المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الطرف الأول: تمييز مواليد الرواة - تحرير علوم الحديث - جـ ١

[عبد الله الجديع]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل:مقدمات تعريفية

- ‌المبحث الأول:علم الحديث: تعريفه، تاريخه، أقسامه

- ‌1 _ تعريف علم الحديث:

- ‌2 _ تاريخ علم الحديث:

- ‌3 _ تقسيم علوم الحديث:

- ‌المبحث الثاني:ألقاب الحديث من جهة من يضاف إليه

- ‌1_ الحديث المرفوع:

- ‌مسائل:

- ‌المسألة الثالثة: قول الصحابي: (قال: قال)

- ‌المسألة السابعة: حكم تفسير الصحابي للقرآن

- ‌المسألة الثامنة: الحديث القدسيُّ

- ‌2 _ الحديث الموقوف:

- ‌3 _ الحديث المقطوع:

- ‌المبحث الثالث:ألقاب الحديث باعتبار تعدد الأسانيد

- ‌القسم الأول: الحديث المتواتر

- ‌تقسيم الحديث المتواتر بحسب صِيغته:

- ‌ المتواتر اللفظي

- ‌ المتواتر المعنوي

- ‌القسم الثاني: حديث الآحاد

- ‌النوع الأول: الحديث المشهور

- ‌النوع الثاني: الحديث العزيز

- ‌النوع الثالث: الحديث الغريب

- ‌حجية خبر الواحد الصحيح:

- ‌المبحث الرابع:المتابعات والشواهد

- ‌المبحث الخامس:لطائف الإسناد

- ‌العالي والنازل:

- ‌القسم الأول:تحرير أركان النظر في الحديث

- ‌الباب الأول:تحليل الإسناد

- ‌الفصل الأول:تمييز النقلة

- ‌المبحث الأول:الطريق إلى تمييز الراوي

- ‌المبحث الثاني:تمييز الراوي بما يعرف به من اسم وكنية ونسب ولقب وصفة أخرى

- ‌الدلالة الأولى: تمييز الأسماء

- ‌الدلالة الثانية: تمييز الكنى

- ‌الدلالة الثالثة: تمييز الأنساب

- ‌الدلالة الرابعة: تمييز الألقاب

- ‌حكم استعمال ألقاب المحدثين في دراسة الأسانيد:

- ‌الدلالة الخامسة: تمييز الأبناء

- ‌الدلالة السادسة: تمييز النساء

- ‌المبحث الثالث:تميز الراوي بمعرفة شيوخه وتلاميذه وطبقته

- ‌الفرع الأول: تمييز الشيوخ والتلاميذ

- ‌1 _ رواية الآباء عن الأبناء

- ‌2 _ رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌3 _ رواية الأقران:

- ‌4 _ رواية السابق واللاحق:

- ‌الفرع الثاني تميز طبقات الرواة

- ‌الطرف الأول: تمييز مواليد الرواة

- ‌الطرف الثاني: تمييز وفيات الرواة

- ‌فوائد معرفة الطبقات:

- ‌تقسيم الطبقات:

- ‌المبحث الخامس:تفسير طبقة الصحابة

- ‌كيف تثبت الصحبة

- ‌من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير

- ‌ هل للصحابة عدد محصور

- ‌المبحث السادس:تمييز المشتبه من أسماء الرواة

- ‌ التشابه في الرسم

- ‌ الاشتراك

- ‌الفصل الثاني:اتصال الإسناد

- ‌المبحث الأول:الصيغة الصريحة بالسماع

- ‌شرط قبول صيغة السماع:

- ‌المبحث الثاني:الصيغة الصريحة بالاتصال بغير لفظ السماع وما في معناه

- ‌القسم الأول: القراءة على الشيخ

- ‌القسم الثاني: الإجازة

- ‌القسم الثالث: الوجادة

- ‌حكم التحديث وجادة في الصحة والضعف:

- ‌المبحث الثالث:صيغة العنعنة وما يجري مجراها

- ‌المبحث الرابع:مسائل متفرقة في اتصال الإسناد

- ‌المسألة الثانية:رموز صيغ الأداء

- ‌المسألة الرابعة:المرسل إذا علمت فيه الواسطة

- ‌الباب الثانينقد النقلة

- ‌الفصل الأولحكم نقد النقلةوصفة الناقد

- ‌المبحث الأول:حكم نقد الراوي

- ‌المبحث الثاني:صفة الناقد

- ‌المبحث الثالث:نماذج لأعيان من يعتمد قوله في نقد الرواة

- ‌الفصل الثانيتفسير التعديل

- ‌المبحث الأول:معنى العدالة

- ‌لا يصلح عد الصغائر مفسقات

- ‌المبحث الثاني:الدليل على اشتراط عدالة الناقل لقبول خبره

- ‌المبحث الثالث:طريق إثبات عدالة الراوي

- ‌ مسائل:

- ‌المسألة الأولى: هل ارتفاع الجهالة إثبات للعدالة

- ‌المسألة الثانية: معنى وصف الراوي بالشهرة

- ‌المبحث الرابع:معنى الضبط

- ‌النوع الأول: حفظ الصدر

- ‌كيف يثبت حفظ الراوي

- ‌النوع الثاني: حفظ الكتاب

- ‌المبحث الخامس:كيف يعرف الضبط

- ‌المبحث السادس:حكم تحمل الحديث في الصغر

- ‌المبحث السابع:حكم الرواية بالمعنى

- ‌المذهب الأول: جواز الرواية بالمعنى

- ‌المذهب الثاني: التمسك باللفظ

- ‌ مسائل:

- ‌المسألة الثالثة: إحالة الرواية على سياق مذكور:

- ‌المبحث الثامن:مسائل متممة لركن الضبط

- ‌المسألة الثانية: حكم رواية الضرير

- ‌المبحث التاسع:أصول في تعديل الرواة

- ‌الأصل الثاني: هل يتوقف قبول التعديل على العلم بأسبابه

- ‌الأصل الخامس: درجات العدول متفاوتة

- ‌الأصل السادس: هل رواية الثقة عن رجل تعديل له

- ‌الأصل السابع: تصحيح الناقد لإسناد حديث، هل يفيد تعديلاً منه لرواته

- ‌ عمل الناقد بحديث الراوي، وذهابه إلى مقتضاه

- ‌الأصل التاسع: قول الناقد: (إن كان هذا فلاناً فهو ثقة)

- ‌الأصل العاشر: أكثر رواة العلم ثقات

- ‌المبحث العاشر:تحرير القول في تعديل جماعةمن المتقدمين تنازعهم الناس

- ‌طريقة العجلي:

- ‌طريقة أبي بكر بن خزيمة:

- ‌طريقة ابن حبان:

- ‌طريقة الحاكم النيسابوري:

- ‌طريقة ابن عبد البر:

- ‌المبحث الحادي عشر:تحرير القول في عدالة الصحابة

- ‌ضبط الصحابي:

- ‌مسائل في عدالة الصحابة:

- ‌المسألة الأولى: الرجل يختلف في صحبته، فيقدح فيه بعض من لا يثبتها له:

- ‌المسألة الثالثة: تحرير القول في جهالة الصحابي

- ‌الفصل الثالثتفسير الجرح

- ‌تمهيد:في معنى الجرح

- ‌المبحث الأول:صور الجرح غير المؤثر

- ‌الصور الأولى: استعمال المباحات، أو ما يختلف فيه الاجتهاد حلاًّ وحرمة

- ‌الصورة الثانية: ما يعود الجرح فيه إلى طريق التلقي، والجارح اعتمد فيه المذهب المرجوح

- ‌الصورة الثالثة: الجرح بسبب التحمل في الصغر

- ‌الصورة الرابعة: ما يعود إلى جحد الشيخ أن يكون حدث بالحديث، أو تركه القول بمقتضاه

- ‌الصورة الخامسة: الرواية عن المجروحين والمجهولين

- ‌الصورة السادسة: الجرح والتدليس

- ‌المبحث الثاني:تحرير القول فيما يسلب العدالة

- ‌السبب الأول: الفسق

- ‌السبب الثاني: الكذب، والتهمة به

- ‌أثر التوبة من الكذب في الحديث:

- ‌الكذب في حديث الناس:

- ‌كتابة أحاديث الكذابين والمتهمين بالكذب للتمييز:

- ‌السبب الثالث: سرقة الحديث

- ‌السبب الرابع: البدعة

- ‌مذاهب أهل العلم في رد حديث أهل البدع أو قبوله:

- ‌السبب الخامس: الجهالة

- ‌المبحث الثالث:تحرير عود ما يسلب الضبطإلى سوء حفظ الراوي

- ‌القسم الأول: الوهم والغلط بمقتضى الجبلة

- ‌الوهم والغلط يقع بأسباب:

- ‌أولها: المخالفة في الأسانيد

- ‌ثانيها: وصل المراسيل

- ‌ثالثها: رفع الموقوف

- ‌رابعها: الجمع بين الرواة في سياق واحد وحمل حديث بعضهم على بعض

- ‌خامسها: قبول التلقين

- ‌سادسها: التصحيف إذا حدث من كتبه

- ‌القسم الثاني: ما يرجع من سوء الحفظإلى تساهل الراوي

- ‌المبحث الرابع:متى يترك حديث الراوي

- ‌المبحث الخامس:درجات سوء الحفظ

- ‌المبحث السادس:مسائل تتصل بالجرح بسوء الحفظ

- ‌المبحث السابع:أصول في جرح الرواة

- ‌الفصل الرابعتفسير الجهالة

- ‌المبحث الأول:من هو الراوي المجهول

- ‌القسم الأول: جهالة عين

- ‌القسم الثاني: جهالة حال

- ‌المبحث الثاني:جهالة الراوي سبب لرد حديثه

- ‌المبحث الثالث:أصول في الراوي المجهول

- ‌المبحث الرابع:تحرير القول في الرواة المسكوت عنهم

- ‌الفصل الخامستعارض الجرح والتعديل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول:مقدمات ضرورية لتحقيق القولفي الراوي المختلف فيه

- ‌المقدمة الأولى: أهلية الناقد لقبول قوله

- ‌المقدمة الثانية: التحقق من ثبوت الجرح أو التعديل عن الناقد المعين

- ‌المقدمة الثالثة: منع قبول صيغة الجرح أو التعديل التي لا تنسب إلى ناقد معين

- ‌المقدمة الرابعة: مراعاة ميول الناقد المذهبية في القدح في النقلة

- ‌المقدمة الخامسة: اعتبار بشرية الناقد في تأثيرها في إطلاق الجرح أو التعديل

- ‌المقدمة السادسة: وجوب اعتبار مرتبة الناقد مقارنة بمخالفة

- ‌المقدمة السابعة: ملاحظة مذهب الناقد فيما يراه جرحاً، ومذهبه فيه مرجوح

- ‌المقدمة الثامنة: التحقق من آخر قولي أو أقوال الناقد في الراوي، إن كان قد اختلف عليه

- ‌المقدمة التاسعة: مراعاة دلالة ألفاظ الجرح والتعديل

- ‌المقدمة العاشرة: التحقق من كون العبارة المعينة قيلت من قبل الناقد في ذلك الشخص المعين

- ‌المقدمة الحادية عشرة: التحقق من لفظ المنقولة عن الناقد

- ‌المقدمة الثانية عشرة: التيقظ إلى ما يقع أحياناً من المبالغة في صيغة النقد

- ‌المقدمة الثالثة عشرة: قد تطلق العبارة لا يراد ظاهرها

- ‌المبحث الثاني:تحرير منع تقديم الجرح على التعديل إلا بشروط

- ‌الشرط الأول:أن يكون مفسراً، ولو من ناقد واحد

- ‌الشرط الثاني:أن يكون جرحاً بما هو جارح

- ‌الشرط الثالث:أن لا يكون الجرح مردوداً من ناقد آخر بحجة

- ‌المبحث الثالث:تنبيهات حول تعارض الجرح والتعديل

- ‌التنبيه الأول: ترك التعديل عند ظهور الجرح لا يقدح في شخص المعدل أو علمه

- ‌التنبيه الثاني: الجرح لمن استقرت عدالته وثبتت إمامته مردود

- ‌التنبيه الثالث: تقديم الجرح عند اجتماع الشروط لا يلزم منه السقوط بالراوي

- ‌التنبيه الخامس: الراوي يختلف فيه جرحاً وتعديلاً، وهو قليل الحديث

- ‌الفصل السادسمراتب الرواةوتفسير عبارات الجرح والتعديل

- ‌المبحث الأول:مراتب الرواة

- ‌المرتبة الأولى: الاحتجاج

- ‌المرتبة الثانية: الاعتبار

- ‌المرتبة الثالثة: السقوط

- ‌المبحث الثاني:تفسير عبارات الجرح والتعديل

الفصل: ‌الطرف الأول: تمييز مواليد الرواة

والتقارب اصطلاحي لا يعود إلى ضابط:

