المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشرط الأول:أن يكون مفسرا، ولو من ناقد واحد - تحرير علوم الحديث - جـ ١

[عبد الله الجديع]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل:مقدمات تعريفية

- ‌المبحث الأول:علم الحديث: تعريفه، تاريخه، أقسامه

- ‌1 _ تعريف علم الحديث:

- ‌2 _ تاريخ علم الحديث:

- ‌3 _ تقسيم علوم الحديث:

- ‌المبحث الثاني:ألقاب الحديث من جهة من يضاف إليه

- ‌1_ الحديث المرفوع:

- ‌مسائل:

- ‌المسألة الثالثة: قول الصحابي: (قال: قال)

- ‌المسألة السابعة: حكم تفسير الصحابي للقرآن

- ‌المسألة الثامنة: الحديث القدسيُّ

- ‌2 _ الحديث الموقوف:

- ‌3 _ الحديث المقطوع:

- ‌المبحث الثالث:ألقاب الحديث باعتبار تعدد الأسانيد

- ‌القسم الأول: الحديث المتواتر

- ‌تقسيم الحديث المتواتر بحسب صِيغته:

- ‌ المتواتر اللفظي

- ‌ المتواتر المعنوي

- ‌القسم الثاني: حديث الآحاد

- ‌النوع الأول: الحديث المشهور

- ‌النوع الثاني: الحديث العزيز

- ‌النوع الثالث: الحديث الغريب

- ‌حجية خبر الواحد الصحيح:

- ‌المبحث الرابع:المتابعات والشواهد

- ‌المبحث الخامس:لطائف الإسناد

- ‌العالي والنازل:

- ‌القسم الأول:تحرير أركان النظر في الحديث

- ‌الباب الأول:تحليل الإسناد

- ‌الفصل الأول:تمييز النقلة

- ‌المبحث الأول:الطريق إلى تمييز الراوي

- ‌المبحث الثاني:تمييز الراوي بما يعرف به من اسم وكنية ونسب ولقب وصفة أخرى

- ‌الدلالة الأولى: تمييز الأسماء

- ‌الدلالة الثانية: تمييز الكنى

- ‌الدلالة الثالثة: تمييز الأنساب

- ‌الدلالة الرابعة: تمييز الألقاب

- ‌حكم استعمال ألقاب المحدثين في دراسة الأسانيد:

- ‌الدلالة الخامسة: تمييز الأبناء

- ‌الدلالة السادسة: تمييز النساء

- ‌المبحث الثالث:تميز الراوي بمعرفة شيوخه وتلاميذه وطبقته

- ‌الفرع الأول: تمييز الشيوخ والتلاميذ

- ‌1 _ رواية الآباء عن الأبناء

- ‌2 _ رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌3 _ رواية الأقران:

- ‌4 _ رواية السابق واللاحق:

- ‌الفرع الثاني تميز طبقات الرواة

- ‌الطرف الأول: تمييز مواليد الرواة

- ‌الطرف الثاني: تمييز وفيات الرواة

- ‌فوائد معرفة الطبقات:

- ‌تقسيم الطبقات:

- ‌المبحث الخامس:تفسير طبقة الصحابة

- ‌كيف تثبت الصحبة

- ‌من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير

- ‌ هل للصحابة عدد محصور

- ‌المبحث السادس:تمييز المشتبه من أسماء الرواة

- ‌ التشابه في الرسم

- ‌ الاشتراك

- ‌الفصل الثاني:اتصال الإسناد

- ‌المبحث الأول:الصيغة الصريحة بالسماع

- ‌شرط قبول صيغة السماع:

- ‌المبحث الثاني:الصيغة الصريحة بالاتصال بغير لفظ السماع وما في معناه

- ‌القسم الأول: القراءة على الشيخ

- ‌القسم الثاني: الإجازة

- ‌القسم الثالث: الوجادة

- ‌حكم التحديث وجادة في الصحة والضعف:

