الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يعرفون بتوثيق قديم، ومع ذلك يجعل من تصحيح الترمذي حجة على توثيق رواة الإسناد الذي صححه.
ووقع منه أنه قال في (عمرو بن بجدان) وقد ذكر من روايته حديثاً نقل عن الترمذي تحسينه له (1): " لا يعرف لعمرو بن بجدان هذا حال "(2)، فتعقبه ابن دقيق العيد بقوله:" ومن العجب كون ابن قطان لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان، مع تفرده بالحديث، وهو قد نقل كلامه: (هذا حديث حسن صحيح)، وأي فرق بين أن يقول: هو ثقة؟ أو يصحح له حديثاً انفرد به؟ وإن كان توقف عن ذلك لكونه لم يرو عنه إلا أبو قلابة، فليس هذا بمقتضى مذهبه، فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال، فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله ، وهو تصحيح الترمذي "(3).
قال الذهبي بعد أن جعل تخريج حديث الراوي في (الصحيحين) توثيقاً للراوي الذي لم يذكر بجرح أو تعديل: " وإن صحح له مثل الترمذي وابن خزيمة فجيد أيضاً، وإن صحح له كالدارقطني ، والحاكم فأقل أحواله حسن حديثه "(4).
ويلحق بهذا الأصل مسألتان:
المسألة الأولى:
عمل الناقد بحديث الراوي، وذهابه إلى مقتضاه
.
قال الخطيب: " إذا عمل العالم بخبر من روى عنه لأجله، فإن ذلك تعديل له يعتمد عليه؛ لأنه لم يعمل بخبره إلا وهو رضى عنده عدل، فقام عمله بخبره مقام قوله:(هو عدل مقبول الخبر)، ولو عمل العالم بخبر من
(1) وفي " الجامع " للترمذي (رقم: 124): " حديث حسن صحيح ".
(2)
بيان الوهم والإيهام (3/ 327).
(3)
نقله الزيلعي في " نصب الراية "(1/ 149).
(4)
الموقظة (ص: 78).
ليس عنده عدلاً، لم يكن عدلاً يجوز الأخذ بقوله والرجوع إلى تعديله؛ لأنه إذا احتملت أمانته أن يعمل بخبر من ليس بعدل عنده، احتملت أمانته أن يزكي ويعدل من ليس بعدل " (1).
قلت: لكن الواجب مراعاته في هذا أن يكون العالم عارفاً بالنقلة، وأن يكون مستنده في العمل هو ذلك الحديث لذاته.
فإن كان العامل بالخبر من عامة الفقهاء وليس ممن له اشتغال بتمييز النقلة، فلا عبرة بعمله بالرواية لتقوية رواتها، والواقع شاهد بعمل الفقيه غير البصير بالحديث ورواته بالأحاديث الواهية فضلاً عن الضعيفة.
وإن كان عمل بالحديث مضموماً إلى دليل آخر عنده، فقد يكون استأنس بذلك الحديث ولم يحتج به، فلا يعتبر ذلك تعديلاً منه لرواته.
المسألة الثانية: تخريج حديث الرواي في الصحاح هل يعد تعديلاً له من قبل من خرج له؟
الأصل أن تخرج الحديث في الكتاب الموصوف بالصحة في جميع الكتب المعروفة بذلك أن الحديث المحتج به فيها قد استوفى شروط الصحة، وذلك يوجب أن يكون من خرج حديثه في هذه الكتب على سبيل الاحتجاج ثقة أو صدوقاً عند صاحب (الصحيح)، بمنزلة تصريحه بالقول:(هو ثقة)، أو:(هو صدوق).
وهذه تنبيهات تتصل بهذه المسألة:
التنبيه الأول: اعلم أنه ليس في رواة " الصحيحين " ممن خرج حديثه احتجاجاً من يصح وصفه بالجهالة، وذلك لكون تصحيح صاحب الصحيح له تزكية ترفعه إلى مصاف الثقات، ومن كان من أولئك قد وصفهم بعض النقاد بالجهالة، فذلك بناء على ما عندهم في حال أولئك النقلة، وزاد
(1) الكفاية (ص: 155).
صاحب الصحيح خبرة بأمره، فزكاه، من أولئك: بيان بن عمرو، والحسين بن الحسن بن يسار، ومحمد بن الحكم المروزي.
قال الذهبي: " فإن خرج حديث هذا في (الصحيحين) فهو موثق بذلك "(1).
وقال: " من أخرج له الشيخان على قسمين:
أحدهما: ما احتجا به في الأصول.
وثانيهما: من خرجا له متابعة وشاهداً واعتباراً.
فمن احتجا به أو أحدهما ولم يوثق ولا غمز، فهو ثقة حديثه قوي، ومن احتجا به أو أحدهما وتكلم فيه: فتارة يكون الكلام فيه تعنتاً والجمهور على توثيقه، فهذا حديثه قوي أيضاً، وتارة يكون الكلام في تليينه وحفظه له اعتبار، فهذا حديثه لا ينحط عن مرتبة الحسن التي قد نسميها من أدنى درجات الصحيح، فما في الكتابين بحمد الله رجل احتج به البخاري أو مسلم في الأصول ورواياته ضعيفة، بل حسنة أو صحيحة.