فعند بعض العلماء: جميع الصحابة طبقة، وجميع التابعين طبقة، وجميع أتباع التابعين طبقة، وهذا روعي فيه الفضل والمنزلة.

وعند بعضهم: الصحابة طبقات، والتابعون فمن بعدهم طبقات، وهذا روعي فيه القدم والسابقة والإدراك.

وبعضهم: كل عشر سنين طبقة، وهذا أشبه بأن يكون لتيسير الحفظ والمعرفة، وهكذا.

والذي تتصل به فائدة في هذا العلم من هذا المبحث هو ما ينبني عليه تمييز المشترك من أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم وألقابهم، ومعرفة إدراكهم بمن رووا عنه من عدمه.

وهذا يتحقق بتمييز الطرفين:

‌الطرف الأول: تمييز مواليد الرواة

اتصال الإسناد شرط لقبول الحديث، وتواريخ مواليد الرواة مقاييس لتصور إمكان اللقاء بين راويين وسماع أحدهما من الآخر، وبها يتم ابتداء حساب طبقته.

وخذ له مثلاً:

هذا فقيه التابعين سعيد بن المسيب، قال عن نفسه بأصح إسناد:" ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب، وكانت خلافته عشر سنين وأربعة أشهر "(1).

فهذا النص يعني أنه أدرك من حياة عمر رضي الله عنه ثمان سنين،

(1) أخرجه ابن سعد في " الطبقات "(5/ 119 _ 120) بإسناد صحيح. ورُوي غيرُ ذلك، ولا يصح منه شيء.

ص: 98

وكان بالمدينة، ومن كان بهذا السن جاز جداً أن يسمع من عمر ومن قاربه في موته ومن تلاه، لكن حديثه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه منقطع جزماً، فقد مات قبل أن يولد.

ولكن لصغر سعيد يوم استشهد عمر، مع كثرة ما حدث عنه مما لا يحتمل سنه أن يكون سمعه من عمر؛ اختلف نقاد المحدثين في سماعه منه:

فكان الإمام أحمد بن حنبل يقول: " هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه إذا لم يُقبل سعيد عن عمر فمن يقبل،؟ "(1).

وخالفه غيره.

فقال عباس الدوري: سمعت يحيى _ يعني ابن معين _ يقول: " سَعيد بن المسيب قد رأى عمرَ وكان صغيراً " قلت ليحيى: هو يقول: ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر؟ فقال يحيى: " ابن ثمان سنين يحفظ شيئاً؟ "(2).

وعبد الله بن وهب المصري الحافظ قبله قال: سمعت مالكاً - يعني ابن أنس - وسئل عن سعيد بن المسيب: هل أدرك عمر؟ قال: " لا، ولكنه ولد في زمان عمر، فلما كبر أكبَّ على المسألة عن شأنه وأمره حتى كأنه رآه "(3).

فنفى مالك الإدراك مع إثباته ولادته في زمان عمر، وإنما يراد اصطلاحاً بالإدراك إدراك الزمان، لكن يشبه أن يكون مراد مالك إدراك السماع لصغر سنه.

(1) الجرح والتعديل (2/ 1 / 61).

(2)

التاريخ، ليحيى بن معين، رواية الدوري (النص: 858).

(3)

أخرجه يعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ "(1/ 468) بإسناد صحيح.

ص: 99

فلاحظ! كم تقرر هذه القضية من أمر يعتمد عليه ثبوت الإسناد أو عدمه، كما تلاحظ من خلالها تحديد طبقة سعيد بن المسيب، فهو تابعي كبير، أما تابعيته فلإدراكه الصحابة، وأما كبره فلقدمه في الإدراك، فإن مولده كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو خمس سنين.

