المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثة: قول الصحابي: (قال: قال) - تحرير علوم الحديث - جـ ١

[عبد الله الجديع]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل:مقدمات تعريفية

- ‌المبحث الأول:علم الحديث: تعريفه، تاريخه، أقسامه

- ‌1 _ تعريف علم الحديث:

- ‌2 _ تاريخ علم الحديث:

- ‌3 _ تقسيم علوم الحديث:

- ‌المبحث الثاني:ألقاب الحديث من جهة من يضاف إليه

- ‌1_ الحديث المرفوع:

- ‌مسائل:

- ‌المسألة الثالثة: قول الصحابي: (قال: قال)

- ‌المسألة السابعة: حكم تفسير الصحابي للقرآن

- ‌المسألة الثامنة: الحديث القدسيُّ

- ‌2 _ الحديث الموقوف:

- ‌3 _ الحديث المقطوع:

- ‌المبحث الثالث:ألقاب الحديث باعتبار تعدد الأسانيد

- ‌القسم الأول: الحديث المتواتر

- ‌تقسيم الحديث المتواتر بحسب صِيغته:

- ‌ المتواتر اللفظي

- ‌ المتواتر المعنوي

- ‌القسم الثاني: حديث الآحاد

- ‌النوع الأول: الحديث المشهور

- ‌النوع الثاني: الحديث العزيز

- ‌النوع الثالث: الحديث الغريب

- ‌حجية خبر الواحد الصحيح:

- ‌المبحث الرابع:المتابعات والشواهد

- ‌المبحث الخامس:لطائف الإسناد

- ‌العالي والنازل:

- ‌القسم الأول:تحرير أركان النظر في الحديث

- ‌الباب الأول:تحليل الإسناد

- ‌الفصل الأول:تمييز النقلة

- ‌المبحث الأول:الطريق إلى تمييز الراوي

- ‌المبحث الثاني:تمييز الراوي بما يعرف به من اسم وكنية ونسب ولقب وصفة أخرى

- ‌الدلالة الأولى: تمييز الأسماء

- ‌الدلالة الثانية: تمييز الكنى

- ‌الدلالة الثالثة: تمييز الأنساب

- ‌الدلالة الرابعة: تمييز الألقاب

- ‌حكم استعمال ألقاب المحدثين في دراسة الأسانيد:

- ‌الدلالة الخامسة: تمييز الأبناء

- ‌الدلالة السادسة: تمييز النساء

- ‌المبحث الثالث:تميز الراوي بمعرفة شيوخه وتلاميذه وطبقته

- ‌الفرع الأول: تمييز الشيوخ والتلاميذ

- ‌1 _ رواية الآباء عن الأبناء

- ‌2 _ رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌3 _ رواية الأقران:

- ‌4 _ رواية السابق واللاحق:

- ‌الفرع الثاني تميز طبقات الرواة

- ‌الطرف الأول: تمييز مواليد الرواة

- ‌الطرف الثاني: تمييز وفيات الرواة

- ‌فوائد معرفة الطبقات:

- ‌تقسيم الطبقات:

- ‌المبحث الخامس:تفسير طبقة الصحابة

- ‌كيف تثبت الصحبة

- ‌من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير

- ‌ هل للصحابة عدد محصور

- ‌المبحث السادس:تمييز المشتبه من أسماء الرواة

- ‌ التشابه في الرسم

- ‌ الاشتراك

- ‌الفصل الثاني:اتصال الإسناد

- ‌المبحث الأول:الصيغة الصريحة بالسماع

- ‌شرط قبول صيغة السماع:

- ‌المبحث الثاني:الصيغة الصريحة بالاتصال بغير لفظ السماع وما في معناه

- ‌القسم الأول: القراءة على الشيخ

- ‌القسم الثاني: الإجازة

- ‌القسم الثالث: الوجادة

- ‌حكم التحديث وجادة في الصحة والضعف:

- ‌المبحث الثالث:صيغة العنعنة وما يجري مجراها

- ‌المبحث الرابع:مسائل متفرقة في اتصال الإسناد

- ‌المسألة الثانية:رموز صيغ الأداء

- ‌المسألة الرابعة:المرسل إذا علمت فيه الواسطة

- ‌الباب الثانينقد النقلة

- ‌الفصل الأولحكم نقد النقلةوصفة الناقد

- ‌المبحث الأول:حكم نقد الراوي

- ‌المبحث الثاني:صفة الناقد

- ‌المبحث الثالث:نماذج لأعيان من يعتمد قوله في نقد الرواة

- ‌الفصل الثانيتفسير التعديل

- ‌المبحث الأول:معنى العدالة

- ‌لا يصلح عد الصغائر مفسقات

- ‌المبحث الثاني:الدليل على اشتراط عدالة الناقل لقبول خبره

- ‌المبحث الثالث:طريق إثبات عدالة الراوي

- ‌ مسائل:

