الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: متروك الحديث، أو: ذاهب الحديث، أو: كذاب، فهو ساقط الحديث، لا يكتب حديثه " (1).
كما قال يحيى بن معين في (عبد الحكيم بن منصور الواسطي): " كذاب "، وقال أبو حاتم الرازي:" لا يكتب حديثه "(2)، ولم يختلفوا أنه " متروك الحديث ".
فخلاصة هذا: أن ثبوت الكذب على الراوي، أو غلبه المظنة أنه كان يكذب قادح في عدالته.
أثر التوبة من الكذب في الحديث:
من ثبت عليه الكذب في حديثه، ثم ذكر بالتوبة منه، فما حكم ما يحدث به بعد التوبة؟
وجود مثال صالح لهذه الصورة أن الراوي كان يكذب في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تثبت توبته فلا يحدث بعد التوبة إلا بحديث صدق مستو، أحسبه متعذراً في الواقع.
لأنه حتى وإن تاب بعد أن حدث بالكذب، فتمييز ما يحدث به من الصدق من غيره مما حدث به قبل ذلك كالمتعذر، هذا لو صدق في توبته وروى بعدها صدقاً؛ لذلك شدد الأئمة المتقدمون في هذا (3).
عن عبيد الله بن أحمد الحلبي، قال: سألت أحمد (يعني ابن حنبل) عن محدث كذب في حديث واحد، ثم تاب ورجع؟ قال:" توبته فيما بينه وبين الله تعالى، لا يكتب عنه حديث أبداً "(4).
(1) الجرح والتعديل (1/ 1 / 37).
(2)
الجرح والتعديل (3/ 1 / 35).
(3)
انظر: الكفاية، للخطيب (ص: 190 _ 191).
(4)
طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى (1/ 198)، نقلاً عن أبي بكر الخلال، وكذلك رواها الخطيب في " الكفاية " (ص: 190).
وقال الحسين بن حبان: قلت ليحيى بن معين: ما تقول في رجل حدث بأحاديث منكرة، فردها عليه أصحاب الحديث، إن هو رجع عنها، وقال: ظننتها، فأما إذ أنكرتموها ورددتموها علي فقد رجعت عنها؟ فقال:" لا يكون صدوقاً أبداً، إنما ذلك الرجل يشتبه له الحديث الشاذ والشيء فيرجع عنه، فأما الأحاديث المنكرة التي لا تشتبه لأحد فلا "، فقلت ليحيى: ما يبرئه؟ قال: " يخرج كتاباً عتيقاً فيه هذه الأحاديث، فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق، فيكون شبه له فيها وأخطأ كما يخطئ الناس فيرجع عنها "، قلت: فإن قال: قد ذهب الأصل وهي في النسخ؟ قال: " لا يقبل ذلك منه "، قلت له: فإن قال: هي عندي في نسخة عتيقة، وليس أجدها؟ فقال:" هو كذاب أبداً حتى يجيء بكتابه العتيق "، ثم قال:" هذا دين، لا يحل هذا "(1).
والرجل من هؤلاء لا يكاد ينهض بعد ثبوت كذبه، فإن من اجترأ على الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغية ترويج ضلالته أو تحقيق شهوته، فإن مظنة كذبه في ادعاء التوبة قوية.
كحال (زياد بن ميمون أبي عمار صاحب الفاكهة)، فقد صح عن الحافظ أبي داود الطيالسي قال:" لقيته أنا وعبد الرحمن بن مهدي، فسألناه، فقال: عدوا أن الناس لا يعملون أني لم ألق أنساً، ألا تعلمان أني لم ألق أنساً؟ ثم بلغناه أنه يروي عنه، فأتيناه، فقال: عدوا أن رجلاً أذنب ذنباً فيتوب، لا يتوب الله عليه؟ قلنا: نعم، قال: فإني أتوب، ما سمعت من أنس قليلاً ولا كثيراً، فكان بعد ذلك يبلغنا أنه يروي عنه، فتركناه "(2).
وقال يزيد بن هارون: " كان أبو جزي مرض مرضة ظن أنها الموت،
(1) أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 192) وإسناده جيد.
(2)
الجرح والتعديل (1/ 2 / 544)، ونحوه في " مقدمة مُسلم " (ص: 24).
فتاب من أحاديث ادعاها لعمرو بن دينار، فلما استقل من مرضه عاودها، فلم يقبل منه " (1).
وقد حكى النووي عمن تقدم من أهل العلم، كأحمد بن حنبل والحميدي وغيرهما عدم قبول حديث التائب من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:" وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية، والمختار: القطع بصحة توبته في هذا وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة، وهي: الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها، فهذا هو الجاري على قواعد الشرع، وقد أجمعوا على صحة رواية من كان كافراً فأسلم، وأكثر الصحابة كانوا بهذه الصفة، وأجمعوا على قبول شهادته، ولا فرق بين الشهادة والرواية في هذا "(2).
قلت: هذا على سبيل التنظير لا يجوز سواه في شأن التائب من أي ذنب، لكنه في الواقع في هذه المسألة بمنزلة المعدوم، ويطلب التأصيل في هذا الجانب من علوم الحديث لتمييز أحوال النقلة، فإذا عدمنا وجود من يجري عليه تقعيد النووي، فلم يعد في استدراك مثله على أهل الحديث فائدة.
والذي أحمل عليه عبارات المتقدمين في هذا، كأحمد بن حنبل، هو أنهم قد انكشف لهم من حال هؤلاء أن توبتهم من جنس توبة زياد بن ميمون وأبي جزي.
وقد وقفت عل حال أحدهم ممن قد يحتمل أن ينزل عليه تقعيد النووي المذكور، وهو الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن النعيمي البصري
(1) الجرح والتعديل (4/ 1 / 467)، وأبو جُزي هو نصرُ بن طريف الباهلي البصري، وإسناد هذا إلى يزيد صحيح، وانظر قصة أخرى عن أبي جُزي هذا في " المعرفة والتاريخ " ليعقوب بن سفيان (3/ 62) رواها عبدُ الصمد بن عبد الوارث عنه.
(2)
شرح صحيح مسلم، للنووي (1/ 70)، وانظر: المقنع في علوم الحديث، لابن الملقَّن (1/ 271 _ 272) بتحقيقي.