الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المختصر، فربما صدر لفظ الناقد في راو بما يوهم الجرح حين سئل عنه وعمن هو أوثق منه على سبيل المقارنة، كأن يقول:(فلان ثقة، وفلان ضعيف)، أي مقارنة بمن ذكر معه، لا مطلقاً، وربما نقلت العبارة عنه بتصرف، فإذا تم الوقوف على نصها كانت على دلالة أخرى، وربما نقلت على المعنى، كأن يقال:(وثقه فلان) أو: (ضعفه فلان) أو (تركه فلان)، ولا تذكر الصيغة المفيدة لذلك، وربما عكس الأمر، فيكون أصل المنقول:(تركه فلان) فتحكى عنه قولا: " متروك ".
قال يعقوب بن سفيان: سمعت أحمد بن صالح، وذكر مسلمة بن علي، قال:" لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، قد يقال: (فلان ضعيف)، فأما أن يقال: (فلان متروك) فلا، إلا أن يجتمع الجميع على ترك حديثه "(1).
وله أمثلة كثيرة، منها:
نقل العقيلي عن يحيى بن سعيد القطان قوله في حسين المعلم وقد ذكر أحاديثه: " فيه اضطراب "، فصدر العقيلي بقوله:" حسين بن ذكوان المعلم، بصري، مضطرب الحديث "(2)، أخذها من عبارة يحيى القطان متوسعاً فيها حتى جعل الوصف اللازم لحسين هذا أنه مضطرب الحديث.
ومن هذا أيضاً: الاختصار في نقل عبارة الناقد، أو حكايتها بالمعنى، مما يقع به الخروج عن أصل دلالتها.
المقدمة الثانية عشرة: التيقظ إلى ما يقع أحياناً من المبالغة في صيغة النقد
وذلك كاستعمال العبارات المشعرة بشدة جرح الراوي، كأن يحمل
(1) المعرفة والتاريخ (2/ 191) ومن طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 181).
(2)
الضعفاء (1/ 250).
خطأه على الكذب، وإنما هو الوهم، أو يحمل منكراً رواه، عليه، وإنما هو التدليس.
مثل ما حكى عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قلت لأبي: كان يعقوب بن إسماعيل بن صبيح ذكر أن أبا قتادة الحراني كان يكذب، فعظم ذلك عنده جداً، قال:" هؤلاء _ يعني أهل حران _ يحملون عليه، كان أبو قتادة يتحرى الصدق، لربما رأيته يشك في الشيء "، وأثنى عليه وذكره بخير. قال أحمد:" لعله كبر واختلط، الشيخ وقت ما رأيناه كان يشبه الناس ما علمته، كان يتحرى الصدق ". وقال: " أظن أبا قتادة كان يدلس "(1).
قلت: وفي هذا كذلك فرق ما بين نعت الناقد العارف بهذا الشأن وأدبه، وغيره، فيعقوب بن إسماعيل هذا ليس معدوداً فيمن يعرف هذا الشأن.
وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: ترى المسيب بن شريك كان يكذب؟ قال: " معاذ الله، ولكنه كان يخطئ "(2).
وكان يحيى بن معين ربما بالغ في عبارة النقد، فكن يقظاً لذلك.
وذلك كقوله وقد ذكر له عبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح، فقال له رجل: قوم يقدمون عبد الرحمن بن مهدي؟ فقال: " من قدم عبد الرحمن على وكيع _ فدعا عليه _ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "(3).
فهذا مما عيب على يحيى، وأنكر منه.
قال يعقوب بن سفيان: " كان غير هذا الكلام أشبه بكلام أهل العلم، ومن حاسب نفسه وعلم أن كلامه من عمله لم يقل مثل هذا "(4).
(1) العلل ومعرفة الرجال (النص: 1533)، ومعناه في (النص: 216، 1065).
(2)
العلل ومعرفة الرجال (النص: 3638).
(3)
تاريخ يحيى بن مَعين (النص: 2677).
(4)
المعرفة والتاريخ (1/ 728).