الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو حديث واحد، وإنما شك البخاري أن لا يصح له، أي ليس لعمرو بن عبيد الله صحبة " (1).
ومثل: (زهير بن عثمان الثقفي)، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم:" الوليمة حق، واليوم الثاني معروف "، قال البخاري:" لم يصح إسناده، ولا يعرف له صحبة "(2)، وذكره ابن عدي تبعاً للبخاري، وأقره (3).
فمثل هذين إنما ذكرا في الضعفاء، لا لضعفهما؛ وإنما لضعف الرواية عنهما، وإذا كان مثل هذه الرواية هو الطريق لإثبات الصحبة، فالصحبة لا تثبت به، وإن افترضنا ثبوتها للرجل بغير هذه الرواية فذكره في الضعفاء ليس لجرحه في عدالته، وإنما من أجل الرواية الضعيفة التي قد تكون علتها من قبل غيره.
المسألة الثالثة: تحرير القول في جهالة الصحابي
.
والمقصود به هنا من لم يسم، وهو وارد في رواية بعض الحديث، كقول الراوي: (حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا عند أهل العلم في الاحتجاج به وقبوله على مذهبين:
المذهب الأول: لا يقبل، وهو ظاهر صنيع الشيخين في " صحيحيهما ".
قال الحاكم في صفة الحديث الصحيح: " أن يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي زائل عنه اسم الجهالة، وهو أن يروي عنه تابعيان عدلان، ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا هذا كالشهادة على الشهادة "(4).
(1) الكامل (6/ 244).
(2)
التاريخ الكبير (2/ 1 / 425).
(3)
الكامل (4/ 187).
(4)
معرفة علوم الحديث (ص: 62).
وقال ابن حزم: " لا يقبل حديث قال راويه فيه: عن رجل من الصحابة، أو: حدثني من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا حتى يسميه، ويكون معلوماً بالصحبة الفاضلة، ممن شهد الله تعالى لهم بالفضل والحسنى "(1).
والمذهب الثاني: يقبل، بمنزلة المسند، وعليه جرى المصنفون في جمع المسانيد، كأحمد بن حنبل وغيره.
والتحقيق أن جهالة الصحابي غير قادحة، وذلك لاعتبارين:
الأول: بناء على أصل عدالة جميع الصحابة، ومظنة النفاق والردة ليست واردة على نقلة الأثر.
قال ابن الصلاح: " الجهالة بالصحابي غير قادحة؛ لأن الصحابة كلهم عدول "(2).
والثاني: لما علم بالتتبع أن الرواية عن صحابي مجهول العين قليلة، ولم يوجد فيها ما يعد منكراً أو ضعيفاً لمجرد كون الصحابي لم يسم أو لم يعرف، فدل على سقوط أثر ذلك.
لكن اتصال الإسناد أو عدمه إنما يعتبر فيه تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مسند متصل.
وله صور:
الأولى: أن يقول صحابي معروف: (أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
كقول أنس بن مالك: " أخبرني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى عليه السلام وهو يصلي في قبره "(3).
(1) الإحكام في أصول الأحكام (2/ 3).
(2)
علوم الحديث (ص: 56).
(3)
انظر: سنن النسائي (3/ 216).
فالجهالة بهذا الصحابي لا تضر على أي حال: صرح الصحابي المسمى بسماعه منه أم لا، وذلك تصديقاً لذلك الصحابي المسمى في خبره بصحبة مخبره.
ولو لم يخبر عن صحبته أو ما يدل عليها، فأدنى أحواله، ينزل منزلة مراسيل الصحابة، وهي مسندة عند عامة أئمة الحديث.
والثانية: أن يقول التابعي الثقة: (حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيصدق في وصفه لمن حدثه بالصحبة، وخبره متصل لبيانه السماع من ذلك الصحابي المبهم.
قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله (يعني أحمد بن حنبل): إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث صحيح؟ قال:" نعم "(1).
والقول بتصحيح ذلك أيضاً منقول عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي من أئمة الحديث، وأبي بكر الصيرفي من الأصوليين، لكن خالف البيهقي، فقال:" هو مرسل "(2).
وله أمثلة كثيرة، كقول عبد الرحمن بن أبي ليلى:" حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمها "، الحديث (3).
قلت: هذا ما دام التابعي ثقة، أما إن كان مجروحاً، فقد سقط قوله بسقوطه.
(1) أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 585) عن كتاب " العلل " للخلال، والذي يرويه الخطيب بقوله:" حُدثت عن عبدِ العزيز بن جعفر ".
(2)
حكى ذلك عنهم: ابن رجب في " شرح العلل "(1/ 320).
(3)
انظر: سنن أبي داود (رقم: 2374).
والثالثة: أن يقول التابعي الثقة: (أخبرني رجل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وشبه ذلك، فتثبت الصحبة لتلك الواسطة المبهمة تصديقاً للتابعي في خبره المتصل عن تلك الواسطة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم.
مثل قول أبي البختري سعيد بن فيروز: " أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم "(1).
2 _
متوقف فيه:
وله صورة واحدة، وهي: أن يقول التابعي الثقة: (عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكر الخبر معنعناً.
فهو صادق في وصفه بالصحبة، لكنه لا يجري مجرى المتصل، وذلك لاحتمال كون التابعي لم يدرك ذلك الشيخ من الصحابة، فإنا نعلم أن الإرسال في التابعين كثير، كانوا يحدثون عمن لم يدركوا ومن لم يسمعوا منهم من الصحابة، ولم يسلم من ذلك حتى بعض كبار التابعين، كسعيد بن المسيب.
ومن أمثلته: قول راشد بن سعد: " عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: " كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة " (2).
وأما ما سأل الحسين بن إدريس الحافظ محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، قال: إذا كان الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أيكون ذلك حجة؟ قال:" نعم، وإن لم يسمعه، فإن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم حجة "(3).
(1) أخرجه أحمد في " مُسنده "(30/ 222 رقم: 18289 _ الرسالة) و (5/ 293 _ ميمنية).
(2)
أخرجه النسائي (رقم: 2053).
(3)
أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 585) وإسناده صحيح.
فهذا للإبانة أن جهالة الصحابي لا تضره، ذكر في روايته سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم أم لم يذكر. وليس هو في شأن اتصال ما بين التابعي وذلك الصحابي المجهول.
3 _
مرسل.
وله صور واحدة، وهي أن يقول التابعي الثقة:(عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو: (حدثني رجل) ولا ينسبه للصحابة، ولا يذكر عن ذلك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا مرسل، وذلك الرجل مجهول جهالة مؤثرة، ولا يلحق بالصحابة، فإن التابعين رووا كثيراً عن نظرائهم، وفي التابعين من جرح.
كذلك رأيت أبا داود السجستاني خرج في " المراسيل " حديثاً من طريق محمد بن كعب القرظي، قال:(حدثني من لا أتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثاً (1).
فعده أبو داود مرسلاً.
* * *
(1) المراسيل (رقم: 533)، وفي الإسناد إلى القُرظي راوٍ مجهول، وإنما استدللت بصنيع أبي داود في إدخال هذه الصورة في جُملةِ المراسيل.