- ‌المسألة الأولى: هل ارتفاع الجهالة إثبات للعدالة

- ‌المسألة الثانية: معنى وصف الراوي بالشهرة

- ‌المبحث الرابع:معنى الضبط

- ‌النوع الأول: حفظ الصدر

- ‌كيف يثبت حفظ الراوي

- ‌النوع الثاني: حفظ الكتاب

- ‌المبحث الخامس:كيف يعرف الضبط

- ‌المبحث السادس:حكم تحمل الحديث في الصغر

- ‌المبحث السابع:حكم الرواية بالمعنى

- ‌المذهب الأول: جواز الرواية بالمعنى

- ‌المذهب الثاني: التمسك باللفظ

- ‌ مسائل:

- ‌المسألة الثالثة: إحالة الرواية على سياق مذكور:

- ‌المبحث الثامن:مسائل متممة لركن الضبط

- ‌المسألة الثانية: حكم رواية الضرير

- ‌المبحث التاسع:أصول في تعديل الرواة

- ‌الأصل الثاني: هل يتوقف قبول التعديل على العلم بأسبابه

- ‌الأصل الخامس: درجات العدول متفاوتة

- ‌الأصل السادس: هل رواية الثقة عن رجل تعديل له

- ‌الأصل السابع: تصحيح الناقد لإسناد حديث، هل يفيد تعديلاً منه لرواته

- ‌ عمل الناقد بحديث الراوي، وذهابه إلى مقتضاه

- ‌الأصل التاسع: قول الناقد: (إن كان هذا فلاناً فهو ثقة)

- ‌الأصل العاشر: أكثر رواة العلم ثقات

- ‌المبحث العاشر:تحرير القول في تعديل جماعةمن المتقدمين تنازعهم الناس

- ‌طريقة العجلي:

- ‌طريقة أبي بكر بن خزيمة:

- ‌طريقة ابن حبان:

- ‌طريقة الحاكم النيسابوري:

- ‌طريقة ابن عبد البر:

- ‌المبحث الحادي عشر:تحرير القول في عدالة الصحابة

- ‌ضبط الصحابي:

- ‌مسائل في عدالة الصحابة:

- ‌المسألة الأولى: الرجل يختلف في صحبته، فيقدح فيه بعض من لا يثبتها له:

- ‌المسألة الثالثة: تحرير القول في جهالة الصحابي

- ‌الفصل الثالثتفسير الجرح

- ‌تمهيد:في معنى الجرح

- ‌المبحث الأول:صور الجرح غير المؤثر

- ‌الصور الأولى: استعمال المباحات، أو ما يختلف فيه الاجتهاد حلاًّ وحرمة

- ‌الصورة الثانية: ما يعود الجرح فيه إلى طريق التلقي، والجارح اعتمد فيه المذهب المرجوح

- ‌الصورة الثالثة: الجرح بسبب التحمل في الصغر

- ‌الصورة الرابعة: ما يعود إلى جحد الشيخ أن يكون حدث بالحديث، أو تركه القول بمقتضاه

- ‌الصورة الخامسة: الرواية عن المجروحين والمجهولين

- ‌الصورة السادسة: الجرح والتدليس

- ‌المبحث الثاني:تحرير القول فيما يسلب العدالة

- ‌السبب الأول: الفسق

- ‌السبب الثاني: الكذب، والتهمة به

- ‌أثر التوبة من الكذب في الحديث:

- ‌الكذب في حديث الناس:

- ‌كتابة أحاديث الكذابين والمتهمين بالكذب للتمييز:

- ‌السبب الثالث: سرقة الحديث

- ‌السبب الرابع: البدعة

- ‌مذاهب أهل العلم في رد حديث أهل البدع أو قبوله:

- ‌السبب الخامس: الجهالة

- ‌المبحث الثالث:تحرير عود ما يسلب الضبطإلى سوء حفظ الراوي

- ‌القسم الأول: الوهم والغلط بمقتضى الجبلة

- ‌الوهم والغلط يقع بأسباب:

- ‌أولها: المخالفة في الأسانيد

- ‌ثانيها: وصل المراسيل

- ‌ثالثها: رفع الموقوف

- ‌رابعها: الجمع بين الرواة في سياق واحد وحمل حديث بعضهم على بعض

- ‌خامسها: قبول التلقين

- ‌سادسها: التصحيف إذا حدث من كتبه

- ‌القسم الثاني: ما يرجع من سوء الحفظإلى تساهل الراوي

- ‌المبحث الرابع:متى يترك حديث الراوي

- ‌المبحث الخامس:درجات سوء الحفظ

- ‌المبحث السادس:مسائل تتصل بالجرح بسوء الحفظ

- ‌المبحث السابع:أصول في جرح الرواة

- ‌الفصل الرابعتفسير الجهالة

- ‌المبحث الأول:من هو الراوي المجهول

- ‌القسم الأول: جهالة عين

- ‌القسم الثاني: جهالة حال

- ‌المبحث الثاني:جهالة الراوي سبب لرد حديثه

- ‌المبحث الثالث:أصول في الراوي المجهول

- ‌المبحث الرابع:تحرير القول في الرواة المسكوت عنهم

- ‌الفصل الخامستعارض الجرح والتعديل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول:مقدمات ضرورية لتحقيق القولفي الراوي المختلف فيه

- ‌المقدمة الأولى: أهلية الناقد لقبول قوله

- ‌المقدمة الثانية: التحقق من ثبوت الجرح أو التعديل عن الناقد المعين

- ‌المقدمة الثالثة: منع قبول صيغة الجرح أو التعديل التي لا تنسب إلى ناقد معين

- ‌المقدمة الرابعة: مراعاة ميول الناقد المذهبية في القدح في النقلة

- ‌المقدمة الخامسة: اعتبار بشرية الناقد في تأثيرها في إطلاق الجرح أو التعديل

- ‌المقدمة السادسة: وجوب اعتبار مرتبة الناقد مقارنة بمخالفة

- ‌المقدمة السابعة: ملاحظة مذهب الناقد فيما يراه جرحاً، ومذهبه فيه مرجوح

- ‌المقدمة الثامنة: التحقق من آخر قولي أو أقوال الناقد في الراوي، إن كان قد اختلف عليه

- ‌المقدمة التاسعة: مراعاة دلالة ألفاظ الجرح والتعديل

- ‌المقدمة العاشرة: التحقق من كون العبارة المعينة قيلت من قبل الناقد في ذلك الشخص المعين

- ‌المقدمة الحادية عشرة: التحقق من لفظ المنقولة عن الناقد

- ‌المقدمة الثانية عشرة: التيقظ إلى ما يقع أحياناً من المبالغة في صيغة النقد

- ‌المقدمة الثالثة عشرة: قد تطلق العبارة لا يراد ظاهرها

- ‌المبحث الثاني:تحرير منع تقديم الجرح على التعديل إلا بشروط

- ‌الشرط الأول:أن يكون مفسراً، ولو من ناقد واحد

- ‌الشرط الثاني:أن يكون جرحاً بما هو جارح

- ‌الشرط الثالث:أن لا يكون الجرح مردوداً من ناقد آخر بحجة

- ‌المبحث الثالث:تنبيهات حول تعارض الجرح والتعديل

- ‌التنبيه الأول: ترك التعديل عند ظهور الجرح لا يقدح في شخص المعدل أو علمه

- ‌التنبيه الثاني: الجرح لمن استقرت عدالته وثبتت إمامته مردود

- ‌التنبيه الثالث: تقديم الجرح عند اجتماع الشروط لا يلزم منه السقوط بالراوي

- ‌التنبيه الخامس: الراوي يختلف فيه جرحاً وتعديلاً، وهو قليل الحديث

- ‌الفصل السادسمراتب الرواةوتفسير عبارات الجرح والتعديل

- ‌المبحث الأول:مراتب الرواة

- ‌المرتبة الأولى: الاحتجاج

- ‌المرتبة الثانية: الاعتبار

- ‌المرتبة الثالثة: السقوط

- ‌المبحث الثاني:تفسير عبارات الجرح والتعديل

الفصل: ‌المسألة الثالثة: قول الصحابي: (قال: قال)

وذلك أني وجدتهم يعنون بتلك العبارة: يسنده إلى من فوقه، وذلك أحد رواة الخبر.