- ‌المبحث الثالث:صيغة العنعنة وما يجري مجراها

- ‌المبحث الرابع:مسائل متفرقة في اتصال الإسناد

- ‌المسألة الثانية:رموز صيغ الأداء

- ‌المسألة الرابعة:المرسل إذا علمت فيه الواسطة

- ‌الباب الثانينقد النقلة

- ‌الفصل الأولحكم نقد النقلةوصفة الناقد

- ‌المبحث الأول:حكم نقد الراوي

- ‌المبحث الثاني:صفة الناقد

- ‌المبحث الثالث:نماذج لأعيان من يعتمد قوله في نقد الرواة

- ‌الفصل الثانيتفسير التعديل

- ‌المبحث الأول:معنى العدالة

- ‌لا يصلح عد الصغائر مفسقات

- ‌المبحث الثاني:الدليل على اشتراط عدالة الناقل لقبول خبره

- ‌المبحث الثالث:طريق إثبات عدالة الراوي

- ‌ مسائل:

- ‌المسألة الأولى: هل ارتفاع الجهالة إثبات للعدالة

- ‌المسألة الثانية: معنى وصف الراوي بالشهرة

- ‌المبحث الرابع:معنى الضبط

- ‌النوع الأول: حفظ الصدر

- ‌كيف يثبت حفظ الراوي

- ‌النوع الثاني: حفظ الكتاب

- ‌المبحث الخامس:كيف يعرف الضبط

- ‌المبحث السادس:حكم تحمل الحديث في الصغر

- ‌المبحث السابع:حكم الرواية بالمعنى

- ‌المذهب الأول: جواز الرواية بالمعنى

- ‌المذهب الثاني: التمسك باللفظ

- ‌ مسائل:

- ‌المسألة الثالثة: إحالة الرواية على سياق مذكور:

- ‌المبحث الثامن:مسائل متممة لركن الضبط

- ‌المسألة الثانية: حكم رواية الضرير

- ‌المبحث التاسع:أصول في تعديل الرواة

- ‌الأصل الثاني: هل يتوقف قبول التعديل على العلم بأسبابه

- ‌الأصل الخامس: درجات العدول متفاوتة

- ‌الأصل السادس: هل رواية الثقة عن رجل تعديل له

- ‌الأصل السابع: تصحيح الناقد لإسناد حديث، هل يفيد تعديلاً منه لرواته

- ‌ عمل الناقد بحديث الراوي، وذهابه إلى مقتضاه

- ‌الأصل التاسع: قول الناقد: (إن كان هذا فلاناً فهو ثقة)

- ‌الأصل العاشر: أكثر رواة العلم ثقات

- ‌المبحث العاشر:تحرير القول في تعديل جماعةمن المتقدمين تنازعهم الناس

- ‌طريقة العجلي:

- ‌طريقة أبي بكر بن خزيمة:

- ‌طريقة ابن حبان:

- ‌طريقة الحاكم النيسابوري:

- ‌طريقة ابن عبد البر:

- ‌المبحث الحادي عشر:تحرير القول في عدالة الصحابة

- ‌ضبط الصحابي:

- ‌مسائل في عدالة الصحابة:

- ‌المسألة الأولى: الرجل يختلف في صحبته، فيقدح فيه بعض من لا يثبتها له:

- ‌المسألة الثالثة: تحرير القول في جهالة الصحابي

- ‌الفصل الثالثتفسير الجرح

- ‌تمهيد:في معنى الجرح

- ‌المبحث الأول:صور الجرح غير المؤثر

- ‌الصور الأولى: استعمال المباحات، أو ما يختلف فيه الاجتهاد حلاًّ وحرمة

- ‌الصورة الثانية: ما يعود الجرح فيه إلى طريق التلقي، والجارح اعتمد فيه المذهب المرجوح

