الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكنه في اصْطلاح المتأخرين: الحديث الذي لا يقلُّ رواته عن اثنين في جميع طبقات الإسناد، ولا يبلغ الشهرة.
ولكوْن هذا الوصف نادرَ الوجوه في الأحاديث أطلق عليه لقب (العزيز).
مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده، وولده والنَّاس أجمعين ".
فهذا لم يُروَ من وجه صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك (1)، ورواه عن أنس: قتادة وعبد العزيز بن صهيب، ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن عُليَّة وعبدُ الوارث بن سعيد، وعن كلٍّ منهما جماعة.
و
النوع الثالث: الحديث الغريب
.
تعريفه: هوَ الحديث الذي ينفرد بروايته راوٍ واحد.
ويسمى: (الفرْد).
والغريب نوعان:
أولهما: الغريب المطلق.
وهو أكثر ما يطلق عليه مصطلح (الفرد).
وهو الحديث الذي لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإسناد واحد.
كحديث: " إنما الأعمال بالنيات " فإنه لا يعرف له إسناد إلا عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
(1) أخرجه البخاري (رقم: 14) من حديث أبي هريرة، واتفقنا عليه: البخاري (رقم: 15) ومسلم (رقم: 44) من حديث أنس.
وهذا المعنى بمجرده لا يفيد ثبوت الحديث أو ضعفه، فلا تفهمن أن مجرد التفرد يعني الضعف، وإنما في (الغريب): الصحيح، والحسن، والضعيف، وتعرف درجة كل بحسب حال الإسناد، وسلامته من العلل.
وثانيهما: الغريب النسبي.
وهو الحديث الذي علم مخرجه عن النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر من وجه، كحديث يرويه أبو هريرة وابن عمر، ولكنه لم يعرف عن ابن عمر إلا من رواية نافع مولاه، فهو من أفراد نافع عن ابن عمر، والتفرد فيه إنما وقع بالنسبة لابن عمر، لا مطلقاً، ويقولون فيه:" تفرد به فلان عن فلان ".
فإن وجدت ذلك فلا تفهمن منه غرابة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يكون مروياً عنه من وجوه.
والغريب النسبي كثير في جميع الكتب الأمهات، ومن وجوامعه الواسعة " المعجم الأوسط " للحافظ الطبراني.
ومن مثاله: ما رواه عيسى بن موسى غُنْجارٌ، عن أبي حمزة السكري، الأعمش، عن أبي أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسموا العنب الكرْم "(1).
قال: الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا أبو حمزة السكري، واسمه محمد بن ميمون، تفرد به الغُنْجار، ولم يسند الأعمش عن أيوب حديثاً عن غير هذا ".
قلت: وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو هريرة ووائل بن حجر، ومعناه عن سمرة بن جندب، وعن أبي هريرة جماعة من ثقات أصحابه، منهم: الأعرج، ومحمد بن سيرين، وأبو سلمة، وعن محمد بن سيرين: أيوب السختياني وهشام بن حسان وغيرهما، ورواه عن أيوب غير الأعمش على
(1) أخرجه الطبراني في " الأوسط "(7/ 451 رقم: 6884) و " الصغير "(رقم: 955).
خلاف في رفعه، لكنه لا يعرف مرفوعاً من حديث أيوب إلا من رواية الأعمش عنه، ولا يعرف عن الأعمش إلا من هذا الوجه، فليس هو عن غير أبي حمزة من أصحابه.
فالحديث بالنظر إلى أصله تقول فيه، مشهور، أو عزيز، ثم بقيت المتابعة في أسانيد رواية أبي هريرة إلى الأعمش، وهو إمام مكثر اعتنى أصحابه بحديثه، لكن لم يوجد هذا الحديث عنه إلا من هذا الوجه.
واعلم أن الوصف بالتفرد إن وقع من حافظ عارف، كالطبراني هنا مثلا، فلا تطعمن أن تجد له طريقاً أخرى صالحة عمن وقع التفرد بالنسبة له.
قال النووي: " وإذا قالوا: تفرد به أبو هريرة، أو ابن سيرين، أو أيوب، أو حمَّاد، كان مشعراً بانتفاء وجوه المتابعات كلها "(1).
قلت: ولكن لا تيأس، فالعلم منحة. والنقص في البشر طبيعة، وربما علم المفضول ما لم يعلمه الفاضل.
وللغرابة صور، فمنها:
1 _
ما تفرد به راوٍ واحد مطلقاً أو عن شيخ معيَّن، وهو الأكثر في رواية الحديث.
2 _
ما تفرد به أهل بلد دون غيرهم، فيقال:" هذا حديث تفرد به أهل الشام " مثلاً، حيث لم تقع روايته لغيرهم، ولم يعرف إلا من جهتهم.
