الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الذهبي: " هذا كلام رديء، فغفر الله ليحيى، فالذي أعتقده أنا أن عبد الرحمن أعلم الرجلين وأفضل وأتقن، وبكل حال هما إمامان نظيران "(1).
المقدمة الثالثة عشرة: قد تطلق العبارة لا يراد ظاهرها
جرى في لسان العرب إطلاق لفظ الكذب على معناه المتبادر عند الإطلاق، الذي هو ضد الصدق، كما أنهم ربما أطلقوه على إرادة مجرد الخطأ.
وتكرر وقوعه بهذا المعنى في مواضع في المنقول عن السلف، ومن أمثلته:
ما حدث به أبو نهيك الأزدي:
أن أبا الدرداء كان يخطب الناس، فيقول: لا وتر لمن أدركه الصبح. قال فانطلق رجال إلى عائشة، رضي الله عنها، فأخبروها، فقالت: كذب أبو الدرداء، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر (2).
ومن هذا أنهم ربما أطلقوا على الراوي وصف (الكذب) وعنوا في رأيه ومذهبه، لا في حديثه وروايته.
(1) سير أعلام النبلاء (9/ 152).
(2)
حديث صحيح. أخرجه ابنُ نصْر في " كتاب الوتر "(ص: 306 _ 307) وابنُ عدي (1/ 124) _ ومن طريقه: البيْهقي في " الكبرى "(2/ 478 _ 479) _ من طريق أبي عاصم النبيل، حدثنا ابنُ جريج، أخبرني زِياد، أن أبا نَهيكٍ أخبره، به.
قلت: وهذا إسنادٌ صحيح، وزِياد، هوَ ابن سعْد.
كذلك أخرجه أحمد (6/ 242) من طريق روْح بن عُبادة، والطبراني في " الأوسط " (3/ 79 رقم: 2153) من طريق أبي عاصم، قالا: حدثنا ابنُ جريج بإسناده، لكن لم يذكر فيه اللفظة مَحل الشاهد:(كذب .. ).
وراوه عبد الرزاق في " المصنف "(3/ 11 رقم: 4603) عن ابن جريج، قال: أُخبرتُ عن أبي الدرداء، به.
قلت: ولا أثر لهذا، فقد بيَّن ابنُ جريج إسنادَه به لأبي عاصم وروْحٍ.
مثل: (تليد بن سليمان المحاربي الكوفي)، كان أحد من سمع منهم أحمد بن حنبل وأثنى عليه (1)، لكنهم نقموا عليه مذهبه في التشيع، وغلظ يحيى بن معين فيه العبارة حتى قال:" كذاب "، لكني بحثت عن سبب تكذيبه له، فوجدته قد أحاله على مذهبه لا على حديثه، إذ نص مقالة يحيى كما رواها عنه الدوري:" تليد كذاب، كان يشتم عثمان، وكل من يشتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دجال، لا يكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "(2).
فتأثرت طائفة جاءوا من بعد بعبارة يحيى، وليس الأمر كما ذهبوا إليه، إنما علته مما ذكرت، فتأمل !
* * *
(1) ووقع في كتاب " الكامل " لابن عدي (2/ 284): قال السعدي (يعني الجوزَجاني): سَمعتُ أحمد بن حنبل يقول: " حدثنا تليد بن سليمان، وهوَ عندي كانَ يكذب، وكان مُحمد بن عبيد يُسيءُ القول فيه "، ونظيرها حكى العُقيلي في " الضعفاء "(1/ 171) عن الجوزجاني.
وأقول: هكذا جاءت العبارة، وفيها تكذيبٌ صريحٌ من أحمد له، وجميع من نقل العبارة عن ابن عدي أو العقيلي فقد حكاها هكذا، والواقع أنه قد حُذف منها ما أفْسدها، بحيث أصْبح ذلك التكذيب من قول أحمد، بينما نصُّ العبارة في " أحوال الرجال " للجوزجاني (النص: 92): " سمعتُ أحمد بن حنبل يقول في كتابي: حدثنا تليد بن سُليمان الخُشني. قال إبراهيم: وهُو عندي كان يكذب، كان مُحمد بن عُبيد يُسيءُ القول فيه "، قلت: وإبراهيم هذا هو الجوزَجاني، فتأمل! ثم إننا حرَّرنا في هذا الكتاب أن الجوزجاني لا يُقبل جرْحه في أهل الكوفة.
قال المروذي عن أحمد: لم يَرَ به بأساً (العلل، للمروذي وغيره، النص: 189)، وروى عنه في " المسند " حديثاً (رقم: 9698) ولم يتفطن مُحققوه لما ذكرْت، فأطلقوا أن تليداً اتفقوا على ضَعفه، مع أنه عدَّله أيضاً غيرُ أحمد. وهذا مثال أيضاً لوجوب تحرير العبارة عن الناقد.
(2)
تاريخ يحيى بن معين (النص: 2670).