الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني: حفظ الكتاب
.
وهو: أن يكون الحديث مكتوباً عند الراوي.
وكان مالك بن أنس ينكر أن يكون هذا طريقاً يعتمد فيه حديث الراوي.
قال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك: أيؤخذ ممن لا يحفظ ويأتي بكتبه فيقول: قد سمعتها، وهو ثقة؟ فقال:" لا يؤخذ عنه، أخاف أن يزاد في كتبه بالليل "(1).
وقال أشهب في رواية: سمعت مالكاً، وسئل عن الرجل الثقة، فيدفع إليه الكتاب، فيعرف الحديث، إلا أنه ليس له حفظ ولا إتقان؟ قال:" لا يؤخذ عنه، إذا زيد في الحديث شيء لم يعرف "(2).
قال الباجي: " هذا الذي قاله رحمه الله هو النهاية في الاجتهاد، إلا أنه قد عدم من يحفظ، ولو لم يؤخذ إلا عمن يحفظ لعدم من يؤخذ عنه، فقد قل الحفاظ، واحتيج إلى الأخذ عمن له كتاب صحيح وهو ثقة ينقل ما في كتابه، فإذا كان الآخذ ممن يميز تبينت له الزيادة، وإن كان لا يميز فالأمر فيه ضعف، ولعله الذي عنى مالك، رحمه الله "(3).
وقال هشيم بن بشير: " من لم يحفظ الحديث فليس هو من أصحاب الحديث، يجيء أحدهم بكتاب يحمله كأنه سجل مكاتب "(4).
قلت: وهذا محمول على إرادة شحذ الهمم لحفظ الصدور، لا على معنى تأثيره أن يكون طريقاً لضبط الرواية.
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(1/ 1 / 27) والخطيب في " الكفاية "(ص: 337) وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(1/ 1 / 32) والخطيب في " الكفاية "(ص: 337) وإسناده صحيح.
(3)
التعديل والتجريح (1/ 289).
(4)
أخرجه ابن عدي (1/ 181) والخطيب في " الكفاية "(ص: 338) وإسناده صحيح.
والتحقيق:
أن الكتاب المتقن الموثق حجة عند أهل العلم، بل هو ميزان، ودليل على صحة الحفظ، ومقوم لخلله، فإن الحفظ خوان، والحافظ بشر جائز عليه الوهم والخطأ، لا سيما مع طول الأسانيد.
قال الرامهرمزي: " الأولى بالمحدث والأحوط لكل راوٍ أن يرجع عند الراوية إلى كتابه؛ ليسلم من الوهم "(1).
قال الثقة مروان بن محمد الطاطري: " ثلاثة ليس لصاحب الحديث عنه غنى: الحفظ، والصدق، وصحة الكتب، فإن أخطأت واحدة وكانت فيه ثنتان لم تضره: إن أخطأ في الحفظ ورجع إلى صدق وصحة كتب لم يضره "، وقال مروان:" طال الإسناد وسيرجع الناس إلى الكتب "(2).
وقال علي بن المديني: " ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة حسنة "(3).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: " ما رأيت أبي، رحمه الله، حدث من غير كتاب، إلا بأقل من مئة حديث "(4).
وقال علي بن المديني: سمعت يحيى (يعني القطان) يقول في حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، في رجل آجر نفسه في الحج،
(1) المحدث الفاصل (ص: 388).
(2)
أخرجه ابن عدي في " الكامل "(1/ 263) والخطيب في " الكفاية "(ص: 340 _ 341) وابن عساكر في " تاريخه "(57/ 318) وإسناده صحيح. وبنحوه: أخرجه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(1/ 1 / 36) والرامهرمزي (ص: 405 _ 406) والخطيب في " الكفاية "(ص: 340) وإسناده صحيح كذلك.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 295) ومن طريقه: الخطيب في " الجامع "(رقم: 1030) وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه الخطيب في " الجامع "(رقم: 1034) وإسناده صحيح.
قال: " أملى علي من حفظه: حدثنا عطاء عن ابن عباس، وكان في كتابه: حدثت عن سعيد بن جبير، وقال عطاء: عن ابن عباس ". قلت ليحيى: تراه حديث مسلم البطين؟ قال: " نعم، وليس من صحيح حديثه عن عطاء "(1).