- ‌الصورة الثالثة: الجرح بسبب التحمل في الصغر

- ‌الصورة الرابعة: ما يعود إلى جحد الشيخ أن يكون حدث بالحديث، أو تركه القول بمقتضاه

- ‌الصورة الخامسة: الرواية عن المجروحين والمجهولين

- ‌الصورة السادسة: الجرح والتدليس

- ‌المبحث الثاني:تحرير القول فيما يسلب العدالة

- ‌السبب الأول: الفسق

- ‌السبب الثاني: الكذب، والتهمة به

- ‌أثر التوبة من الكذب في الحديث:

- ‌الكذب في حديث الناس:

- ‌كتابة أحاديث الكذابين والمتهمين بالكذب للتمييز:

- ‌السبب الثالث: سرقة الحديث

- ‌السبب الرابع: البدعة

- ‌مذاهب أهل العلم في رد حديث أهل البدع أو قبوله:

- ‌السبب الخامس: الجهالة

- ‌المبحث الثالث:تحرير عود ما يسلب الضبطإلى سوء حفظ الراوي

- ‌القسم الأول: الوهم والغلط بمقتضى الجبلة

- ‌الوهم والغلط يقع بأسباب:

- ‌أولها: المخالفة في الأسانيد

- ‌ثانيها: وصل المراسيل

- ‌ثالثها: رفع الموقوف

- ‌رابعها: الجمع بين الرواة في سياق واحد وحمل حديث بعضهم على بعض

- ‌خامسها: قبول التلقين

- ‌سادسها: التصحيف إذا حدث من كتبه

- ‌القسم الثاني: ما يرجع من سوء الحفظإلى تساهل الراوي

- ‌المبحث الرابع:متى يترك حديث الراوي

- ‌المبحث الخامس:درجات سوء الحفظ

- ‌المبحث السادس:مسائل تتصل بالجرح بسوء الحفظ

- ‌المبحث السابع:أصول في جرح الرواة

- ‌الفصل الرابعتفسير الجهالة

- ‌المبحث الأول:من هو الراوي المجهول

- ‌القسم الأول: جهالة عين

- ‌القسم الثاني: جهالة حال

- ‌المبحث الثاني:جهالة الراوي سبب لرد حديثه

- ‌المبحث الثالث:أصول في الراوي المجهول

- ‌المبحث الرابع:تحرير القول في الرواة المسكوت عنهم

- ‌الفصل الخامستعارض الجرح والتعديل

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول:مقدمات ضرورية لتحقيق القولفي الراوي المختلف فيه

- ‌المقدمة الأولى: أهلية الناقد لقبول قوله

- ‌المقدمة الثانية: التحقق من ثبوت الجرح أو التعديل عن الناقد المعين

- ‌المقدمة الثالثة: منع قبول صيغة الجرح أو التعديل التي لا تنسب إلى ناقد معين

- ‌المقدمة الرابعة: مراعاة ميول الناقد المذهبية في القدح في النقلة

- ‌المقدمة الخامسة: اعتبار بشرية الناقد في تأثيرها في إطلاق الجرح أو التعديل

- ‌المقدمة السادسة: وجوب اعتبار مرتبة الناقد مقارنة بمخالفة

- ‌المقدمة السابعة: ملاحظة مذهب الناقد فيما يراه جرحاً، ومذهبه فيه مرجوح

- ‌المقدمة الثامنة: التحقق من آخر قولي أو أقوال الناقد في الراوي، إن كان قد اختلف عليه

- ‌المقدمة التاسعة: مراعاة دلالة ألفاظ الجرح والتعديل

- ‌المقدمة العاشرة: التحقق من كون العبارة المعينة قيلت من قبل الناقد في ذلك الشخص المعين

