الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم من يسمي كلَّ رواية أثراً؛ بغضِّ النظر عمن أضيفت إليه، ومنه قولهم:(التفسير بالمأثور) فإنَّه يد خل فيه الأحاديث النّبوية والمنقول عن الصحابة والتابعين.
وكتبٌ كثيرة ٌُ سمِّيت بـ (الآثار) وفيها الحديث النَّبويُّ وغيره، كـ (الآثار) للإمام محمد بن الحسن الشَّيباني صاحب الإمام أبي حنيفة، بل منهم من سمّى كتابه بذلك ومراده الحديث النّبوي، كما في " شرح مشكل الآثار " و" شرح معاني الآثار "
كلاهما لأبي جعفر الطَّحاوي، و " تهذيب الآثار " لابن جرير الطَّبري.
علوم الحديث:
هي المعارف المتّصلة بالحديث من جهة نقله ومعرفة صحيحه من سقيمه.
والألقاب المتعارف ُ عليها عند أهل هذا الفن بـ (علم مصطلح الحديث) والآتي تفصيلها، هي القاعدة العامّة لهذه العلوم.
2 _ تاريخ علم الحديث:
مبدأ ظهور هذا العلم:
الكلام في النقلة فنٌّ قديم من فنون هذا العلم، يعود إلى عصر الصحابة، وقد ورد عنهم في ذلك آثار قليلة، إليك بعضَ أمثلتها:
1_
عَن سعيد بن جبير، قال:
قلت لابن عباس: إن نوفاً البكاليَّ يزعم أن موسى عليه السلام ُصاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر عليه السلام، فقال: كذب عدو الله، سمعت أُبي بن كعب يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " قام موسى عليه السلام خطيباً في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ " فذكر الحديث بقصته مع الخضر (1).
2 _
وعن حُميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يُحدِّث رهطاً من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لَنَبْلو عليه الكذب (2).
فتلاحِظ في هذين المثالين أنَّ الكلام وقع في رجلين من غير الصحابة يعرفان بالرواية عن أهل الكتاب، ولم يكن الصحابة يكذِّب بعضهم بعضاً في النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما خطَّأ بعضهم بعضاً في أحرف يسيرة كما وقع فيما استدركته عائشة أم المؤمنين على بعض الصحابة (3)، وعلّة ذلك أن نقلة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانوا العدول ولذلك لم يكن الناس يومئذ يعتنون بالإسناد حتى ظهرت الفتن وتباعد العهد وصار النقل إلى التابعين بعد الصحابة.
فعن مجاهد بن جبر المكي، قال:
جاء بُشير العدوي إلى بن عباس، فجعل يحدث ويقول:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، " فجعل ابن عباس لا يأذن (4) لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع، فقال ابن عباس: إناكنّا مرَّة إذا سمعنا رجلاًََ
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم: 122، 3220، 4448، 4449، 4450) ومسلم (رقم: 2380).
(2)
أخرجه البخاريُّ في " الصحيح "(6/ 2679) بصورة التعليق، وهوَ موصولٌ في " تاريخه الأوسط " (رقم: 201) بإسناد صحيح.
(3)
كما جمع أمثلةَ ذلك الحافظ بدرُ الدين الزركشي في كتاب " الإجابة لإيراد ما استَدركتْه عائشة على الصحابة ".
(4)
يأذن: يستمع.
يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ابتدرتْه أبصارنا، وأصْغينا إليه بآذانِنا، فلما ركب الناس الصَّعب والذَّلول لم نأخذ من النّاس إلا ما نعرف (1).
وقال الإمام التابعي محمد بن سيرين: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم
…
(2).
ثم منذ ذلك الوقت بدأ شيوعُ الاعتناء بالأسانيدِ والكلام في النَّقَلة ونقد الراويات، وكلما تأخر العهد زاد ذلك.
فتكلَََََّم طائفةٌ من التابعين بكلام منثور في ذلك، منهم: سعيد بن جبير، وسالم بن عبد الله عمر،
…
وعطاء بن أبي رباح، وعروة بن الزبير، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعامر الشعبي.
ثم الكلام بعد هؤلاء أكثر كالزهريِّ، وأيوب السختيانيِّ، والأعمش.
حتى جاءت طبقة أتباع التابعين فصار هذا العلم إلى النُّضوج، وعلتُّه ترجع إلى كثرة الكذابين، وطولِ الإسناد الذي يزيد معه الوهم والغلط وتعمُّد الإسقاط من رجاله تخفيفاً، فظهر أمثال شعبة بن الحجَّاج، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي.
ومن بعد طبقة تلامذتهم كيحي القطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي.
ثم تلامذتهم كأحمد بن حنبل، ويحي بن معين، وعلي بن المدينيِّ، وإسحاق بن راهُوَيه، وعمرو بن علي الفلَاّس.
وهذا وقتٌ بدأ يظهر فيه التَّصنيف في علوم الحديث، لكن في أبواب منه مخصوصة، كـ (الجرح والتَّعديل) و (علل الحديث) و (تواريخ النَّقلة).
(1) رواه مسلم في " مقدمة صحيحه "(ص: 13) بإسناد صحيح.
(2)
رواه مسلم في " مقدمة صحيحه "(ص: 15) وغيره بإسناد صحيح، ويأتي له مَزيدُ تخريج في موضع آخر من هذا الكتاب.