مثل: ما حدث به موسى بن مسلم الحِزامي، قال سمعت عكرمة يرفع الحديث فيما أرى إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ترك الحيَّات مخافة طلبهن فليس منا، ما سالمنا هن منذ حاربناهنَّ "(1).

فإن قلت: إنما تبين أن قوله: (يرفع الحديث) ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم، بقرينة ذكر ابن عباس، فإن خلا من القرينة، فينبغي أن يكون له حكم المرسل.

قلت: لما استخدموا العبارة المذكورة في مجرد الارتقاء بإسناد الخبر إلى درجة أعلى في الإسناد، وصحَّ أن تكون تلك الدرجة هي الصحابي هنا، مع عدم وجود تنصيص منهم يُفسر مرادهم ويحصره فيما عرفناه بالاصطلاح في معنى المرفوع، فإن احتمال إرادة كونه عن أي قائل أو غافل فوق الراوي قائل تلك العبارة ودون النبي صلى الله عليه وسلم: احتمال قوي.

إلا أن نقف على ذلك الخبر من وجه معتبر مرفوعاً صراحة من قبل الراوي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وليس من هذا قول أهل العلم المتأخرين اختصاراً في نقل الأحاديث من كتب الرواية (مرفوعاً) مثلاً، فإنا قد علمنا أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في سياقه في مصدره من كتب الحديث المسندة، وإن كان تحاشي ذلك خاصة في الأحاديث الثابتة أولى، كما تقدم التنبيه عليه.

‌المسألة الثالثة: قول الصحابي: (قال: قال)

دون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، هل هو مرفوع؟

هذه صورة نادرة الورود في روايات الحديث.

(1) أخرجه أبو داود في " سننه "(رقم: 5250) وإسنادُه جيد.

ص: 29

مثالها: ما حدث به أسود بن عامر شاذان قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرني إدريس الأوديُّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال: " لا يصلي أحدكم وهو يجد الخبَث "(1).

فتحرير هذه المسألة: أن هذه الصورة بمجردها لا تفيد رفع الحديث، بل هو موقوف من هذا الوجه، وهذا المثال المذكور مما اختلف فيه على شعبة أصلاً رفعاً ووقفاً، ولا يكاد يوجد لهذه المسألة مثال يسلم من علة، وعليه فيحول ذلك دون القول: إن هذه الصيغة تفيد الرفع.

وما ذكر عن محمد بن سيرين بخصوص ذلك مِن تركه رفع الحديث أحياناً وهو عنده مرفوع، فهو أمر غير مطرد على التحقيق.

وبيانه: أن الحافظ دعلجا السِّجزيَّ، قال: حدثنا موسى بن هارون بحديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: قال: " الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مصلاه "، قال موسى: إذا قال حماد بن زيد والبصريون: (قال: قال) فهو مرفوع.

قال الخطيب: قلت للبرقانيَّ: أحسب أن موسى عنى بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة؟ قال: كذا تحسب. (2).

قلت فهذا المثال لايصلح أن تُبْنى عليه قاعدة، وقول موسى بن هارون الحمَّال غير صحيح الإطْلاق، وما حسبه الخطيب من كون ذلك هناك محصوراً فيما يرويه ابن سيرين خاصة عن أبي هريرة صواب، ما لم تكن هناك قرينة في سياق الخبر تجعله على أصل الوقف.

وواقع الأمر أن ابن سيرين حدث عن أبي هريرة بأحاديث لم يكن يذكر فيها الرفع الصريح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي محفوظة من حديث أبي هريرة

(1) أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 588) وإسناده صحيح.

(2)

الكفاية (ص: 589).

ص: 30

مرفوعاً، أحياناً يوجد ذلك من رواية ابن سيرين نفسه عن أبي هريرة، يكون حدَّث به عنه لا يذكر الرفع، وتارةً يذكره، كما يكون مرفوعاً من رواية غير ابن سيرين عن أبي هريرة.

وهذا ما جاءت به الطرق للحديث المذكور، فإنه رواه من البصريين: أيوب السخستاني (1)، وهشام بن حسان (2) وعمران بن مسلم القصير (3)، جميعاً عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

واستدل الخطيب لما حسب بقول ابن سيرين: " كل شيء حدثت عن أبي هريرة فهو مرفوع "

(4).

وصح عن محمد بن سيرين: أنه كان إذا حدث عن أبي هريرة، فقيل له: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " كل حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "(5).