- ‌المقدمة الحادية عشرة: التحقق من لفظ المنقولة عن الناقد

- ‌المقدمة الثانية عشرة: التيقظ إلى ما يقع أحياناً من المبالغة في صيغة النقد

- ‌المقدمة الثالثة عشرة: قد تطلق العبارة لا يراد ظاهرها

- ‌المبحث الثاني:تحرير منع تقديم الجرح على التعديل إلا بشروط

- ‌الشرط الأول:أن يكون مفسراً، ولو من ناقد واحد

- ‌الشرط الثاني:أن يكون جرحاً بما هو جارح

- ‌الشرط الثالث:أن لا يكون الجرح مردوداً من ناقد آخر بحجة

- ‌المبحث الثالث:تنبيهات حول تعارض الجرح والتعديل

- ‌التنبيه الأول: ترك التعديل عند ظهور الجرح لا يقدح في شخص المعدل أو علمه

- ‌التنبيه الثاني: الجرح لمن استقرت عدالته وثبتت إمامته مردود

- ‌التنبيه الثالث: تقديم الجرح عند اجتماع الشروط لا يلزم منه السقوط بالراوي

- ‌التنبيه الخامس: الراوي يختلف فيه جرحاً وتعديلاً، وهو قليل الحديث

- ‌الفصل السادسمراتب الرواةوتفسير عبارات الجرح والتعديل

- ‌المبحث الأول:مراتب الرواة

- ‌المرتبة الأولى: الاحتجاج

- ‌المرتبة الثانية: الاعتبار

- ‌المرتبة الثالثة: السقوط

- ‌المبحث الثاني:تفسير عبارات الجرح والتعديل

الفصل: ‌الشرط الأول:أن يكون مفسرا، ولو من ناقد واحد

‌المبحث الثاني:

تحرير منع تقديم الجرح على التعديل إلا بشروط

التأصيل: أن من ثبت تعديله من ناقد عارف، فالواجب منع المصير إلى خلافه إلا بحجة.

والتحقيق من مذاهب أهل العلم: أن الجرح الثابت عن الناقد العارف متروك حتى تجتمع فيه شروط ثلاثة:

‌الشرط الأول:

أن يكون مفسراً، ولو من ناقد واحد

الجرح المجمل: هو اللفظ ظاهره القدح، لكن لم يبين وجهه، ولم يشرح سببه، كقول الناقد في راو:(ضعيف)، أو (ليس بشيء)، أو (متروك)، أو استعماله عبارة من العبارات النادرة الاستعمال، كقوله:(ارم به)، أو يسأل عن الراوي، فيشير بيده، أو لسانه، أو يحرك رأسه.

كما لا عبرة بعدد المعدلين والجارحين على التحقيق، وما يسلكه بعض المنتسبين لهذا العلم من المتأخرين من حساب عدد من جرح ومن عدل، فيصير إلى الراجح بالعدد، فمذهب ضعيف لا يقوم على أصول هذا العلم.

ص: 541

فالتأصيل: أن الجرح ولو كان من واحد في مقابل تعديل الجمع، إذا سلم كونه قادحاً، قدم على التعديل، لأن الجارح بما هو قادح بمنزلة زيادة العلم من الثقة، فالجارح قد اطلع على ما يخرج ذلك الراوي عن محل السلامة في العدالة أو الضبط، إلى حيز الجرح والقدح (1)، دون أن يكون لمجرد العدد تأثير في ذلك.

فإن قلت: لم لا يقدح الجرح مطلقاً ما دام صادراً من ناقد عارف، بناء على أن التعديل إنما جاء على وفاق الأصل، الذي هو السلامة من الجرح، والجرح زيادة علم جاء به الناقد، والأصل أن هؤلاء الناقد لما عرف من درايتهم بالنقلة، فهم يعنون ما يقولون، لا يطلقون عبارة الجرح إلا أن تكون جارية على اعتبارهم أسباب الجرح القادح المؤثر؟

فالجواب: الاشتباه واقع فيما يرد على لفظ الجرح من الاحتمال بسبب الإجمال، مع صحة وقوع المثال من قبل النقاد أنفسهم أنهم ربما أطلقوا اللفظ ظاهره الجرح، ويحتمل وجهاً غير معارض للتعديل، كما أن أحدهم ربما جرح بغير جارح، أو بلغه سبب الجرح عن غيره فبنى عليه، أو خرج منه مخرج الغضب والانفعال.

