الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك الجرح، لا يطلب له غير كفاءة الناقد.
ولا فرق في هذا بين كون الراوي روى عنه جمع أو لم يرو عنه إلا واحد ثقة، على التحقيق، كما سيأتي في (الأصل الثالث)، فإن العلم بشخصه وثبوت عينه مع سلامة حديثه من الضعف كاف للناقد أن يحكم بثقته، ويعتمد في ذلك قوله.
الأصل الثاني: هل يتوقف قبول التعديل على العلم بأسبابه
؟
التحقيق من مذاهب أهل العلم أن التعديل لا يطلب فيه الإبانة عن السبب؛ لأن أسباب الصلاح والضبط كثيرة يعسرها حدها، إذ هي خبرة به لا تقف عند صفة من صفاته لتذكر، بخلاف التجريح، فإن صفة واحدة قد تكون مؤثرة فيه قادحة.
فإذا قال الناقد: (فلان ثقة) كان قوله واجب القبول بهذا الإطلاق، وهو على معنى ثبوت عدالة وضبط ذلك الراوي جميعاً.
الأصل الثالث: الراوي إذا عرف شخصه من رواية ثقة واحد أو أكثر عنه، ولم يثبت عليه قادح في دينه، وسلم حديثه من المنكرات، فهو عدل ثقة يحتج بخبره.
هذا الأصل في التحقيق منهج عامة المتقدمين من أئمة الحديث في قبول أحاديث النقلة.
فإن الرجل إذا ارتفعت عندهم جهالة عينه، أجروا أمره على السلامة في الدين، ونظروا فيما روى، فحكموا عليه في إتقانه بحسب ما عرف من حديثه وما أنكر.
ووضوح هذا وشيوعه مستغن عن التدليل عليه بالمثال، فإنا نعلم بالضرورة أن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأقرانهم وأتباعهم من تلامذتهم ومن قرب منهم ومن بعدهم، قد تكلموا في الرواة من التابعين
وأتباعهم، ولم يدركوهم، ولم يبلغهم من أخبارهم في الغالب إلا تلك الأحاديث التي رويت عنهم من طرق الثقات، فحكموا على أولئك النقلة من خلال فحص مروياتهم، فمن سلم حديثه من النكارة وثقوه، أو حكموا عليه بوصف من أوصاف القبول، ومن ثبتت نكارة حديثه جرحوه بما يناسبه بحسب تلك النكارة.
فحديث الراوي كان الطريق إلى تمييز حاله في الرواية.
فإن أردت فهم ذلك منهم فتأمل جرحهم وتعديلهم للنقلة يتضح لك جلياً ما قلت، ومنهج الحافظ ابن عدي في " كامله " شرح لذلك المنهاج.
وأما العدالة في النفس فكانت تجرى على أصل السلامة، كما تقدم، فالراوي إذا لم يأت عنه ما يقدح في عدالته في دينه فهو عدل (1).
الأصل الرابع: من استقرت عدالته، وثبتت في الحديث إمامته، فهذا لا يشتغل في تتبع أمره؛ لم في ذلك من تحصيل ما هو حاصل، وإتعاب النفس بما ليس وراءه طائل.
وهذا مثل الأئمة: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، ولليث بن سعد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين.
(1) ورُوي عن الوَليد بن مسلم، عن عبد الله بن المبارك تفسير العدْل بمحضر سُفيان الثوري وغيره، قال:" من رضيه أهل العلم فكتبوا عنه حديثه، فهو عدْلٌ جائز الشهادة " فتبسم سُفيان الثوري. أخرجه ابن عدي في " الكامل "(1/ 193) وإسناده واهٍ؛ لكونه من رواية شيخ ابنِ عدي الحسن بن عثمان التستري، وهو متهم بالكذب. وهذا إن صحَّ فإنه يُثبت العدالة التي تُجيز الشهادة، فيبقى ذلك التعديل ناقصاً في شأن الرواية، ومُجرَّد كِتابة أهل العلم حديث الراوي لا يدلُّ على ثقته، فإنهم يكتبون حديث الراوي ليَعتبروا به، ويكتبونه ليميِّزوه.