قال الطَّحاوي: " وإنما كان يفعل ذلك؛ لأن أبا هريرة لم يكن يحدثهم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم "(6).

وفي هذا عن ابن سيرين فائدة خاصة، وهي أن الخبر إذا جاء عنه عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً، فإن ذلك لا يعد من الاختلاف القادح في صحة الرفع، بل الحكم بالرفع متعين.

(1) أخرجه عبد الرزاق في " المصنف "(1/ 580 رقم: 2210) ومُسلم في " صحيحه "(1/ 459).

(2)

أخرجه أبو نعيم في " الحلية "(8/ 138 رقم: 11631).

(3)

أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد "(ص: 21) وابن عدي في " الكامل "(6/ 169).

(4)

أخرجه يعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ "(3/ 22) ومن طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 589) وإسناده صحيح.

(5)

أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار "(1/ 20) وإسناده جيد.

(6)

شرح معاني الآثار (1/ 20).

ص: 31

المسألة الرابعة: ما لا يقال مثله بمجرد الاجتهاد، فالأصل أن يكون مرفوعاً حكماً.

وذلك كتحديث الصحابي بما لا سبيل إلا معرفته إلا عن طريق الوحي، مع ضميمةِ أن لا يكون الصحابي يحدث بالإسرائيليَّات فيما يمكن أن يكون من أخبار أهل الكتاب مثل: ما يتصل بأخبار السابقين وبدء الخلق ومستقبل الزمان، ومن أشهر من عرف من الصحابة بالتحديث عن أهل الكتاب: عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو هريرة، وربَّما وقع لغيرهما، خُصوصا من نزل الشام من الصحابة.

ولما كان قد يعسر تبيُّن إن كان الصَّحابي حمل الرواية عن أهل الكتاب، أو كان بتوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أجل أنه ليس لدينا ما يقطع في هذا، إنما هو قائم على المظنة، فالتحري يوجب أن يرد في سياق الخبر قرينة غير ما تقدم تدل على ضعف احتمال أن يكون من أخبار أهل الكتاب.

وذلك كقول أبي سعيد الخدريُّ " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بينه وبين العتيق "(1).

فأبو سعيد ليس معروفاً بالتحديث بالإسرائيليَّات، وحدث بشيء هو مما اختُصت به هذه الأمة، وهو فضل قراءة سورة الكهف، وهي مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر البيت العتيق وليس لأهل الكتاب فيه شأن.

(1) حديث صحيح. أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " _ كما في " تفسير ابن كثير "(4/ 364) _ ومن طريقه: البيهقي في " الشعب "(2/ 474 رقم: 2444). وكذا الدارمي (رقم: 3410) عن أبي النعمان عارم بن الفضل، كلاهما عن هُشيم بن بشير، قال: حدثنا أبو هاشم، عن أبي مِجلز، عن قيس بن عُباد، عن أبي سعيد، به.

قلت: وإسناده صحيح، واختلف فيه رفعاً ووقفاً، والصواب موقوف من جهة الإسناد، وكذلك رجَّح وقْفه النسائي والبيهقي، وشرحت علَّته في " الأجوبة المرضية "(السؤال الخامس).

ص: 32

ومما يجب أن يحتاط فيه من هذه الصورة.

ما يقوله الصحابي من إثبات تحليل أو تحريم، فمن الناس من يدعي أن له حكم الرفع، وهذا خطأ، فإن الصحابة كانوا يُفتون الناس في الحلال والحرام، وكما وسع من بعدهم من العلماء أن يحلوا ويحرموا باجتهادهم فيما لا نص فيه، فعلماء الصحابة هم سادة المجتهدين لهذه الأمة، وقد سبقوا إلى أن قالوا باجتهادهم فأحلوا وحرموا، واختلفوا في المسائل بسبب ذلك.

المسألة الخامسة: قول الصحابي (أمرنا بكذا .. نهينا عن كذا .. كنا نؤمر بكذا .. كنا ننهى بكذا .. كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعل كذا .. كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا .. من السنة كذا) وشبه ذلك، فهو حديث مسند مرفوع حكما في قول أكثر أهل العلم، وهو الصواب (1).

وذلك بناء على أن حال ما يحكيه الصحابي من ذلك إنما كان لبيان شرائع الدين، والتبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، خصوصا ولا يكاد يوجد الشيء من ذلك لا شاهد له من النصوص المسندة صراحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الخطيب: " والدليل عليه: أن الصحابي إذا قال: أمرنا بكذا، فإنما يقصد الاحتجاج لإثبات شرع وتحليل وتحريم وحكم يجب كونه مشروعا (2).