قلت: يريد يحيى أن هذا الحديث إنما هو حديث مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وأن جريج أخطأ في التحديث به عن عطاء، وجعل ما في كتاب ابن جريج أنه حدث بذلك الحديث عن ابن جبير دليلاً على ما قال، وأن جريج وهم في قوله:(حدثنا عطاء)، وليس في هذا شيء من باب التدليس (2).
وقال عبد الله بن المبارك: " إذا اختلف الناس في حديث شعبة، فكتاب غندر حكم فيما بينهم "(3).
وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا نعيم، وذكر عنده حماد بن زيد وابن علية، وأن حماداً حفظ عن أيوب، وابن علية كتب، فقال: " ضمنت
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 238) بإسناد صحيح إلى القطان.
(2)
وهو صحيح محفوظ من حديث مسلم البَطين عن سعيد، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عباس، فقال: إني آجرت نفسي من قومي على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجْرتي على أن يدعوني أحجُّ معهم، أفيُجزي ذلك؟ قال: أنت من الذين قال الله عز وجل {أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب} أخرجه ابن أبي شيبة (ص: 444 _ الجزء المستدرك) وابن أبي حاتم في " تفسيره "(رقم: 1888) والحاكم (2/ 277 _ 278 رقم: 3099) من طُرق عن الأعمش، عن مسلم، به.
ولم ينفرد به مسلم عن سعيد، بل تابعه عبد الكريم الجزري، أخرجه عبد الرزاق في " تفسيره " (1/ 80) ومن طريقه: ابنُ خزيمة (رقم: 3053) _ والحاكم (1/ 481 رقم: 1770) من طريق زيد بن المبارك، كلاهما عن معمر، عن عبد الكريم، به.
وخرجه الشافعي من رواية ابن جريج عن عطاء التي حكم يحيى بعدم صحتها.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 271) و " الجرح والتعديل "(3/ 2 / 221) بإسناد صحيح.
لك أن كل من لا يرجع إلى كتاب لا يؤمن عليه الزلل " (1).
وقال أحمد بن حنبل: " ما كان أقل سقطاً من ابن المبارك، كان رجلاً يحدث من كتابه، ومن حدث من كتاب لا يكاد يكون له سقط كبير شيء، وكان وكيع يحدث من حفظه، ولم يكن ينظر في كتاب، وكان له سقط، كم يكون حفظ الرجل! "(2).
وقال الميموني لأبي عبد الله بن أحمد بن حنبل: قد كره قوم كتاب الحديث بالتأويل (3)، قال:" إذاً يخطئون إذا تركوا كتاب الحديث، حدثونا قوم من حفظهم وقوم من كتبهم، فكان الذين حدثونا من كتبهم أتقن "(4).
ومن المثال التطبيقي لذلك، ما حدث به عبد الرحمن بن مهدي، قال:" لما حدث سفيان عن حماد عن عمرو بن عطية التيمي عن سلمان قال: إذا حككت جسدك فلا تمسحه ببزاق، فإنه ليس بطهور. قلت له: هذا حماد يروي عن ربعي بن حراش عن سلمان. قال من يقول ذا؟ قلت: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أمضه، قلت: حدثنا شعبة، قال أمضه، قلت: حدثنا هشام الدستوائي، قال: هشام؟ قلت: نعم، فأطرق هنيهة، ثم قال: أمضه، سمعت حماداً يحدثه عن عمرو بن عطية عن سلمان ".
قال عبد الرحمن: " فمكثت زماناً أحمل الخطأ على سفيان، حتى نظرت في كتاب غندر عن شعبة، فإذا هو: عن حماد عن ربعي بن حراش عن سلمان. قال شعبة: وقد قال حماد مرة: عن عمرو بن عطية التيمي عن
(1) تاريخ أبي زُرعة (1/ 467) ومن طريقه: الخطيب في " الجامع "(رقم: 1023).
(2)
أخرجه يعقوب بن سفيان في " المعرفة "(2/ 197) ومن طريقه: الخطيب في " الجامع "(رقم: 1024) وإسناده صحيح.
(3)
يعني والله أعلم: من أجل ما ورد من النهي عن كتابة الحديث، والذي كان لعلة الاختلاط بالقرآن، فلما ذهبت العلة ذهب أثرُ النهي.
