الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي التعديل مما يكثر وقوعه عند المتأخرين، كالذهبي والهيثمي:(وثق) و (موثق) فهذه عبارة يجب البحث عن قائلها المجهول الذي بنيت له، وفي الغالب يكون مرادهم ابن حبان، فكأنهم لضعف الاعتماد على ما يتفرد به من التعديل يبنون العبارة للمجهول.
المقدمة الرابعة: مراعاة ميول الناقد المذهبية في القدح في النقلة
الجرح والتعديل جميعاً يتأثران بهذا، فيعدل من ليس بأهل، وهو الأقل وروداً في كلامهم، ويجرح من هو عدل، ووقع من طائفة بسبب المخالفة في العقائد والمسالك، كما قدمت التمثيل له بجرح الجوزجاني لأهل الكوفة بسب فشو التشيع فيه، والدولابي لمخالفي الحنفية، وكما وقع من طائفة من أهل الحديث في أهل الرأي من أهل الكوفة وغيرهم.
قال ابن حجر: " وممن ينبغي أن يتوقف في قبوله قوله في الجرح: من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك؛ لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة، وعبارة طلقة، حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث وأركان الرواية، فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه، فوثق رجلاً ضعفه؛ قبل التوثيق.
ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ، فإنه من غلاة الشيعة، بل نسب إلى الرفض، في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد " (1).
ومن أمثلة ذلك في النقلة ما جاء في ترجمة (أحمد بن الفرات أبي مسعود الرازي) وكان من الثقات الحفاظ المتقنين، من المعروفين بالسنة،
(1) لسان الميزان (1/ 108 _ 109).
قال ابن عدي: سمعت أحمد بن محمد بن سعيد يقول: سمعت ابن خراش يحلف بالله: " إن أبا مسعود أحمد بن الفرات يكذب متعمداً ".
فتعقبه ابن عدي فقال: " وهذا الذي قاله ابن خراش لأبي مسعود هو تحامل، ولا أعرف لأبي مسعود رواية منكرة، وهو من أهل الصدق والحفظ "(1).
وعاب الذهبي على ابن عدي إيراده في " كتابه "، فقال:" ذكره ابن عدي فأساء، فإنه ما أبدى شيئاً غير أن ابن عقدة روى عن ابن خراش، وفيهما رفض وبدعة " وذكر النص السابق.
وأقول: لا عيب على ابن عدي، فإنه يذكر في كتابه من تكلم فيه، فإن كان بباطل رده، وهكذا فعل هنا.
وقال الذهبي في " السير "(2): " من ذا الذي يصدق ابن خراش ذاك الرافضي في قوله؟! ".
قلت: ومما نرد قول ابن خراش إلا لأجل المذهب، وأبو مسعود قد استقرت ثقته وثبت إتقانه، وشاع علمه.
ومن قبيح ما سودت به صحف كثيرة ما وقع من نقمة جماعة من أهل الحديث على أبي حنيفة وأصحابه، بسبب المذهب.
كما قال يحيى بن معين: " أصحابنا يفرطون في أبي حنيفة وأصحابه " فقيل له: أكان أبو حنيفة يكذب؟ فقال: " كان أنبل من ذلك "(3).
قلت: وتلك الطعون التي سودت بها صحف كثيرة لا تعود في التحقيق إلا إلى التحامل بسبب خلاف المذهب كمن أطلق أن أبا حنيفة
(1) الكامل (1/ 312).
(2)
سير أعلام النبلاء (12/ 487).
(3)
أخرجه ابنُ عبد البر في " بيان العلم "(رقم: 2106) وإسناده صحيح.
كان يبيح المسكر، وهو إنما أباح باجتهاده النبيذ الذي لم يستثن من حفاظ وأئمة الكوفيين من موافقته فيه إلا الفرد بعد الفرد، إلى أشياء أخرى طعن فيها على أبي حنيفة وأصحابه كأبي يوسف ومحمد بن الحسن، كانت بسبب مخالفة الطاعن لأبي حنيفة في مذهبه، وأنه كان يدع الحديث بالرأي، وهذا لو صح فمعروف أن الفقيه قد يدع العمل بالحديث لأسباب صحيحة معتبرة، ولم يسلم من ذلك فقيه من فقهاء الأمة الكبار المتبوعين.
فهذا مالك بن أنس، وقد أجمعوا على ثقته، ومع ذلك فقد ترك القول بأحاديث هي عنده صحيحة، لمعارضات معتبرة لديه، وهذا ابن عبد البر المالكي يورد عن الليث بن سعد قوله:" أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة، كلها مخالفة لسنة رسول الله صلى عليه وسلم مما قال فيها برأيه، ولقد كتبت إليه أعظه في ذلك "(1).
وللشافعي في الرد على مالك، كما له في الرد على محمد بن الحسن والأوزاعي، وكثير مما يعود إليه ذلك: القول بالحديث أو تركه.
فمثل هذا لا يجوز التعلق به من أقوال المجرحين، في حق من عرف مقامه في الدين.
كما يجب أن يتفقد من عبارة الجارح في كل مخالف له في مذهبه، إذ هو بشر يعتريه من حال البشر، ويتكلم في الغضب والرضى، والعدل مجاهدة، وكم من جرح يمكن تخريجه على مثل هذا؟
وأما الميل إلى التعديل، فكتوثيق ابن عقدة الحافظ الشيعي لبعض من على مذهبه من المجروحين، وهو قليل.
وقال يحيى بن معين: " كان أبو نعيم (2) إذا ذكر إنساناً فقال: هو
(1) جامع بيان العلم وفضْله (رقم: 2105) تعليقاً.
(2)
يعني الفَضل بَن دُكين، وهوَ من حُفاظ الكوفة ومُتقنيهم.