قال أبو الطيب الطبري: " لا يقبل الجرح إلا مفسراً، وليس قول أصحاب الحديث: (فلان ضعيف) و (فلان ليس بشيء) مما يوجب جرحه ورد خبره، وإنما كان كذلك، لأن الناس اختلفوا فيما يفسق به، فلا بد من ذكر سببه؛ لينظر: هل هو فسق أم لا؟ ".

قال الخطيب: " وهذا القول هو الصواب عندنا، وإليه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده، مثل: محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وغيرهما "(2).

(1) وانظر: الكفاية، للخطيب (ص: 175 _ 177).

(2)

الكفاية، للخطيب (ص: 179).

ص: 542

ومن أمثلته المؤكدة لوجوب تحقق هذا الشروط:

ما رواه عباس الدوري في (بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي)، قال: سمعت يحيى (يعني ابن معين) يقول: حدث يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق فقال: رأيت بريدة بن سفيان يشرب الخمر في طريق الري.

قال الدوري: " والذي يظن ببريدة بن سفيان أنه شرب نبيذاً، فرآه محمد بن إسحاق فقال: رأيته يشرب خمراً، وذاك أن النبيذ عند أهل المدينة ومكة خمر، لا أنه يشرب خمراً بعينها إن شاء الله، فهذا وجه الحديث عندي "(1).

قلت: وكأن الجوزجاني استعمل هذه الحكاية للطعن عليه حين قال: " مغموص عليه في دينه "(2)، فزاد الجرح إبهاماً، فتأمل!

وقال يحيى القطان: " كان محمد بن سيرين لا يرضى حميد بن هلال "(3).

فقال ابن عدي: " لحميد بن هلال أحاديث كثيرة، وقد حدث عنه الناس والأئمة، وأحاديثه مستقيمة، والذي حكاه يحيى القطان أن محمد بن سيرين لا يرضاه لا أدري ما وجهه، فلعله كان يرضاه في معنى آخر ليس الحديث، فأما في الحديث فإنه لا بأس به وبروايته "(4).

والأمر كما قال ابن عدي، وذلك المعنى الآخر غير الحديث بينه أبو حاتم الرازي بقوله:" دخل في شيء من عمل السلطان، فلهذا كان لا يرضاه، وكان في الحديث ثقة "(5).

(1) تاريخ يحيى (النص: 268، 1923) وعنه في: الكامل (2/ 243) ومعرفة علوم الحديث، للحاكم (ص: 72).

(2)

الكامل (1/ 243).

(3)

الجرح والتعديل (1/ 2 / 230).

(4)

الكامل (3/ 81).

(5)

الجرح والتعديل (1/ 2 / 230).

ص: 543

وقال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد القطان عن (الربيع بن عبد الله بن خطاف)، وقلت له: إن عبد الرحمن بن مهدي يثنى عليه، فقال:" أنا أعلم به "، وجعل يضرب فخذه تعجباً من عبد الرحمن، وقال:" لا ترو عنه شيئاً "، فقلت: لا أروي عنه حديثاً أبداً (1).

قلت: فهذا جرح مجمل، لم يذكر يحيى له سبباً، وتسليمه له مع قيام المعارض، وهو التعديل لا يصح.

قال ابن عدي: لم أر له حديثاً يتهيأ لي أن أقول من أي جهة أنه ضعيف، والذي يرويه عن الحسن وابن سيرين إنما هي مقاطيع " (2).

وتبين أن العلة التي تكلم لأجلها فيه يحيى هي مظنة أنه كان يذهب إلى القول بالقدر.

