الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس:
تفسير طبقة الصحابة
الصحابي مبتدأ الإسناد، وحلقة الوصول الضرورية فيه، وتحديد معناه وتوضيح المراد به أساس تمييز سائر الطبقات.
وقد اختلف المتقدمون في تحديد المراد بـ (الصحابي)، فمن المنقول فيه ما يلي:
1 _
روي عن سعيد بن المسيب: " الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين ".
قلت: وهذا لا يثبت عن ابن المسيب (1).
2 _
وقال عاصم بن سليمان الأحول: عن عبد الله بن سرجس: أنه رأى الخاتم الذي بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن له صحبة (2).
(1) أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 99) بإسناده إلى محمد بن سعْد بكتاب " الطبقات " لكني لم أجد النص فيه، قال ابن سعد: عن الواقدي محمد بن عُمر، قال: أخبرني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: كان سعيد بن المسيب يقول، فذكره.
قلت: الواقدي ليس بعُمدةٍ، وشيخه طلحة مجهول.
(2)
أخرجه أحمد (34/ 372، 375 رقم: 20774، 20779) ومن طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 98) وإسناده صحيح.
قلت ذهب عاصم إلى أن ابن سرجس وإن رأى النبي صلى الله عليه وسلم فليس بصحابي، من أجل أنه اعتبر في الصحبة الملازمة لبعض الوقت.
3 _
وروي عن أحمد بن حنبل، قال: " كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه، فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه، وسمع منه، ونظر إليه (1).
4 _
وقال البخاري: " من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه "(2).
قال ابن حجر: " هذا الذي ذكره البخاري هو الراجح "، وقال:" هو قول أحمد والجمهور من المحدثين "(3).
قلت: ويشير قوله: (الراجح) إلى ما ذهب إله بعض السلف كالذي تقدم عن عاصم الأحول، إلى عدم إطلاق الصحبة إلا على الصحبة العرفية، وهي أن يرافقه مدة.
وقال ابن حجر: " ويرد على التعريف: من صحبه أو رآه مؤمناً به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعد إلى الإسلام، فإنه ليس صحابياً اتفقا، فينبغي أن يزاد فيه: ومات على ذلك "(4).
وقال ابن حجر: " أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام "(5).
(1) هذا من قول أحمد في " رسالة عبدوس بن مالك العطار " عنه، ومنها أخرج الخطيب هذا النص في " الكفاية " (ص: 99) وهذه الرسالة رُويت كذلك مُفردةً عن أحمد، كما أخرجها ابنُ أبي يعلى في " طبقات الحنابلة "(1/ 241 _ 246)، وفي إسنادها من لم يُعرف بجرحٍ أو تعديل، ولا أجزم بصحتها عن أحمد، لكن لا بأس في الاعتبار بما فيها.
(2)
صحيح البخاري (3/ 1335)، وأخرجه من طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 99).
(3)
فتح الباري (7/ 3، 4)، ومعناه في " الإصابة "(1/ 8).
(4)
فتح الباري (7، 4).
(5)
الإصابة (1/ 7).
وفيمن يدخل في التعريف قال: " فيد خل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو عنه، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يراه لعارض كالعمى "(1).
قلت: ومن أهل العلم من ذهب إلى التوسع فيمن يدخل في جملة الصحابة، حتى قال: يدخل فيهم الجن الذين أسلموا ممن ينطبق عليه تعريف الصحابي.
وهذا ليس مما له فائدة هنا، فإن تحديد المراد بالصحابي في هذا الموضع إنما هو فيمن روى العلم، وكان له شخصية محددة، أما: هل يدخل في الصحابة مسلمو الجن الذين استمعوا القرآن، أو بعض الملائكة، فهذا مما لا ينبغي عليه عمل، ولا يحقق مصلحة، ولا يُنْتهى فيه إلى شيء بين.
نعم؛ رأيت الطبراني أخرج في " معجمه الكبير " حديثاً عن رجل من الجن، فقال: حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي، حدثنا أحمد بن سعد بن أبي مريم، حدثنا عثمان بن صالح، حدثني بن صالح، حدثني عمرو الجني، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة النجم، فسجد، فسجد، فسجت معه (2).
قلت: وهذا خبر غريب جداً، بل منكر، وعثمان بن صالح هو المصري، من أصحاب عبد الله بن وهب، ومن شيوخ البخاري، وهو من طبقة تبع أتباع التابعين، ولو صححنا كونه من التابعين بمثل هذا لروايته عن جني له صحبة، لاضطرب عندنا مقياس الطبقات، ولصار به عامة من روى عنه من أتباع التابعين، وليس هذا محل إشكال إن ثبت، مع شدة غرابته، وإنما الشأن أن عثمان إن صح هذا إليه (3)، فإنه وإن كان صدوقاً انتقى له
(1) الإصابة (1/ 7).
(2)
المعجم الكبير (17/ 45)، ومن طريقه: أخرجه ابن نُقطة في " تكملة الإكمال "(2/ 166).
(3)
إذ شيخُ الطبراني لم أعرفه بجرْحِ ولا تعديل.