الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني:
جهالة الراوي سبب لرد حديثه
الجهالة سبب لرد حديث الراوي، ما لم تثبت استقامة حديثه ذلك.
وهذا قديم عند أهل العلم أنهم لا يحتجون بحديث المجهول.
قال عبد الله بن عون: " لا نكتب الحديث إلا ممن كان عندنا معروفاً بالطلب "(1).
وقال الشافعي: " لا نقبل خبر من جهلناه، وكذلك لا نقبل خبر من لم نعرفه بالصدق وعمل الخير "(2).
وقال: " من حدث عن كذاب لم يبرأ من الكذب، ولا يقبل الخبر إلا ممن عرف بالاستئهال لأن يقبل خبره، ولم يكلف الله أحداً أن يأخذ دينه عمن لا يعرف "(3).
(1) أخرجه ابنُ أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(1/ 1 / 28) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل "(ص: 405) وابنُ عدي (1/ 257) والخطيب في " الكفاية "(ص: 251) من طريق إبراهيم بن المنذر الحِزامي، قال: سمعت أيوب بن واصل يقول: سمعت عبد الله بنَ عون، به. وإسناده حسن.
(2)
اختلاف الحديث (ص: 45).
(3)
أخرجه ابنُ عدي في " الكامل "(1/ 207) وإسناده صحيح، والمعنى لهذا القوْل عن الشافعي أيضاً في " الرسالة " (ص: 376 _ 377).
وقال: " كان ابن سيرين والنخعي وغير واحد من التابعين يذهب هذا المذهب، في أن لا يقبل إلا عمن عرف، وما لقيت ولا علمت أحداً من أهل العلم بالحديث يخالف هذا المذهب "(1).
وقال البيهقي: " لا يجوز الاحتجاج بأخبار المجهولين "(2).
وقال الذهبي: " لا حجة فيمن ليس بمعروف العدالة، ولا انتفت عنه الجهالة "(3).
وقال ابن رجب: " ظاهر كلام الإمام أحمد أن خبر مجهول الحال لا يصح ولا يحتج به "(4).
قلت: وقد جرح الأئمة بالجهالة، وردوا بها الكثير من الحديث.
فمن أمثلته (هبيرة بن يريم الشيباني)، تابعي تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي، قال ابن أبي حاتم الرازي: سألت أبي عنه قلت: يحتج بحديثه؟ قال: " لا، هو شيبة بالمجهولين "(5).
وهذا ابن عدي أدخل في المجروحين جماعة من المجهولين كانت حجته تعود تارة إلى نكارة حديثهم، وتارة إلى قلة الرواية بحيث لا يتبين من مقدارها استقامة ما رووا، فمن كلامه:
قوله في (إبراهيم بن عبد السلام المخزومي): " ليس بمعروف، حدث بالمناكير، وعندي أنه يسرق الحديث "(6).
(1) الأم (12/ 369).
(2)
الخلافيات (2/ 178 _ 179).
(3)
ميزان الاعتدال (2/ 234).
(4)
شرح علل الترمذي (1/ 347).
(5)
الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم (4/ 109 _ 110).
(6)
الكامل في ضعفاء الرجال (1/ 419).
وقوله في (إبراهيم بن هانئ) شيخ لبقية بن الوليد: " ليس بالمعروف، يحدث عنه بقية، ويحدث إبراهيم هذا عن ابن جريج بالبواطيل "(1).
وقوله في (إبراهيم بن عبد الرحمن الخوارزمي): " ليس بمعروف، وأحاديثه عن كل من روى عنه ليست بمستقيمة "(2).
وقوله في (بشير بن زياد الخراساني): " غير مشهور، في حديثه بعض النكرة " وقال: " ليس بالمعروف، إلا أنه يروي عن المعروفين ما لا يتابعه أحد عليه، ولم أجد أحداً يروي عنه غير إسماعيل بن عبد الله بن زرارة "(3).
وقوله في (بكر بن يزيد المدني): " ليس بمعروف، ولا أعلم يروي عنه غير القعنبي (4)، وهو مجهول من أهل المدينة، والقعنبي أصله من المدينة سكن البصرة، ويروي عن قوم من أهل المدينة غير معروفين، لا يروي عنهم غيره "(5).
وقال مثل هذا في (بهلول بن راشد)(6)، و (سليمان بن أبي خالد البزار)(7)، و (سليط بن مسلم)(8) ، و (عبد الله بن سليمان)(9)، وهؤلاء جميعاً روى عنهم القعنبي.
وقوله في (تمام بن بزيع السعدي): " ليس بالمعروف، ولا يحدث عنه من البصريين غير محمد بن أبي بكر المقدمي، وهو قليل الحديث "(10).
(1) الكامل (1/ 421).
(2)
الكامل (1/ 422).