واعلم أن تحديد مواليد الرواة لم يعتن به الناس كما اعتنوا بحفظ وفيات الشيوخ، خصوصاً في الطبقات الأولى، ولذلك يقل في الرواة من تذكر سنة ولادته، وربما كان السبيل إلى تحديد مولده البحث في طريق أخرى تفيده ولو على وجه التقريب، ومما يستعمل في ذلك طرق، منها:

1 -

أن يحفظ تحديد عمر الراوي مع سنة وفاته، فيطرح عمره من تاريخ وفاته، فيخلص إلى مولده.

مثاله:

(عامر بن شراحيل الشعبي) اختلفوا في عمره، فمنهم من قال:(77) سنة، ومنهم من قال:(79) سنة، ومنهم من قال:(82) سنة، ومات سنة (104) أو بعدها بقليل، فلو نظرت مولده بهذا الاعتبار وجدته سنة (27) أو (52) أو (22).

وهذا يعني أنه ولد قبيل مقتل عمر رضي الله عنه، أو بعيده في خلافة عثمان رضي الله عنه.

وروى عن جماعة من الصحابة قيل في روايته عنهم: (مرسلة لم يسمع منهم)، هم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وطلحة ين عبيد الله، وأسامة بن زيد، وعلي بن أبي طالب، وعوف بن مالك الأشجعي، وعائشة أم المؤمنين، وأم هانىء بنت أبي طالب، وعبد الله بن عمر.

ويمكنك أن تحقق إمكان السماع من عدمه في حق الشعبي من هؤلاء الصحابة، وذلك بالنظر في وفاة كل منهم وكم أدرك الشعبي من زمانه.

ص: 100

2 -

أن يقارن بآخر قد عرف مولده أو سنه.

مثاله:

قال الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي: " أبو إسحاق أكبر من عبد الملك بن عمير بسنتين "(1).

أبو إسحاق هذا هو عمرو بن عبد الله السبيعي، مولده سنة (32) أو نحوها، فيكون عبد الملك قد ولد سنة (34) أو نحوها، وحيث إنه مات سنة (136) فهو قد زاد على المئة سنتين، وقد قال ذلك خليفة بن خياط (2).

3 -

أن يكون مقبول الرواية ويحفظ عنه السماع الصريح في روايته من شيخ قد علمت سنة وفاته، فيستدل بوفاة ذلك الشيخ على وقوع مولد التلميذ قبلها بزمن تمكن فيه من السماع منه.

مثاله: (أبو البختري سعيد بن فيروز الطائي) رجل من ثقات التابعين، تكلموا في إدراكه لجماعة من الصحابة وسماعة منهم: عمر بن الخطاب، وأبي ذر الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وسلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وعائشة أم المؤمنين، ورافع بن خديجة، وأبي سعيد الخدري.

لكن قد ثبت عن أبي البختري قال:

أتينا علياً فسألناه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: عن أيهم؟ قال: قلنا: حدثنا عن عبد الله بن مسعود، قال: علم القرآن والسنة ثم انتهى، وكفى بذلك علماً، قال: حدثنا عن أبي موسى، قال: صبغ في العلم صبغة، ثم خرج منه، قال: قلنا: حدثنا عن عمار بن ياسر، فقال: مؤمن

(1) معرفة الثقات، للعجلي (الترجمة: 1394).

(2)

الطبقات، لخليفة بن خيَّاط (ص: 163).

ص: 101

نسي، وإذا ذكر، قال: قلنا: حدثنا عن حذيفة، فقال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين، قال: قلنا: حدثنا عن أبي ذر، قال: وعى علماً ثم عجز فيه، قال: قلنا: أخبرنا عن سلمان، قال: أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا ينزح قعره، منا أهل البيت، قال: قلنا: فأخبرنا عن نفسك يا أمير المؤمنين، قال: إياها أردتم؟ كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتدئت (1).

فهذا الخبر صريح في لقائه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسماعه منه ضمن من أتاه فسأله عن هؤلاء الصحابة.

