الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك فإن المخطىء المتأول بمعصية إذا عرف بالصدق فحديثه مقبولاً مطلقاً، لأن التأويل متضمن إرادة صاحبه للصواب، وعدم قصده للخطأ، وقد وقع التأويل للمخالفة الشرعية من جماعة من الصحابة فلم يمنع ذلك من قبول ما حملوه من العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأهل الشام الذين قاتلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.
فأولى من ذلك أن يقبل حديث من واقع مختلفاً في منعه، أو ترك مختلفاً في فرضه.
قال الشافعي: " والمستحل لنكاح المتعة، والمفتي بها، والعامل بها، ممن لا ترد شهادته، وكذلك لو كان موسراً فنكاح أمة مستحلاً لنكاحها، مسلمة أو مشركة؛ لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من يستحل هذا، وهكذا المستحل الدينار بالدينارين، والدرهم بالدرهمين يداً بيد، والعامل به؛ لأنا نجد من أعلام الناس من يفتي به ويعمل به ويرويه، وكذلك المستحل لإتيان النساء في أدبارهن، فهذا كله عندنا مكروه محرم، وإن خالفنا الناس فيه فرغبنا عن قولهم، ولم يدعنا هذا إلى أن نحرجهم ونقول لهم: إنكم حللتم ما حرم الله وأخطأتم؛ لأنهم يدعون علينا الخطأ كما ندعيه عليهم، وينسبون من قال قولنا إلى أنه حرم ما أحل الله عز وجل "(1).
قلت: والقول في البدعة من هذا على التحقيق، وسيأتي في أسباب سلب العدالة.
الصورة الثانية: ما يعود الجرح فيه إلى طريق التلقي، والجارح اعتمد فيه المذهب المرجوح
.
وذلك في حالتين:
الأولى: في رواية الراوي عرضاً.
(1) الأم (6/ 206). وتقدم سِياق هذا النص أيْضاً في (صفة الناقد).
وهي الرواية قراءة على الشيخ، لا سماعاً من لفظه، وتقدم أنها: متصلة بمنزلة السماع عند أكثر أئمة الحديث.
وربما رأيت من بعض النقاد الطعن في رواية بعض الثقات عن بعض شيوخهم أنها كانت عرضاً، ويكون مرجع الأمر إلى شيء زائد على مجرد العرض، وهو أن الذي كان يعرض على الشيخ راو مجروح، ويكون ذلك الثقة قد حضر ذلك العرض.
مثل من طعن في روايته عن مالك؛ لكونه أخذ عنه بعرض حبيب كاتبه.
ومنه قول يحيى بن معين في (حفص بن ميسرة): " سمع عرضاً، كان عباد بن كثير يعرض لهم على زيد بن أسلم وغيره، قال أبو جعفر السويدي (1): ذهبت إلى حفص بن ميسرة فسألته أن يخرج إلي كتاباً، فقال لي: إنما كان عباد بن كثير يعرض لنا "(2).
قلت: والرواية بمثل هذا في الأصل صحيحة؛ لأن العبرة بإقرار الشيخ ما يقرأ عليه، والقارئ ليس واسطة بين التلميذ وشيخه، ولذلك فلا تضر جهالته ولا كونه مجروحاً.
ولوا افترضنا صحة القدح على ما يروي بهذا الطريق، فإن ورود القدح على الشيخ أولى من وروده على التلميذ، فإنما حدث التلميذ بما أقر به الشيخ مما قرئ عليه.
وأما أن يكون حفص بن ميسرة اتقى التحديث عن زيد بن أسلم من أجل أنه سمع بعرض مجروح، فذلك جائز أن يكون من أجل شكه في ضبطه لرواية نفسه عن شيخه.
(1) اسمه محمد بن النوشجان، بغدادي ثقة.
(2)
معرفة الرجال، رواية ابنِ محرز (2/ 151 _ 152).
والمقصود: أن من تكلم فيه من الرواة المعروفين بالثقة بسبب مثل هذا السماع، فليس ذلك بقادح فيهم.
والحالة الثانية: القدح في الراوي من جهة أنه روى وجادة.
قال علي بن المديني: سألت سفيان (يعني ابن عيينة) عن جعفر بن محمد بن عباد بن جعفر، وكان قدم اليمن، فحملوا عنه شيئاً، قلت لسفيان: روى معمر عنه أحاديث يحيى بن سعيد، فقال سفيان:" إنما وجد ذاك كتاباً، ولم يكن صاحب حديث، أنا أعرف بهم، إنما جمع كتباً فذهب بها "(1).
وقال شعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة: " حديث أبي سفيان عن جابر، إنما هي صحيفة "(2). وفي لفظ لشعبة: " إنما هو كتاب "(3).
وقال أبو حاتم الرازي: " فأما جابر فإن شعبة يقول: لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث ". وقال: " ويقال: إن أبا سفيان أخذ صحيفة جابر عن سليمان اليشكري "(4).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: " كان شعبة يرى أن أحاديث أبي سفيان عن جابر إنما هو كتاب سليمان اليشكري "(5).
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 38 _ 39) بإسناد صحيح.
(2)
أخرجه يحيى بن معين في " تاريخه "(النص: 4458) ومن طريقه: عبد الله بن أحمد في " العلل "(النص: 3810) وابن أبي حاتم في " المراسيل "(ص: 100) والعقيلي (2/ 224) وابن عدي (5/ 180 _ 181) والخطيب في " الكفاية "(ص: 507) عن شعبة بإسناد صحيح. وابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 46) و " الجرح والتعديل "(2/ 1 / 475) عن سفيان، وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه يحيى بن معين (النص: 2397) بإسناد صحيح.
(4)
المراسيل (ص: 100).
(5)
أخرجه ابنُ أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 144 _ 145) وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم في " المعرفة "(103 _ 104) لكن قال ابن المديني: قلت لعبد الرحمن: سمعته من شعبة؟ قال: أو بلغني عنه. فهذا يُلين الرواية.
وقال أبو حاتم الرازي: " جالس سليمان اليشكري جابراً، فسمع منه، وكتب عنه صحيفة، فتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته، فروى أبو الزبير وأبو سفيان والشعبي عن جابر، وهم قد سمعوا من جابر، وأكثره من الصحيفة، وكذلك قتادة "(1).
وقال همام بن يحيى: " قدمت أم سليمان اليشكري بكتاب سليمان، فقرئ على ثابت، وقتادة، وأبي بشر، والحسن، ومطرف، فرووها كلها، وأما ثابت فروى منها حديثاً واحداً "(2).
وقال سليمان التيمي: " ذهبوا بصحيفة جابر إلى الحسن، فرواها، أو قال: فأخذها، وأتوني بها فلم أروها "(3).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثت سفيان (يعني الثوري) أحاديث إسرائيل عن عبد الأعلى عن ابن الحنفية، قال:" كانت من كتاب " يعني أنها ليست بسماع (4).
وقال شعبة: " أحاديث الحكم عن مجاهد كتاب، إلا ما قال سمعت "(5).
وقال يحيى القطان: قال شعبة: " عامر الشعبي عن علي، وعطاء _ يعني ابن أبي رباح _ عن علي، إنما هي من كتاب " قال يحيى: فاسترجعت أنا (6).
(1) الجرح والتعديل (2/ 1 / 136).
(2)
أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 506) وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 506) وإسناده صحيح. كذلك أخرجه الحاكم في " المعرفة "(ص: 110) وإسناده صحيح، وزاد إلى الحسن ذكْر قتادة.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 71) وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 130) وإسناده صحيح.
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 130) وإسناده صحيح.