) الوجيز في ذكر المُجاز والمُجيز (ص: 57).

ص: 147

3 _

كتابة الشيخ للتلميذ بشيء معين من حديثه، يقرنه بلفظ الإجازة، أو لا.

وصورتها أن يقول الراوي: (كتب إليَّ فلان) وما في معناها.

فهذه رواية متصلة، إذا روعيت الشروط المتقدمة لتثبيت السماع، مع شرط رابع، وهو: صحة الكتاب، بمعنى: أن يكون الكتاب كتاب الشيخ.

قال الخطيب: " فإذا عرف المكتوب إليه خط الراوي، وثبت عنده أنه كتابه إليه، فله أن يروي عنه ما تضمن كتابه ذلك من أحاديث "(1).

وتصحيح الرواية بهذا أيضاً مما عليه عمل أئمة كبار، قبل الناس ذلك منهم، واحتجوا به من روايتهم، منهم: منصور بن المعتمر، وأيوب السختياني، وشعبة بن الحجاج، وابن جريج، والليث بن سعد، وغيرهم.

والسنة وعمل المسلين في الصدر الأول بالمكاتبة متواتر، وهي عندهم حجة، كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك ، وكتب أبو بكر وعمر إلى الأمراء والولاة، ولزمت الحجة بتلك الكتب.

قال القاضي عياض: " استمر عمل السلف فمن بعدهم من المشايخ بالحديث بقولهم: (كتب إلي فلان، قال: أخبرنا فلان)، وأجمعوا على العمل بمقتضى هذا التحديث، وعدوه في المسند بغير خلاف يعرف في ذلك "(2).

وما ذكرنا من اشتراط صحة ذلك الكتاب عمن نسب إليه، طريقه: اعتماد نسبة الراوي عن الشيخ ذلك الكتاب إليه، مادام الراوي ثقة.

وقد يتأكد ذلك بقرينة زائدة، كقول عبد الله بن أحمد بن حنبل: " كتب

(1) الكفاية (ص: 480)، وذكر معناه القاضي عِياض في " الإلماع " (ص: 84).

(2)

الإلماع (ص: 86).

ص: 148

إلي قتيبة بن سعيد: كتبت إليك بخطي، وختمت الكتاب بخاتمي، يذكر الليث بن سعد حدثهم " (1).

فهذه زيادة وتوكيد، وإلا فمجرد أن يقول عبد الله:(كتب إلي قتيبة) فقد بين أن ذلك الكتاب كتاب قتيبة: ومادام ثقة فهو صادق في تلك النسبة.

ومن أمثلة ما احتجوا به وهو مما روي بهذه الطريق:

1 _

قال قتادة: كتبنا إلى إبراهيم بن يزيد النخعي نسأله عن الرضاع؟ فكتب: إن شريحاً حدثنا، أن علياً وابن مسعود كانا يقولان: يحرم من الرضاع قليله وكثيره. وكان في كتابه: إن أبا الشعثاء المحاربي حدثنا، أن عائشة حدثته، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:" لا تحرم الخطفة والخطفتان "(2).

2 _

وقال عبد الله بن عون: كتب إليَّ نافع: أن ابن عمر قال: " نُهي عن لحوم الحمر الإنسية "(3).

3 _

وقال الأوزاعي: كتب إلي قتادة، قال: حدثني أنس بن مالك: أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ (الحمد لله رب العالمين)، لا يذكرون (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول القراءة ولا في آخرها (4).

(1) مُسند الإمام أحمد (رقم: 575)، وساقَ ذلك الخطيب في " الكفاية " (ص: 486) بإسناد إلى عبد الله، بزيادة.

(2)

حديثٌ صحيحٌ. أخرجه بهذا السياق: النسائي (رقم: 3311) وأبو يعلى (8/ 163 رقم: 4710) والرامهرمزي (ص: 441 _ 442) من طريق يزيد بن زُريع، حدثنا سعيد (هو ابن عروبة) عن قتادة، به.

وسنده صحيح.

(3)

حديثٌ صحيحٌ. أخرجه الطبراني في " الكبير "(12/ 384 رقم: 13421) وإسناد حسنٌ، وصحَّة الحديث من جهة أصله.

(4)

أخرجه أبو عوانة (2/ 134 _ 135) والرامهرمزي (ص: 442)، ونحوه عند مسلم في " صحيحه " (1/ 299) قلت: تكلموا فيما كتب به قتادة، قالوا: قتادة وُلد أكمه، فكيف كتب؟ إنما هذا مجاز حقيقته أنه أمر من كتب له، وعليه فيدخل الكاتب واسطة مَجهولة في الرواية، فتكون مُنقطعة، كما قال ذلك بعض العلماء، كالذهبي في " سير أعلام النبلاء "(7/ 121).

وأقول: هذا تكلف، فإن الأعمى يُكتب له ما يُنسب إليه من القول، كما يُكتب للأمي الذي لايقرأ، ويُنسب ذلك إليه، ويُعتدُّ بذلك المكتوب، إذ الواجب أن يطمئنَّا إلى ما كُتب وأنهما لا يُقرَّان أنه كلاهما حتى يتيقَّناه كذلك.

وهذه غير مسألة أن يعتمد الضرير فيما يُحدث به على كتاب كُتب له، فهو هنا أمر بأن يُكتب له مما أملاه من حفظه.

ص: 149

4 _

ومما اتفق عليه الشيخان مما جاء بهذا الطريق:

رواية أبي عثمان النهدي، قال:" أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة بن فرقد بأذربيجان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث في النهي عن الحرير.

وفي لفظ، قال أبو عثمان:" كتب إلينا عمر ونحن بأذربيجان "، وفي لفظ ثالث:" كنا مع عتبة، فكتب إليه عمر "(1).