مثاله: ماحدث به مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: صليت إلى جنب أبي، فلما ركعت شبكت أصابعي، وجعلتهما بين ركبتي، فضرب يدي، فلما صلى قال: قد كنا نفعل هذا، ثم أمرنا أن نرفع إلى الركب (3).

(1) انظر: معرفة علوم الحديث، للحاكم (ص: 22)، والكفاية، للخطيب (ص: 591 _ 595).

(2)

الكفاية (ص: 592).

(3)

متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 757) ومسلم ٌ (رقم: 535).

ص: 33

وذهب بعض أهل العلم، كابن حزم، إلى أن هذه الصورة ليست مسنداً مرفوعاً (1).

واعترض بعضهم باحتمال أن يكون الآمر الناهي من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا ضعيف، فإن الصحابة فيما دل عليه الاستقراء لم يكونوا يستعملون ذلك في أمر أو نهي أوسنة أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشافعي وقد ذكر حديثا عن ابن عباس والضحاك بن قيس فيه: (كذا وكذا سنة): " وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقولان: (السنة) إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله "، وقال:" وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولون بالسنة والحق إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى "(2).

قلت: وقول الشافعي: (إن شاء الله)، من أجل مظنة أن يقول الصحابي الشيء من ذلك بمحض اجتهاده، وليس بمنزلة المرفوع الصحيح.

وأما قصة حنظلة السَّدوسيِّ قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته

(3)، ثم يدق بين حجرين، ثم يضرب به. فقلت لأنس: في زمان من كان هذا؟ قال: في زمان عمر بن الخطاب. فهذا خبر لا يصح رواية، فلا يتعقب بمثله (4).

وإذا حكى الصحابي أمرا شائعا، ونسبه إلى عامة الصحابة، كأن

(1) الأحكام في أصول الأحكام (2/ 72).

(2)

الأم (1/ 271).

(3)

ثمرته: هو العُقدة التي تكون في طَرفه، فتُقطع، ويُدق السوط بين حجرين ليلين ليَكون أيسر على من يُضرب به.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (10/ 50 _ 51) وابنُ عبد البر في " التمهيد "(5/ 334)، وعلته حَنظلة فإنه ضعيف الحديث.

ص: 34

يقول: (كانوا يفعلون كذا) ولا يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولا ما يدل على إرادة زمانه صلى الله عليه وسلم، ليس فيه إلا إضافة ذلك إلى الصحابة، فهذا موقوف (1).

وذلك كقول أبي سعيد الخدري: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدوا يتحدثون كان حديثهم الفقه، إلا أن يأمروا رجلاً فيقرأ عليهم سورة، أو يقرأ رجلٌ سورة من القرآن (2).

المسألة السادسة: الصحابيُّ إذا حدث عن شيء ممَّا كان منهم على حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس فيه اطِّلاعُهُ صلى الله عليه وسلم ولا إقراره، فهذا ممَّا اختلفوا فيه:

هو موقوف، في قول الحاكم (3). قصة

وهذا مثل ما جاء في قصة عمرو بن سلِمة الجرمي، حين حدَّث عن أبيه قال: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً، فقال:" صلُّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلُّوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً "، قال عمرو: فنظروا فلم يكن أكثر قرآناً مني، لما كنت أتلقَّى من الرٌّكبان، فقدَّموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليَّ بردة، كنت إذا سجدت تقلَّصت عني، فقالت

(1) انظر: الكفاية، للخطيب (ص: 595).

(2)

أثرٌ صحيح. أخرجه ابنُ سعد في " الطبقات "(2/ 374) أخبرنا أبو داود الطيالسي.

والحاكم (1/ 94 رقم: 322) _ وعنه البيهقي في " المدخل "(رقم: 419) _ من طريق عبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن شعبة، عن علي بن الحَكم، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، به.

وقال الحاكم: " حديث صحيح على شرط مسلم ".

قلت: إسناده صحيح.

ورواه عفان بن مسلم عن شعبة، به مختصراً، ولم يذكر أبا سعيد، أخرجه الخطيب في " الفقيه والمتفقه " (رقم: 948) و " الجامع لأخلاق الراوي "(رقم: 1207). وهو بذكْر أبي سعيد أصح.

(3)

معرفة علوم الحديث (ص: 19).

ص: 35