وإذا كان في موضع من يأتي علياً ليسأله مثل هذه المسائل، أو يسأل علي بحضرته وهو يدرك تلك المسائل، فهو في سن تؤهله لذلك، وإذا لم نصحح سماعه ممن تقدم علياً في الوفاة من الصحابة، فإنه قد أدرك علياً فمن بعده من الصحابة المذكورين آنفاً: زيد وعائشة ورافع وأبي سعيد، فإنهم جميعاً ماتوا بعد علي.

تنبيه:

قد يرد ذكر سماع الراوي من شيخ علمت سنة وفاته، لكن يكون السماع غير محفوظ، ويرجع إلى وهم من ثقة أو ادعاء من مجروح، أو سقط وتحريف في نسخة، فلاحظ ذلك وتحقق من ثبوت السماع.

وهاك أمثلة:

المثال الأول: قال خلف بن خليفة: رأيت عمرو بن حريث صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام صغير (2).

(1) أخرجه ابن سعد (2/ 346) من طريق الأعمش، عن عَمرو بن مُرَّة، عن أبي البختَري، به.

وإسناده صحيح.

(2)

أخرجه الترمذي في " الشمائل "(بعد الحديث رقم: 391).

ص: 102

وفي رواية: وأنا يومئذ ابن ست سنين (1).

هكذا زعم خليفة، وهو رجل كان ثقة فتغير في آخر عمره، وهذه الدعوى عدت وهماً منه عند بعض أهل التحقيق، ولم يتجاسر آخرون على إنكارها من أجل ما ثبت لهم من وصف خليفة بالصدق.

وسبيل من أنكرها أصح في النقد، وذلك أن عمرة بن حريث رضي الله عنه توفي سنة (85) وخليفة توفي سنة (181) أو بعيدها، وجزم ابن سعد بأنه حين مات كان ابن (90) سنة أو نحوها (2)، وقال غيره: له (101) سنة، فعلى عمره الأول يكون مولده سنة (80) فيكون أدرك من حياة عمرو خمس سنين.

والذي يفصل في بيان الصواب في عمر خليفة ما ورد عنه من قوله: " قرض لي عمر بن عبد العزيز وأنا ابن ثماني سنين، وفرض لأخ في وهو ابن ست سنين وألحقنا بموالينا "(3).

وعمر إنما ولي الخلافة سنة (99) بلا خلاف، فلو كان فرض لخليفة في أول ولايته، فاطرح ثمانية وهي عمر خليفة يومئذ من (99) فيكون مولده سنة (91) وهذا المتفق مع ما قال ابن سعد.

فيتحصل من ذلك أن خليفة ولد بعد موت عمرو بن حريث بست سنين، فأنى له أن يراه؟

إذا ليس هو بتابعي، بل كأقرانه من طبقة أتباع التابعين، ودعواه تلك وهم منه.

(1) أخرجها عبد الله بن أحمد في " العلل ومعرفة الرجال "(رقم: 5651).

(2)

الطبقات الكبرى (7/ 313).

(3)

أخرجه ابن عديٍّ في " الكامل "(3/ 513) بإسناد صحيح إليه.

ص: 103

ولذا ذكر الإمام أحمد بن حنبل خلفاً وقوله رأيت عمرو بن حريث، فقال أحمد: قال ابن عيينة: " كذب، لعله رأى جعفر بن عمرو بن حريث "(1).

وقال أبو الحسن الميموني: سمعت أبا عبد الله _ يعني أحمد بن حنبل _ يسأل: رأى خلف بن خليفة عمرو بن حريث؟ " قال أبو عبد الله: " هذا ابن عيينة وشعبة والحجاج لم يروا عمرو بن حريث، يراه خلف؟ ! ما هو عندي إلا شُبَّه عليه " (2).

المثال الثاني: قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف ولكن (ألف) حرف، و (لام) حرف، و (ميم) حرف "(3).

فقول القرظي: (سمعت عبد الله بن مسعود) يثبت أنه تابعي قديم يلحق بطبقة علقمة والأسود من أصحاب ابن مسعود، وحيث أن ابن مسعود مات سنة (32) أو (33)، فهذا يعني إدراك القرظي لعثمان بن عفان رضي الله عنه وجميع من مات بعد ابن مسعود من الصحابة.

(1) العلل ومعرفة الرجال، رواية عبد الله بن أحمد (رقم: 4458، 5652، 5653، 6032).