(3)
الكامل (2/ 183).
(4)
هوَ عبد الله بن مسلمة القعنبي.
(5)
الكامل (2/ 201).
(6)
الكامل (2/ 251).
(7)
الكامل (4/ 295).
(8)
الكامل (4/ 549).
(9)
الكامل (5/ 430).
(10)
الكامل (2/ 279).
وقوله في (الحسن بن عبد الله الثقفي): " ليس بمعروف، منكر الحديث "، وقال بعد أن ذكر له حديثين:" وهذان الحديثان بهذا الإسناد منكران، ولا أعلم أنّ للحسن بن عبد الله الثقفي غيرهما، وإن كان للحسن رواية غير ما ذكرته يكون مثل ما ذكرته في الإنكار "(1).
وقوله في (محمد بن عباد بن سعد) شيخ لمعن بن عيسى: " ليس بالمعروف، ومعن يحدث عن قوم ٍ من أهل المدينة ليسوا هم بمعروفين "(2).
وكذلك صنع العقيلي، فمن كلامه في جماعة من المجهولين:
قوله في (إياس بن أبي إياس): " مجهول، حديثه غير محفوظ "(3).
وقوله في (إبراهيم بن زكريا الواسطي): " مجهول، وحديثه خطأ "(4).
وقوله في (إبراهيم بن عبد الرحمن الجبلي): " ليس بمعروف في النقل، والحديث غير محفوظ "(5).
وقوله في (بلهط بن عباد): " مجهول في الرواية، حديثه غير محفوظ، ولا يتابع عليه "(6).
وقوله في (الحسن بن علي الهمداني): " مجهول، لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به "(7).
وهكذا رأيت من صنيع ابن حبان، لكن على خطته فيمن لم يرو عنه إلا مجروح، فمن كلامه:
قوله في (عبد الله بن أبي ليلى الأنصاري)، وذكر له أثراً عن علي بن
(1) الكامل (3/ 167 _ 168).
(2)
الكامل (7/ 478).
(3)
الضعفاء، للعُقيلي (1/ 35).
(4)
الضعفاء (1/ 53).
(5)
الضعفاء (1/ 56).
(6)
الضعفاء (1/ 166).
(7)
الضعفاء (1/ 235).
أبي طالب: " من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة ": " هذا شيء لا أصل له عن علي، .. وابن أبي ليلى هذا رجل مجهول، ما أعلم له شيئاً يرويه عن علي غير هذا الحرف المنكر الذي يشهد إجماع المسلمين قاطبة ببطلانه .. "(1).
وقوله في (عبد الله بن زياد سليم القرشي): " شيخ مجهول، يروي عن عكرمة، روى عنه بقية بن الوليد، لست أحفظ له راوياً غير بقية " وذكر له من تفرده ما لا يحتمل (2).
وقوله في رجل يقال له: (أبو زيد): " يروي عن ابن مسعود ما لم يتابع عليه، ليس يدري من هو، لا يعرف أبوه ولا بلده، والإنسان إذا كان بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبراً واحداً خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس والنظر والرأي يستحق مجانبته فيها، ولا يحتج به "، وذكر له حديثاً أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بالنبيذ (3).
وكذلك الشأن عند الدارقطني، فجرح جماعة بقوله في أحدهم:" مجهول يترك " أو " مجهول متروك ".
قال ذلك في: إسحاق بن عمر، يروي عن عائشة (4)، وفي: علي بن أبي فاطمة، يحدث عن يونس بن بكير (5)، وفي: عمرو بن أبي نعيمة المعافري (6)، وحابس اليماني، يروي عن أبي بكر الصديق (7) وفي:
(1) المجروحين، لابن حبان (2/ 5).
(2)
المجروحين (2/ 17).
(3)
المجروحين (3/ 158).
(4)
سؤالات البرقاني (النص: 28).
(5)
سؤالات البرقاني (النص: 367).
(6)
سؤالات البرقاني (النص: 372).
(7)
سؤالات البرقاني (النص: 112).
يزيد بن زيد مولى أبي أسيد البدري (1)، وفي: أبي مريم الثقفي، يروي عن عمار بن ياسر (2).
وهذا الذي ذكرت يوضح منهجاً مشتركاً عند هؤلاء الأئمة، هو: أن الراوي يكون مجهولاً ويأتي بالحديث بما لا يعرف وجهه إلا من طريقه، ولكون الشبهة في ضعفه قد قويت من جهة ما تفرد به إسناداً أو متناً أو كليهما، فقد صار في عداد المجروحين.
ولا يلحق بالثقات إلا من ثبت تحديثه بالمحفوظ من الحديث دون غيره من أولئك المجهولين.
* * *
(1) سؤالات البرقاني (النص: 551).
(2)
سؤالات البرقاني (النص: 587).