الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك منه ترك حديثه أوجب ذلك ترك حديث سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وأمثالهم من التابعين؛ لأنهم كانوا يفعلون ذلك " (1).
وتكلم شعبة بن الحجاج في (عوف بن أبي جميلة الأعرابي) بمثل ذلك.
قال يحيى القطان: قال لي شعبة في أحاديث عوف عن خلاس عن أبي هريرة، ومحمد بن سيرين عن أبي هريرة إذا جمعهم، قال لي شعبة:" ترى لفظهم واحد؟ "، قال ابن حاتم: كالمنكر على عوف (2).
قلت: يحتمل فعل مثل هذا من راو متقن؛ لأن إتقانه حائل دون خالط، مثل الزهري، على قلته منه، أما من يكثر من ذلك ويتبين الغلط في روايته بسببه، كليث بن أبي سليم، فيكون ذلك دليلاً على ضعفه.
و
خامسها: قبول التلقين
.
وهذا حين يكون الشيخ قد استولت عليه الغفلة، فيقال له: حدثك فلان بكذا، فيما هو من حديثه وما ليس من حديثه، وهو لا يميز، فيحدث به على أنه من حديثه.
ومن أمثلة هؤلاء الذين جرحوا بقبول التلقين:
(عبد الحميد بن إبراهيم الحضرمي أبو تقي الحمصي)، قال الحافظ
(1) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (1/ 154).
وساق الخليلي في " الإرشاد "(1/ 417 _ 418) محاورة بينه وبين بعض الحفاظ في شأن حماد بن سلمة، فقال: " ذاكرت يوما بعض الحفاظ، فقلت: البخاري لم يخرج حماد بن سلمة في (الصحيح) وهو زاهد ثقة؟ فقال: لأنه جمع بين جماعة من أصحاب أنس، فيقول: حدثنا قتادة وثابت وعبد العزيز بن صهيب، وربما يخالف في بعض ذلك.
فقلت: أليس ابن وهب اتفقوا عليه، وهو يجمع بين أسانيد، فيقول: حدثنا مالك وعمرو بن الحارث والليث بن سعد والأوزاعي، بأحاديث، ويجمع بين جماعة غيرهم؟
فقال: ابن وهب أتقن لما يرويه وأحفظ له ".
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في " تقدمه الجرح والتعديل "(ص: 147) بإسناد صحيح.
محمد بن عوف الحمصي: " كان شيخاً ضريراً لا يحفظ، وكنا نكتب من نسخة الذي كان عند إسحاق بن زبريق لا بن سالم، فنحمله إليه ونلقنه، فكان لا يحفظ الإسناد، ويحفظ بعض المتن، فيحدثنا، وإنما حملنا الكتاب عنه شهوة الحديث "(1).
وقال أبو حاتم الرازي: " ذكر أنه سمع كتب عبد الله بن سالم عن الزبيدي (2)، إلا أنها ذهبت كتبه فقال: لا أحفظها، فأرادوا أن يعرضوا عليه، فقال: لا أحفظ، فلم يزالوا به حتى لان، ثم قدمت حمص بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة، فإذا قوم يروون عنه هذا الكتاب، وقالوا: عرض عليه كتاب ابن زبريق، ولقنوه، فحدثهم بهذا، وليس هذا عندي بشيء، رجل لا يحفظ، وليس عنده كتب "(3).
ومنهم (سفيان بن وكيع بن الجراح)، قال ابن عدي:" بلاؤه أنه كان يتلقن ما لقن، ويقال: كان له وراق يلقنه من حديث موقوف فيرفعه، وحديث مرسل فيوصله، أو يبدل في الإسناد قوماً بدل قوم "(4).
وقد كان بعض نقاد المحدثين يستعملون هذا طريقاً لتبين حفظ الراوي، مثل ما حكاه أبو المنذر يحيى بن المنذر الكوفي قال: كنا بمكة، فقدم علينا عطاء بن عجلان البصري، فأخذ في الطواف، فجاء غياث بن إبراهيم وكدام بن مسعر وآخر قد سماه، فجعلوا يكتبون حديث عطاء، فإذا مروا بعشرة أحاديث أدخلوا حديثاً من غير حديثه، حتى كتبوا أحاديث وهو يطوف، فقال لهم حفص بن غياث: ويلكم؛ اتقوا الله، فانتهروه وصاحوا
(1) الجرح والتعديل (3/ 1 / 8).
(2)
هوَ مُحمد بن الوليد.
(3)
الجرح والتعديل (3/ 1 / 8)، وانظر: الجرح والتعديل (2/ 1 / 232) في شأن ما أدْخله عليه ورَّاقه.
(4)
الكامل (4/ 482).
به، فلما فرغ كلموه أن يحدثهم، فأخذ الكتاب فجعل يقرأ، حتى انتهى إلى حديث فمر فيه فقرأه قال: فنظر بعضهم إلى بعض، ثم قرأ حتى انتهى إلى الثالث، فانتبه الشيخ واستضحكوا، قال: فقال لهم: إن كنتم أردتم شيني فعل الله بكم وفعل (1).
وهل إطلاق العبارة على الراوي بقبول التلقين يسلم قادحاً فيه؟
يقع قبول التلقين للراوي إما بسبب الغفلة، أو التساهل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فمن عرف عنه ذلك من الرواة، فلا يخلو من أن تكون هذه البلية عرضت عليه بعد حفظ وإتقان، أو لم يعرف أصلاً بالحفظ، فإن كان من النوع الأول وتميز حديثه الذي كان يحفظ من حديثه الذي لقن فيه، قبل ما حفظه ورد ما لقن فيه، وإن لم يتميز رد جميع حديثه، وأما من لزمه هذا الوصف ولم يعرف بضبط أصلاً فكل حديثه مردود من طريقه.
فقبول التلقين قد يصير الرجل متروك الحديث ليس بثقة، وذلك إذا تلقن الحديث الموضوع وحدث به، كما وقع لمثل (محمد بن معاوية النيسابوري)، قال أبو زرعة الرازي:" كان شيخاً صالحاً، إلا أنه كلما لقن يلقن، وكلما قيل: إن هذا من حديثك، حدث به، يجيئه الرجل فيقول: هذا من حديث معلى الرازي، وكنت أنت معه، فيحدث بها على التوهم ".
قلت: فأضر ذلك به حتى قال أحمد بن حنبل: "رأيت أحاديثه أحاديث موضوعة "، بل اتهمه يحيى بن معين فقال:" كذاب "(2).
كما قد يكون في حديثه ما يدل على رواية المنكر، وكان قبول التلقين من أسباب ذلك، مثل ما حكى ابن حبان عن عفان بن مسلم قال: كنت أسمع الناس يذكرون قيساً (يعني ابن الربيع) فلم أدر ما علته، فلما قدمنا
(1) أخرجه العُقيلي في " الضعفاء "(3/ 402) بإسناد صحيح، ونقله المزي في " تهذيب الكَمال "(20/ 97).
(2)
الجرح والتعديل (4/ 1 / 103 _ 104).