(2)

تهذيب الكمال (8/ 287). والحجاج هو ابنُ أرطأة.

(3)

الجامع، للترمذي (رقم: 2912). والحديث مُخرَّجٌ بشرحِ علته في ذيل تحقيقي لكتاب " الرد على من يقول (الم) حرف " لأبي القاسم بن مَنده.

ص: 104

والإسناد بهذا إليه صحيح، ولذا قال الترمذي في الحديث:" حديث حسن صحيح ".

وازدادت الشبهة بقول قتيبة بن سعيد: " بلغني أن محمد بن كعب القرظي ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم "، فاعتمد ذلك أبو داود السجستاني فقال:" سمع من علي ومعاوية وعبد الله بن مسعود "(1).

والتحقيق أن ذلك وهم، فأما قول قتيبة الذي اعتمده أبو داود والترمذي فإنما حكاه عمن لا يعرف.

ورده البخاري بقوله: " لا أدري حفظه أم لا "(2).

وسبب ذلك أن المعروف عند أهل السير أن أباه كعباً ممن نجا من القتل بحكم سعد بن معاذ في بني قريظة؛ لأنه لم ينبت بعد.

ولهذا عد كعباً في الصحابة من توسع فذكر من ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يذكر برؤية أو رواية، كالحافظ ابن عبد البر، وهذا على شرط آخرين كابن حبان معدود في التابعين، وقد ذكره فيهم " (3).

فمن كان أبوه محل تردد هل يعد في الصحابة أو لا يعد فيهم لصغره في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكيف لابنه أن يصح له السماع من الأقدمين؟

وقد ذكروا أن محمد مات سنة (118) أو (117) وهو ابن ثمانين سنة.

وهذا يعني أنه ولد سنة (38) أو (37)، فكيف يصح أن يثبت له سماع من ابن مسعود على ما تقدم في وفاته؟ وكيف يصح له من علي وقد استشهد سنة (40)؟

(1) تهذيب الكمال (26/ 343).

(2)

التاريخ الكبير (1/ 1 / 216).

(3)

الثقات (5/ 334).

ص: 105

وأشبه الأقاويل في مولده والمتفق مع هذا التحقيق قول الحافظ يعقوب بن شيبة: " ولد في آخر خلافة علي سنة أربعين "(1).

وكأن من ذكر مولده في حياة النبي كلى الله عليه وسلم قصد أباه، ولأبيه رواية عن علي بن أبي طالب من رواية محمد عنه، فيما ذكر ابن حبان.

والوهم في ذكر السماع في حديث ابن مسعود يشبه أن يكون من قبل الضحاك بن عثمان، فقد كان يخطئ.

المثال الثالث: وقع من جماعة رووا عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وزعموا أنهم سمعوا منه وكانوا أحياء بعد سنة (200)، فهذا بقاء للتابعين إلى ما بعد المئتين لو صدق هؤلاء، ولكنهم كانوا يكذبون.

منهم: " إبراهيم بن هدبة أبو هدبة البصري، فهذا رجل كان يقول في أحاديثه: " حدثنا أنس بن مالك "، وكان أبو هدبة كذاباً، دخل بغداد وحدث عن أنس، فسألوه أن يخرج رجله، خافوا أن يكون شيطاناً قد تمثل لهم فأرادوا أن يعرفوه بذلك (2).

قال ابن حبان: " دجال من الدجاجلة، وكان رقاصاً بالبصرة يدعى إلى الأعراس فيرقص فيها، فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه "(3).

وقد رأوا أن أنساً رضي الله عنه مات سنة (93) أو قبيلها، فيحتاج ابن هدبة هذا ليعمر (120) سنة أو أكثر ليتسنى له السماع من أنس، والناس الذين اتهموه لم يروا سنه مؤهلاً لذلك، زيادة على ما عملوا من سوء حاله ومن روايته ما لا يرويه الناس.

(1) تهذيب التهذيب، لابن حجر (3/ 685).

(2)

التاريخ، ليحيى بن معين، رواية الدُّوري (النص: 4661)، تاريخ بغداد (6/ 201).

(3)

المجروحين (1/ 114 _ 115).

ص: 106