الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن:
مسائل متممة لركن الضبط
المسألة الأولى: إصلاح الخطأ في السماع أو الكتاب هل ينافي الضبط؟
قال أبو معمر عبد الله بن سخبرة الأزدي: " إني لأسمع الحديث لحناً، فألحن؛ اتباعاً لما سمعت "(1).
وقال إسماعيل بن أمية: " كنا نرد نافعاً عن اللحن، فيأبى إلا الذي سمع "(2).
وقال عيسى بن يونس: قال رجل للأعمش: إن كان ابن سيرين ليسمع الحديث فيه اللحن، فيحدث به على لحنه. فقال الأعمش:" إن كان ابن سيرين يلحن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلحن "، يقول: قومه (3).
(1) أثرٌ صحيح. أخرجه الدارمي (رقم: 325) والرامهرمزي (ص: 540) وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة (9/ 56) والخطيب في " الجامع "(رقم: 1053) بإسناد رجاله ثقات، والخطيب في " الكفاية " (ص: 285) بإسناد يعتبر به، ومعناه للخطيب كذلك من وجْهٍ آخر، لكن في إسناده يحيى بن عبد الحميد الحماني وليس بثقة، وأبو معْمر من ثقات التابعين من أصحاب ابن مسعود.
(2)
أثرٌ صحيح. أخرجه مسلم في " التمييز "(رقم: 14) والخطيب في " الكفاية "(ص: 285 _ 286) و " الجامع "(رقم: 1055) وإسناده صحيح. وكذلك معناه عندَ ابن أبي شيبة (9/ 56) بإسناد صحيح. ونافع: هو مولى عبد الله بن عمر.
(3)
أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 295، 365) بإسناد صحيح.
وقال الأوزاعي: لا بأس بإصلاح الخطأ واللحن والتحريف في الحديث " (1).
وقال الأوزاعي أيضاً: " أعربوا الحديث، فإن القوم كانوا عرباً "(2).
وقال علي بن الحسن بن شقيق: قلت لعبد الله (يعني ابن المبارك): الرجل يسمع الحديث فيه اللحن، يقيمه؟ قال:" نعم، كان القوم لا يلحنون "(3).
وسئل أحمد بن حنبل: يجيء الحديث فيه اللحن وشيء فاحش، فترى أن يغير؟ أو يحدث به كما سمع؟ قال:" يغيره _ شديداً _، إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يلحنون، إنما يجيء اللحن ممن هو دونهم، يغير _ شديداً (4) _ "(5).
وقال عباس الدوري: قلت ليحيى (يعني ابن معين): ما تقول في الرجل يقوم للرجل حديثه، ينزع عنه اللحن؟ فقال:" لا بأس به "(6).
وسئل النسائي عن اللحن في الحديث؟ فقال: " إن كان شيئاً تقوله العرب وإن كان في غير لغة قريش فلا يغير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكلم الناس
(1) أخرجه أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه "(1/ 265) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل "(ص: 524) والخطيب في " الكفاية "(ص: 365) و " الجامع "(رقم: 1060) وابن عبد البر في " بيان العلم "(رقم: 457) بإسناد صحيح.
ورُوي عن عامر الشعبي نحو هذا، لكنه من طريق جابر الجُعفي عنه، وجابرٌ ليس بثقة.
(2)
أخرجه أبو زرعة في " تاريخه "(1/ 265) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل "(ص: 524) والخطيب في " الكفاية "(ص: 296) وابن عبد البر في " بيان العلم "(رقم: 454، 455) وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 297) وإسناده صحيح.
(4)
الأشْبه أن يكون هذا من قبيل الوصْف لتأكيد قول أحمد، أي قال: يُغير مُشدداً في ذلك، وعليه فهذه الكلمة في الموضعين من قول ابن هانئ ناقل هذا عن أحمد.
(5)
مسائل أحمد بن حنبل، رواية ابن هانئ النسابوري (2: 234 _ 235).
(6)
تاريخ يحيى بن معين (النص: 4195).
بلسانهم، وإن كان ما لا يوجد في كلام العرب فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحن " (1).
قال الحافظ الرامهرمزي: " أما تغيير اللحن، فوجوبه ظاهر؛ لأن من اللحن ما يزيل المعنى ويغيره عن طريق حكمه، وكثير من رواة الحديث لا يضبطون الإعراب ولا يحسنونه، وربما حرفوا الكلام عن وجهه، ووضعوا الخطاب في غير موضعه، وليس يلزم من أخذ عن هذه الطائفة أن يحكي ألفاظهم إذا عرف وجه الصواب، إذا كان المراد من الحديث معلوماً ظاهراً، ولفظ العرب به معروفاً فاشياً، ألا ترى أن المحدث إذا قال: (لا يؤم المسافر المقيم) فنصب المسافر ورفع المقيم .. ؛ كان قد أحال "(2).
قلت: والقول بجواز نقل الحديث على المعنى بشروطه يصحح مذهب من قال: يغير اللحن، بل ينبغي أن يجوزه حتى من أوجب اتباع اللفظ؛ لما علل به أحمد والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن، فالذي يوجبه اتباع اللفظ أن يصلح اللحن؛ ليأتي على وفاق لفظ النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن قال القاضي عياض: " حماية باب الإصلاح والتغيير أولى؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، ويتسلط عليه من لا يعلم " وبين أنه يحكى كما جاء ويبين (3).
وقال: " وأحسن ما يعتمد عليه في الإصلاح أن ترد تلك اللفظة المغيرة في أحاديث أخرى، فإن ذكرها، على الصواب في الحديث آمن أن يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل بخلاف إذا كان إنما أصلحها بحكم علمه ومقتضى كلام العرب "(4).
(1) الإلماع، للقاضي عِياض (ص: 183).
(2)
المحدث الفاصل (ص: 527).
(3)
الإلماع (ص: 186 _ 187).
(4)
الإلماع (ص: 187).