ومن خرج له البخاري أو مسلم في الشواهد والمتابعات، ففيهم من في حفظه شيء، وفي توثيقه تردد.
فكل من خرج له في (الصحيحين) فقد قفز القنطرة، فلا معدل عنه إلا ببرهان بين " (2).
قلت: وكثير من النقاد بعد الإمامين يحتجون بالراوي يحتج به الشيخان أو أحدهما، ويعدونه بذلك قد جاز القنطرة، ويجعلونه في كفة ترجيح ثقة الراوي المختلف فيه.
(1) الموقظة (ص: 78).
(2)
الموقظة (ص: 79 _ 80).
قال ابن عدي في (عبد الله بن يوسف التنيسي): " البخاري مع شدة استقصائه اعتمد عليه في مالك وغيره، ومنه سمع (الموطأ)، وله أحاديث صالحة، وهو خير فاضل "(1).
وقال في (علي بن الجعد): " والبخاري مع شدة استقصائه يروي عنه في صحاحه "(2).
كذلك قال في (فليح بن سليمان): " اعتمده البخاري في (صحيحه)، وروى عنه الكثير، وهو عندي لا بأس به "(3).
قلت: لكن الواجب أن لا تجعل هذه قاعدة مطردة في كل ما روى ذلك الراوي؛ لأن الشيخين كان من منهجهما الانتقاء من حديث من عرف بضعف من أهل الصدق، فالصواب أن يستفاد من احتجاج الشيخين أو أحدهما براو أنه مقبول من حيث الجملة، لكن حديثه المعين غير المخرج في الصحيح يجب الاحتياط في قبوله حتى يثبت أنه محفوظ، ليوافق منهج صاحب (الصحيح) في الانتقاء (4).
قال الزيلعي عقب حديث يرويه أبو أويس المدني في الجهر بالبسملة: " لو ثبت هذا عن أبي أويس فهو غير محتج به؛ لأن أبا أويس لا يحتج بما انفرد به، فكيف إذا انفرد بشيء وخالفه فيه من هو أوثق منه؟ مع أنه متكلم فيه، فوثقه جماعة، وضعفه آخرون .. ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة؛ إذ لم يسلم من كلام الناس إلا من عصمه الله، بل خرجا في (الصحيح) لخلق ممن تكلم فيهم، منهم: جعفر بن سليمان الضبعي، والحارث بن عبيد الإيادي، وأيمن بن نابل
(1) الكامل (5/ 342).
(2)
الكامل (6/ 366).
(3)
الكامل (7/ 144).
(4)
وانظر البحث في: شرط الشيخين.
الحبشي، وخالد بن مخلد القطواني، وسويد بن سعيد الحدثاني، ويونس بن أبي إسحاق السبيعي، وغيرهم. ولكن صاحبا الصحيح رحمهما الله إذا أخرجا لمن تكلم فيه، فإنهم ينتقون من حديثه ما توبع عليه وظهرت شواهده، وعلم أن له أصلاً، ولا يروون ما تفرد به، سيما إذا خالفه الثقات، كما أخرج مسلم لأبي أويس حديث:" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي "؛ لأنه لم يتفرد به، بل رواه غيره من الأثبات، كمالك وشعبة وابن عيينة، فصار حديثه متابعة " (1).
التنبيه الثاني: يلاحظ أن من أخرج لهم البخاري تعليقاً، أو مسلم في " مقدمة صحيحه " فهؤلاء ليس لهم شرط الصحيح، فلا يستدل بذلك على تعديلهم.
قال ابن القيم: " مسلم لم يشترط فيها (أي المقدمة) ما شرطه في الكتاب من الصحة، فلها شأن، ولسائر كتابه شأن آخر، ولا يشك أهل الحديث في ذلك "(2).
التنبيه الثالث: ما سوى " الصحيحين " من الكتب المجردة لـ (الصحيح)، وذلك مثل: صحيح ابن خزيمة، وكتاب " التوحيد " له، وصحيح ابن حبان، فمن خرج له في شيء من هذه الكتب فلا يخلو أن يكون احتجاجاً أو متابعة، فما كان احتجاجاً فهو ثقة عند المخرج، وما كان متابعة فقد يكون ثقة وقد يكون دون ذلك، لكن يعتبر به عند ذلك المخرج على أقل الدرجات.
والحاكم كذلك فيمن يحكم على أسانيدهم بالصحة في " مستدركه "، لا في جميع من يخرج لهم، فإنه ربما حشا في كتابه ما ليس على شرطه فيه أصلاً، كما صنع في كتاب " الصحابة " منه.
(1) نصب الراية (1/ 341 _ 342).
(2)
الفروسية (ص: 63).