5 _

وما أخرجه البخاري من طريق هشام الدستوائي، قال:" كتب إلي يحيى " يعني ابن أبي كثير، وساق حديثاً في الصلاة " (2).

6 _

وما أخرجه البخاري من طريق الليث بن سعد، قال:" كتب إلي هشام " يعني ابن عروة، وساق حديثاً في فضل خديحة (3).

7 _

وما أخرجه مسلم من طريق أيوب السختياني قال: " كتب إلي يعلى بن حكيم " وساق حديثاً في كراء الأرض (4).

بل إن البخاري ومسلماً خرجا رواية الرجل عن الرجل ممن لم يثبت السماع بينهما البتة، وإنما كان ذلك مكاتبة، وتلك رواية الليث بن سعد عن

(1) هذه الألفاظ للبخاري (رقم: 5490 _ 5492)، ولمسلمٍ نحو ذلك (3/ 1642 _ 1643).

(2)

صحيح البخاري (رقم: 611).

(3)

صحيح البخاري (رقم: 3605).

(4)

صحيح مسلم (3/ 1181).

ص: 150

عبيد الله بن أبي جعفر المصري، فإنه صح عن الليث قال:" لم أسمع من عبيد الله بن أبي جعفر، إنما كان صحيفة كتب إلي، ولم أعرضه عليه "(1).

نعم الرواية في الكتابين بصيغة العنعنة، لكن المقصود أن الشيخين لم يريا تلك الصورة انقطاعاً، مع أن طريق التلقي فيها لم يكن إلا المكاتبة، بل قال البخاري في ترجمة (ابن أبي جعفر):" سمع منه الليث "(2) ، فعد المكاتبة بمنزلة السماع.

وهو مذهب الليث بن سعد نفسه، فإن عبد الله بن وهب قال: لقد كان يحيى بن سعيد يكتب إلى الليث بن سعد، فيقول:" حدثني يحيى بن سعيد "، وكان هشام بن عروة يكتب إليه، فيقول " حدثني هشام "(3).

والوجه في صحة الاحتجاج بالمكاتبة: ما حكاه الرامهرمزي عن بعض أهل العلم، قال:" المكاتب لا يخلو من أن يكون على يقين من أن المحدث كتب بها إليه، أو يكون شاكاً فيه، فإن كان شاكاً فيه لم تجز له روايته عنه، وإن كان متيقناً له فهو وسماعه الإقرار منه سواء؛ لأن الغرض من القول باللسان فيما تقع العبارة فيه باللفظ إنما هو تعبير اللسان عن ضمير القلب، فإذا وقعت العبارة عن الضمير بأي سبب كان من أسباب العبارة: إما بكتاب، وإما بإشارة، وإما بغير ذلك مما يقوم مقامه، كان ذلك كله سواء "(4).

وقال الزيعلي في معرض نقد حديث ابن عكيم في جلود الميتة:

(1) أخرجه ابنُ أبي حاتم في " المراسيل "(ص: 180) والخطيب في " الكفاية "(ص: 460) بإسناد صحيح. ومن مواضع تخريجها عند البخاري (الأحاديث: 284، 1405، 2210) وعند مسلم (2/ 720، و 3/ 1214، 1478).

(2)

التاريخ الكبير (3/ 1 / 376).

(3)

أخرجه يعقوب بن سفيان في " المعرفة "(2/ 824 _ 825) _ ومن طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 491) _ بإسناد صحيح.

(4)

المحدث الفاصل (ص: 452 _ 453).

ص: 151

" الكتاب والوجادة والمناولة كلها مرجوحات؛ لما فيها من شبه الانقطاع بعدم المشافهة "(1).

قلت: لا عبرة بهذا الشبه، فإن العلة في رد المنقطع هي وجود الواسطة المجهولة، لا عدم المشافهة، وهي معدومة هنا.

وقد قال الحافظ محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بلوين: " كتب إلي، وحدثني واحد، وإن كتب النبي صلى الله عليه وسلم قد صارت ديناً يدان بها، والعمل بها لازم للخلق، وكذلك ما كتب به أبو بكر وعمر وغيرهما من الخلفاء الراشدين، فهو معمول به، ومن ذلك كتاب القاضي إلى القاضي، يحكم به ويعمل به "(2).

هذه الصور من الإجازة هي التي توجد في استعمال السلف، وقد توسع فيها المتأخرون، وزادوا في أنواعها، وأدخلوا فيها صوراً منكرة، شبيهاً بما أدركناه اليوم من طائفة يقتني أحدهم كراساً جمع فيه له أو جمع لنفسه أسماء مصنفات عدة، كالصحيحين والسنن، له بمضمون ذلك الكراس إجازة من شيخ له، أن يروي تلك الكتب عنه، وذلك بإسناد لذلك الشيخ عن شيخ له، ويقع في السلسلة من هو معروف من علماء المتأخرين بالإسناد، ينتهي الإسناد إلى إمام من الأئمة الحديث، كالحافظ ابن حجر أو غيره، ومنه إلى الأئمة المصنفين لتلك الكتب.

والعيب في هذه الإجازات أن الطالب يجاز بمجرد أسماء لكتب، لا يجاز بمضمون، بل من هؤلاء المجازين من لم يطلع على مضمون، ولم ير الكتاب الذي أجيزت له روايته عمره، خصوصاً بعض الأجزاء الحديثية التي هي في عداد المفقود، فعجبا لأحدهم يقول بعد ذلك:(لدي برواية صحيح البخاري إجازة) و: (أنا أروي جامع الترمذي عن مسند العصر فلان)، ما

(1) نصب الراية (1/ 121 _ 122).

(2)

أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 491) وإسناده صحيح.

ص: 152