بين ذلك ما نقلة علي بن المديني قال: سألت عبد الرحمن بن مهدي عنه؟ فقال: " كان عندي ثقة في حديثه "، قلت لعبد الرحمن: كان يرى القدر؟ قال: " كان يجالس عمرو بن فائدٍ يوم الجمعة "(3).

ومما يبين ضرورة تفسير سبب الجرح وقوع الحالات التالية:

أولاً: أن الكلام في الراوي قد يكون بسبب منكرات جاءت من طريقة، ليس الحمل فيها عليه، إنما على مجروح أو مجهول غيره في الإسناد فوقه أو دونه.

فتكلمت طائفة من النقاد في (بقية بن الوليد)، وذلك في التحقيق لشهرته بكثرة الرواية عن المتروكين والمجهولين، حتى أضر ذلك به عند طائفة.

(1) الجرح والتعديل (1/ 2 / 466) والضعفاء للعُقيلي (2/ 49) والكامل (4/ 43).

(2)

الكامل (4/ 43)، ويعني بقوله:(مقاطيع) أي مقطوعات، يعني كلامَ الحسن وابن سيرين، وليست أحاديث مرفوعة، أو آثاراً موقوفة.

(3)

الضعفاء، للعُقيلي (2/ 49)، وابنُ فائد هذا كانَ يذهب مذهب المعتزلة في القدر.

ص: 544

قال الدارقطني: " يروي عن قوم متروكين، مثل مجاشع بن عمرو، وعبد الله بن يحيى، ولا أعرفه، ولا أعلم له راوياً غير بقية "(1).

قال ابن عدي: " إذا روى عن المجهولين، فالعدة عليهم، والبلاء منهم لا منه "(2).

ومن أمثلته: ما حكاه أبو حاتم الرازي في (عثمان بن أبي العاتكة): سمعت دحيماً يقول: " لا بأس به، ولم ينكر حديثه عن غير علي بن يزيد، والأمر من علي "، فقيل له: إن يحيى بن معين يقول: الأمر من القاسم أبي عبد الرحمن، فقال:" لا ".

قلت: ودحيم المرجع في رواة الشاميين، وعثمان هذا منهم، ولذا قال أبو حاتم:" لا بأس به، بليته من كثرة روايته عن علي بن يزيد، فأما ما روي عن عثمان عن غير علي بن يزيد فهو مقارب، يكتب حديثه "(3).

وقال الذهبي في (أبي الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمذاني): " ليس بثقة، بل متهم يأتي بمصائب "(4)، فعارض قول الحافظ شيرويه الديلمي:" كان ثقة صدوقاً عالماً زاهداً، حسن المعاملة، حسن المعرفة بعلوم الحديث "(5).

وتبين أن التهمة بالكذب حكاها ابن الجوزي فقال: " ذكروا أنه كان كذاباً، ويقال: إنه وضع صلاة الرغائب " ونقل عن أبي الفضل بن خيرون قوله: " قد تكلموا فيه "(6).

(1) سؤالات السلمي للدارقطني (النص: 89).

(2)

الكامل (2/ 276).

(3)

الجرح والتعديل (3/ 1 / 163).

(4)

سيَر أعلام النبلاء (17/ 276)، ومعناه في " الميزان "(3/ 142).

(5)

من كتابه " طبقات الهَمذانيين "، نقله عنه الرافعي في " تاريخ قزوين "(3/ 370) وابنُ حجر في " اللسان "(4/ 277).

(6)

المنتظم، لابن الجوزي (15/ 161).

ص: 545

وهذا الطعن متهافت، فمن ذا كذبه، فالجرح لا يقبل من مجهول، والتهمة بوضع صلاة الرغائب جاءت من جهة أنه روى الحديث فيها، لكنه لم يكن سوى ناقل، وعلتها ممن فوقه، فإسنادها مجهول (1).