(4)
أخرجه الخطيب في " تقييد العلم "(ص: 115) وإسناده صحيح.
سلمان، فعلمت أن سفيان إذا حفظ الشيء لم يبال من خالفه " (1).
وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضاً: " كنا إذا أعطينا صخر بن جويرية يقرأ علينا، ما كان يجيء على ما يقرأ علينا، حتى أخذنا كتاب غندر، فكان يقرأ علينا على ما هي في كتاب غندر " يعني أنه كان كتاباً صحيحاً (2).
وقال يزيد بن هارون وذكر أهل البصرة: " إذا ختلفوا في حديث نطقوا بكتاب عبد الوارث "(3).
قال الحميدي: " من اقتصر على ما في كتابه فحدث به، ولم يزد فيه، ولا ينقص منه ما يغير معناه، ورجع عما يخالف فيه بوقوف منه عن ذلك الحديث، أو عن الاسم الذي خولف فيه من الإسناد ولم يغيره، فلا يطرح حديثه، ولا يكون ضاراً ذلك له في حديثه، إذا لم يرزق من الحفظ والمعرفة بالحديث ما رزق غيره، إذا اقتصر على كتابه ولم يقبل التلقين "(4).
وقال الخطيب: " من سمع الحديث وكتبه، وأتقن كتابه، ثم حفظه من كتابه، فلا بأس براويته "(5).
قلت: يقول في هذا: إن الكتاب المتقن حجة.
والثقات الذين عرفوا بحفظ الكتاب كثير.
ومنهم من كان يجمع بين الضبطين، وهذا كثير بعد اعتناء الناس بالتدوين.
وفيهم من كان ضابطاً لكتبه ولم يكن حافظاً لحديثه في صدره، وقد يوصف بسوء الحفظ، وهو الذي يقولون فيه:(صحيح الكتاب) وشبه ذلك.
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 64 _ 65) ومن طريقه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي "(رقم: 1128) بإسناد صحيح عن ابن مهدي.
(2)
أخرجه أحمد بن حنبل في " العلل "(النص: 3608).
(3)
أخرجه مسلم في " التمييز "(رقم: 30) بإسناد صحيح.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(1/ 1 / 27).
(5)
الكفاية (ص: 254).
فمثله إذا علم أن حديثه من كتابه فهو محقق لشرط الضبط، منهم: همام بن يحيى، وحفص بن غياث، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، ويونس بن يزيد الأيلي، وجماعة ليست بكثيرة.
ومن عبارات أئمة الشأن في طائفة:
قال أحمد بن حنبل في (حاتم بن إسماعيل): " حاتم أحب إلي من الدراوردي زعموا أن حاتماً كان رجلاً فيه غفلة، إلا أن كتابه صالح "(1).
وقال يحيى بن معين: " أتيت حاتم بن إسماعيل بشيء من حديث عبيد الله بن عمر، فلما قرأ علينا حديثاً قال: أستغفر الله، كتبت عن عبيد الله كتاباً، فشككت في حديث منها، فلست أحدث عنه قليلاً ولا كثيراً "(2).
وقال أحمد بن حنبل في (أبي عبيدة الحداد): " لم يكن صاحب حفظ، وكان كتابه صحيحاً "(3).
وقال يحيى بن معين في (محمد بن مسلم الطائفي): " كان إذا حدث من حفظه يقول: كأنه يخطئ، وكان إذا حدث من كتابه فليس به بأس "(4).
وقال أبو حاتم الرازي في (أبو عوانة وضاح اليشكري): " كتبه صحيحة، وإذا حدث من حفظه غلط كثيراً، وهو صدوق ثقة "، وقال أبو زرعة الرازي:" ثقة إذا حدث من كتابه "(5).
وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي في (شريك القاضي): " كتبه صحاح، فمن سمع منه من كتبه فهو صحيح "(6).
(1) الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم (1/ 2 / 259).
(2)
أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 347).
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(3/ 1 / 24).
(4)
تاريخ يحيى ين مَعين (النص: 304).
(5)
الجرح والتعديل (4/ 2 / 41).
(6)
أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 332) وإسناده صحيح.