وذلك كتفرد الشاميِّين برواية حديث أبي ذر الغفاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال:" يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فالا تظالموا " الحديث (2).
(1) شرح صحيح مسلم، للنووي (1/ 34).
(2)
أخرجه مسلم (رقم: 2577).
فهذا حديث عظيم، صحيح من جهة النقل، اختص به أهل الشام، وجاء عن أبي ذر من طرق لهم، وقال حافظ الشاميِّين أبو مسهر عبدُ الأعلى بن مسهر الغساني:" ليس لأهل الشام أشرف من حديث أبي ذر "(1)، وجاء معنى ذلك كذلك عن أحمد بن حنبل (2)، ولم يصح من رواية غيره من الصحابة.
3 _
ما تفرد به أهل البلد عن أهل بلد آخر، وليس هو عند أهل البلد آخر، وليس هو عند أهل البلد الآخر أصلاً، أو ليس عندهم من وجه قويِّ.
مثاله: ما تفرد بروايته من الثقات عبد الله بن المبارك، أخبرنا محمد بن سوقه، عن عبد الله دينار، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب، خطب بالجابية (3)، فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم، فقال:
" استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى إن الرجل ليبتدئ بالشهادة قبل أن يسألها، فمن أراد منكم بحبحة الجنة فليلزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون أحدكم بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما، ومن ومن سرّتهُ حسنتهُ وسائتهُ سيئتهُ، فهو من مؤمن "(4).
قال الحاكم: " هذا الحديث من أفراد الخراسانيين عن الكوفيين، فإن
(1) أخرج ذلك ابنُ عساكر في " تاريخه "(26/ 139).
(2)
ذكره ابنُ رجب في " جامع العلوم والحكم "(ص: 421).
(3)
قرية في بلاد الشام، قريبة من دمشق.
(4)
أخرجه ابنُ المبارك في " مسنده "(رقم: 241) ومن طريقه: أحمد (رقم: 114) والطحاوي في " شرح المعاني "(4/ 150 _ 151) وابن حبان (16/ 239 رقم 7254) والحاكم في " المستدرك "(1/ 113 _ 114 رقم: 387) و " معرفة علوم الحديث "(ص: 102) وأبو نعيم في " معرفة الصحابة "(رقم: 44) والبيهقي في " الكبرى "(7/ 91) من طُرق عن ابن المبارك به، بعضهم اقتطع من متنه ولم يذْكره كله.
وبينتُ علة الحديث في كتاب " علل الحديث " مع بيان صحته من هذا الوجه.
عبد الله بن المبارك إمام أهل الخرسان، وهذا يعد في أفراده عن محمد بن سوقة، وهو كوفي ".
قلت: وأراد أنه لم يحفظه أهل الكوفة عن ابن سوقة الكوفي إلا من وجه ضعيف، وحفظه من هو من غير بلدهم من الثقات.
وبقية ما يتحصل بهذا النوع يأتي في هذا الكتاب في (تميز علل الحديث).
تنبيه:
الألقاب الثالثة لحديث الآحاد جرى المتأخرون على ذكرها دون اعتبار ثبوت الرواية بذلك الإسناد
أو تلك الأسانيد، والإسناد إنما أريد لتمييز ما يثبت من النقل وما لا يثبت، فالحديث حين يسمى (عزيراً) أو (مشهوراً) بالمعنى الاصطلاحي المتقدم، ينبغي أن ينفى عن أسانيده ما كان من روايات الكذابين والمتروكين ومن لا يعتبر بحديثه، وإنما تعتبر الأسانيد التي تندرج في حيز القبول وما يشبهه ويقرب منه، وإلا فأي عزة أو شهرة لحديث رواه متروكان أو متروكون كلٌّ بإسناد لنفسه لا يعرف إلا من طريقه؟.
والواقع العملي لأهل العلم بالحديث أنهم حين يصفون الحديث بالشهرة، فذلك عندما تكثر طرقه، وتدل بأفرادها أو مجموعها، على ثبوته، فهكذا ينبغي أن يعامل هذا الوصفان.
وأما (الغريب) فهذا الذي يرد فيه الثابت وغيره، بل إنك ترى وصف (الغريب) في استعمال بعض أهل الحديث قد يساوي الضعف أو يدل عليه.
قال النووي: " إذا انتفت المتابعات وتمحض فرداً فله أربعة أحوال:
حال يكون مخالفاً لرواية من هو أحفظ منه، فهذا ضعيف، ويسمَّى شاذاً أو منكراً.
وحال لا يكون مخالفاً، ويكون هذا الرَّاوي حافظاً ضابطاً متقناً، فيكون صحيحاً.