وكثير من الثقات رووا عن المجهولين والضعفاء والمتهمين ما هو منكر أو كذب، وما لحقهم الجرح بسببه، إنما التهمة لمن يعرف من رجاله بالعدالة.

وتفطن إلى صورة تقابل هذه، وهي: أن يكون الراوي عن المتكلم فيه مجروحاً، فيروي عنه منكرات، والحمل فيه على ذلك المجروح.

كما قال الدارقطني في (سماك بن حرب): " إذا حدث عنه شعبة والثوري وأبو الأحوص فأحاديثهم عنه سليمة، وما عن شريك بن عبد الله وحفص بن جيمع ونظرائهم ففي بعضها نكارة "(2).

وكما قال ابن عدي في (ثابت بن أسلم البناني): " هو من ثقات المسلمين، وما وقع في حديثه من النكرة فليس ذلك منه، إنما هو من الراوي عنه؛ لأنه قد روى عنه جماعة ضعفاء ومجهولون، وإنما هو في نفسه إذا روى عمن هو فوقه من مشايخه فهو مستقيم الحديث ثقة "(3).

وذكر ابن عدي جماعة من الرواة، عيبهم من هذا الباب، فذب عنهم، وحمل النكارة في أحاديث جاءت عنهم على أنها من قبل الأسانيد إليهم (4).

ثانياً: قد يكون الجرح من أجل الخطأ في حديث معين، فيطلق الناقد العبارة في الراوي، وليس الأمر كما قال، بل الإنصاف أن يقيد الجرح بما أخطأ فيه خاصة، ويحتج به فيما سوى ذلك.

(1) انظر تعليقي على كتاب أبي القاسم بن منده: " الرد على من يقول (الم) حرف "(ص: 39).

(2)

سؤالات السلمي (النص: 158).

(3)

الكامل (2/ 308).

(4)

فانظر مثلاً: الكامل (3/ 73) ترجمة (حُميد بن قيس الأعرج)، و (4/ 161) ترجمة (زيد بن رُفيع).

ص: 546

مثاله: عبد الرحمن بن نمر الشامي، روى عن الزهري ومكحول، وروى عنه الوليد بن مسلم وسليمان بن كثير.

قال فيه يحيى بن معين: " ابن نمير ضعيف في الزهري "(1).

وهذا الجرح تبين أنه كان من أجل حديث معين، أورده ابن عدي من طريقه عن الزهري عن عروة بن الزبير، أنه سمع مروان بن الحكم يقول: أخبرتني بسرة بنت صفوان الأسدية أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من مس الذكر، والمرأة مثل ذلك.

ثم قال ابن عدي: " هذا الحديث بهذا الزيادة التي ذكر في متنه: والمرأة مثل ذلك، لا يرويه عن الزهري غير ابن نمر هذا ".

قال: " له عن الزهري غير نسخة، وهي أحاديث مستقيمة .. وقول ابن معين: هو ضعيف في الزهري، ليس أنه أنكر عليه في أسانيد ما يرويه عن الزهري، أو في متونها، إلا ما ذكرت من قوله: والمرأة مثل ذلك، وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء "(2).

وأقول: بل ذهب ناقد أهل الشام دحيم إلى تصحيح حديثه عن الزهري، كما قال الخبير بحديث الزهري الحافظ محمد بن يحيى الذهلي بعد أن أطلق ثقته:" لا تكاد تجد لا بن نمر حديثاً عن الزهري إلا ودون الحديث مثله يقول: سألت الزهري عن كذا؟ فحدثني عن فلان وفلان، فيأتي بالحديث على وجهه "(3).

على أنه من الجائز أن تكون تلك الزيادة التي أجلها ضعفه ابن معين على ما بينه ابن عدي مدرجة من قول الزهري ورأيه، والزهري

(1) تاريخه (النص: 1164) وفي سؤالات ابنِ الجنيد (النص: 140): " ضعيف الحديث ".

