الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جيد وأثنى عليه، فهو شيعي، وإذا قال: فلان كان مرجئاً، فاعلم أنه صاحب سنة لا بأس به " (1).
المقدمة الخامسة: اعتبار بشرية الناقد في تأثيرها في إطلاق الجرح أو التعديل
الناقد يعتريه ما يعتري البشر من الغفلة أو الغضب، فيقول القول لا يعني به شيئاً يتصل بهذا العلم، وإنما أوقعه فيه بعض هذه العوارض، فهذا إن كان لفظ جرح أو تعديل، فإنه لا يجوز أن يكون له أثر على الراوي الموصوف بذلك.
فمن مثال ما قد يرد على الناقد من التوهم:
ما حكاه حماد بن حفص (2)(وكان ثقة)، قال شهدت يحيى بن سعيد (يعني القطان) وجاء إليه شيخ من أهل البصرة، فتذاكرا الحديث، فقال الشيخ ليحيى: حدثنا ابن أبي رواد بكذا وكذا، فقال يحيى:" عرف عليه كذاب "، فقال: فلما كان بعد ساعة قال: " الأب حدثك أو الابن؟ " فقال: بل الأب، فقال:" الأب لا بأس به، إنما ظننت أنك تعني الابن "(3).
ومما يخرج على صدوره بسبب الغضب مثلاً: ما جاء من تكذيب أبي داود السجستاني لابنه أبي بكر، إن صح عنه، فإن أبا بكر حين مات أبوه كان شاباً، وصار إماماً بعد وفاة أبيه، وقد عاش بعده إحدى وأربعين سنة، عرفه فيها تلامذته الحفاظ كأبي حسن الدارقطني بالحفظ والثقة.
ومن هذا (جرح الأقران)، ككلام مالك بن أنس في محمد بن إسحاق، وكلام ابن إسحاق فيه.
(1) سؤالان ابن الجُنيد (النص: 797).
(2)
هوَ مُحمد بنُ حفصٍ القطان البصري، و (حماد) لقبٌ، يُستدرك على " نُزهة الألباب " لابن حجر.
(3)
أخرجه يعقوب بنُ سفيان في " المعرفة "(1/ 700) وإسناده صحيح.
وقال علي بن المديني في (سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف): " كان أصحابنا يرمونه بالقدر، وكان عندنا ثقة ثبتاً، وكان مالك بن أنس يتكلم فيه، وكان لا يروي عنه مالك شيئاً، وكان سعد قد طعن على مالك في نسبه "(1).
واعلم أنه ليس المراد بالتنبيه على هذه الصورة إلغاء كلام القرين في قرينه مطلقاً، بل إن أدق صور النقد للنقلة هي النقد للمعاصر، ومنه نقد الأقران، وذلك لكون الناقد قد اطلع على حال من عدله أو جرحه وخبر أمره، فهو أقوى من جرحه أو تعديله لمن لم يدركه.
وإنما المراد هنا البحث عن سبب الجرح عند معارضة التعديل، فإن أعاد الناقد الجرح إلى علة مدركة في شأن من جرح، واستدل لذلك وبينه، فقوله معتبر، ولا أثر للاقتران، إلا أن يثبت وجود خصومة أو خلاف بينه وبين من جرحه، فهذا مما يوجب الاحتياط، والأصل: ترك قوله فيه، على أنك لو بحثت عن حال هذا الصنف وجدت الطعون فيهم من مخالفيهم تأتي من قبيل الجرح المجمل الذي يطرح في مقابلة التعديل المعتبر؛ لمجرد إجماله.
قال ابن عبد البر: " والصحيح في هذا الباب: أن من صحت عدالته، وثبتت في العلم إمامته، وبانت ثقته، وبالعلم عنايته، لم يلتفت فيه إلى قول أحد، إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة يصح بها جرحته على طريق الشهادات، والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب تصديقه فيما قاله، لبراءته من الغل والحسد والعداوة والمنافسة، وسلامته من ذلك كله، فذلك كله يوجب قبول قوله من جهة الفقه والنظر، وأما من لم تثبت إمامته ولا عرفت عدالته، ولا صحت لعدم الحفظ والإتقان روايته؛ فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه، ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه.
والدليل على أنه لا يقبل فيمن اتخذه جمهور من جماهير المسلمين
(1) سؤالات ابن أبي شيبة (النص: 91).