(2)

الكامل (5/ 477، 478).

(3)

تهذيب التهذيب، لابن حجر (2/ 561).

ص: 547

معروف بمثل ذلك يدرج في المتون التفسير والرأي، خصوصاً مع مراعاة ما ذكره الذهلي من أنه كان يسأل الزهري.

ثالثاً أن يكون الجرح عائداً إلى كون الراوي قد ضعف في شيخ معين، أو في حال معين، فهذا لا يصلح فيه قبول الجرح المطلق، بل يرد من حديثه القدر الذي ضعف فيه، ويحتج بما سواه من حديثه.

قال ابن القيم منبهاً على ما يقع من بعضهم الغلط فيه من مثل هذا: " أن يرى الرجل قد تكلم في بعض حديثه، وضعف في شيخ، أو في حديث، فيجعل ذلك سبباً لتعليل حديثه وتضعيفه أين وجده، كما يفعله بعض المتأخرين من أهل الظاهر وغيرهم، وهذا غلط، فإن تضعيفه في رجل أو في حديث ظهر فيه غلط لا يوجب التضعيف لحديثه مطلقاً، وأئمة الحديث على التفصيل والنقد واعتبار حديث الرجل بغيره، والفرق بين ما انفرد به أو وافق فيه الثقات "(1).

تنبيه:

مما يكون من قبيل الجرح المجمل: ذكر الراوي في كتب الضعفاء.

شأن جماعة من الثقات أوردهم ابن عدي والعقيلي في كتابيهما في الضعفاء.

فابن عدي في " الكامل " ذكر طائفة من أعيان الثقات، ممن حكم هو بأنهم من الثقات المتقنين، منهم: حبيب بن أبي ثابت، وثابت بن أسلم البناني، وأبو العالية الرياحي، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، وأبو نضرة العبدي، وعبد الله بن وهب المصري، وغيرهم.

(1) الفروسية (ص: 62).

ص: 548

وذكرهم من أجل كلام بعضهم فيه، وكان شرطه إيراد كل متكلم فيه ليذب عنه.

بل ذكر ابن عدي في (كتابه) بعض الصحابة لأجل الحديث الذي روي عنهم، لا لجرح فيهم، مثل: ذي اليدين، وزيد بن أبي أوفي، وسليك الغطفاني، وأبي الطفيل عامر بن واثلة.

وبين ابن عدي وجه ذلك فقال: " وكل من له صحبة ممن ذكرنا في هذا الكتاب، فإنما تكلم البخاري في ذلك الإسناد الذي انتهى فيه إلى الصحابي، أن ذلك الإسناد ليس بمحفوظ، وفيه نظر، لا أنه يتكلم في الصحابة، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لحق صحبتهم، وتقادم قدمهم في الإسلام، لكل واحد منهم في نفسه حق وحرمة؛ للصحبة، فهم أجل من أن يتكلم أحد فيهم "(1).

وكذا أورد العقيلي في (كتابه) جماعة وهم من المتقنين: أمية بن خالد القيسي، وجرير بن عبد الحميد الضبي، وعلي بن مسهر، وعلي بن المديني، وغيرهم.

ومع اشترط الذهبي في " الميزان " استقصاء من تكلم فيه، وإن كان من الثقات المتقنين؛ لإبطال دعوى الجرح فيهم، إلا أنه تحاشى ذكر أحد من الصحابة، وقال في بيان شرطه:" إلا ما كان في كتاب البخاري وابن عدي وغيرهما من الصحابة، فإني أسقطهم؛ لجلالة الصحابة، ولا أذكرهم في هذا المصنف؛ فإن الضعف إنما جاء من جهة الرواة إليهم "(2).

قلت: وطريقة الذهبي أجود.

(1) الكامل (4/ 163).

(2)

ميزان الاعتدال (1/ 2).

ص: 549